بين فترة وأخرى تطرح مسألة المِتافيزيقا بشكلٍ متجدّد. وكأنها الفلسفة التي تأبى رحيلًا، أو هجرة باللغة التي يفضّلها العاملون في هذا المركز التي يستضيفنا هذه الأمسية. ولا غرابة لذلك بالنسبة إلى العاملين في الفلسفة بتمايز إيجابيّ أو سلبيّ. فلو صحّت فلسفة بعينها وانتصرت لما كنا هنا الآن نتباحث في ما استجدّ، أو في التفسير الأفضل، أو الأنسب لنقول ما نقول أو ما يتبادر إلى ذهننا قوله. والانفتاح هذا لا يعني أيضًا، تشريع أبواب كانت موصدة، أو فتح أبواب لم تكن موجودة. يتحدّد البحث باستمرار بمقولة ما زالت صحيحة من أيام أرسطو. بفكرة هي بالقوة موجودة إلى تحقّق لها بالفعل. من انتقال من أبيض إلى أبيض إلى صورة الأبيض المطلقة، كما قال مقدّم هذا العدد، ولا أدري لماذا تجاوز القول من أبيض إلى أبيض فإلى أبيض. وهذا موضوع آخر.
والحديث يتوالى عن تجدد المِتافيزيقا فإلى موتها وبعثها، وسيظل الأمر كذلك ما زلنا نبحث، وما زال الإخوة والأصدقاء والزملاء ممن معنا، أو ممن سنأتي في الحديث عنهم يوالون القول في الفلسفة قبولًا وتمثّلًا أو تجديدًا وابتكارًا. فلا موت المِتافيزيقا أدّى إلى إضفاء الرحمة عليها، وإقامة مشاعر حزن أو حداد. ولا إعلان موت الإنسان أوقف ذريّة بني البشر، فما زالوا يعملون في سرّهم وعلنهم فيتكاثرون عددًا ويُكثرون من الأفكار، ويجرّوننا إلى التباحث معهم في ما نقبل وما لا نقبل. وكذلك إعلان موت الله لم يوقف الإيمان به، بل عزّزه وكرّسه وتعلمون اليوم مدى التمسّك بذلك صبحة وعشيّة، والعودة إليه تعالى بجوهره وبما أوحى به، وما أوصل ذلك كلّه إلى أصول، وما أولد من أصوليّات.
إنّ الدخول من زاويتي في نقاش لأبواب المجلّة وأبحاثها لن يقدّم أو يؤخر كثيرًا. بعضها عاد إلى الوراء، وبعضها طرح إشكاليّات قدّمت باقتضاب كفصل من كتاب علمنا أوله ولم نعلم آخره، وبعضها تعمّد المقارنة بين مناهج من عندنا، وبعضها عند الآخر، الأمر الذي يجعل مسألة التقريب واحدة من إمكانيّات مطروحة، لا يضاهيها أهمّية إلّا مسألة المصطلح الذي وكما نلاحظ من بعض مقالات هذا العدد من المجلّة أنّنا أمام تجديد آمل أن ننتفع به ببركة شيخنا الشيخ شفيق جرادي، كما نلاحظ في الترجمات إحكامًا في السبك نادرًا ما نجده في الترجمات المتداولة.