ديوجين باحثاً عن مصباحه في ظهيرة الحداثة:لقاء مع سقراط في عتبة الألفيّة الثالثة

في المسارات الفلسفية المودية إلى الحداثة، تكفُّ الفلسفةُ عن الانهمام بإنشاء المذهبيّات الدُغمائية وتقنع بإثارة السؤال ومعارضة الجواب؛ إنه انتقالٌ من التعالي إلى المحايثة، من العقلنة إلى المفهمة. وإذ تتأكّد الحاجة إلى الفلسفة لتصيغ من معارف العلم رؤى في الإنسان والعالم والعصر، ومع تحوّل الذاتية الفلسفية إلى ذاتوية تنادي بصراع حضارات على أساس هويّات مدعومة بثقافويّات، نجدُنا أمام بروز متجدّد للمِتافيزيقا، يدعو حكيم العصر إلى إصلاح الحداثة بتحكيم معايير الصحة المعرفية والمشروعية النقديّة.

الموت وعالم الخيال: المعاد عند ابن العربي

ترجمة: محمود يونس

تشكّل مباحث “المعاد” ثالث الأصول في الإسلام السنّيّ بعد التوحيد والنبوّة. ويعالج الصوفيّون الباحثون في المعاد جانباً واسعاً من الموضوعات، وإن كان أهمّها مبحثا “الرجوع الاختياري” و”الرجوع الاضطراري”؛ ويُعنى المبحث الأول بسبيل إحراز الكمال المعنويّ في هذه الحياة، أما الثاني فبطبيعة الموت المادّي والقيامة الجسدية. ويتعرّض ابن العربي الكبير (توفي 638هـ؛ 1240م) لكلا المبحثين بسعة وغزارة، مهيّئاً المجال لكلّ من سوف يليه من المتصوّفة، والمتكلّمة والفلاسفة إلى يومنا هذا. سوف أحاول في هذه الورقة إجمال الخطوط العامة لبعض تعاليمه في الرجوع الاضطراري، مموضعاً المبحث في إطار الرؤية الشاملة لابن العربي.

المعاد في زمن الحاجة إلى الأخلاق

لا تستقيم الحياة الأخلاقية دون نواظم تحدّد حركتها ومفاصلها وغاياتها. وإذا ما سقطت هذه النواظم دون إمكانية التبرير، تهافتت البنى الأخلاقية وتساوت كل الأشياء. وللمعاد، في ضمن هذه النواظم، حاكمية وسعة خاصّتين تجعلانه أصلاً لا تثبت قيم الدين، أيّ دين، دونه. فالمعاد، وهو، بالمطلق، لقاء الله، يحرّك كوامن الشوق إلى لقاء الغاية لدى الإنسان، ويسكن ألمه الذي يكابده في دنياه، ويقفه أمام مسؤولياته التي كانت مذ جُعل مختاراً. بيد أنّ المعاد، كمبحث، يفرض صعوبات خاصّة لدى معالجته، ما يحيلنا على مقاربة لا بدّ لها أن تكون في غاية السعة، بمعنى أنّها تقرأ كل جوانب الذات الإنسانية في محاولةٍ لتلمّس الطريق نحو مصيرها المعاديّ.

وجوه استفادة العلوم الإنسانيّة من علم الكلام الإسلاميّ

ترجمة: هواري الجزائري

يطرح هذا الحوار ضمن قسمين: يتناول القسم الأوّل أصل قضيّة العلاقة بين علم الكلام والعلوم الإنسانيّة، أو بتعبير آخر، مساعدة علم الكلام للعلوم الإنسانيّة؛ وأمّا القسم الثاني فيختصّ بطريقة تطبيقات هذا البحث، ويحتوي على  عرض قائمة من تفاصيل مواضيع علم الكلام التي يمكن أن تؤثّر في الفروع والاتّجاهات المختلفة للعلوم الإنسانيّة، وتؤثّر في موقف علم الكلام من سائر العلوم.

عقلانيّة هوبز: من إلزاميّة الفعل إلى حريّة الاختيار

مثَّل هوبز نقطة تحوّل جديدة في الفكر السياسيّ، فقد أتى بمنظومة تفكير كاملة تبدأ بطبيعة الإنسان، متوسّطًا الأنتروبولوجيا لفهم السُّلطة. ولفهمٍ جيّد للسياسة، لا بدّ من إدراك الإنسان قواه وغايته؛ لأنّ السلطة مرتبطة به.

انطلق هوبز من عقلنة السلطة، فهي كائن صناعيّ، ابتكره الإنسان. وبهذا الابتكار، أقام قطيعة مع كلّ النتاجات الفكريّة السابقة، وهي نتاج العقل الإنسانيّ، تنشأ من الاتفاق مع إرادات حرّة مساوية له في أن ينشئ دولة، تحقّق الأمن والاستقرار من خلال تنازله عن كامل حقوقه الطبيعيّة. وفي الوقت الذي أقنعنا فيه هوبز بأنّ السلطة كائن صناعيّ، بما هي فنّ إنسانيّ؛ قام بإرساء مفهوم الاستبداد على الرغم من أنّه لم يدعُ إليه علنًا، بل دعا إلى حكم العقل. كما تحدّث هوبز عن سيادة مطلقة، يكون الحقّ محصورًا في سنّ القوانين التي لا مشرِّع غيرها، ولا يمكن أن يصدر عنها إلّا ما هو خيِّر.

مدى تأثير العرفان الإسلامي في العلوم الإنسانيّة

ترجمة: السيد هواري الجزائري

يطرح هذا الحوار مع آية الله السيد يد الله يزدانپناه علاقة العرفان الإسلامي وتأثيره في العلوم الإنسانيّة، بوصفه منهجًا من مناهج الدراسات، إلى جانب المنهج الوصفي، والمنهج التجريبي. ولأنّ الأنتربولوجيا تتعمّق في علم الإنسان اجتماعيًّا وثقافيًّا وحضاريًّا؛ فهي تتقاطع مع العرفان في كون موضوعه الرئيس هو أعظم مظاهر الحقّ تعالى، وهو الإنسان الكامل. فيعرض العلّامة بدايةً بعض أفكاره حول الموضوع، ثمّ يجيب عن الأسئلة والاستفسارات الموجّهة إليه.

موسى ودين الحبّ: تأمّلات حول منهجيّة دراسة التصوّف

ترجمة: ديما المعلم

يقدّم المقال إطار أحمد السمعاني النظري لموسى (ع) الذي يعدّ مثالًا للمحبّ الساعي إلى محبوبه الذي جذبه إليه بالملاطفة، وبالكلام بلا واسطة. فالحبّ تستوجب هذه الثنائيّة بين المحبّ والمحبوب ﴿يُحبِّهم ويُحِبُّونه﴾. ويشرح السمعاني سبب التلازم بين الترقّي في طريق الحبّ مع تضاعيف الشدّة والقسوة، فإذا أردتَ الترقّي في دين الحبّ، عليك بالاستعداد لاستنزال الألم والعذاب. كما أنّ اتباع دين الحبّ يعني، باختصار، أن ينفي المرء وجوده الذاتي، ويحقّق فقره الجوهري، وذوبانه في المحبوب تعالى.

This article represents the theoretical framework of Aḥmad al-Samʿānī’s conception of Moses as a model for the lover who seeks the beloved who brought him close through caresses and direct speech. Love requires this duality between the lover and the beloved: “He loves them and they love Him.” Al-Samʿānī explains why advancing in the path of love brings about increased harshness and severity, if you want to advance in the Religion of Love, prepare yourself for calling down pain and suffering. Succinctly, adhering to the Religion of Love, is also negating one’s own existence and actualizing one’s own essential poverty.

العقل ومرجعيّته في العلوم الدينية

العقل في الروايات هو القوّة والقدرة على التحليل، وفي الفلسفة الجوهر المجرّد عن المادّة ذاتًا وفعلًا.

يساهم العقل في تحديد معيار لتشكّل العلوم الدينيّة إذ إنّها علوم متمحورة حول الدين، تابعة لطبيعة السبب الذي دعا إلى نشوئها، وبما أنّها إنسانيّة فللعقل فيها دور محوريّ، فهو يكشف عن حقّانيّة الدين الموحى من جهة، وحاضر في العلوم الاعتباريّة لجهة التحليل المنطقي لإثباتها من جهة أخرى.

وبما أنّ العلوم تنشأ نتيجة الحاجات وتتنامى بالتدريج، فصحّة المعرفة ترتبط بمطابقتها للواقع، وهذا هو عمل العقل.

Reason (ʿaql), when mentioned in narrations, is the capacity and ability to analyze, while in philosophy it is an abstract immaterial substance (jawhar mujarrad ʿan al-mādda) in essence (dhātan) and actuality (fiʿlan). In religious sciences, which revolve around religion and are subordinate to the cause of their existence, reason is one determining benchmark for these sciences’ formation. Since religious sciences belong to the humanities, reason has a pivotal role in them, demonstrating the validity of the revealed religion. In natural sciences, reason comes to the fore in logical analysis that seeks to prove the validity of these sciences. Since the sciences emerge out of certain needs and develop only gradually, the knowledge generated from them is valid insofar as it corresponds to reality, reason’s role lies here.

دائرة إمكان الاستفادة من الفلسفة الإسلامية في العلوم الإنسانية الإسلامية

يتشابه مسلك العالِم التجريبي والفقيه في العمل بالظنّ، فالمنهج التجريبي هو منهج ظنّي يؤدّي إلى نتائج ظنّيّة، وهو الأمر عينه الذي يعتمده الأصولي في كشف الحقائق.

ولأنّ العلم عين وجود الحقّ تعالى وموجود به، فهو بالتالي لا متناهٍ، يستفيد من العقل ليصل إلى اليقين في المسائل التجريبيّة. أمّا العلوم الإنسانيّة فتستفيد من الفلسفة بكونها أداة لتبيين أقسام الدين ودفع الشبهات الموجّهة إليها، كما أنّ الهدف من الفلسفة أن يعرف الإنسان نفسه وأنّه عين التعلّق والافتقار بالله.

The empirical scientist and the jurist are alike in that they both function on speculation (ẓann), the empiricist method is a method based on speculation and leading to speculative results. The jurist does the very same thing when seeking to uncover the truth. Because knowledge is the very existence (ʿayn wujūd) of God the Exalted and exists but through Him, it is infinite, and it makes use of reason (al-ʿaql) to achieve certainty in empiricist matters. As for the humanities, they benefit from philosophy because it is a tool that clarifies the different subdivisions of religion and answers the charges levelled against the humanities. Above all, the purpose of philosophy is man’s knowledge of himself: his essential poverty and need of God.

نزعُ القداسة عن المعرفة في الغرب

تحميل البحث: نزع القداسة عن المعرفة في الغرب

ترجمة: محمود يونس http://al-mahajja.org/author/mahmoud-youniss/

وصلت عملية العلمنة ونزع القداسة في الغرب إلى معقل المقدّس نفسه – وهو الدين – بعدما استطاعت إخضاع المعرفة واللغة والتاريخ بعقلانية وطبيعانية خنقت الروح وحجبت العقل. وقد بدأت العملية قديماً في اليونان مع فقدان الروحية الرمزية وبروز العقلانية والتشكيكية وغيرها، ولَئن احتفظت اليونان، مع ذلك، بإرث حكميّ إلهي، فقد تمّ صرفهُ إثر الصراع الذي قام بين الهيلينيّة والمسيحية. ثمّ كانت قطيعة كبرى مع المقدّس عندما أحال ديكارت الأنا الفردية إلى محور الواقع بعد فصلها عن الوحي وعن العقل وهما مركز الثبات في الكون. وأخيراً استطاع هيغل، بعدما مهّدت له شكوكيّة هيوم ولاأدريّة كانت، أن يقوِّض هذا المركز تماماً مختزلاً الكينونة إلى صيرورة والحقيقة إلى عملية زمنية والعقائد المِتافيزيقية الجليلة إلى ‘فكر‛ دنيوي مُقوَّضٍ ومُبتذل.

Desacralization has reached the center of the Sacred itself – i.e. religion – after knowledge, language and history were subordinated through a naturalism and rationalism which strangulated the spirit and concealed the intellect. The process started in ancient Greece with the loss of spiritual symbolism and the appearance of rationalism and skepticism.

If Greece kept a Divine sapiential heritage, then it was discarded upon the strugglebetween Hellenism and Christianity. Then came a major chasm with the Cartesian emphasis on the perceptive ego, and its separation from revelation and the intellect, the two sources of permanence in the universe. Finally, Hegel could, after Hume’ skepticism and Kant’s agnosticism, undermine this center completely and reduce being into becoming, Truth into a temporal process, and the majestic metaphysical doctrines into deconstructed, inane earthly “Thought”.