العَبر مناهجيّة كإطارٍ منهجيّ لتجاوز جدال الدين والعلم

تمكّنت المناهجيّة التقليديّة من تثوير المقولات العلميّة ومراكمة المعرفة في مجالات اشتغالها. بيد أنّها تأسّست على قطيعة حادّة بين الذات والموضوع، وارتهنت، بشكل عامّ، لاختزاليّة صارمة كان هاجسها الوصول إلى مستوًى أساس من الواقع تُردُّ كلّ الأشياء إليه، ما أفقدنا الفهم الحقيقيّ للواقع في حركيّاته. وهذا ما دفع إلى إعادة النظر في المباني الأنطولوجيّة والمنطقيّة والإبستمولوجيّة التي قامت عليها هذه المناهج، وصولًا إلى مقاربة عبر مناهجيّة تقول بتعدّد مراتب الواقع، وبإمكانيّة العبور من مرتبة إلى أخرى بالتحرّر من منطق الثالث المرفوع. أمّا المساحة (مساحة عدم المقاومة) بين مستويات الواقع، فهي من الغنى بحيث يستحيل الفهم الحقيقيّ للعالم دون التعاطي معها، وهذا ما تعجز عنه المناهجيّة التقليديّة. في حين تُعنى العبر مناهجيّة بالديناميّات التي تتاتّى من الاشتغال على أكثر من مستوًى من الواقع في الوقت عينه مع مراعاة مساحات عدم المقاومة، وهذا هو المفتاح الوحيد لفضّ إشكاليّة العلم والدين لتفاوتهما من حيث الانتماء إلى مستويات الواقع.

Traditional methodologies were once capable of revolutionizing the scientific enterprise, leading to an unprecedented accumulation of knowledge, and bringing about mental shifts that transformed our way of life. Nonetheless, these were built upon a severe split between the subject and the object, and were totally taken by an unyielding reductionism which aimed at reducing everything to one single level of reality. Dynamic reality thus becomes elusive, out of epistemic grasp.

A revision of the ontological, logical and epistemological underpinnings of current methodologies, brings us close to a transdisciplinarity admitting of multiple layers of reality, and of the possibility of moving from one layer to another by abandoning traditional (excluded middle) logic. As to the zones between the various levels of reality – zones of non-resistance to our experiences, representations, descriptions, images, and mathematical formulations – these are so epistemically rich to the extent that ignoring them would make the understanding of the world utterly impossible; this is precisely what traditional methodologies do. Transdisciplinarity, on the other hand, concerns itself with the dynamics that result from tackling more than one level of reality at once, while paying full attention to the epistemic potential of non-resistance zones. Considering the nature of the religion-science debate, investing in transdisciplinarity might prove the only way to settle this debate.

الإيمان والإلحاد والعقلانية

يفتقد فريقا النزاع في سؤال “الإيمان/الإلحاد” إلى أرضيّة مشتركة تؤمّن حدًّا أدنى لتثمير الحوار بينهما. وهذا ما أحال النقاش بينهما إلى تراشق لفظيّ دفاعيّ وهجوميّ للأدوات والأدلّة والحجج والاتّهامات نفسها. من ذلك مثلًا الادّعاء بعدم تماميّة الدليل على وجود الله، والتي يردّها أهل الدين بعدم تماميّة الدليل على عدم وجوده؛ وغير ذلك كثير ممّا يدور في فلك تشكيك كلّ واحد بالحيثيّة العقليّة التي ينطلق منها صاحبه وأدوات المعرفة التي يستخدمها، وصولًا إلى اتّهامات متبادلة بالقصور العقليّ والخلل الفكريّ. ولكن، يمكن الخروج من هذه الدوّامة والنظر إلى المسألة من بُعد آخر يلحظ اتّساق البناء الأنطولوجيّ الذي يشغله إنسان الإلحاد أو إنسان الإيمان. نعم، لا يقود هذا المنظور إلى حلّ للإشكال المبدئيّ – البسيط والمباشر – في السؤال عن وجود الله مثلًا، غير أنّه يُسهم في تثبيت خطوط النزاع والعبور منها إلى مساءلة عقلانيّة قويمة لأسس الخلاف وسبل حلّها أو التعايش معها.

The two disputants of the “theism/atheism-question” lack a common ground that would provide the bare minimum that might bring the dialogue between them to fruition, which in turn turned their dialogue into a slew of offensive and defensive vitriol consisting of the same tools, proofs, arguments, and accusations on both sides, such as the claim that the proofs of God’s existence are not complete, to which theists reply that proofs of his non-existence are, equally, not complete as well. And much like this goes on as each party casts doubt on the rational standpoint of the other and the epistemological tools they use, also accusing each other of mental incapacity and rational deficiency. However, this cycle can be broken by assuming another perspective that considers the ontological context of atheists or theists. Yes, this approach will not resolve the essential problem – the simple and direct problem – vis à vis the question of God’s existence. However, it may prove useful in drawing the lines of the conflict and traversing from thereon to a sound rational interrogation of the basics of this conflict and how to resolve or coexist with them.

منازل الفلسفة الغربية في فكر الطباطبائي: استعراض موجز لكتاب “أصول الفلسفة والمنهج الواقعي”

لا بد، في سياق لحاظ النتاج الفلسفي للعلّامة الطباطبائي، من الوقوف على كتاب أصول الفلسفة والمنهج الواقعي وإفراد حيّز خاص له باعتباره أحد أهم ركائز وأركان نظام العلّامة الفلسفي. وقد لا نجانب الصواب إن قلنا إنّ هذا الكتاب يعتبر من أنضج التجارب الفلسفية التي قاربت طروحات الفلسفة الغربية – الأنطولوجية والإبستيمولوجية على حد سواء – بنَفَس إسلامي. وفيما يلي مقال تعريفي بالكتاب.

Upon reflecting on al-ʿAllāmahaṭ-Ṭabāṭabāʾī’s philosophical works, it is inevitable to stop by his ʾUṣūl al-Falsafah w-al-Manhaj al-Wāqiʿī [the Principles of Philosophy and the Method of Realism] per se as it represents the most crucial pillar in the philosophical tradition of al-ʿAllāmah. It holds true to posit that this book is deemed as one of most mature philosophical experiences approaching the treatises of western philosophy – those ontological and epistemological, equally – imparted with an Islamic breath. The following article, accordingly, introduces this book.

المستغرِبُ المحفوظ بأصله الأوّل منهجيّة التفكير عند الفيلسوف سيّد حسين نصر

حفظ سيد حسين نصر أصله الديني وهويّته الحضاريّة، وسعى لتظهير روح الإسلام وعرضها على العقل المؤسّس لحداثة الغرب المعاصر. فجاءت منهجيّته مركّبة تقوم على تفعيل ثلاثة خطوط متوازية ومتلازمة هي: التعرّف إلى المجتمعات الغربيّة كما هي في واقعها، كذلك المناهج والسياسات التي اعتمدتها حيال الشرق والمجتعمات الإسلاميّة، وخطّ النقد ويجري عنده متاخمًا للذات وللآخر. ولم يعالج الغرب ككتلة صمّاء بل بنية حضاريّة تتعدّد أضلاعها وينبغي فهمها لبناء إستراتيجيّات للمواجهة.

ديوجين باحثاً عن مصباحه في ظهيرة الحداثة:لقاء مع سقراط في عتبة الألفيّة الثالثة

في المسارات الفلسفية المودية إلى الحداثة، تكفُّ الفلسفةُ عن الانهمام بإنشاء المذهبيّات الدُغمائية وتقنع بإثارة السؤال ومعارضة الجواب؛ إنه انتقالٌ من التعالي إلى المحايثة، من العقلنة إلى المفهمة. وإذ تتأكّد الحاجة إلى الفلسفة لتصيغ من معارف العلم رؤى في الإنسان والعالم والعصر، ومع تحوّل الذاتية الفلسفية إلى ذاتوية تنادي بصراع حضارات على أساس هويّات مدعومة بثقافويّات، نجدُنا أمام بروز متجدّد للمِتافيزيقا، يدعو حكيم العصر إلى إصلاح الحداثة بتحكيم معايير الصحة المعرفية والمشروعية النقديّة.

الوعي الزائف في المادّية

ترجمة: محمود يونس

تقبل الأطروحة المادّيّة بواقعيّة النظام السببيّ بعد أن تشترط حصر كلّ علّة بالعلل المادّية. من هنا، يرتبط السؤال المادّي الجوهريّ بالوصول إلى محكّ متين للتمييز بين ما هو مادّي وما ليس بمادّي. إن الإخفاق التاريخيّ للمادّية في الإجابة عن هذا السؤال, واستغراقها في الالتحاق بالعلم كما هو في راهنه، يجعل منها موقفاً فلسفياً قائماً على تسويغ تماميّة العلم (الفيزياء تحديداً) أكثر منها نظريّة ذات شروط صدق يمكن التحقّق منها، وإن رأى المادّيون إلى أنفسهم كمن يلتزم نظريّة ويعمل وفقها.

التجربة الدينيّة في الإسلام التقليديّ

 

ترجمة: ديما المعلم https://al-mahajja.org/author/dima-el-mouallem/

تعدّدت المصطلحات التي تصف الكيفيّة التي يدرك ويختبر بها الناس الظواهر العادّيّة والاستثنائيّة المرتبطة بالله في مختلف اللغات الإسلاميّة. لكنّ الكلمة المستعملة اليوم لترجمة المفهوم المعاصر، أعني بها كلمة تجربة، لم تكن من ضمن هذه المصطلحات. وكلّ مطّلع على الإسلام يعرف أنّ ما يسمّى عادةً “التصوّف” أو “العرفان” يتناول موضوع تجربة الشعور بحضرة الله بالتفصيل. نظرًا لأهميّة التصوّف على مرّ التاريخ، يعني هذا أنّ طريق البحث عن الله والإحاطة به، قد كان من اهتمامات عدد لا يُحصَى من المسلمين. ويعبّر كارل إرنست عن إجماع العلماء المتخصّصين حين يقول: “إنّ العرفان هو أحد أرحب مدارس الروحانيّة في تاريخ الأديان. بدءًا من أصوله التي تعود إلى النبيّ محمّد والوحي القرآنيّ، كان للتوجّه العرفانيّ بين المسلمين دور لا يُبارَى في تطوّر الدين الإسلاميّ على الصعيدَين العامّ والخاصّ”. لذلك، سأسلّط الضوء في هذا المقال على بعض المطالب الواردة في عيون المصادر الصوفيّة.

 Numerous terms were employed in Islamic languages to designate the ways in which people perceive and experience ordinary and extraordinary phenomena pointing back to God, though the words used nowadays to translate the modern notion of experience (e.g., tajriba) were not among them. Anyone acquainted with Islam will be aware that what is commonly called “Sufism” or “Islamic mysticism” addresses the issue of experiencing God’s presence in voluminous detail. Given Sufism’s prominence over history, this means that the path of finding and perceiving God has been a preoccupation of countless Muslims. Carl Ernst is expressing the consensus of specialists when he says, “Islamic mysticism is one of the most extensive traditions of spirituality in the history of religions. From its origins in the Prophet Muhammad and the Qur’anic revelation, the mystical trend among Muslims has played an extraordinary role in the public and private development of the Islamic faith.”1 Here I will highlight a few themes in the primary literature.   

دائرة إمكان الاستفادة من الفلسفة الإسلامية في العلوم الإنسانية الإسلامية

يتشابه مسلك العالِم التجريبي والفقيه في العمل بالظنّ، فالمنهج التجريبي هو منهج ظنّي يؤدّي إلى نتائج ظنّيّة، وهو الأمر عينه الذي يعتمده الأصولي في كشف الحقائق.

ولأنّ العلم عين وجود الحقّ تعالى وموجود به، فهو بالتالي لا متناهٍ، يستفيد من العقل ليصل إلى اليقين في المسائل التجريبيّة. أمّا العلوم الإنسانيّة فتستفيد من الفلسفة بكونها أداة لتبيين أقسام الدين ودفع الشبهات الموجّهة إليها، كما أنّ الهدف من الفلسفة أن يعرف الإنسان نفسه وأنّه عين التعلّق والافتقار بالله.

The empirical scientist and the jurist are alike in that they both function on speculation (ẓann), the empiricist method is a method based on speculation and leading to speculative results. The jurist does the very same thing when seeking to uncover the truth. Because knowledge is the very existence (ʿayn wujūd) of God the Exalted and exists but through Him, it is infinite, and it makes use of reason (al-ʿaql) to achieve certainty in empiricist matters. As for the humanities, they benefit from philosophy because it is a tool that clarifies the different subdivisions of religion and answers the charges levelled against the humanities. Above all, the purpose of philosophy is man’s knowledge of himself: his essential poverty and need of God.

العلم بالدين بين العلمانيين والإصلاحيين

تحميل البحث: العلم والدين بين العلمانيين والإصلاحيين- دكتور احمد محمد سال

يُلاحظ أن الدعوة إلى العلم – في المجتمعات العربية والإسلامية- قد تأرجحت بين محاولة التصالح مع البنية التقليدية كما هو الحال عند الطهطاوي والأفغاني وعبده.. أو بين رفض البنية التقليدية للمجتمع. كما هو الحال عند طه حسين، وشبلي شميل وسلامة موسى، والإشكالية تكمن في أن الفكر العربي المعاصر لم يستطع تأصيل الثقافة العلمية في مجتمعاتنا، وذلك لأن التيار الأول انتهى به المطاف إلى توظيف نظريات العلم في خدمة أهداف دينية وليس من أجل خدمة الإنسان، بينما ذهب التيار الآخر إلى توظيف العلم من أجل تهميش دور الدين..

قراءة في كتاب “الإنسان من عصور التضليل إلى زمن القيام”

تحميل البحث: مناقشة كتاب الزمزي- قراءة دكتور علي الشامي

في قراءته النقدية لكتاب “الإنسان من عصور التضليل إلى زمن القيام”، يرى الدكتور علي الشامي أن الجهد المبذول فيه ليس سوى محاولة للخروج من دوّامة الهموم المعرفية التي لم يجد الإنسان على امتداد التاريخ سبيلاً للخروج منها، حيث يبقى الإنسان هاجساً للبحث في أسباب الوجود ومعانيه، في دلالاته وأسراره، وفي حقائقه ومتاهاته.