مسار تطوّر نظريّة الاعتدال في الأخلاق الإسلاميّة

ترجمة: حسين جهجاه

يرجع أصل نظريّة الاعتدال في الأخلاق الإسلاميّة إلى اليونان القديمة، وآراء أفلاطون وأرسطو، وإلى الحكماء المسلمين، أمثال: الكنديّ، والفارابّي، وغيرهما. وبحسب هذه النظريّة، تنشأ الفضائل الأخلاقية من مراعاة الاعتدال في قوى النفس، أمّا الرذائل الأخلاقية فهي وليدة إفراط وتفريط هذه القوى في أفعالها. وعلى الرّغم من أنّ الحكماء المسلمين تأثّروا بأفلاطون وأرسطو في هذه النظريّة، فإنّهم قد أدخلوا العديد من الابتكارات والإبداعات فيها. ومن الحكماء الذين كان لهم النصيب الأكبر من الابتكارات في هذه النظريّة، نذكر: ابن سينا، ومسكويه، والخواجه نصير الدين الطوسيّ، والراغب الأصفهانيّ. بعضُ هذه الابتكارات عبارة عن: دمج قاعدة الاعتدال عند أرسطو مع علم النفس عند أفلاطون، وتقسيم الفضائل إلى أربعة أجناس عالية، والرذائل إلى ثمانية منها، ووضعُ أنواع من الفضائل والرذائل الفرعية تحت هذه الأجناس العالية، وإضافة معيار الكيفيّة (الرداءة) إلى معيار أرسطو الكميّ في الإفراط والتّفريط، وتفكيك معاني العدالة المختلفة، وإضافة الفضائل الدينيّة والعرفانيّة إلى قائمة الفضائل، وتقديم نموذج شامل لمعالجة الأمراض النفسانيّة.

عقلانيّة هوبز: من إلزاميّة الفعل إلى حريّة الاختيار

مثَّل هوبز نقطة تحوّل جديدة في الفكر السياسيّ، فقد أتى بمنظومة تفكير كاملة تبدأ بطبيعة الإنسان، متوسّطًا الأنتروبولوجيا لفهم السُّلطة. ولفهمٍ جيّد للسياسة، لا بدّ من إدراك الإنسان قواه وغايته؛ لأنّ السلطة مرتبطة به.

انطلق هوبز من عقلنة السلطة، فهي كائن صناعيّ، ابتكره الإنسان. وبهذا الابتكار، أقام قطيعة مع كلّ النتاجات الفكريّة السابقة، وهي نتاج العقل الإنسانيّ، تنشأ من الاتفاق مع إرادات حرّة مساوية له في أن ينشئ دولة، تحقّق الأمن والاستقرار من خلال تنازله عن كامل حقوقه الطبيعيّة. وفي الوقت الذي أقنعنا فيه هوبز بأنّ السلطة كائن صناعيّ، بما هي فنّ إنسانيّ؛ قام بإرساء مفهوم الاستبداد على الرغم من أنّه لم يدعُ إليه علنًا، بل دعا إلى حكم العقل. كما تحدّث هوبز عن سيادة مطلقة، يكون الحقّ محصورًا في سنّ القوانين التي لا مشرِّع غيرها، ولا يمكن أن يصدر عنها إلّا ما هو خيِّر.