الوصف المكثّف: نحو فهم أوسع لفلسفة الدين

ترجمة: ديما المعلّم

من الشكاوى التي تطال فلسفة الدين، وتزداد شيوعًا يومًا بعد يوم هو أنّ اهتمامها المنصبّ على العقلانيّة والتبرير، في ما يخصّ “الألوهيّة”، قد صرف الانتباه عن الأشكال المتعدّدة التي تتّخذها الحياة الدينيّة. وأبرز المشتكين، على أنّهم ليسوا وحدهم، هم أهل المدرسة التحليليّة تحديدًا. لكن من التدابير المقترحة لتحسين حال فلسفة الدين تطبيق منهج “الوصف المكثّف” الذي يساعد على فهم الظواهر الدينيّة فهمًا سياقيًّا، يفوق الفهم التقليديّ غنًى. وأنا أؤيّد هذا الطرح هنا، وأوسّعه، مقدّمًا نبذةً عن أنواع مختلفة، لكن مرتبطة بالوصف المكثّف. بعد ذلك، أنصرف إلى التركيز على مثلَين اثنَين يبيّنان إمكانيّة الاستعانة بالإثنوغرافيا من أجل الوصول إلى فهم أوسع لفلسفة الدين.  

An increasingly common complaint about philosophy of religion— especially, though not exclusively, as it is pursued in the “analytic tradition”—is that its preoccupation with questions of rationality and justification in relation to “theism” has deflected attention from the diversity of forms that religious life takes. Among measures proposed for ameliorating this condition has been the deployment of “thick description” that facilitates more richly contextualized understandings of religious phenomena. Endorsing and elaborating this proposal, I provide an overview of different but related notions of thick description before turning to two specific examples, which illustrate the potential for engagement with ethnography to contribute to an expanded conception of philosophy of religion.

الإسلاموفوبيا وصناعة الصورة

عرّف الباحث الإسلاموفوبيا بوصفها نزعة جديدة أو طارئة نشأت مع العقود الأخيرة، أو بعد حقبة الحرب الباردة التي حوّلت أنظار الغرب من الشيوعيّة إلى الإسلام. وعلى الرغم من كون المصطلح قديمًا، إلّا أنّ الصناعة الإعلاميّة الحديثة جعلت هذه الظاهرة في قلب الحياة السياسيّة والثقافيّة الأوروبيّة بشكل يوميّ، إذ نقلت الصور السلبيّة والنمطيّة للمسلمين من المجالات الضيّقة إلى رحاب الفضاء العمومي، بحيث أصبحت الإسلاموفوبيا قضيّة رأي عامّ، وظهرت صناعة إعلاميّة متخصّصة في توجيه هذا الرأي العامّ وإعداده لتلعب دورًا رئيسًا في قولبة العقول وتنميطها، والتحكّم في إدارتها.

ويحتاج التقليص من ظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمعات الأوروبيّة والغربيّة – برأي الكاتب – إلى حوار بين الحكماء في الجانبين، وبذل المسلمين جهودًا لإظهار قيمهم الدينيّة السامية وتقديم النماذج الطيّبة للآخرين، وإدانة الإرهاب الذي يمارس باسم دينهم، ويشوّه سمعته، ويؤثّر على صورتهم، انطلاقًا من أنّ الإرهاب هو العدوّ المشترك للإنسانيّة جمعاء، فبوقوفهم ضدّ الإرهاب يكون المسلمون قد وقفوا مع جميع الشعوب بمن فيهم الأوروبيّون، على أساس أنّهم إخوة في الإنسانيّة.

The author defines Islamophobia as a novel tendency that emerged in the last decades, or after the end of the cold war, an event that shifted the West’s attention from communism to Islam. Although Islamophobia is a relatively old term, the modern media industry has placed this phenomenon at the heart of European daily political and cultural life. It brought out negative stereotypical images of Muslims to the forefront, to a point where Islamophobia became a matter of public interest. Media companies who are experts in directing public opinion emerged in parallel and played a main role in molding and directing thought on the matter.

According to the author, limiting Islamophobia in European and Western societies necessitates discussions between intellectuals from both sides. As for Muslims, they must endeavor to show their religion’s moral high values, to provide a good example for others, and condemn acts of terrorism committed in the name of Islam, acts that tarnished its reputation and ruined their image. As terrorism is the common enemy of humanity, by opposing it, Muslims can side with all peoples of the world, not least the Europeans, as brothers in humanity.

إمكانيّة وصف التجارب الشهوديّة العرفانيّة

ترجمة: محمّد موسى

نستعرض في هذه المقالة الرأي القائل بإمكانيّة وصف المشاهدات العرفانيّة، بما لها أهميّة خاصّة في فلسفة العرفان، استنادًا إلى الساحات الثلاث: الحقيقة، والمعنى، واللغة؛ حيث نطرح بعض النصوص العرفانيّة التي تعزّز هذا الرأي. ونظرًا إلى أنّ العارف يواجه ساحة الحقيقة من خلال الشهود في مرتبة حقّ اليقين، ويدرك تلك الحقيقة بمددٍ من عقله المستنير، فإنّ بوسعه التعبير عنها ووصفها في سياق لغوي. بطبيعة الحال، يواجه العارف جملة من الصعوبات في كلّ واحدة من تلك الساحات؛ ففي ساحة الحقيقة، تتجلّى الصعوبات في اتساع هذه الساحة وتعقيدها، فضلًا عن ضعف الشهود؛ وأمّا في ساحة المعنى فتظهر من خلال ما يواجهه العارف من فكر، يحمل تأويلًا جديدًا وإضافيًّا وفقدانه للبراعة اللازمة لصياغة المعنى؛ بينما في ساحة اللغة تتمثّل بعض هذه الصعوبات في اللجوء إلى اللغة المتداولة والمألوفة في ظلّ غياب اللغة المتخصّصة التي قد تلائم طبيعة المشاهدات العرفانيّة، ما يصعّب لدى العارف مهمّة نقل هذه المشاهدات، بل ويجعلها مستحيلة أحيانًا.

مسار تطوّر نظريّة الاعتدال في الأخلاق الإسلاميّة

ترجمة: حسين جهجاه

يرجع أصل نظريّة الاعتدال في الأخلاق الإسلاميّة إلى اليونان القديمة، وآراء أفلاطون وأرسطو، وإلى الحكماء المسلمين، أمثال: الكنديّ، والفارابّي، وغيرهما. وبحسب هذه النظريّة، تنشأ الفضائل الأخلاقية من مراعاة الاعتدال في قوى النفس، أمّا الرذائل الأخلاقية فهي وليدة إفراط وتفريط هذه القوى في أفعالها. وعلى الرّغم من أنّ الحكماء المسلمين تأثّروا بأفلاطون وأرسطو في هذه النظريّة، فإنّهم قد أدخلوا العديد من الابتكارات والإبداعات فيها. ومن الحكماء الذين كان لهم النصيب الأكبر من الابتكارات في هذه النظريّة، نذكر: ابن سينا، ومسكويه، والخواجه نصير الدين الطوسيّ، والراغب الأصفهانيّ. بعضُ هذه الابتكارات عبارة عن: دمج قاعدة الاعتدال عند أرسطو مع علم النفس عند أفلاطون، وتقسيم الفضائل إلى أربعة أجناس عالية، والرذائل إلى ثمانية منها، ووضعُ أنواع من الفضائل والرذائل الفرعية تحت هذه الأجناس العالية، وإضافة معيار الكيفيّة (الرداءة) إلى معيار أرسطو الكميّ في الإفراط والتّفريط، وتفكيك معاني العدالة المختلفة، وإضافة الفضائل الدينيّة والعرفانيّة إلى قائمة الفضائل، وتقديم نموذج شامل لمعالجة الأمراض النفسانيّة.

عقلانيّة هوبز: من إلزاميّة الفعل إلى حريّة الاختيار

مثَّل هوبز نقطة تحوّل جديدة في الفكر السياسيّ، فقد أتى بمنظومة تفكير كاملة تبدأ بطبيعة الإنسان، متوسّطًا الأنتروبولوجيا لفهم السُّلطة. ولفهمٍ جيّد للسياسة، لا بدّ من إدراك الإنسان قواه وغايته؛ لأنّ السلطة مرتبطة به.

انطلق هوبز من عقلنة السلطة، فهي كائن صناعيّ، ابتكره الإنسان. وبهذا الابتكار، أقام قطيعة مع كلّ النتاجات الفكريّة السابقة، وهي نتاج العقل الإنسانيّ، تنشأ من الاتفاق مع إرادات حرّة مساوية له في أن ينشئ دولة، تحقّق الأمن والاستقرار من خلال تنازله عن كامل حقوقه الطبيعيّة. وفي الوقت الذي أقنعنا فيه هوبز بأنّ السلطة كائن صناعيّ، بما هي فنّ إنسانيّ؛ قام بإرساء مفهوم الاستبداد على الرغم من أنّه لم يدعُ إليه علنًا، بل دعا إلى حكم العقل. كما تحدّث هوبز عن سيادة مطلقة، يكون الحقّ محصورًا في سنّ القوانين التي لا مشرِّع غيرها، ولا يمكن أن يصدر عنها إلّا ما هو خيِّر.

تأصيل الفنّ وتحريره في نظريّة كانط الجماليّة

عرض الكاتب في بحثه نظريّة كانط الجماليّ، معتمدًا على كتاب رئيس، هو نقد الحاكمة، أو نقد ملكة الحكم (1790)، مستفيدًا من الترجمة الإنكليزيّة للكتاب critique of judgment.Tr. By J.c Meredith، ذاهبًا إلى أنّ الترجمة العربيّة كانت أحد اسباب سوء فهم نظريّة كانط.

والكتاب محاولة لاستكمال الثلاثيّة الكانطية في المعرفة والأخلاق والوجدان؛ حيث تقع ملكة الحاكمة بين العقل النظري والعقل العملي، موضحًا الفرق بين نظريّة كانط ونظريّة هيغل الذي يرى أن لا علم للجميل، ولا نقد له.

كما أنّ لحكم الذوق عند كانط أربعة شروط أو تحديدات لجهات مختلفة، هي: الكيف والكمّ والإضافة والشكل، مؤكّدًا حياديّة الحكم الجمالي. وهو ما أسّس بحسب الكاتب لتصوّر فلسفي معاصر، يتطابق تمامًا، بل ربما أسّس لكلّ نزعات الحريّة وحقوق الإنسان في يومنا هذا.

مُقَدِّمات في فَلسَفَة جَماليّات الفَنّ

ينطلق الكاتب في بحثه من تعريف ماهيّة الجَماليّات، من حيث كونها قائمة، كفرع من فروع الفلسفة ونظريّات القِيَم، والتي تَتَدَبّر طبيعة الفُنون، وتفعيل ممكنات الحاكِمة الذوقيّة؛ فيعرض بعض المقدّمات الفلسفيّة التي توضح بعض العلاقة بين جماليّات الفنون والذوق الفنّي. فعلم النفس التجريبي يرى أنّ أحكام الجمال يمكن أن تفشل في أن تكون نقيّة وصافية، من حيث مخالطتها مصلحة الحفاظ، أو الاستحواذ على الأشياء الجميلة، أو الانتفاع المعنوي والمادي منها، وبها. أمّا النظريّات الأخلاقيّة فتعزو السلوك الإنساني إلى طلب ما هو جميل وجذّاب معنويًّا من باب تفعيل ممكنات التهذيب الأخلاقي؛ في حين أنّ الجماليّات الفلسفيّة لا تتطرّق فقط إلى الفنّ، أو تُصدِر حصرًا أحكامها على الأعمال الفنيّة، بل تَجتَهد في تعريف ماهيّة الفنّ، كَكيان مُستَقِلّ في تأصيله لعلم الجمال، من دون خلوّه من الغَرَض الأخلاقي، أو السياسي، أو الثقافي، بعيدًا من الإسقاط الغائيّ عليه، وبِتَعَسُّف. فالفنون معارف وأعمال، والجماليّات ظواهر حسيّة تتفتّح نظريًّا وتطبيقيًّا ضمن بيئات ماديّة واجتماعيّة وثقافيّة تُحَدّد ممكناتها.

العلاقة بين لغة العرفان النظري وتطوّر مسائله عند البسطامي والجنيد والحلاّج

الهدف من كتابة المقالة هو بيان أنّ مسائل العرفان النظري التي تتمثّل في حقيقة التوحيد والموحّد قد تطوّرت، وتكاملت، بتعاضد ثلاث لغات، أو ثلاثة فضاءات فكريّة وروحيّة، هي: لغة البسطامي التي تمثلّت في بيانه حالات الفناء، ولغة الجنيد التي تمركزت على الشريعة، ولغة الحلاّج التي أثارت انتباه الناس إلى الحبّ الإلهي.

نستنتج من ذلك أنّه على الرغم من أنّ لكلّ من هؤلاء العرفاء الثلاثة نظريّته الخاصّة في التوحيد والموحّد، وعلى الرغم من أنّ بعضهم انتقد آراء البعض الآخر، فإنّه عندما نتجاوز النقاش في المسائل، ونركّز النظر على اللغة التي تميّز بها كلّ منهم، نجد أنّه يمكن الجمع بينها، بل إنّ الدعوى التي تتناول هذه المقالة بيانها، هي أنّ هؤلاء العرفاء الثلاثة قدّموا لنا نظريّة متكاملة في العرفان النظري، تختلف عنها فيما لو تأمّلنا نظريّة كلّ منهم على حدة.

العقل ومرجعيّته في العلوم الدينية

العقل في الروايات هو القوّة والقدرة على التحليل، وفي الفلسفة الجوهر المجرّد عن المادّة ذاتًا وفعلًا.

يساهم العقل في تحديد معيار لتشكّل العلوم الدينيّة إذ إنّها علوم متمحورة حول الدين، تابعة لطبيعة السبب الذي دعا إلى نشوئها، وبما أنّها إنسانيّة فللعقل فيها دور محوريّ، فهو يكشف عن حقّانيّة الدين الموحى من جهة، وحاضر في العلوم الاعتباريّة لجهة التحليل المنطقي لإثباتها من جهة أخرى.

وبما أنّ العلوم تنشأ نتيجة الحاجات وتتنامى بالتدريج، فصحّة المعرفة ترتبط بمطابقتها للواقع، وهذا هو عمل العقل.

Reason (ʿaql), when mentioned in narrations, is the capacity and ability to analyze, while in philosophy it is an abstract immaterial substance (jawhar mujarrad ʿan al-mādda) in essence (dhātan) and actuality (fiʿlan). In religious sciences, which revolve around religion and are subordinate to the cause of their existence, reason is one determining benchmark for these sciences’ formation. Since religious sciences belong to the humanities, reason has a pivotal role in them, demonstrating the validity of the revealed religion. In natural sciences, reason comes to the fore in logical analysis that seeks to prove the validity of these sciences. Since the sciences emerge out of certain needs and develop only gradually, the knowledge generated from them is valid insofar as it corresponds to reality, reason’s role lies here.

فلسفة الشيخ الزنجاني

اتخذ المنحى الفلسفي السمة البارزة في شخصيّة الزنجاني. فقد آمن بأصالة الفكر الفلسفي في المنظومة المعرفيّة للإسلام، وتبنّى نظريّة الحركة الجوهريّة التي كان صدر الدين الشيرازي رائدها.

كما أقام الأدلّة على أصالة الوجود تحقّقًا وجعلًا، وكان من أوائل الذين أدخلوا مصطلح نظريّة المعرفة في مباحث الفلسفة الإسلاميّة عمومًا، والحكمة المتعالية خصوصًا. وقد كان من نتائج نظريّة الزنجاني في المعاد الجسماني القول بإمكانيّة تكامل الإنسان بعد موته، وهذا يدلّ على حفظ العلاقة بين النفس والجسد المقبور.

The philosophical bent has been the most prominent feature in Sheikh al-Zanjānī’s character: he held the autochthonous nature of philosophical thought in the intellectual system of Islam, adopting the theory of essential movement (al-ḥaraka al-jawhariyya) pioneered by Ṣadr al-Dīn al-Shirāzī. He also established proofs for the principality of existence at the levels of actuality and instauration, and he was of the first scholars who introduced the term “epistemology” into Islamic philosophy in general, and transcendental philosophy in particular. Of the consequences of Sheikh al-Zanjānī’s theory on the corporeality of the resurrection was the possibility of man reaching his perfection after death, which means that the relation between the self and the body interred in earth persists beyond the grave.