قراءة في أصالة الوجود على ضوء كتاب «النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية»

تستمرّ مدرسة ملّا صدرا في اجتذاب الباحثين والمحقّقين على الرغم من مرور قرون على تأسيسها. وتظلّ مبانيها الأساسيّة – أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة والوجود المشكّك – مدار النقاشات الفلسفيّة التي تُطرح على ضوء مدرسة الحكمة المتعالية. ذهبت محاولات تجديديّة في الفلسفة إلى اقتراح تنويعات إضافيّة على الأساس الصدرائيّة تلك، فكان أن جذبت هي الأخرى اهتمام المتابعين الذي تصدّوا لدعمها أو دحضها، ممّا خلق ميدانًا جديدًا للبحث الفلسفيّ يؤكّد على عمق المدرسة الصدرائيّة واستمرار نبضها إلى اليوم.

The school of Mullā Ṣadrā continues to draw researchers and scholars despite centuries having passed since its establishment. Its fundamental foundations have been the center of philosophical discussions posed in light of the school of Transcendental Wisdom. Innovative attempts in philosophy have suggested additional diversifications based on those foundations of Ṣadrā, which in turn drew the attention of observers who either supported or refuted them, creating a new arena for philosophical research that testifies to the deepness of the Ṣadrā’s schdool and its continued life today.

دراسة في البُعد الوجودي للعلم عند الشيرازي: أصالة الحضور واعتبارية الحصول

استطاعت مدرسة الحكمة المتعالية أن تتقدّم أقرانها وتبزّ أسلافها في الدفع بالنقاشات الفلسفيّة، على اختلاف مستوياتها، إلى المدى الأقصى الذي يمكن لها أن تبلغه والذي كان متاحًا في زمن صدر الدين الشيرازيّ. ولذلك فإنّها حجزت لنفسها موقعًا في كلّ نقاش فلسفيّ في إطار الثقافة العربيّة-الإسلاميّة لا كتعليق أو شرح أو حاشية، بل كصاحب إسهام أساسيّ – وفريد أحيانًا – لا يمكن القفز فوقه. ويمكن استطلاع هذه الخصيصة في مباحث مؤسِّسة في فكر ملّا صدرا، من قبيل مسألة العلم والإدراك ممّا يمكن إدراجه ضمن عنوان “نظريّة المعرفة”. وتتجلّى قيمة النتاج الصدرائيّ في استيعاب مذهبه في “أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة” و”المراتب المشكّكة للوجود” لتلك المباحث، وإيجاد أجوبة لها تتناسب والأصل الفلسفيّ والمعرفيّ الذي تقوم عليه الحكمة المتعالية. وفي خطوة أبعد من مجرّد تكرار لازمة “اتّحاد العاقل والمعقول”، يحيل ملّا صدرا من خلال إسهاماته في مباحث الوجود الذهنيّ الإدراكَ إلى مرتبة وجوديّة ضروريّة للانتقال من علم حصوليّ يراه اعتباريًّا إلى علم حضوريّ – أرسخ – يراه أصيلًا.

The school of Transcendental Wisdom was able to surpass its peers and defeat its predecessors in championing philosophical debates, in their many levels, inasmuch as it could reach and to the most it could have in the time of Ṣaḍr ad-Dīn ash-Shīrāzī. Thus, it made a name for itself in every philosophical debate concerning Arab-Islamic culture, not as a margin, nor a commentary, nor an exegesis, but as a principle – and sometimes unique – contributor that cannot be overlooked. This trait can be seen in Mullā Ṣadrā’s original contributions in knowledge and cognition, which can be classified under the title of “epistemology”. The value of the Ṣadrā’s contribution is that his thought can accommodate the subjects of “the ontological primacy of existence,” and the “gradational stages of existence,” and find answers for them that go hand in hand with the philosophical and epistemological basis of Transcendental Wisdom. In a step further than repeating the “The unity of the intellect and the intelligible”, Mullā Ṣadrā refers to cognition, through his contributions in matters of mental existents, to an existential station that is essential to move from “knowledge by correspondence” to “knowledge by presence”, which he sees as precedent.

المحايثة: حياة […]

ترجمة جمال نعيم

يبسط دولوز للحقل المجاوز بما هو مائز عن التجربة، وبما هو لا يحيل إلى موضوع أو إلى ذات؛ من حيث هو حقل محايثة محض، متفلّت من كلّ مفارقة للذات كما للموضوع، والمحايثة المحضة حياة، ولا شيء سوى ذلك، حياة لا ترتبط بكائن، ولا تخضع لأفعول. فالحقل المجاوز، من ثمّ، يختطّ بمسطّح المحايثة، ومسطّح المحايثة يختطّ بحياة.

بين الكشف والبرهان ونقيضه ملاحظات في الشعر والفلسفة

لئن تميّز العرب على امتداد تاريخهم الطويل بالقرآن والشعر، كليهما، اللذين كانا على أشدّ اختلاف نظرًا إلى بعض السياقات القرآنيّة التي تعاطت مع الشاعر بما حيث هو ضدّ للنبيّ، فإنّ المتصوّفة المسلمون تنبّهوا إلى ظلال وأبعاد خفيّة في القرآن اتّخذوا منها مادّةً لأشعارهم وشطحهم. فباتت الحقيقتان، الشعريّة والفلسفيّة، تجلّيات إن لمستور مِتافيزيقيّ واحد. وفيما تؤمّن اللغة الفلسفيّة غبطةً عقليّةً فإنّ اللغة الفنّيّة تذهل عن العقل نحو الذهول، ليختلف النصّ الفلسفيّ، إذ ذاك، عن النصّ الشعريّ في الطريقة والأثر في أثناء السعي نحو المستور أو الغيب.

النفس عند غريغوريوس أسقف نيصة: منشأها، وطبيعتها، وحياتها، وقرانها بالجسد

تحمل النفس في طبيعتها قبسًا إلهيًّا، فالإلهيّ منشأها، تشبه، وعلى صورته. ففي اللحظة التي تبرء فيها النفس ينشأ وصال يبنها وبين بيتها الأوّل. تقتات تلك النفس البشريّة على الحقّ والخير: الحقّ الذي يزكّي فيها الصبوة الدائمة إلى بلوغ الأنموذج الأوّل، والخير الذي يهذّب في نسيجها الروحيّ ميلًا نحو النافع والكامل الذي يرضي طبيعتها. للنفس منشأ يسمو على ما سواها في الجسم نفسه، ويقبع هذا المنشأ في الأولهة، فهي تشبه الله، وعلى صورته.

إعادة النظر في المعرفة: “الأسلمة والمستقبل”

ترجمة ديما المعلّم

يشكّل نقاش أسلمة المعرفة حيّزًا محوريًّا بلحاظ آفاق المسلمين المستقبليّة، إذ يركّز هذا النقاش، أكثر ما يركّز، على طبيعة الهويّة الإسلاميّة، والحداثة، وطرق التفكير في الواقع الإسلاميّ، حاضرًا ومستقبلًا. ولكن قد تداخلت في هذا النقاش، عينه، عوامل أدّت إلى تهميش الهويّة الإسلاميّة بالنسبة إلى المشاركين فيه وإلى مراقبيه على حدّ سواء. أمّا هذا المقال، فهو ينظر إلى الأسلمة على أنّها مشروع حضاريّ (1) مرجعه القرآن، و(2) قوامه إعادة النظر في المعرفة. كما يحلّل المقاربات المؤسّساتيّة والمفاهيميّة المعتمَدة. وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أنّ عمليّة إنشاء فروع معرفيّة جديدة، في إطار الأسلمة، هي ثلاثيّة الأطراف، ترتكز على (1) الكلّانيّة، و(2) محوريّة المجازفة والشكّ، و(3) الاعتراف بالجهل. ثمّ إنّ الأسلمة تنطوي على نقد الحضارة الغربيّة، ما يجعلها تبدو ذات نزعة رفضيّة، لكنّ هدفها، في الحقيقة، ليس إلّا التوفيق بين نظرتَين مختلفتَين. ويعدّ خطاب الأسلمة، راهنًا، تنظيريًّا، فالتطبيق يحتاج إلى ممارسة وجهد، كليهما.

الحبّ الإلهيّ قراءة في الأدبيّات الشيعيّة التأسيسيّة

إن الحبّ إلّا عضد العلاقة التي تجمع الإنسان بمصدره الذي هو الله. وقد بسطت الأدبيّات الإسلاميّة لمحوريّة مبحث الحبّ من حيث هو منهج سلوكيّ يؤكّد أن لا بدّ لأيّ منظومة، معرفيّة وعملانيّة، من مرتكز فلسفيّ مِتافيزيقيّ، ورؤية دينيّة تأسيسيّة. يمثّل الحبّ تمام الحقيقة الإلهيّة في ذاتها وروابطها وتجلّياتها، وهو، في مِتافيزيقا الفلسفة الإسلاميّة، يمثّل صنو الحياة الذي يسري في كينونة كلّ موجود بجدل من العشق والشوق.

تصدير أوّليّ حول المباحث المنطقيّة في فِنومِنولوجيا هوسرل

شكّلت ترجمة كتاب مباحث منطقيّة، لإدموند هوسرل، إلى لغة الضادّ أثرًا، لا يُستهان به، على الاشتغال الفلسفيّ العربيّ. يبسط هذا البحث، مستفيدًا من مقدّرات اللغة العربيّة، لعناصر الفكر الفلسفيّ الفِنومِنولوجيّ، كما وضعه هوسرل. طمح هوسرل إلى تأسيس قواعد للمعرفة، متّخذًا من الفِنومِنولوجيا ملاكًا لذلك، من أجل أن تصبح علمًا قبليًّا لا علمًا أمبيريًّا أو تجريبيًّا وقائعيًّا فحسب؛ على غرار بعض مدارس الفكر الفلسفيّ العربيّ الكلاسيكيّ التي أكّدت على أسبقيّة الماهيّة وأصالتها بدلًا من أسبقيّة الوجود العينيّ الخارجيّ الوقائعيّ وأصالته.

ضعف الترويج للعرفان الشيعيّ عامل هامّ في انتشار العرفان الكاذب

ترجمة عليّ الحاج حسن

يبسط الدكتور محمّد فنائي الأشكوري، وهو أستاذ في الفلسفة في مؤسّسة الإمام الخميني، قدّس سرّه، الحديث في هذا الحوار عن العرفان ببعده الشرّانيّ الداخليّ، وبما هو معرفة باطنيّة، وميل باطنيّ، ونزوع نحو معرفة الله. ميل لا يختصّ بثقافة محدّدة، بل مشترك بين البشر، كلّ البشر، فهو مبنيّ على فطرة معرفة الله، وكذا هو الجزء الطوليّ لا العرضيّ للدين. وبالتالي فإنّ المعرفة والميل مبنيا العرفان. والمعرفة العرفانيّة معرفة شهوديّة من حيث هي ملاقاة مباشرة مع الله ومظاهره. والقلب مهماز العرفان، هو هو الذي يصيّر عباداتنا عبادات عرفانيّة. ومن ثمّ يخلص الأشكوري إلى أنّه يجب أن لا نطلق اسم العرفان على المدارس المعاصرة التي تحمل اسم العرفان، إذ لا حديث فيها عن الشهود، ولا عن التجربة الباطنيّة، ولا عن السير والسلوك، بل هي تشبه العرفان في الظاهر، وهذا هو عين العرفان الكاذب الذي يدور رحاه في الغالب حول الأمور الدنيويّة.

“مجتمع مدنيّ”: تاريخ كلمة

ترجمة عليّ يوسف

لم يعرف مفهوم المجتمع المدنيّ ثباتًا في معناه. فقد تبدّل وتحوّل، على الدوام، على مرّ التاريخ. إذ دلّ، بدايةً، على الدولة، ومن ثمّ بات يقصد به المجتمع الخاصّ بما هو مجال يلاحق فيه أفراد المجتمع مصالحهم المشتركة، ليدلّ، بعدها، على تكتّل أو كيان ما بعيدًا من الدولة. حتّى أنّ البعض عرّف المجتمع المدنيّ بما هو مقابل للدولة – لا يتضايف معها على الإطلاق. فالدولة هي التي تشكّل آلة إكراه، فتبيت، إذ ذاك، جسمًا سياسيًّا بما هو سلبيّ، بعكس المجتمع المدنيّ الذي يشكّل لحمةً، يجمع في ثناياه الفرد، بما هو مواطن، ليحقّق رفاهه وأمنه، بمعزل عن القمع والإكراه.