القيم الغربيّة: حكاية السيّد الذي أطاح به خادمه

كما الأساطير القديمة، الماقبل سقراطيّة، فإنّ الأسطورة التي نحن بصددها متجذّرة في الملاحظة الحثيثة لهذا العالم. تشير القصّة إلى علّة إرجاع الوعي الغربيّ كلّ قيمةٍ عليا إلى القيمة الوحيدة التي يعرفها – المنفعة – ولماذا لا يستطيع (الوعي الغربيّ) أن يقوم بخلاف ذلك. وقد تغيّر، جرّاء ذلك، وبمرور الوقت، نحوُ الانتباه الذي نوليه العالمَ. بالمقابل، فإنّ الوعي المتغيّر قد “خلق”، حرفيًّا، عالمنا المتغيّر. إنّها، بالطبع، قصّة عجرفةٍ فكريّة، ونفسٍ ضئيلةٍ أيضًا. بل هي محنةٌ بدأ عددٌ من المفكّرين الغربيّين، منذ القرن التاسع عشر، بإدراك مضامينها ومفاعيلها.

توحي الأسطورة بتبلور جانبٍ واحد من جوانب اشتغالنا الذهنيّ – مع مرور الزمن – ليتطوّر إلى نظامٍ طاغٍ منغلقٍ على الذات، نظامٍ يقفل كلّ آليّات التفلّت الممكنة: لقد هندس الخادم إطاحة سيّده.

Like ancient pre-Socratic myths, this one is rooted in close observation of this world. Unlike the older myths however, it was published only late last year, and its author is a psychiatrist, neurologist and philosopher.  He uses his close neurological observation as a metaphor for a story about ourselves, the world, and where we are now.   It points to why Western consciousness returns higher moral values to the only value that it knows – utility; and why it cannot do otherwise.  Over time, the attention we give the world has changed – and, in turn, this changed attention has literally ‘created’ our changed world.  It is, of course, a story of intellectual Hubris and slighted Soul too.  It represents a catastrophe that began to be understood by a few Western thinkers in the nineteenth century. The myth suggests the elaboration, over time, of one aspect of our mental workings that has evolved into a self-enclosed and dominant system – one that seems to close off any possible escape mechanisms: the servant has engineered the usurpation his master.

الخصائص العامة للانسان منم منظور الطباطبائي

يتجلى فهم الطباطبائي للإنسان من خلال إسهامه في بناء منظومة قيمية تأخذ بالحسبان دور الاعتبارات العملية في إعادة تشكيل اللحمة مع عالم الغيب؛ وما الاعتبارات سوى وسائل لحقائق وجودية تحتها، وليست هي غايات في نفسها؛ ولهذا يحيلنا الطباطبائي وعلى الدوام إلى النظر فيما هو أبعد من تلك الاعتبارات والتي قد يؤدي عزلها عن أصولها إلى اختزال الحقيقة الإنسانية في البعد التجريبي، أو الاعتباري البحت، الأمر الذي يوقعنا في حلقة مفرغة تتصنّم عندها الاعتبارات، وتنقلب عن غاياتها المرجوة إلى سلوكيات عدمية ليس في قاموسها سوى لغة النبذ والتكفير وطمس معالم الهوية الإنسانية. من هنا، كان من الضروري أن نعاود تشريح البنية الإنسانية على أساس أنثروبولوجيا الروح والنفس عند الطباطبائي لما لذلك من أهمية قصوى في فهم سيرورة الإنسان على مستوى أبعاده الوجودية والغائية.

aṭ-Ṭabāṭabāʾī’s understanding of man is manifested through his contribution to tracing out a system of values that takes into account the sensible contingents to reestablish the very connection with the world of the Unseen. The contingents, qua contingents, are none other than instruments underlying ontological truths. They stand not as an ultimate aim as such. Therefore, al-ʿAllāmahaṭ-Ṭabāṭabāʾī often leads us to explore what lies beyond such contingents that once singled out from the origin thereof might lead to the reduction of the human truth unto the empirical or absolute, nominal dimension, which alludes to a vicious circle whereby the contingents are idolized, drifting from their original aims towards nihilistic behaviors that connote abandon, takfīr, as well as the eclipse of the human identity. Accordingly, it is instrumental to reread the human entity in light of the anthropology of the soul and self in aṭ-Ṭabāṭabāʾī, as it is crucial to bring about an understanding of the process of man in the levels of his ontological and teleological dimensions.

الألم في فلسفة الأخلاق

يكاد طيف الألم يتبوّأ عنايةً ومحوريّة خاصّةً في دائرة القلق الإنسانيّ على صعيد الفرد والجماعة إبّان مقاربة المبادئ الأخلاقيّة في الفلسفات الشرقيّة منها والغربيّة، سواء بسواء. وهو بذلك يشكّل فيصلًا لا محيد عنه في بنية الفكر الأخلاقيّ، إذ يضطلع بوظيفة نحتيّة تكوينيّة، ليحفر بذلك المبدأ الأخلاقيّ إيّاه. ولمّا اكتسبت المبادئ الأخلاقيّة في القرون الوسطى بردةً مِتافيزيقيّةً محكمة، انتمت المبادئ الأخلاقيّة إلى منظومة عقيديّة محكمة رأت إلى اللذّة والألم على أنّهما خارج نطاق المادّة بما هي هي. ولئن طرحت بعض الفلسفات المشرقيّة تصوّرات لخلاص الفرد من آلامه، فإنّ بعض النظريّات الفلسفيّة الغربيّة نظّرت إلى قوننة الخلاص من الألم بما له بعد جماعيّ، ليصهر الأخلاق الفرديّة في سياق الجماعة.

إعادة النظر في المعرفة: “الأسلمة والمستقبل”

ترجمة ديما المعلّم

يشكّل نقاش أسلمة المعرفة حيّزًا محوريًّا بلحاظ آفاق المسلمين المستقبليّة، إذ يركّز هذا النقاش، أكثر ما يركّز، على طبيعة الهويّة الإسلاميّة، والحداثة، وطرق التفكير في الواقع الإسلاميّ، حاضرًا ومستقبلًا. ولكن قد تداخلت في هذا النقاش، عينه، عوامل أدّت إلى تهميش الهويّة الإسلاميّة بالنسبة إلى المشاركين فيه وإلى مراقبيه على حدّ سواء. أمّا هذا المقال، فهو ينظر إلى الأسلمة على أنّها مشروع حضاريّ (1) مرجعه القرآن، و(2) قوامه إعادة النظر في المعرفة. كما يحلّل المقاربات المؤسّساتيّة والمفاهيميّة المعتمَدة. وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أنّ عمليّة إنشاء فروع معرفيّة جديدة، في إطار الأسلمة، هي ثلاثيّة الأطراف، ترتكز على (1) الكلّانيّة، و(2) محوريّة المجازفة والشكّ، و(3) الاعتراف بالجهل. ثمّ إنّ الأسلمة تنطوي على نقد الحضارة الغربيّة، ما يجعلها تبدو ذات نزعة رفضيّة، لكنّ هدفها، في الحقيقة، ليس إلّا التوفيق بين نظرتَين مختلفتَين. ويعدّ خطاب الأسلمة، راهنًا، تنظيريًّا، فالتطبيق يحتاج إلى ممارسة وجهد، كليهما.

دراسة ونقد لبرنامج الفلسفة للأطفال من منظار الحكمة المتعالية

ترجمة عزّة فرحات

يروم هذا المقال إلى دراسة برنامج الفلسفة للأطفال من منظار تعاليم مدرسة الحكمة المتعالية. ويدور رحى البحث حول السؤال الأساس الآتي: ما هي المباني الفلسفيّة لبرنامج الفلسفة للأطفال؟ وما هي الانتقادات التي توجّه إليه بحسب المدرسة إيّاها؟ ثمّة شواهد على وجود وجوه اتّفاق واختلاف بين برنامج الفلسفة للأطفال والمباني الفلسفيّة للمدرسة الصدرائيّة، وإذ ذاك، سنختطّ وجوه الاختلاف والاتّفاق هذه، لنفصح، تاليًا، عن الفوائد التي يمكن سبرها من هكذا برنامج على غير صعيد.

هل يمكن تعليم الفلسفة للأطفال؟

يؤمن الفلاسفة اليونانيّون، وفي مقدّمتهم، أفلاطون، بأن ثمّة شروطًا صعبةً لتعليم الفلسفة، إذ يضطلع بها من بلغ سنّ الرشد حكرًا، ممّن راكم معرفةً. ولكن مع كانط، الذي ميّز بين الفلسفة والتفلسف، اتّخذت طريقة فهم الفلسفة منحًى آخر. فسهّل المنظور الكانطيّ إمكانيّة نقل الممارسة الفلسفيّة من المحتوى إلى الطريقة، وهذه الطريقة، إيّاها، هي القابلة للتعلّم للأطفال، ما إن يطرحوا أسئلة اللماذا أو الما هو، فيعمد المعلّم إلى تحويل المعرفة المعلّمة إلى موضوع نقاش فلسفيّ، مفتتحًا ذلك بسؤال، محاكاةً للمنهج السقراطيّ.

ضعف الترويج للعرفان الشيعيّ عامل هامّ في انتشار العرفان الكاذب

ترجمة عليّ الحاج حسن

يبسط الدكتور محمّد فنائي الأشكوري، وهو أستاذ في الفلسفة في مؤسّسة الإمام الخميني، قدّس سرّه، الحديث في هذا الحوار عن العرفان ببعده الشرّانيّ الداخليّ، وبما هو معرفة باطنيّة، وميل باطنيّ، ونزوع نحو معرفة الله. ميل لا يختصّ بثقافة محدّدة، بل مشترك بين البشر، كلّ البشر، فهو مبنيّ على فطرة معرفة الله، وكذا هو الجزء الطوليّ لا العرضيّ للدين. وبالتالي فإنّ المعرفة والميل مبنيا العرفان. والمعرفة العرفانيّة معرفة شهوديّة من حيث هي ملاقاة مباشرة مع الله ومظاهره. والقلب مهماز العرفان، هو هو الذي يصيّر عباداتنا عبادات عرفانيّة. ومن ثمّ يخلص الأشكوري إلى أنّه يجب أن لا نطلق اسم العرفان على المدارس المعاصرة التي تحمل اسم العرفان، إذ لا حديث فيها عن الشهود، ولا عن التجربة الباطنيّة، ولا عن السير والسلوك، بل هي تشبه العرفان في الظاهر، وهذا هو عين العرفان الكاذب الذي يدور رحاه في الغالب حول الأمور الدنيويّة.

الطبيعة الإنسانيّة في الهندوسيّة

تمثّل الروح (أتمان) جوهر الطبيعة الإنسانيّة المماثلة للروح المطلق (برهمن). لذلك، فهي بسيطة غير مركبة؛ لا يمكن إدراكها عن طريق الأعضاء الحسيّة أو التحليل العقليّ. إنّما يتمّ ذلك عن طريق إدراك العارف لها عبر التجربة الدينيّة التي تسمح بالوصول إلى ذلك المكوّن الفطريّ في كلّ إنسان. ولأنّها على هذه الشاكلة، تتّخذ الروح من القلب الإنسانيّ مستقرًا لها، وتعمل على تنشيط العوامل التي تساعدها للخلاص من أجل أن تتماثل مع اصلها والاتّحاد به. فعندما يهتمّ الإنسان بنقاء فطرته فإنّه يتوحد بالبراهمن، ويصير مطمئنّ البال والنفس. لا يعني ذلك نفي العالم، أو الخروج منه، إنّما يعني ضرورة نظم العالم عبر مجموعة من الأعمال الصالحة والأخلاقيّة التي لا ترتبط بمصلحة أو منفعة خاصة، إنّما تقوم على عنصر الانسجام الذي يتيح الوصول إلى الأصل المحض بخيريّته.

The soul (Atman) constitutes the very essence of human nature and is analogous to the supreme soul of Brahman. As such, it is simple and cannot be grasped by the sensory organs or through mental analysis. Religious experience, alone, allows for arriving at that primordial constituent in every human being. Thus constituted, the soul dwells in the human heart, attempting to revitalize the elements that lead to redemption through resemblance of its origin, and unity with it. When man is heedful of the purity of his primordial nature, he unites with Brahman, and arrives at the state of peace of mind and soul. This does not suggest renouncing the world, or somehow fleeing from it altogether, but rather stands for organizing the world through a set of conciliatory and ethical actions, far removed from any personal advantage or profit, but based on an element of harmony that enables man to reach his very pure origin.

منهج قراءة الفاروقي للإسلام

اختلف المفكّرون المسلمون في كيفية استخدام المفاهيم التي تعمل على قراءة التراث الإسلامي، ما أدى إلى بروز تيارات عدة، أبرزها تيار يدعو إلى تحوّل العلوم، وآخر إلى تأصيلها، بالإضافة إلى تيار ثالث يدعو إلى أسلمة المعرفة، وصل إلى ذروته مع إسماعيل الفاروقي وحمل دعوة واضحة وصريحة لا لبس فيها إلى تغيير آليات التعامل مع العلوم وضرورة إعادة النظر بها.

أسّس الفاروقي رؤيته على التوحيد الذي يتحوّل برأيه إلى ناظم منهجي للتفكير والتحليل والاستنتاج، فهو جوهر الإسلام، والحضارة والدين، وهو مبدأ التاريخ والمعرفة والغيب والأخلاق والنظام الاجتماعي، والأمة والأسرة والسياسة والاقتصاد والنظام العالمي.

ديوجين باحثاً عن مصباحه في ظهيرة الحداثة:لقاء مع سقراط في عتبة الألفيّة الثالثة

في المسارات الفلسفية المودية إلى الحداثة، تكفُّ الفلسفةُ عن الانهمام بإنشاء المذهبيّات الدُغمائية وتقنع بإثارة السؤال ومعارضة الجواب؛ إنه انتقالٌ من التعالي إلى المحايثة، من العقلنة إلى المفهمة. وإذ تتأكّد الحاجة إلى الفلسفة لتصيغ من معارف العلم رؤى في الإنسان والعالم والعصر، ومع تحوّل الذاتية الفلسفية إلى ذاتوية تنادي بصراع حضارات على أساس هويّات مدعومة بثقافويّات، نجدُنا أمام بروز متجدّد للمِتافيزيقا، يدعو حكيم العصر إلى إصلاح الحداثة بتحكيم معايير الصحة المعرفية والمشروعية النقديّة.