السهروردي، وحكمة الإشراق

ترجمة طارق عسيلي

تمرَّدَ السهروردي على السائد الفكريّ في عصره، كتمرّده على السائد السياسيّ. فالفيلسوف عنده هو من يحيا حياةً فلسفيّةً يكتمل بها ليكمُلَ به غيرُه، ويتّصل بها بأرباب الحكمة مهما تقادم بهم الزمن. من هنا كان رفضه لمقولات المشّائيّة الطاغية في زمانه، والتي شيّأت الاعتبارات العقليّة، وجعلت التركيب في بنية العالم مقدّمةً لمفهمته، وسبيلًا لمعرفته، فقال بوجودٍ عينيّ واحد صاغه في مِتافيزيقا النور المقول بالتشكيك، وإن كان، عندما أراد اختيار الوحدات الأوّليّة لمنظومته، يرجّح الكيانات الجزئيّة (الماهيّات)، وموضوعات الاختبار المباشرة، كوحدات أوّليّة لمنظومته. أمّا كيف يُدرَك هذا الوجود العينيّ فبالحضور والمباشرة، إذ المعلوم بالذات مكشوفٌ للعالِم دون توسّط آلة، وإن كان الذوق الصوفيّ لا يلغي دور العقل بما هو آلة، بل يزوّده، دون البديهيّات، بمعرفة الحقيقة التي يمكن بناء المعارف العقليّة عليها.

Suhrawardī defied prevailing thought in his days much like he defied established politics.  To be a philosopher, to him, is to lead a philosophical life, a life that makes you perfect, so that others might be perfect by you. Through it you connect with all sages no matter in which age they lived. Therefrom issues his rejection of the main notions of peripateticism, the notions that reified intelligibles, and regarded composition in the structure of the world a prerequisite to conceptualize it, and, thence, to understand it. In contrast to such an approach, he posited a unitary concrete entity that he developed in the metaphysics of light, gradated light that is. This he did, although when he sought to choose the fundamental units of his system, he preferred individual entities (quiddities) and objects of direct experience. As for the device for knowing this concrete unitary entity, it is presence and intuition. No perception can occur unless the knower is in an unveiled presence of the known, to the exclusion of any intermediary. This is not to say that ṣūfī intuition eliminates the role of the mind to the extent that it is an intermediary, a tool. On the contrary, such an intuition – not the posited axiomatic truths – would present the mind – inasmuch as it is a tool – with the truth, upon which mental knowledge can be built.

التوظيف السياسي لظاهرة الأولياء في الكيان الصهيوني

تطوّر مفهوم الصدّيق في اليهوديّة عبر العصور المختلفة، وأخذ اللفظ دلالات متعددة، إلّا أنّه يعني في المفهوم الشعبي الرجل ذات القدرات الإلهية الخارقة، كما ارتبط بمفهوم خاص باليهوديّة، وهو مفهوم المخلّص الذي ينقذ الأمّة، وهذا المفهوم له جذوره العميقة في الديانة اليهودية.

يعرض البحث أنواع الصدّيقين من الشخصيّات الأسطوريّة والمتصوّفة وأولئك الذين ظهروا بعد قيام الكيان الصهيوني. ثمّ تطلّ الباحثة على حركة التصوّف اليهوديّة كجزء من العقيدة الشعبيّة التي اتّخذت وسيلة لربط الأمة اليهوديّة بطقوسها وتقاليدها في فترات الشتات اليهودي، من أجل إقامة مجتمع يهودي متماسك، ومن أجل الاتصال الثقافي بين اليهود في شتى البلاد، وخاصة المغرب وفلسطين والعراق، ومصر.

وعند إقامة اليهود المغاربة في فلسطين، نقلوا معهم العديد من التقاليد المتوارثة عن عقيدة الصدّيقين، وقد شجّعت سياسة الدولة على نموّ هذه العقيدة ووظّفتها في سياسة تعمير المدن الجديدة، والحدّ من الصراعات بين اليهود السفاردين واليهود الأشكنازيم.

Over the centuries, the concept of the Tzadik (the righteous) has developed in Judaism, taking on various meanings. Nonetheless, the popular conception is that of a man possessing supernatural divine powers. Judaism holds a unique conception of the Tzadik, that of the nation’s savior, and this concept is deeply rooted in Judaism.

This study presents the types of Tzadiks, varying between legendary figures, mystics, and those who emerged after the rise of the “Zionist entity”. The author then examines the Jewish mystic movement as part of the popular doctrine through which the Jewish nation was associated with its rites and rituals during the eras of the Jewish exile, with the end goal being the formation of a coherent Jewish community and the maintenance of a cultural connection among Jews all over the world, namely those in Morocco, Palestine, Iraq, and Egypt.

When the Moroccan Jews settled in Palestine, they brought along with them many of the inherited traditions on the Tzadiks. The Zionist entity’s policy fostered the development of these beliefs and employed them in its policy of building new cities, and in reducing conflict between Sephardi and Ashkenazi Jews.

العدد 36

فهرس المحتويات:
الافتتاحية    أحمد ماجد
مقاربات في التصوّف، والحبّ، والإنسان
حوار مع البروفيسور ويليام تشيتيك   مجلّة المحجّة
التجربة الدينيّة في الإسلام التقليديّ     ويليام تشيتيك
الجذور الإلهية للحبّ الإنساني     ويليام تشيتيك
الحبّ في الثيولوجيا الباطنية الإسلاميّة    ويليام تشيتيك
الصداقة والحبّ في المعنويّة الإسلاميّة    ويليام تشيتيك
موسى ودين الحبّ: تأمّلات حول منهجيّة دراسة التصوّف   ويليام تشيتيك
ضبابيّة الأمر القرآني    ويليام تشيتيك
التوازن والتحقيق: النفس والكون عند ويليام تشيتيك    ويليام تشيتيك
منهجية ويليام تشيتيك في دراسة وتفسير النصوص العرفانية والصوفية    ويليام تشيتيك

العلاقة بين لغة العرفان النظري وتطوّر مسائله عند البسطامي والجنيد والحلاّج

الهدف من كتابة المقالة هو بيان أنّ مسائل العرفان النظري التي تتمثّل في حقيقة التوحيد والموحّد قد تطوّرت، وتكاملت، بتعاضد ثلاث لغات، أو ثلاثة فضاءات فكريّة وروحيّة، هي: لغة البسطامي التي تمثلّت في بيانه حالات الفناء، ولغة الجنيد التي تمركزت على الشريعة، ولغة الحلاّج التي أثارت انتباه الناس إلى الحبّ الإلهي.

نستنتج من ذلك أنّه على الرغم من أنّ لكلّ من هؤلاء العرفاء الثلاثة نظريّته الخاصّة في التوحيد والموحّد، وعلى الرغم من أنّ بعضهم انتقد آراء البعض الآخر، فإنّه عندما نتجاوز النقاش في المسائل، ونركّز النظر على اللغة التي تميّز بها كلّ منهم، نجد أنّه يمكن الجمع بينها، بل إنّ الدعوى التي تتناول هذه المقالة بيانها، هي أنّ هؤلاء العرفاء الثلاثة قدّموا لنا نظريّة متكاملة في العرفان النظري، تختلف عنها فيما لو تأمّلنا نظريّة كلّ منهم على حدة.

موسى ودين الحبّ: تأمّلات حول منهجيّة دراسة التصوّف

ترجمة: ديما المعلم

يقدّم المقال إطار أحمد السمعاني النظري لموسى (ع) الذي يعدّ مثالًا للمحبّ الساعي إلى محبوبه الذي جذبه إليه بالملاطفة، وبالكلام بلا واسطة. فالحبّ تستوجب هذه الثنائيّة بين المحبّ والمحبوب ﴿يُحبِّهم ويُحِبُّونه﴾. ويشرح السمعاني سبب التلازم بين الترقّي في طريق الحبّ مع تضاعيف الشدّة والقسوة، فإذا أردتَ الترقّي في دين الحبّ، عليك بالاستعداد لاستنزال الألم والعذاب. كما أنّ اتباع دين الحبّ يعني، باختصار، أن ينفي المرء وجوده الذاتي، ويحقّق فقره الجوهري، وذوبانه في المحبوب تعالى.

This article represents the theoretical framework of Aḥmad al-Samʿānī’s conception of Moses as a model for the lover who seeks the beloved who brought him close through caresses and direct speech. Love requires this duality between the lover and the beloved: “He loves them and they love Him.” Al-Samʿānī explains why advancing in the path of love brings about increased harshness and severity, if you want to advance in the Religion of Love, prepare yourself for calling down pain and suffering. Succinctly, adhering to the Religion of Love, is also negating one’s own existence and actualizing one’s own essential poverty.

الحبّ في الثيولوجيا الباطنية الإسلاميّة

ترجمة: محمد علي جرادي

حينما نضع الحبّ ضمن سياق أصول الدين الثلاثة، يمكن لنا القول إنّ النصوص تناقش الموضوع من أربع حيثيّات، هي: النظر إليه باعتباره حقيقة أبديّة، ودافعًا إلى الخلق، والقوّة المسبّبة للهداية الإلهيّة، والهدف النهائي لوجود الإنسان. من هنا، كان الحبّ شوق الوصال، أو الاتحاد، والهدف منه هو أن يجتمع الحبيب بمحبوبه لا أن يتفرّقا، وقد فهمه المتصوّفون كطاقة تمهّد للالتقاء بين الله، والإنسان.

When considering love in context of the three principles of faith (uṣūl al-dīn), it appears that the texts discuss the topic from four different angles, which are it being an eternal reality, the motive for creation, the force behind divine guidance, and the final goal of human becoming. In this light, love becomes the longing for union (wiṣāl/ittiḥād), whose goal is the lover’s coming together with the beloved without separation. Sufis have understood love as force that paves the way of the meeting of God and man.

التجربة الدينيّة في الإسلام التقليديّ

 

ترجمة: ديما المعلم http://al-mahajja.org/author/dima-el-mouallem/

تعدّدت المصطلحات التي تصف الكيفيّة التي يدرك ويختبر بها الناس الظواهر العادّيّة والاستثنائيّة المرتبطة بالله في مختلف اللغات الإسلاميّة. لكنّ الكلمة المستعملة اليوم لترجمة المفهوم المعاصر، أعني بها كلمة تجربة، لم تكن من ضمن هذه المصطلحات. وكلّ مطّلع على الإسلام يعرف أنّ ما يسمّى عادةً “التصوّف” أو “العرفان” يتناول موضوع تجربة الشعور بحضرة الله بالتفصيل. نظرًا لأهميّة التصوّف على مرّ التاريخ، يعني هذا أنّ طريق البحث عن الله والإحاطة به، قد كان من اهتمامات عدد لا يُحصَى من المسلمين. ويعبّر كارل إرنست عن إجماع العلماء المتخصّصين حين يقول: “إنّ العرفان هو أحد أرحب مدارس الروحانيّة في تاريخ الأديان. بدءًا من أصوله التي تعود إلى النبيّ محمّد والوحي القرآنيّ، كان للتوجّه العرفانيّ بين المسلمين دور لا يُبارَى في تطوّر الدين الإسلاميّ على الصعيدَين العامّ والخاصّ”. لذلك، سأسلّط الضوء في هذا المقال على بعض المطالب الواردة في عيون المصادر الصوفيّة.

 Numerous terms were employed in Islamic languages to designate the ways in which people perceive and experience ordinary and extraordinary phenomena pointing back to God, though the words used nowadays to translate the modern notion of experience (e.g., tajriba) were not among them. Anyone acquainted with Islam will be aware that what is commonly called “Sufism” or “Islamic mysticism” addresses the issue of experiencing God’s presence in voluminous detail. Given Sufism’s prominence over history, this means that the path of finding and perceiving God has been a preoccupation of countless Muslims. Carl Ernst is expressing the consensus of specialists when he says, “Islamic mysticism is one of the most extensive traditions of spirituality in the history of religions. From its origins in the Prophet Muhammad and the Qur’anic revelation, the mystical trend among Muslims has played an extraordinary role in the public and private development of the Islamic faith.”1 Here I will highlight a few themes in the primary literature.   

حوار مع البروفيسور ويليام تشيتيك

تحميل البحث: حوار مع البروفيسور ويليام تشيتيك

يعدّ ويليام تشيتيك اليوم واحدًا من العلماء الذين اشتغلوا في مجال الفكر الإسلامي، وأبحاثه تغطي مجالات واسعة من الدراسات الدينيّة المقارنة، إلى الأبحاث الصوفيّة والفلسفيّة والأدبيّة. تُرجمَت الكثير من أعماله إلى اللغات البوسنيّة، الفرنسيّة، الألمانيّة، الأندونيسيّة، الإيطاليّة، اليابانيّة، الفارسيّة، الروسيّة، الأسبانيّة، التركيّة، والأورديّة.

يسعدنا في هذا العدد من مجلّة المحجّة، وضمن حوار أجرته أن نطرح على البروفيسور الأسئلة الآتية، وقد تمّ تقسيم الحوار إلى محاور زيادة في الفائدة.

افتتاحية العدد 36

تحميل البحث: افتتاحية العدد 36

يأخذك “ويليام تشيتك” في رحلة إلى عوالم الفكر، تقف معه عند بوابة الكلام، تأخذك الدهشة من ارتسام الحروف المحفورة على عتبة القول، فتنبهر كثيرًا، وتصبح كقمر يدور في فلك كوكبه، حتى إذا ما وعيت، أدركت أنّك كنت تسمع حديثًا، يحتاج إلى مراجعة وتدقيق، فتنهال عليك رسوم السؤال، فتقف عندها، تحاول أن تتخطّاها، لكنّها سرعان ما تجرفك إلى ساحل شاطئ، فتلحّ عليك بأن تكون القطرة التي تريد أن ترفد البحر بما تصوّرته أنّه الماء. فتقرّر في نهاية الأمر أن تستريح، وتبوح بما يجول في خاطرك.

القبّالاه مذهب التأويلات الباطنيّة

تحميل البحث: القبالاه مذهب التأويلات الباطنية- دكتور رشاد عبد الله الشامي

القبالاه هي تيار أو مدرسة فكريّة تعتمد على الباطن والوجدان الذاتي لتفسير الكتب الدينيّة. وأهمّ ركائز هذه المدرسة هي التصوّف الذي أدّى على أحداث تحوّل مهمّ وخطير في العقديّة اليهوديّة دون المساس بشعائرها الدينيّة الظاهريّة وقد انتشرت هذه النزعة بين يهود أوروبا في اقرن السادس عشر وما بعده. وكان لهذا الانتشار أثره الكبير على النزعة المسيحانيّة عند اليهوديّة وبالتالي على تأسيس الكيان الإسرائيليّ الحالي.