البنية الأساسية للتفكير المِتافيزيقي في الإسلام

ترجمة: محمود يونس

للحقيقة المِتافيزيقية، بحسب مدرسة وحدة الوجود، بُعدان بلحاظ تعيّنها أو عدمه. فإذا اعتُبر عالم المظاهر، حيث التعيُّنات، في علاقته بالحق، فهو واقعيّ تماماً، أمّا إذا ما لوحظ كقائم بذاته فهو زائف وباطل. ولا ينبغي لمعرفة عالم المظاهر، وهي معرفة ماهويّة، أن تحجب المعرفة بالأساس النهائي للواقع، وهذه معرفة لا تتأتّى إلا حضوراً. هنا يتسلّط العارف على البعدين عندما تذوب أناه في الحق فيتحد الذات والموضوع، وتُدرك الوحدة في عين الكثرة، في نحو معرفة يبقى عصيّاً على الاصطلاحية الماهوية التي لا ترى بين ما هو إبستمُلوجي وما هو أنطُلوجيّ سوى البون والتمايز.

افتتاحية العدد 6

تحميل الملف: الافتتاحية العدد 6

في زمن الاعتقاد بنسبية الحقائق، وانفلات النص من كل قيود، تصبح “الهرمنوطيقا” من العلوم الضرورية، التي لا بد من دراستها ورصد حركتها. وهذا العلم الذي يعتبر قديما قدم النص نفسه، أخذ وجهة أكثر راديكالية منذ القرن السابع عشر، عندما قام الباحث المعروف “شلايرماخر” في تطبيقه على النص المقدّس بوصفه “فن الفهم والاستيعاب”، وتطوّر الأمر من بعده إلى أن أصبحت “الهرمنوطيقا” أداة لمكافحة الاسطرة في الكتب الدينية.

ولكن هذا العلم الوافد إلينا من الغرب، والذي يحاول أن يأخذ حيّزًا في عقلنا وثقافتنا، هل يصلح ليكون من جملة العلوم التفسيرية عند المسلمين؟ السؤال وان كان يبدو صعبا، إلا أنه لا بد من طرحه بعد بروز هذا الاتجاه في أكثر من مكان في العالم الإسلامي؛ حيث أصبحنا اليوم نرى أسماء لامعة تتعاطى مع هذا القطاع المعرفي الوافد، وتحاول أن تفرض سطوته على العقل الإسلامي، علمًا أن مثل هذا السؤال لا بد أن يقترن مع أسئلة أخرى تطال الحقل المعرفي الذي سيعمل عليه هذا العلم، فالباحث عن المعرفة لا بد له من طرح أسئلة أوليّة ينبغي الإجابة عليها، ومن هذه الأسئلة على سبيل المثال:

هل يشبه القرآن الكريم الكتب السماوية الأخرى من ناحية الوجه التاريخي؟ وبالتالي، دراسته وفق مناهج وفلسفات النقد التاريخي؟

وهذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر: إذا كانت الكتب السماوية الأخرى، ونتيجة تموضعها في التاريخ، قد أدى ذلك إلى وجود بعض الدخائل على النص، وبالتالي لا بد من القيام بدراسات لمعرفة الذاتي والعرضي فيها، فهل هذا الأمر ينطبق على النص القرآني؟

كما أن بنية النصوص الدينية، والحقول التي تغطيها، تفرض علينا أن نتساءل عما إذا كانت النصوص الدينية تتناول نفس المساحات المعرفية؟

وهل النص الديني المقدس قابل لأسئلة لا متناهية من جانب المفسر والمؤول؟ وإذا كان الأمر ليس كذلك فما هو الحد الذي يقف عنده التأويل؟ وإذا كان النص الديني قابلا للتأويل فمن هو المخوّل للقيام بهذا الأمر؟ فهل تترك للتجربة الدينية الشخصية، وبالتالي نصل إلى التأويلات لا متناهية للنص الديني؟، أم يحال الموضوع إلى الراسخين في العلم، المدركين للمحكم والمتشابه، وأسباب النزول…

أسئلة كثيرة تطرح، سنحاول في هذا العدد أن نبدأ بتناول ما يمكن تناوله من الإجابات عليها، مفسحين المجال لهذه الفكرة أن تناقش بشكل علمي رصين؛ ولذلك نقدم للقراء عددا من الدراسات حولها، وهي:

  • “ماهية الهرمنوطيقا” للشيخ “أحمد واعظي”، ويعد هذا البحث مدخلًا منهجيًا لفهم الهرمنوطيقا. حيث قام الباحث بملاحقة هذا العلم منذ لحظة انبثاقه في الفكر الإنساني، وصولًا إلى يومنا هذا؛ لذلك بدأ بحثه بالحديث عن البعد اللغوي “للهرمنوطيقا”، متناولا جذر هذا المصطلح في الحضارات القديمة لا سيما اليونانية، ثم انتقل إلى تعريف هذا العلم، وكيفية تطوره منذ القرن السادس عشر حتى “فريدريك أرنست شلاير ماخر”، الذي كان ينظر إلى “الهرمنوطيقا” كفن يشتمل على جملة قواعد تفسيرية محددة، ثم انتقل للحديث عن هذا العلم عند “هيدغر” و “غادامر”، ليختم البحث بعد ذلك بالحديث عن أثر “الهرمنوطيقا” في العالم الإسلامي.
  • الموضوع الثاني: الذاتي والعرضي في النص” للدكتور “علي رضا قائمي نبا”، الموضوع الرئيسي لهذا البحث هو قضية تعدد القراءات واختلافها، ارتكازًا على التفكيك بين الذاتي والعرضي في النص. ويشتمل البحث على ثلاث خطوات تأسيسية: في الخطوة الأولى: يقسم الباحث اختلاف القراءات إلى كلي وجزئي، وفي الخطوة الثانية: يناقش جانبًا من طروحات “الهرمنوطيقا” الفلسفية عند “غادامر”، أما الخطوة الأخيرة: فيخصّها الباحث لآراء المفكرين الإيرانيين.
  • أما الموضوع الثالث، فهو “الهرمونطيقا والنص الديني” للمفكر الإيراني “محمد مجتهد شبستري” فقد تطرق فيه إلى مراده من مفردتي النصوص الدينية و “الهرمنوطيقا”، وأشار إلى أهمية موضوع البحث. ثم تعرض لملابسات ولادة المنهاج التفسيرية في العالم المسيحي، مركزًا من بينها على نظرية التمثيل والرمزية، بعد ذلك سلّط الأضواء على منهج النقد التاريخي والفلسفي وتوظيفه في تفسير النصوص الدينية، أو المسوغات النظرية التي تستند إليها هذه المناهج، ملمحًا إلى ما ينجم عن استخدامه من آثار.

وفي القسم التالي من الدراسة عرض المؤلف باختصار لخمس قضايا أساسية في تفسير النصوص الدينية. وفي الختام أشار إلى نظريات تتصل بتوقعاتنا من النصوص الدينية، وما تكتنفه هذه النظريات من قضايا وإشكاليات.

  • والبحث الأخير في الملف هو “ابستمولوجيا النص” للدكتور “علي رضا قائمي نيا”، ويتطرق الباحث فيه إلى إمكانية قيام معرفة بالنصوص الدينية، وإذا كانت ممكنة، فما هي ماهيتها؟

هذا وقد تناول عدد المحجة فلسفة السهروردي، من خلال بعض الأبحاث التي ألقيت في ندوة السهروردي في دمشق. على أن تخصص المجلة في كل عدد من أعدادها قسمًا خاصًا للدراسات والأبحاث، لا سيما المتعلق منها بالفلسفة الإسلامية ابتداء من هذا العدد.

 

أبستيمولوجيا النص

تحميل البحث: ابستيمولوجيا النص- علي رضا قائمي نيا

تعريب: حيدر نجف

ربّما دلّ عنوان” أبستيمولوجيا النص” على ألوان الالتباس والخطأ في رأي لفيف من علماء المعرفة وبالتالي سيكون هذا العنوان أمراً غير ممكن. يتطرّق علم المعرفة أو نظرية المعرفة لأسئلة من قبيل: “ما هي المعرفة؟”، و”هل المعرفة ممكنة؟” و”ما هي حدود المعرفة ومدياتها ؟”، و”هل يمكن أن نتصوّر للمعرفة حدوداً أساساً؟”. هذه أسئلة شهدتها الساحة الفلسفية منذ القدم, فكانت نظرية المعرفة تبعاً لها وللمناخ الفلسفي السائد في كل برهة تتقدّم على الميتافيزيقا أو تتأخّر عنها وتتهمّش. وطبعا ًتقدّمت الدراسات المعرفية في القرن العشرين إلى واجهة المشهد الفلسفي, أو قل إنها تبوّأت مركز الصدارة في بحوث الفلسفة التحليلية.