ثلاثيّة العقل والتربية والجمال نحو الإحياء والتكامل

لئن كانت العلوم التجريبيّة، منذ زمن، نقطة انطلاق للتربية والتعليم بلحاظ المفاعيل التي تفرضها، على الكبار كما الناشئة، فإنّ التجربة الجماليّة بدأت مؤخّرًا تفرض مفاعليها من حيث هي زخم يزوّد الناشئة بمصادر معرفيّة كبرى تتجاوز البعد الملموس الضيّق. وبالتالي، يتجاوز الطفل، بهذه التربية، المحدوديّة التي تفرضها العلوم التجريبيّة، التي لا مناص منها، لينطلق، من ثمّ، بإزاء التجريبيّة، إلى تجربة جماليّة – عقليّة في آن.

مُقَدِّمات في فَلسَفَة جَماليّات الفَنّ

ينطلق الكاتب في بحثه من تعريف ماهيّة الجَماليّات، من حيث كونها قائمة، كفرع من فروع الفلسفة ونظريّات القِيَم، والتي تَتَدَبّر طبيعة الفُنون، وتفعيل ممكنات الحاكِمة الذوقيّة؛ فيعرض بعض المقدّمات الفلسفيّة التي توضح بعض العلاقة بين جماليّات الفنون والذوق الفنّي. فعلم النفس التجريبي يرى أنّ أحكام الجمال يمكن أن تفشل في أن تكون نقيّة وصافية، من حيث مخالطتها مصلحة الحفاظ، أو الاستحواذ على الأشياء الجميلة، أو الانتفاع المعنوي والمادي منها، وبها. أمّا النظريّات الأخلاقيّة فتعزو السلوك الإنساني إلى طلب ما هو جميل وجذّاب معنويًّا من باب تفعيل ممكنات التهذيب الأخلاقي؛ في حين أنّ الجماليّات الفلسفيّة لا تتطرّق فقط إلى الفنّ، أو تُصدِر حصرًا أحكامها على الأعمال الفنيّة، بل تَجتَهد في تعريف ماهيّة الفنّ، كَكيان مُستَقِلّ في تأصيله لعلم الجمال، من دون خلوّه من الغَرَض الأخلاقي، أو السياسي، أو الثقافي، بعيدًا من الإسقاط الغائيّ عليه، وبِتَعَسُّف. فالفنون معارف وأعمال، والجماليّات ظواهر حسيّة تتفتّح نظريًّا وتطبيقيًّا ضمن بيئات ماديّة واجتماعيّة وثقافيّة تُحَدّد ممكناتها.