بين الكشف والبرهان ونقيضه ملاحظات في الشعر والفلسفة

لئن تميّز العرب على امتداد تاريخهم الطويل بالقرآن والشعر، كليهما، اللذين كانا على أشدّ اختلاف نظرًا إلى بعض السياقات القرآنيّة التي تعاطت مع الشاعر بما حيث هو ضدّ للنبيّ، فإنّ المتصوّفة المسلمون تنبّهوا إلى ظلال وأبعاد خفيّة في القرآن اتّخذوا منها مادّةً لأشعارهم وشطحهم. فباتت الحقيقتان، الشعريّة والفلسفيّة، تجلّيات إن لمستور مِتافيزيقيّ واحد. وفيما تؤمّن اللغة الفلسفيّة غبطةً عقليّةً فإنّ اللغة الفنّيّة تذهل عن العقل نحو الذهول، ليختلف النصّ الفلسفيّ، إذ ذاك، عن النصّ الشعريّ في الطريقة والأثر في أثناء السعي نحو المستور أو الغيب.

عبد الرحمن بدوي والاتّجاه الوجوديّ

تعتبر الوجوديّة مدرسةً فكريّةً هامّةً شغلت الساحة الثقافيّة والفكريّة لفترة زمنيّة، وكان لها ممثّلوها ومنظّروها ومجلّاتها. إذ حاولت أن تقدّم نفسها بديلًا فكريًّا ملائمًا للمجتمعات العربيّة الإسلاميّة. سيقدّم هذا البحث قراءةً نقديّةً لهذا المشروع عبر أبرز ممثّليه، وهو عبد الرحمن بدوي. لم يكن هذا الاختيار، في الواقع، عبثيًّا، إنّما انطلق من خصوصيّة هذه الشخصيّة التي عملت على تسويغ المشروع في إطار إسلاميّ عبر إيجاد أصول فكريّة إسلاميّة له، تقدّم الدعامة المرجعيّة والتراثيّة له، ما جعله مقبولًا خارج الحاضنة التي ولد فيها. هذا فضلًا عن تقديمها الكثير من الأفكار التي ميّزته عن الوجوديّة الغربيّة، ما جعله فيلسوفًا له مساحة من التمايز والخصوصيّة يستطيع هذا البحث أن يبني عليها، ليتكلّم عن مشروع فكريّ له خصائصه، ورؤيته، ومواقفه المتميّزة.