العدد 33

فهرس المحتويات:
الافتتاحية    مجلّة المحجّة
العلم الديني ومساحات الأنسنة
ارتباط العلوم الإنسانيّة بإرادة الإنسان لا بالعلوم والأمور الانتزاعيّة    حميد بارسانيا
ثلات نكات في ما يخصّ منهجيّة العلم الإسلامي    عادل پيغامي
تحدّيات وموانع تحوّل العلوم الإنسانية وتوليد العلوم الإنسانية الإسلامية     مسعود معينى بور
النموذج المعرفي وإنتاج العلوم    أحمد ماجد
العلوم المعاصرة ومعياريتها    حسن بدران
الإسلام ومشكلة العلم الحديث   حسين نصر
آراء المفكّرين الإيرانيّين في ما يخصّ العلم الدينيّ   حسين سوزنجي
إشكاليّة مستقبل الفلسفة الفلسفة بوصفها نوعًا من المحادثة    بتول الخنسا
منهج العلوم الإنسانية من وجهة نظر إسلامية    حميد بارسانيا
منهج العلوم الفطريّة    أحمد أبو ترابي
أسلمة العلوم عند الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي    حسن أمهز
دلالة الإيقاع في اللطميّة الشيعيّة والرقص الصوفي   غادة زقروبة

إفتتاحية العدد 33

افتتاحية العدد 33

معنى أن نتحدّث حول العلوم وأسلمتها؛ قد يعني عند المتلقّي أنّنا أمام تجربة لأدلجة المعرفة؛ أو قد يستلزم الإقرار بمحوريّة العلوم، الإنسانيّة منها أو التجريبيّة في الحياة الأكاديميّة والمجتمعيّة.

بلا شكّ، إنّ الاتجاهات العلمانيّة استبدلت كلّ علم ومعرفة لاهوتيّة أو كلاميّة – دينيّة بعلوم مشبَعة بنزعة أطلقوا عليها اسم “الأنسنة”. ولقد كان المطلوب من ذلك ردم الهوّة والفراغ الذي يمكن أن يتركه الإعلان عن موت الإله، ونهاية الدين، إلّا أنّ الحراك النهضوي الذي شهده العالم الإسلامي من عودة للحياة الدينيّة عبر بوابة “الإسلام” أعاد البوصلة باتجاه موقع الدين في الحياة العامّة للناس.

هذا الحراك وجد معوّقًا مجتمعيًّا خطيرًا أمامه، وهو: أنّ الوجدان العامّ للناس، وإن كان يركن إلى الدين، إلّا أنّ الناتج الذي ضخّته وما زالت المؤسّسات التعليميّة والأكاديميّة انبنى على معارف وقيم ومنهجيّأت معرفيّة وفلسفيّة وثقافيّة لا تتّصل بالوجدان الديني بصلة الوثاقة والعلاقة. ممّا جعل لطرح إشكاليّة العلاقة بين الإسلام والمعرفة كما العلوم؛ موقعًا حساسًا وعمليًّا جدًّا.

لذا، فالمسألة تعود لحاجة حضاريّة ومجتمعيّة قبل أي اعتبارات أيديولوجيّة. ثمّ إنّ الرؤية الإسلاميّة لطالما كانت مهجوسة ببحث العلاقة بين الإيمان والمعرفة؛ وبين الشريعة والقيم والفكريات. عليه، فإنّ بحث التكامل المعرفي بين الإسلام والعلوم الإنسانيّة، كما هو المطروح في إيران، أو العلاقة بين العلوم وأسلمتها معرفيًّا كما هو المشغول عليه لدى نخبة واسعة من المفكّرين العرب المتحلّقين حول “المعهد العالمي للفكر الإسلامي” يستحقّ الدخول فيه عبر مراحل متنوعة؛ منها ما هو توصيفي، ومنها ما هو جدلي ومقارن؛ ومنها ما هو تأسيسي.

وهذا ما سنجهد في عمله في هذا العدد من مجلّة المحجّة.

 

مع العدد

تندرج أبحاث العدد ضمن أربعة أبواب، أوّلها ملف العدد المعنون بـ”العلم الديني ومساحات الأنسنة”، وثانيها جلسة بحثيّة أقيمت في معهد المعارف الحكميّة، وثالثها هو باب حوارات، ورابعها باب البحوث والدراسات.

يحوي الباب الأوّل ستّة أبحاث، يستهلّها أحمد ماجد في تحديد معنى النموذج المعرفي وعلاقته في إنتاج العلوم، حيث يشكلّ تحديد هذا العنصر نقطة انطلاق هامّة في فهم ومآلات الفكر ومستقبل الثقافات الإنسانيّة. ويضيف حسن بدران في طرحه البحثي لتحديد المعايير الأساسيّة لتقبّل العلوم المعاصرة التي تتوافق مع الفطرة الإنسانيّة ومطلب السعادة الحقيقيّة.

كما اعتبر حسين نصر في بحثه أنّ “أسلمة العلم” يواجه مشكلة أساسيّة، وهي كيفيّة التوفيق بين مقتضيات العلوم الحديثة والتراث الفكري الإسلامي لإيجاد نموذج بديل بأدوات فكريّة ينقد بها الأسس الفلسفيّة للعلم الحديث.

وفي البحث الرابع من ملف العدد، يطلق حميد بارسانيا جملة من التعريفات بغية تحديد المنهج الخاصّ والمناسب للعلوم الإنسانيّة من وجهة نظر إسلاميّة، وهو ما يعبّر عنه بالمنهج التأسيسي الذي هو طريقة توليد النظريّة من خلال الاعتماد على المعطيات الإسلاميّة في قسمي نظرية المعرفة ومعرفة الوجود.

أمّا أحمد أبو ترابي في بحثه حول منهج العلوم الفطريّة، فيعرض جملة من آراء بعض الفلاسفة الغربيّين والإسلاميّين حول حقيقة الأمر الفطري ومزاياه، وطرق إثبات هذه المزايا بالعلم الحضوري والدليل العقلي والتجربة والاعتماد على النصوص الدينيّة بحسب ما يقتضيه المقام.

وفي البحث السادس والأخير من ملف العدد، يعرض حسن أمهز رؤية الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي حول موضوع أسلمة العلوم الإنسانيّة، والمراحل التي قدّ تمرّ بها للوصول إلى الغاية المرجوّة.

ثمّ ننتقل بعد ذلك إلى ملف “جلسة بحثيّة”، والأبحاث فيها هي خلاصة ندوة أقامها معهد المعارف الحكميّة في العام 2015، اختير منها الأبحاث الثلاثة المنصوص عليها في العدد الذي بين أيدينا من المجلّة؛ الأوّل لمسعود معيني بور حول تحدّيات وموانع تحوّل العلوم الإنسانيّة وتوليد العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة إذ يعتبر أنّ الأسلمة تستبطن شعورًا بالغربة عن علوم تدّعي أنّها إنسانيّة كلّية، ولأنّ عنوانها الإسلامي يشكلّ لونًا من مقاومة الهيمنة المادّية الغربيّة تتضافر التحديات والموانع في وجهها.

ويطرح عادل بيغامي ثلاث نكات في ما يخصّ منهجيّة العلم الإسلامي؛ الأولى تتعلّق بأنواع المعرفة وأساليبها، والثانية في دراسة منهجيّة أيّ علم، والثالثة في أنّ العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة كمعظم العلوم الحديثة، ليست علومًا بسيطة وذات قاعدة واحدة.

كما يعرض حسین سوزنچی في البحث الثالث آراء المفكّرين الإيرانيّين في ما يخصّ العلم الدينيّ من معارضين ومؤيّدين لمناقشة دعوى فصل الدين والعلم، أو إيجاد الانسجام بينهما.

وفي باب “حوارات”، حوار مع الدكتور حميد بارسانيا حول ارتباط العلوم الإنسانيّة بإرادة الإنسان لا بالعلوم والأمور الانتزاعيّة، فيجيب عن أسئلة وُجّهت له حول كيفيّة إنتاج العلم الديني والعلوم الإنسانيّة.

أمّا في باب “بحوث ودراسات”، ففيه بحثان، الأوّل لبتول الخنسا حول إشكاليّة مستقبل الفلسفة بوصفها نوعًا من المحادثة كما عبّر عنها ريتشارد رورتي، واعتبر الهيرومنطيقا أنّها علاقات بين أشكال الخطاب الكلامي المختلفة لا يُفقد فيها الأمل في الاتفاق وإيجاد أرضيّة مشتركة قائمة بين المتكلّمين.

والبحث الثاني لغادة زقروبة حول دلالة الإيقاع في اللطمية الشيعيّة والرقص الصوفي خارج الرؤية الدينيّة وسياقاتها التشريعيّة، بل بما هو تناول فلسفي وجودي يبحث في صدى الكائن في الوجود، والذي يندرج في مسار علاقة الجسد بالمكان وعلاقة الجسد بالذاكرة والتصوّر.

والحمد لله ربّ العالمين

دلالة الإيقاع في اللطميّة الشيعيّة والرقص الصوفي

إنّ مقولة “الإيقاع” لصيقةٌ بالهُوَوِيَّة المكانيّة للذات، وهي صفة من صفات الماهيّة، قرينة بالذات اقتران المكان بها. فالإنسان بما هو كائن مكاني هو بالضرورة كائن إيقاعي بما يفترضه الإيقاع من وجود أبعاد وفضاء وحيّز، ومن علاقة بجسد وبحركة. والحركة ليست فعلًا فيزيقيًّا فحسب، بل تتجاوزه لتصبح ما به يكون الكائن كائنًا، ففي غياب الحركة يفنى الكيان؛ وما حضور الروح في الجسد، حتّى وإن كان فاقدًا للحركة العضويّة، إلّا حضورًا حركيًّا. وما الحياة إن لم تكن حركةً للروح في الجسد قبل كلّ شيء، فالحركة  فعل إيقاعيّ.

تأخذ مسألة الإيقاع ودلالاته في اللطميّة الشيعيّة والرقص الصوفي بعدين؛ البعد المفاهيمي (مفهوم الإيقاع)، والبعد الدلالي الذي سنتقصّاه في المثالين؛ اللطميّة الشيعيّة والرقص الصوفي ممثّلًا في المولويّة. وما تسليط الضوء على هذين المثالين إلّا لكونهما يحلاّن من العمق الدلالي للكينونة، حلولًا يقع تغييبه عمدًا في الثقافة العربيّة لأسباب إيديولوجيّة وعقائديّة.

أسلمة العلوم عند الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي

لأسلمة العلوم الإنسانيّة طرقٌ اختارها الشيخ المصباح؛ الأوّل تنقيح وإعادة دراسة المباني الأساسيّة التي تستند عليها هذه العلوم، والثاني الإفادة من الوحي في مجال العلوم التي يمكن ديننتها، أمّا الثالث فهو العمل بالنظام القيمي الإسلامي ليصبح لدينا أسلمة للعلوم شيئًا فشيئًا كعلم الاقتصاد مثلًا.

كما طرح الشيخ مراحل لهذه الأسلمة تبدأ من مرحلة التتنظير العامّ والكلّي لوضع خطّة عمليّة، وتهيئة الفضاء الثقافي والعلمي المساعد على المشروع، والعمل على إنتاج الكوادر الجامعيين والحوزويّين، وصولًا إلى تبنّي الدولة للمشروع وإقرار الموازنات له لتتمكّن العلوم من الأسلمة.

منهج العلوم الفطريّة

ترجمة إبراهيم بشير

اهتمّ الفلاسفة الغربيّون وبعض علماء الإسلام بالبحث عن طرق تحديد الأمور الفطريّة. فاعتبر ديكارت أنّ الوضوح والتمايز هو علامة فطريّة الشيء. وأمّا جون لوك فجعل الإجماع العامّ هو العلامة. وذهب بعض في مقام التحديد إلى الاعتماد على ضوابط أخرى من قبيل الوجدان الأخلاقي (الضمير الأخلاقي) أو ما كان سببًا لحلول الرحمة الإلهيّة والرضا الإلهي. وتمسّك العلماء المسلمون بأربع طرق لإثبات فطريّة الشيء، وهي: الطريقة التجريبيّة – التاريخيّة، الطريقة العقليّة، الطريقة الشهوديّة، والطريقة النقليّة. وإضافة إلى النتائج التي توصّل إليه علماء الإسلام والفلاسفة الغربيّون، لا زال هذا البحث – أيّ طرق تحديد فطريّة الشيء – يحتاج لمزيد من الدراسة والتحليل.

منهج العلوم الإنسانية من وجهة نظر إسلامية

ترجمة إبراهيم بشير

يتقدّم المنهج على علم المناهج رتبةً؛ فالمراد من الأوّل طريقة الدراسة التي تحفظ السير الصحيح للوصول إلى نتائج، والثاني موضوع علمه الأوّل الذي يتمّ تحديده وفقًا للمباني الفلسفيّة والنظريّات الوجوديّة والأسس المعرفيّة التي يعتقد بها الباحث.

وفي المنهج الإسلامي، الذي هو وليد فلسفات وأفكار إسلاميّة تتكلّم عن الإنسان والعالم، فإنّ منهجيّة التفكير خاضعة لإطار معرفي خاصّ يحدّد الأصول والمبادئ الموضوعيّة لموضوع معيّن وخاصّ.

والعلم بنظر الكاتب تفهّمي لأنّه ثمّة تأثير كبير له ولإرادة الإنسان في مجال العلوم الإنسانيّة، لذا يمكن لنا أن نؤسّس لمنهج في نظريّة المعرفة ومعرفة الوجود من خلال الاعتماد على العقل والنقل والوحي والشهود والتجربة، بل وعلى نظريّات ومناهج خاصّة بكلّ موضوع على حدة.

إشكاليّة مستقبل الفلسفة الفلسفة بوصفها نوعًا من المحادثة

إنّ شعور رورتي العميق بأزمة الفلسفة وإشكاليّة مستقبلها داخل مهنة الفلسفة دفعه إلى ضرورة حثّ الفلاسفة على اختبار مدى مشروعيّة الأنظمة المعرفيّة التي يتبنّوها، وأن يعوا حقيقة أنّ الفلسفة بأزماتها الموروثة خاصّة من الفلسفة الغربيّة الحديثة بكلّ أشكالها ذاهبة إلى النهاية.

والهيرومنطيقا التي يأخذ بها رورتي هي التي ترى أنّ العلاقات بين أشكال الخطاب الكلامي المختلفة هي كالحبال المجدولة في محادثة ممكنة؛ محادثة تفترض عدم وجود مصفوفة نسقيّة تربط بين المتكلّمين، وحيث الأمل في الاتفاق لا يُفقَد ما فتئت المحادثة جارية، حتّى وإن لم يكن هناك أرضيّة مشتركة قائمة أو سابقة.

آراء المفكّرين الإيرانيّين في ما يخصّ العلم الدينيّ

يعرض البحث آراء المفكّرين الإيرانيّين في ما يخصّ العلم الديني من معارضين كأصحاب النظريّة التجريبيّة الذين يدعون إلى الفصل بين العلم والدين، ومؤيّدين يرون إمكانيّة انسجام وتوافق العلم الجديد مع النظرة الدينيّة، وهو ما سمّي في ما بعد بـ”أسلمة العلوم”، وقضيّته الأساسيّة هي في إمكانيّة الوصول إلى علم يأخذ العقلانيّة الإنسانيّة على محمل الجدّ، ويلتفت أيضًا بشكل عميق وجدّي إلى تعاليم الوحي.

الإسلام ومشكلة العلم الحديث

ترجمة محمّد علي جرادي

 

يحتوي التراث الفكري الإسلامي كلّ الأدوات الفكريّة والفلسفيّة اللازمة لإقامة الرابطة بين العلم الحديث والتكنولوجيا والفكر الإسلامي والتمايز بينها. فلا يمكن لأسلمة العلم إلّا أن تبتني على النقد والتقييم والرفض أحيانًا لبعض عناصر العلوم من أجل ضمّ الناتج إلى عالم الفكر الإسلامي. ويجب أن تُشَجّع التجارب التي يتمّ إجراؤها اليوم في حقل أسلمة المعرفة، ووضع مناهج علميّة للمدارس، والردّ على العلم الحديث، وحتّى الخطوات الحذرة نحو خلق علم إسلامي، وأن يسمح لها بأن تتمّ في بيئة من الجدل والنقاش الصادق.

فالبعض يختزل المشكلة بالبعد الأخلاقي، ويرى أنّ العلم الحديث، لو دُرس وطوّر في مجتمع تطبّق فيه الشريعة بشكل كامل، فلن تكون هناك أيّ مشكلة على الإطلاق. ويطمح البعض الآخر إلى تطبيق المناهج الفقهيّة للشريعة في دراسة العلم. كما نجد من يتحدّث عن التوحيد بشكل عقلاني يستوعب الرؤية العلميّة الحاليّة للعالم. وهناك كذلك من يغوص في التفاسير القرآنيّة والتراث العلمي الإسلامي المتجذّر في القرآن بحثًا عن أنموذج بديل وأدوات فكريّة ينقد بها الأسس الفلسفيّة للعلم الحديث. ويجب أن يسمح لكلّ هذه المجموعات أن تتجادل وتناقش القضايا الراهنة.

العلوم المعاصرة ومعياريتها

أسلمة العلوم هي ترشيد للعلوم من خلال الدين، وعلى ضوء الحقّ والفطرة والاستقامة والعدل والحرّيّة والعبوديّة، وبما يتوافق مع ما قُرِّر في عقول البشر وجُبل في فطرتهم، بالإضافة إلى ملاحظة منافعهم الدنيويّة وصلاحهم الأخروي.

كما يعدّ توافق العلوم المعاصرة مع الفطرة الإنسانيّة السليمة ومطلب السعادة الحقيقيّة من المعايير الأساسيّة لتقبّلها أو عدمه، مع مراعاة خصوصيّة كلّ علم – سواء الطبيعيّات أو الإنسانيّات أو العلوم الدينيّة وغيرها – من ناحية الأدوات المنهجيّة والموضوعيّة.