الحكمة الخالدة: ثورة على الحداثة، أم وجه آخر لها؟

تتنوع الأسماء: “الحكمة الخالدة”، و”العلم القدسيّ”، و”الروحانية المعاصرة”، ولكنّ المحتوى واحد، يدلّ على تيار فلسفيّ، نشأ في القارة الأوروبية، مع بداية تبلور الحداثة الغربيّة التي بدأت مع مارتينيز دي باسكوالي (1727-1774)، وخطت لنفسها مسارًا خاصًّا، وصولًا إلى رينية غينون (1866-1951)، وفريتجوف شوون (1907-1998)، وهنري كوربان (1903 -1978)، وسيد حسين نصر (1933)، وويليم تشتيك (1943)… هذا التيار الفلسفيّ، على الرغم من حمله راية الاعتراض على ما يجري في القارة الأوروبية من تطور فلسفيّ وعلميّ وثقافيّ، إلا أنّه بقي كوكبًا يدور حول نجم الحداثة، يكتسب قوّته ونوره منها، ويتحرّك ضمن نظامها الذي يحدّد جميع المسارات، ويلفظُ، أو يبتلع الخارج عنها.

ترافقت الحكمة الخالدة مع ظهور المدارس الفلسفية الكبرى في المنظومة الغربية، وعملت على رفضها في نموذجَيها العقليّ والتجريبيّ، وعارضت بعد ذلك كلّ فلسفة سعت إلى إبقاء الوجود مرتبطًا بما هو أنطولوجيّ، ورأت أنّ هذه النظرة بحاجة إلى إعادة تقييم جديد، عبر تفعيل الميتافيزيقا الحقيقية، بما هي إحالة إلى المبدأ والأصل. وهي في سبيل ذلك، لم تتوانَ عن مهاجمة كلّ حراك فلسفيّ، لا يسعى إلى ربط الإنسان بحقيقته الروحية. وفي سبيل هذا الهدف، عملت على إظهار الميتافيزيقا الزائفة، بدءًا من “أرسطو”، ووصولًا إلى “ديكارت” و”ليبنتز” و”كانط”، والتي أدّت إلى نشوء التصورات الخاطئة عن العالم، حيث أسلمت الإنسان إلى وعي أنطولوجيّ إزاء الوجود، ما أدّى إلى نشوء وعي زائف، يمركز هذا الكائن في عدمية مطلقة، فَقَد من خلالها المعنى، وأصبح تائهًا، تتلاعب به أهواء الذات، فضلًا عن رغبتها في السيطرة على النفس أو الجماعة التي تعمل؛ للقبض على مقدّرات الشعوب واستغلالها.

تقدّم الحكمة الخالدة نفسها كمشروع حضاريّ، يعيد موضعة الإنسان في مكانته الوجودية السامية، من خلال إعادة بعث ذلك الجانب العظيم الذي أُلغي باسم عناوين مختلفة. إنّها تسعى إلى تفعيل الجانب الروحيّ في الإنسان جاعلةً من “الحكمة الشرقية” السراج المنير الذي سوف يقود الإنسان إلى المقام الوجودي الذي يليق به، عبر ما يُسمّى “بالتحقّق الروحي”، أو “الميتافيزيقا الحقّة”، والذي تشترك فيه كل المذاهب التراثية في الشرق. هذا التحقق هو الذي تسمّيه التراثيات الشرقية – لا سيما الصوفية – مقام “الفطرة الأصليّة الأولى”، لذلك عملت على صياغة علم جديد، ووضعت له مباني، أسمتها “مباني العلم القدسيّ”. هذا العلم لا يمكن الوصول إليه عبر التفكّر الذهنيّ الذي أُسمي عقلًا، وإنّما عبر “عقلٍ مجاوز”، يكتسب معارفه عبر الإلهام، ورأت هذه التراثيّات أنّ ما تعيشه الحضارة الغربية من تيهٍ، يعود إلى هذا التعريف الخاطئ الذي لم يستطع التمييز بين العقل في مقام الخبرة، وهو ما يُسمّى التفكير، والعقل في مقام الحقيقة الحقّة، والذي يستحقّ اسم “العقل”. ورأت أنّ عقل الخبرة الذي انتصر مع الحداثة الغربية دمّر معاني العلم، وأسس للتشظّي المدمّر، حيث أصبحت العلوم قائمة بذاتها، لا ترتبط في ما بينها بفكرة كليّة، تعمل على إيصال الإنسان إلى كمالاته التي وُجِد لأجلها، فأصبحت قيم المنفعة والاستهلاك تتحكّم بها.

كما رأت الحكمة الخالدة أنّ الحياد عن المبدأ الروحي الفطريّ، كان السبب الرئيس الذي تولّدت عنه أوجاع الحضارة الحديثة، وتنامت معه المآسي الإنسانية، وعنه نشأت الفوضى في العقائد والمفاهيم والأفكار والسلوكيات، وهو الذي أدخل البشرية في أحلك مراحلها الظلمانية، هذا الظلام الذي سوف يعمّم، إذا لم تتدارك الحداثة الخطأ الذي وقعت به، وتعمل على تقويمه عبر ربطه بحقيقة وجوده وهدفيّته. لقد وجدت أنّ على العلم الحديث التموضع في المرتبة المناسبة له، والتي يحدّدها العقل المجاوز، عبر إخضاعه بما يمتلك من قيمومة عليه، نتيجة إدراكه للحقائق بذاتها.

وقد استدركت الحكمة الخالدة – أيضًا – مسألة الصراع بين الديانات والمذاهب، والتي أدّت إلى نزعة العلمنة، وتقدّمت خطوة إلى الإمام، حين أكّدت على إخضاع كلّ الأديان والعلوم والمعارف للعقل المجاوز الذي يمثل الميتافيزيقا على حقيقتها، بالتالي ذهبت إلى الحديث عن جوهر الدين وعوارضه، وعدّت الأديان الحقيقيّة، من: إسلام ويهودية ومسيحية وهندوسية وبوذية، تمتلك جوهرًا واحدًا، وما نراه من طقوس وعبادات هي أعراض تطرأ على الدين؛ لتعبّر بشكل رمزيّ عن هذه الحقيقة الدينيّة الجوهرية الواحدة، والمشكَّلة دائمًا، فتتمثل في الإعلاء من هذه الأعراض، أو فكّ رموزها بشكل خاطئ.

تجنبًا للإطالة، وحتى لا نقع في أحكام قيميّة قبل البدء بالموضوع، يطرح هذا العدد من مجلة المحجة موضوع الروحانية المعاصرة، أو الحكمة الخالدة، ويضعه تحت المجهر، وقد انطلق العمل على هذا المحور من مجموعة أسئلة، أهمّها:

ما هي الحكمة الخالدة؟ وكيف قدّمت نفسها؟ كيف نظرت إلى الأديان؟ لماذا طرحت موضوع التقليد؟ وما هو هذا الأمر؟ وما هي علاقته بالأديان؟ وهل ما طرحته يبرر التعدّدية الدينية؟ وهل التعدّدية الدينية تنحصر فيما آلت إليه؟ وهل يجوز لها أن تأخذ جانبًا من الديانات، وهو البعد الوحياني، وتُهمل الأبعاد الأخرى، كالتشريع مثلًا؟ وهل يصحّ اعتماد نظرة توفيقيّة تختزل الأديان في نزعة كلّيّة، في سبيل إقامة علم حديث، يستند إلى مبدأ إلهي؟ وهي عندما تستعير من الأديان ما يحقّق حالة معنوية، ثمّ تقوم بتهميشها، هل تسعى إلى دين بديل من أجل معالجة تكوين البعد الروحي، وإعادته لدى الإنسان؟

وما هي علاقة الحكمة الخالدة بالتصوّف؟

ما هي علاقة الحكمة الخالدة بالديانات الشرقيّة القديمة، لا سيما الهندوسيّة؟ وهل نقلت الدين من حالة مجتمعيّة إلى تجربة روحيّة، عندما جعلتها قاعدة لها؟

هل تُبَرَّر الحالة الاعتراضية للحكمة الخالدة بمواجهة النظرة الغربية التشيئيّة؟ وهل جعلت الغرب مركزًا من جديد، حين وضعت نفسها قاعدة للحكم؟ وهي عندما وضعت معيارًا انتقائيًّا من الدين، وعملت على إنشاء تيار فكر كوني للفضائل الكونية، ألم تأخذ من الدين ما يخدم الإنسان، وليس قصديّة الخالق من الخلق؟ وفي هذا الموضع، ألم تتوافق الروحانيّة مع الحداثة بجعل الإنسان المحور، خاصة أنّ ما قُدِم في هذا التيار، هُمّش فيه الإلهي لصالح الإنسانيّ؟

وثمّة أسئلة عديدة تستحقّ الإجابة في هذه المرحلة، حيث أخذ هذا التيار في التقدم، واحتلّ موقعًا بين المثقّفين، وعبّر عن نفسه في مؤسسات ودول، تعمل على ترويجه.

مع العدد

تنبني أبحاث العدد ضمن ثلاثة أبواب: أوّلها ملف العدد، وثانيها باب الحوارات، وثالثها باب البحوث والدراسات.

يحوي الباب الأوّل تسعة أبحاث.

يمثّل البحث الأول “حكمة مجاوزة لكل الأزمان والأماكن.. مقدمة إلى الفلسفة الخالدة” لصَموئيل بِندِك سوتيلّوس، انطلاقة ملف العدد. يعرض الباحث فيه معاني الفلسفة الخالدة، ومصدر انطلاقة التسمية، وتسلسلها التاريخي، وأعلامها، وكيفية فهم أديان العالم المختلفة من خلالها.

يعرض سيد حسين نصر في بحثه “العلم المقدّس” المعاني المختلفة التي يحملها هذا العلم، ويناقش فيها، ثمّ يتبنّى كونه يرادف الميتافيزيقيا، بما هي العلم المطلق بالحقيقة، حيث يستطيع الإنسان بواسطته التمييز بين الحقيقة والوهم، ومعرفة الأشياء في ذاتها، أو كما هي، وبالتالي معرفتها من خلال معرفة الله.

وتشير الورقة البحثية الثالثة التي تحمل عنوان “ما هو التقليد؟” إلى تعريف نصر للتقليد، وما يمثّل بالنسبة إلى الأديان المختلفة، من قبيل: الهندوسيّة، والبوذيّة، والتاويّة، واليهوديّة، والمسيحيّة، والإسلام؛ ليصل إلى الحديث عن ارتباطه بالحكمة الخالدة التي يبيّن من خلالها أنّ المقدس، بما هو مقدّس، هو مصدر التقليد.

أمّا البحث الرابع “توضيح العلم القدسي في الاتجاه التقليدي للدكتور السيد حسين نصر وتحليله”، فقد شرح عبد الحسين خسروبناه فيه مقصود نصر من العلم الذي يتمثّل العلوم التجريبية الرائجة في الغرب، وبيّن أنّ الحكمة الخالدة هي أهم مبنى من مباني العلم القدسي، والهدفُ المتعالي للتقليدِ هو إظهار وجه معشوق الكل.

كما نقد منصور مهدوي وحميد پارسانيا في بحثهما “تقويم الحكمة الخالدة” منهج الحكمة الخالدة ومبانيها، كما طرحها أصحاب المدرسة التّقليديّة، وعرضاها على أساس ميزان العقل، ثمّ قايساها مع الحكمة عند السّهرورديّ، وأظهرا نقاط التّمايز والاختلاف بينهما.

وأظهر البحث السادس لأحمد ماجد “الغرب والميتافيزيقا المستحيلة: رينية غينون، وإمكان تأسيس ميتافيزيقا مشرقية” فكرة غينون في تأسيس ميتافيزيقا، انطلاقًا من النموذج الشرقي، لأنّه يرى عجزًا عن بناء ميتافيزيقا غربيّة تواجه معوّقات عديدة، أهمّها الانصياع للثقافة الماديّة التي حوّلت الإنسان إلى مجرد أداة في وسط عالم ماديّ.

وحقّق حسين حسيني في بحثه “التقليد والحكمة الخالدة: معناها ونطاقها وخصوصياتها” في ما يرمي إليه التقليد على مستوى الأبعاد الفكريّة للتقليديين من معنى مختلف عن التقاليد والسنن بمعناها المتعارف من حيث الآداب القديمة والرسوم والعادات السالفة، وخصوصية هذا المعنى من جهة تسييله في دنيانا المعاصرة.

أمّا البحث الثامن “تعدّد الأديان ووحدتها من وجهة نظر الشهيد مطهري والتقلديين”، لغلام رضا رضايي، فأظهر التباين في معنى التعدّديّة الدينيّة عند التقليديين الذين يتحدّثون عن التعددية الواقعية، وعند مطهري الذي يقول بالتعددية في سُبل النجاة؛ لأنّ الدين واحدٌ منحصر بالإسلام، وأنّ جميع الاختلافات ترجع إلى الشرائع.

والبحث الأخير في ملف العدد، هو لعلي رضا قائمي نيا، بعنوان: “الوَحدةُ المتعاليةُ للأديان”، وهي تعبيرٌ عن نظرية أتباع المدرسة التّقليديّة في مسألة تعدُّد الأديان، فصَّلها لأوَّل مرّة فريجوف شيون (Frithjof Schuon) في كتابه، حيث قدّم الكاتب توصيفًا للنظريّة، ثمّ بيّن نقاط ضعفها.

وفي باب “حوارات”، أجرت مجّلة المحجّة حوارًا مع الباحث نوّاف الموسوي، منطلقة من تجربته في ترجمة جزء من نتاج هنري كوربان الذي أسّس لروحانيّة ملتزمة مستقاة من تعلّقه بالإمام الثاني عشر عند الشيعة الإماميّة، متحدّثًا عن خفايا الترجمة، والبحث عن المصطلحات، موضحًا أهميّة ما قاربه كوربان، وقدّمه.

أمّا في باب “بحوث ودراسات”، ففيه أربعة أبحاث.

عالج شفيق جرادي في بحثه “الخوف بين التفلسف والتديّن وعوائد الأيّام”، الخوف كظاهرة إنسانيّة من وجهة نظر الفلسفة والدين. عرض معناه، ومسارات تداوله في الحياة الإنسانيّة والدينيّة والمسلكيّة، وما يمثّل الخوف من مصاديق في مسير الإنسان التكاملي.

ولفت مهدي زماني في البحث الثاني بعنوان: “الفيدانتا، الفلسفة الإلهية للديانة الهندوسية”، إلى مراتب الواقعية الخمس في الفيدانتا وقارنها مع الحضرات الخمس في العرفان الإسلامي. وقد فصّل الكاتب في معاني الشعارات الأساسية في مدرسة الفيدانتا، رابطًا إيّاها بآثار رينيه غينون، وفريتيوف شوان.

أمّا البحث الثالث فهو لحسين صفي الدين، عرض فيه “التأسيس الميتافيزيقي للأخلاق عند إيمانويل كانت”، من المبنى المعرفي عنده، وصولًا إلى البنيان الأخلاقي عنده، ومصادرات العقل العملي الثلاث: الحريّة، وخلود النفس، ووجود الله.

وعرض شادي علي في البحث الأخير “محاولات تفكيك الإسلام: عرض وتحليل ونقد .. أركون نموذجًا”، مشروع أركون الفكري، وسماته العامّة، ونظرته إلى القرآن كنصّ وخطاب ووحي، فضلًا عن رؤيته العامّة للإسلام. ثمّ فصّل في نقاط ضعف أركون ومشروعه.

وتتمنّى مجلّة المحجّة أن يكون هذا العدد وغيره مدًّا وعونًا لطلّاب العلم والمعرفة، وخطوة من خطوات هذا الدرب الطويل والممتع والشاقّ.

السهروردي، وحكمة الإشراق

ترجمة طارق عسيلي

تمرَّدَ السهروردي على السائد الفكريّ في عصره، كتمرّده على السائد السياسيّ. فالفيلسوف عنده هو من يحيا حياةً فلسفيّةً يكتمل بها ليكمُلَ به غيرُه، ويتّصل بها بأرباب الحكمة مهما تقادم بهم الزمن. من هنا كان رفضه لمقولات المشّائيّة الطاغية في زمانه، والتي شيّأت الاعتبارات العقليّة، وجعلت التركيب في بنية العالم مقدّمةً لمفهمته، وسبيلًا لمعرفته، فقال بوجودٍ عينيّ واحد صاغه في مِتافيزيقا النور المقول بالتشكيك، وإن كان، عندما أراد اختيار الوحدات الأوّليّة لمنظومته، يرجّح الكيانات الجزئيّة (الماهيّات)، وموضوعات الاختبار المباشرة، كوحدات أوّليّة لمنظومته. أمّا كيف يُدرَك هذا الوجود العينيّ فبالحضور والمباشرة، إذ المعلوم بالذات مكشوفٌ للعالِم دون توسّط آلة، وإن كان الذوق الصوفيّ لا يلغي دور العقل بما هو آلة، بل يزوّده، دون البديهيّات، بمعرفة الحقيقة التي يمكن بناء المعارف العقليّة عليها.

Suhrawardī defied prevailing thought in his days much like he defied established politics.  To be a philosopher, to him, is to lead a philosophical life, a life that makes you perfect, so that others might be perfect by you. Through it you connect with all sages no matter in which age they lived. Therefrom issues his rejection of the main notions of peripateticism, the notions that reified intelligibles, and regarded composition in the structure of the world a prerequisite to conceptualize it, and, thence, to understand it. In contrast to such an approach, he posited a unitary concrete entity that he developed in the metaphysics of light, gradated light that is. This he did, although when he sought to choose the fundamental units of his system, he preferred individual entities (quiddities) and objects of direct experience. As for the device for knowing this concrete unitary entity, it is presence and intuition. No perception can occur unless the knower is in an unveiled presence of the known, to the exclusion of any intermediary. This is not to say that ṣūfī intuition eliminates the role of the mind to the extent that it is an intermediary, a tool. On the contrary, such an intuition – not the posited axiomatic truths – would present the mind – inasmuch as it is a tool – with the truth, upon which mental knowledge can be built.

التوظيف السياسي لظاهرة الأولياء في الكيان الصهيوني

تطوّر مفهوم الصدّيق في اليهوديّة عبر العصور المختلفة، وأخذ اللفظ دلالات متعددة، إلّا أنّه يعني في المفهوم الشعبي الرجل ذات القدرات الإلهية الخارقة، كما ارتبط بمفهوم خاص باليهوديّة، وهو مفهوم المخلّص الذي ينقذ الأمّة، وهذا المفهوم له جذوره العميقة في الديانة اليهودية.

يعرض البحث أنواع الصدّيقين من الشخصيّات الأسطوريّة والمتصوّفة وأولئك الذين ظهروا بعد قيام الكيان الصهيوني. ثمّ تطلّ الباحثة على حركة التصوّف اليهوديّة كجزء من العقيدة الشعبيّة التي اتّخذت وسيلة لربط الأمة اليهوديّة بطقوسها وتقاليدها في فترات الشتات اليهودي، من أجل إقامة مجتمع يهودي متماسك، ومن أجل الاتصال الثقافي بين اليهود في شتى البلاد، وخاصة المغرب وفلسطين والعراق، ومصر.

وعند إقامة اليهود المغاربة في فلسطين، نقلوا معهم العديد من التقاليد المتوارثة عن عقيدة الصدّيقين، وقد شجّعت سياسة الدولة على نموّ هذه العقيدة ووظّفتها في سياسة تعمير المدن الجديدة، والحدّ من الصراعات بين اليهود السفاردين واليهود الأشكنازيم.

Over the centuries, the concept of the Tzadik (the righteous) has developed in Judaism, taking on various meanings. Nonetheless, the popular conception is that of a man possessing supernatural divine powers. Judaism holds a unique conception of the Tzadik, that of the nation’s savior, and this concept is deeply rooted in Judaism.

This study presents the types of Tzadiks, varying between legendary figures, mystics, and those who emerged after the rise of the “Zionist entity”. The author then examines the Jewish mystic movement as part of the popular doctrine through which the Jewish nation was associated with its rites and rituals during the eras of the Jewish exile, with the end goal being the formation of a coherent Jewish community and the maintenance of a cultural connection among Jews all over the world, namely those in Morocco, Palestine, Iraq, and Egypt.

When the Moroccan Jews settled in Palestine, they brought along with them many of the inherited traditions on the Tzadiks. The Zionist entity’s policy fostered the development of these beliefs and employed them in its policy of building new cities, and in reducing conflict between Sephardi and Ashkenazi Jews.

العدد 36

فهرس المحتويات:
الافتتاحية    أحمد ماجد
مقاربات في التصوّف، والحبّ، والإنسان
حوار مع البروفيسور ويليام تشيتيك   مجلّة المحجّة
التجربة الدينيّة في الإسلام التقليديّ     ويليام تشيتيك
الجذور الإلهية للحبّ الإنساني     ويليام تشيتيك
الحبّ في الثيولوجيا الباطنية الإسلاميّة    ويليام تشيتيك
الصداقة والحبّ في المعنويّة الإسلاميّة    ويليام تشيتيك
موسى ودين الحبّ: تأمّلات حول منهجيّة دراسة التصوّف   ويليام تشيتيك
ضبابيّة الأمر القرآني    ويليام تشيتيك
التوازن والتحقيق: النفس والكون عند ويليام تشيتيك    ويليام تشيتيك
منهجية ويليام تشيتيك في دراسة وتفسير النصوص العرفانية والصوفية    ويليام تشيتيك

العلاقة بين لغة العرفان النظري وتطوّر مسائله عند البسطامي والجنيد والحلاّج

الهدف من كتابة المقالة هو بيان أنّ مسائل العرفان النظري التي تتمثّل في حقيقة التوحيد والموحّد قد تطوّرت، وتكاملت، بتعاضد ثلاث لغات، أو ثلاثة فضاءات فكريّة وروحيّة، هي: لغة البسطامي التي تمثلّت في بيانه حالات الفناء، ولغة الجنيد التي تمركزت على الشريعة، ولغة الحلاّج التي أثارت انتباه الناس إلى الحبّ الإلهي.

نستنتج من ذلك أنّه على الرغم من أنّ لكلّ من هؤلاء العرفاء الثلاثة نظريّته الخاصّة في التوحيد والموحّد، وعلى الرغم من أنّ بعضهم انتقد آراء البعض الآخر، فإنّه عندما نتجاوز النقاش في المسائل، ونركّز النظر على اللغة التي تميّز بها كلّ منهم، نجد أنّه يمكن الجمع بينها، بل إنّ الدعوى التي تتناول هذه المقالة بيانها، هي أنّ هؤلاء العرفاء الثلاثة قدّموا لنا نظريّة متكاملة في العرفان النظري، تختلف عنها فيما لو تأمّلنا نظريّة كلّ منهم على حدة.

موسى ودين الحبّ: تأمّلات حول منهجيّة دراسة التصوّف

ترجمة: ديما المعلم

يقدّم المقال إطار أحمد السمعاني النظري لموسى (ع) الذي يعدّ مثالًا للمحبّ الساعي إلى محبوبه الذي جذبه إليه بالملاطفة، وبالكلام بلا واسطة. فالحبّ تستوجب هذه الثنائيّة بين المحبّ والمحبوب ﴿يُحبِّهم ويُحِبُّونه﴾. ويشرح السمعاني سبب التلازم بين الترقّي في طريق الحبّ مع تضاعيف الشدّة والقسوة، فإذا أردتَ الترقّي في دين الحبّ، عليك بالاستعداد لاستنزال الألم والعذاب. كما أنّ اتباع دين الحبّ يعني، باختصار، أن ينفي المرء وجوده الذاتي، ويحقّق فقره الجوهري، وذوبانه في المحبوب تعالى.

This article represents the theoretical framework of Aḥmad al-Samʿānī’s conception of Moses as a model for the lover who seeks the beloved who brought him close through caresses and direct speech. Love requires this duality between the lover and the beloved: “He loves them and they love Him.” Al-Samʿānī explains why advancing in the path of love brings about increased harshness and severity, if you want to advance in the Religion of Love, prepare yourself for calling down pain and suffering. Succinctly, adhering to the Religion of Love, is also negating one’s own existence and actualizing one’s own essential poverty.

الحبّ في الثيولوجيا الباطنية الإسلاميّة

ترجمة: محمد علي جرادي

حينما نضع الحبّ ضمن سياق أصول الدين الثلاثة، يمكن لنا القول إنّ النصوص تناقش الموضوع من أربع حيثيّات، هي: النظر إليه باعتباره حقيقة أبديّة، ودافعًا إلى الخلق، والقوّة المسبّبة للهداية الإلهيّة، والهدف النهائي لوجود الإنسان. من هنا، كان الحبّ شوق الوصال، أو الاتحاد، والهدف منه هو أن يجتمع الحبيب بمحبوبه لا أن يتفرّقا، وقد فهمه المتصوّفون كطاقة تمهّد للالتقاء بين الله، والإنسان.

When considering love in context of the three principles of faith (uṣūl al-dīn), it appears that the texts discuss the topic from four different angles, which are it being an eternal reality, the motive for creation, the force behind divine guidance, and the final goal of human becoming. In this light, love becomes the longing for union (wiṣāl/ittiḥād), whose goal is the lover’s coming together with the beloved without separation. Sufis have understood love as force that paves the way of the meeting of God and man.

التجربة الدينيّة في الإسلام التقليديّ

 

ترجمة: ديما المعلم https://al-mahajja.org/author/dima-el-mouallem/

تعدّدت المصطلحات التي تصف الكيفيّة التي يدرك ويختبر بها الناس الظواهر العادّيّة والاستثنائيّة المرتبطة بالله في مختلف اللغات الإسلاميّة. لكنّ الكلمة المستعملة اليوم لترجمة المفهوم المعاصر، أعني بها كلمة تجربة، لم تكن من ضمن هذه المصطلحات. وكلّ مطّلع على الإسلام يعرف أنّ ما يسمّى عادةً “التصوّف” أو “العرفان” يتناول موضوع تجربة الشعور بحضرة الله بالتفصيل. نظرًا لأهميّة التصوّف على مرّ التاريخ، يعني هذا أنّ طريق البحث عن الله والإحاطة به، قد كان من اهتمامات عدد لا يُحصَى من المسلمين. ويعبّر كارل إرنست عن إجماع العلماء المتخصّصين حين يقول: “إنّ العرفان هو أحد أرحب مدارس الروحانيّة في تاريخ الأديان. بدءًا من أصوله التي تعود إلى النبيّ محمّد والوحي القرآنيّ، كان للتوجّه العرفانيّ بين المسلمين دور لا يُبارَى في تطوّر الدين الإسلاميّ على الصعيدَين العامّ والخاصّ”. لذلك، سأسلّط الضوء في هذا المقال على بعض المطالب الواردة في عيون المصادر الصوفيّة.

 Numerous terms were employed in Islamic languages to designate the ways in which people perceive and experience ordinary and extraordinary phenomena pointing back to God, though the words used nowadays to translate the modern notion of experience (e.g., tajriba) were not among them. Anyone acquainted with Islam will be aware that what is commonly called “Sufism” or “Islamic mysticism” addresses the issue of experiencing God’s presence in voluminous detail. Given Sufism’s prominence over history, this means that the path of finding and perceiving God has been a preoccupation of countless Muslims. Carl Ernst is expressing the consensus of specialists when he says, “Islamic mysticism is one of the most extensive traditions of spirituality in the history of religions. From its origins in the Prophet Muhammad and the Qur’anic revelation, the mystical trend among Muslims has played an extraordinary role in the public and private development of the Islamic faith.”1 Here I will highlight a few themes in the primary literature.   

حوار مع البروفيسور ويليام تشيتيك

تحميل البحث: حوار مع البروفيسور ويليام تشيتيك

يعدّ ويليام تشيتيك اليوم واحدًا من العلماء الذين اشتغلوا في مجال الفكر الإسلامي، وأبحاثه تغطي مجالات واسعة من الدراسات الدينيّة المقارنة، إلى الأبحاث الصوفيّة والفلسفيّة والأدبيّة. تُرجمَت الكثير من أعماله إلى اللغات البوسنيّة، الفرنسيّة، الألمانيّة، الأندونيسيّة، الإيطاليّة، اليابانيّة، الفارسيّة، الروسيّة، الأسبانيّة، التركيّة، والأورديّة.

يسعدنا في هذا العدد من مجلّة المحجّة، وضمن حوار أجرته أن نطرح على البروفيسور الأسئلة الآتية، وقد تمّ تقسيم الحوار إلى محاور زيادة في الفائدة.

افتتاحية العدد 36

تحميل البحث: افتتاحية العدد 36

يأخذك “ويليام تشيتك” في رحلة إلى عوالم الفكر، تقف معه عند بوابة الكلام، تأخذك الدهشة من ارتسام الحروف المحفورة على عتبة القول، فتنبهر كثيرًا، وتصبح كقمر يدور في فلك كوكبه، حتى إذا ما وعيت، أدركت أنّك كنت تسمع حديثًا، يحتاج إلى مراجعة وتدقيق، فتنهال عليك رسوم السؤال، فتقف عندها، تحاول أن تتخطّاها، لكنّها سرعان ما تجرفك إلى ساحل شاطئ، فتلحّ عليك بأن تكون القطرة التي تريد أن ترفد البحر بما تصوّرته أنّه الماء. فتقرّر في نهاية الأمر أن تستريح، وتبوح بما يجول في خاطرك.