الحكمة الخالدة: ثورة على الحداثة، أم وجه آخر لها؟

تتنوع الأسماء: “الحكمة الخالدة”، و”العلم القدسيّ”، و”الروحانية المعاصرة”، ولكنّ المحتوى واحد، يدلّ على تيار فلسفيّ، نشأ في القارة الأوروبية، مع بداية تبلور الحداثة الغربيّة التي بدأت مع مارتينيز دي باسكوالي (1727-1774)، وخطت لنفسها مسارًا خاصًّا، وصولًا إلى رينية غينون (1866-1951)، وفريتجوف شوون (1907-1998)، وهنري كوربان (1903 -1978)، وسيد حسين نصر (1933)، وويليم تشتيك (1943)… هذا التيار الفلسفيّ، على الرغم من حمله راية الاعتراض على ما يجري في القارة الأوروبية من تطور فلسفيّ وعلميّ وثقافيّ، إلا أنّه بقي كوكبًا يدور حول نجم الحداثة، يكتسب قوّته ونوره منها، ويتحرّك ضمن نظامها الذي يحدّد جميع المسارات، ويلفظُ، أو يبتلع الخارج عنها.

ترافقت الحكمة الخالدة مع ظهور المدارس الفلسفية الكبرى في المنظومة الغربية، وعملت على رفضها في نموذجَيها العقليّ والتجريبيّ، وعارضت بعد ذلك كلّ فلسفة سعت إلى إبقاء الوجود مرتبطًا بما هو أنطولوجيّ، ورأت أنّ هذه النظرة بحاجة إلى إعادة تقييم جديد، عبر تفعيل الميتافيزيقا الحقيقية، بما هي إحالة إلى المبدأ والأصل. وهي في سبيل ذلك، لم تتوانَ عن مهاجمة كلّ حراك فلسفيّ، لا يسعى إلى ربط الإنسان بحقيقته الروحية. وفي سبيل هذا الهدف، عملت على إظهار الميتافيزيقا الزائفة، بدءًا من “أرسطو”، ووصولًا إلى “ديكارت” و”ليبنتز” و”كانط”، والتي أدّت إلى نشوء التصورات الخاطئة عن العالم، حيث أسلمت الإنسان إلى وعي أنطولوجيّ إزاء الوجود، ما أدّى إلى نشوء وعي زائف، يمركز هذا الكائن في عدمية مطلقة، فَقَد من خلالها المعنى، وأصبح تائهًا، تتلاعب به أهواء الذات، فضلًا عن رغبتها في السيطرة على النفس أو الجماعة التي تعمل؛ للقبض على مقدّرات الشعوب واستغلالها.

تقدّم الحكمة الخالدة نفسها كمشروع حضاريّ، يعيد موضعة الإنسان في مكانته الوجودية السامية، من خلال إعادة بعث ذلك الجانب العظيم الذي أُلغي باسم عناوين مختلفة. إنّها تسعى إلى تفعيل الجانب الروحيّ في الإنسان جاعلةً من “الحكمة الشرقية” السراج المنير الذي سوف يقود الإنسان إلى المقام الوجودي الذي يليق به، عبر ما يُسمّى “بالتحقّق الروحي”، أو “الميتافيزيقا الحقّة”، والذي تشترك فيه كل المذاهب التراثية في الشرق. هذا التحقق هو الذي تسمّيه التراثيات الشرقية – لا سيما الصوفية – مقام “الفطرة الأصليّة الأولى”، لذلك عملت على صياغة علم جديد، ووضعت له مباني، أسمتها “مباني العلم القدسيّ”. هذا العلم لا يمكن الوصول إليه عبر التفكّر الذهنيّ الذي أُسمي عقلًا، وإنّما عبر “عقلٍ مجاوز”، يكتسب معارفه عبر الإلهام، ورأت هذه التراثيّات أنّ ما تعيشه الحضارة الغربية من تيهٍ، يعود إلى هذا التعريف الخاطئ الذي لم يستطع التمييز بين العقل في مقام الخبرة، وهو ما يُسمّى التفكير، والعقل في مقام الحقيقة الحقّة، والذي يستحقّ اسم “العقل”. ورأت أنّ عقل الخبرة الذي انتصر مع الحداثة الغربية دمّر معاني العلم، وأسس للتشظّي المدمّر، حيث أصبحت العلوم قائمة بذاتها، لا ترتبط في ما بينها بفكرة كليّة، تعمل على إيصال الإنسان إلى كمالاته التي وُجِد لأجلها، فأصبحت قيم المنفعة والاستهلاك تتحكّم بها.

كما رأت الحكمة الخالدة أنّ الحياد عن المبدأ الروحي الفطريّ، كان السبب الرئيس الذي تولّدت عنه أوجاع الحضارة الحديثة، وتنامت معه المآسي الإنسانية، وعنه نشأت الفوضى في العقائد والمفاهيم والأفكار والسلوكيات، وهو الذي أدخل البشرية في أحلك مراحلها الظلمانية، هذا الظلام الذي سوف يعمّم، إذا لم تتدارك الحداثة الخطأ الذي وقعت به، وتعمل على تقويمه عبر ربطه بحقيقة وجوده وهدفيّته. لقد وجدت أنّ على العلم الحديث التموضع في المرتبة المناسبة له، والتي يحدّدها العقل المجاوز، عبر إخضاعه بما يمتلك من قيمومة عليه، نتيجة إدراكه للحقائق بذاتها.

وقد استدركت الحكمة الخالدة – أيضًا – مسألة الصراع بين الديانات والمذاهب، والتي أدّت إلى نزعة العلمنة، وتقدّمت خطوة إلى الإمام، حين أكّدت على إخضاع كلّ الأديان والعلوم والمعارف للعقل المجاوز الذي يمثل الميتافيزيقا على حقيقتها، بالتالي ذهبت إلى الحديث عن جوهر الدين وعوارضه، وعدّت الأديان الحقيقيّة، من: إسلام ويهودية ومسيحية وهندوسية وبوذية، تمتلك جوهرًا واحدًا، وما نراه من طقوس وعبادات هي أعراض تطرأ على الدين؛ لتعبّر بشكل رمزيّ عن هذه الحقيقة الدينيّة الجوهرية الواحدة، والمشكَّلة دائمًا، فتتمثل في الإعلاء من هذه الأعراض، أو فكّ رموزها بشكل خاطئ.

تجنبًا للإطالة، وحتى لا نقع في أحكام قيميّة قبل البدء بالموضوع، يطرح هذا العدد من مجلة المحجة موضوع الروحانية المعاصرة، أو الحكمة الخالدة، ويضعه تحت المجهر، وقد انطلق العمل على هذا المحور من مجموعة أسئلة، أهمّها:

ما هي الحكمة الخالدة؟ وكيف قدّمت نفسها؟ كيف نظرت إلى الأديان؟ لماذا طرحت موضوع التقليد؟ وما هو هذا الأمر؟ وما هي علاقته بالأديان؟ وهل ما طرحته يبرر التعدّدية الدينية؟ وهل التعدّدية الدينية تنحصر فيما آلت إليه؟ وهل يجوز لها أن تأخذ جانبًا من الديانات، وهو البعد الوحياني، وتُهمل الأبعاد الأخرى، كالتشريع مثلًا؟ وهل يصحّ اعتماد نظرة توفيقيّة تختزل الأديان في نزعة كلّيّة، في سبيل إقامة علم حديث، يستند إلى مبدأ إلهي؟ وهي عندما تستعير من الأديان ما يحقّق حالة معنوية، ثمّ تقوم بتهميشها، هل تسعى إلى دين بديل من أجل معالجة تكوين البعد الروحي، وإعادته لدى الإنسان؟

وما هي علاقة الحكمة الخالدة بالتصوّف؟

ما هي علاقة الحكمة الخالدة بالديانات الشرقيّة القديمة، لا سيما الهندوسيّة؟ وهل نقلت الدين من حالة مجتمعيّة إلى تجربة روحيّة، عندما جعلتها قاعدة لها؟

هل تُبَرَّر الحالة الاعتراضية للحكمة الخالدة بمواجهة النظرة الغربية التشيئيّة؟ وهل جعلت الغرب مركزًا من جديد، حين وضعت نفسها قاعدة للحكم؟ وهي عندما وضعت معيارًا انتقائيًّا من الدين، وعملت على إنشاء تيار فكر كوني للفضائل الكونية، ألم تأخذ من الدين ما يخدم الإنسان، وليس قصديّة الخالق من الخلق؟ وفي هذا الموضع، ألم تتوافق الروحانيّة مع الحداثة بجعل الإنسان المحور، خاصة أنّ ما قُدِم في هذا التيار، هُمّش فيه الإلهي لصالح الإنسانيّ؟

وثمّة أسئلة عديدة تستحقّ الإجابة في هذه المرحلة، حيث أخذ هذا التيار في التقدم، واحتلّ موقعًا بين المثقّفين، وعبّر عن نفسه في مؤسسات ودول، تعمل على ترويجه.

مع العدد

تنبني أبحاث العدد ضمن ثلاثة أبواب: أوّلها ملف العدد، وثانيها باب الحوارات، وثالثها باب البحوث والدراسات.

يحوي الباب الأوّل تسعة أبحاث.

يمثّل البحث الأول “حكمة مجاوزة لكل الأزمان والأماكن.. مقدمة إلى الفلسفة الخالدة” لصَموئيل بِندِك سوتيلّوس، انطلاقة ملف العدد. يعرض الباحث فيه معاني الفلسفة الخالدة، ومصدر انطلاقة التسمية، وتسلسلها التاريخي، وأعلامها، وكيفية فهم أديان العالم المختلفة من خلالها.

يعرض سيد حسين نصر في بحثه “العلم المقدّس” المعاني المختلفة التي يحملها هذا العلم، ويناقش فيها، ثمّ يتبنّى كونه يرادف الميتافيزيقيا، بما هي العلم المطلق بالحقيقة، حيث يستطيع الإنسان بواسطته التمييز بين الحقيقة والوهم، ومعرفة الأشياء في ذاتها، أو كما هي، وبالتالي معرفتها من خلال معرفة الله.

وتشير الورقة البحثية الثالثة التي تحمل عنوان “ما هو التقليد؟” إلى تعريف نصر للتقليد، وما يمثّل بالنسبة إلى الأديان المختلفة، من قبيل: الهندوسيّة، والبوذيّة، والتاويّة، واليهوديّة، والمسيحيّة، والإسلام؛ ليصل إلى الحديث عن ارتباطه بالحكمة الخالدة التي يبيّن من خلالها أنّ المقدس، بما هو مقدّس، هو مصدر التقليد.

أمّا البحث الرابع “توضيح العلم القدسي في الاتجاه التقليدي للدكتور السيد حسين نصر وتحليله”، فقد شرح عبد الحسين خسروبناه فيه مقصود نصر من العلم الذي يتمثّل العلوم التجريبية الرائجة في الغرب، وبيّن أنّ الحكمة الخالدة هي أهم مبنى من مباني العلم القدسي، والهدفُ المتعالي للتقليدِ هو إظهار وجه معشوق الكل.

كما نقد منصور مهدوي وحميد پارسانيا في بحثهما “تقويم الحكمة الخالدة” منهج الحكمة الخالدة ومبانيها، كما طرحها أصحاب المدرسة التّقليديّة، وعرضاها على أساس ميزان العقل، ثمّ قايساها مع الحكمة عند السّهرورديّ، وأظهرا نقاط التّمايز والاختلاف بينهما.

وأظهر البحث السادس لأحمد ماجد “الغرب والميتافيزيقا المستحيلة: رينية غينون، وإمكان تأسيس ميتافيزيقا مشرقية” فكرة غينون في تأسيس ميتافيزيقا، انطلاقًا من النموذج الشرقي، لأنّه يرى عجزًا عن بناء ميتافيزيقا غربيّة تواجه معوّقات عديدة، أهمّها الانصياع للثقافة الماديّة التي حوّلت الإنسان إلى مجرد أداة في وسط عالم ماديّ.

وحقّق حسين حسيني في بحثه “التقليد والحكمة الخالدة: معناها ونطاقها وخصوصياتها” في ما يرمي إليه التقليد على مستوى الأبعاد الفكريّة للتقليديين من معنى مختلف عن التقاليد والسنن بمعناها المتعارف من حيث الآداب القديمة والرسوم والعادات السالفة، وخصوصية هذا المعنى من جهة تسييله في دنيانا المعاصرة.

أمّا البحث الثامن “تعدّد الأديان ووحدتها من وجهة نظر الشهيد مطهري والتقلديين”، لغلام رضا رضايي، فأظهر التباين في معنى التعدّديّة الدينيّة عند التقليديين الذين يتحدّثون عن التعددية الواقعية، وعند مطهري الذي يقول بالتعددية في سُبل النجاة؛ لأنّ الدين واحدٌ منحصر بالإسلام، وأنّ جميع الاختلافات ترجع إلى الشرائع.

والبحث الأخير في ملف العدد، هو لعلي رضا قائمي نيا، بعنوان: “الوَحدةُ المتعاليةُ للأديان”، وهي تعبيرٌ عن نظرية أتباع المدرسة التّقليديّة في مسألة تعدُّد الأديان، فصَّلها لأوَّل مرّة فريجوف شيون (Frithjof Schuon) في كتابه، حيث قدّم الكاتب توصيفًا للنظريّة، ثمّ بيّن نقاط ضعفها.

وفي باب “حوارات”، أجرت مجّلة المحجّة حوارًا مع الباحث نوّاف الموسوي، منطلقة من تجربته في ترجمة جزء من نتاج هنري كوربان الذي أسّس لروحانيّة ملتزمة مستقاة من تعلّقه بالإمام الثاني عشر عند الشيعة الإماميّة، متحدّثًا عن خفايا الترجمة، والبحث عن المصطلحات، موضحًا أهميّة ما قاربه كوربان، وقدّمه.

أمّا في باب “بحوث ودراسات”، ففيه أربعة أبحاث.

عالج شفيق جرادي في بحثه “الخوف بين التفلسف والتديّن وعوائد الأيّام”، الخوف كظاهرة إنسانيّة من وجهة نظر الفلسفة والدين. عرض معناه، ومسارات تداوله في الحياة الإنسانيّة والدينيّة والمسلكيّة، وما يمثّل الخوف من مصاديق في مسير الإنسان التكاملي.

ولفت مهدي زماني في البحث الثاني بعنوان: “الفيدانتا، الفلسفة الإلهية للديانة الهندوسية”، إلى مراتب الواقعية الخمس في الفيدانتا وقارنها مع الحضرات الخمس في العرفان الإسلامي. وقد فصّل الكاتب في معاني الشعارات الأساسية في مدرسة الفيدانتا، رابطًا إيّاها بآثار رينيه غينون، وفريتيوف شوان.

أمّا البحث الثالث فهو لحسين صفي الدين، عرض فيه “التأسيس الميتافيزيقي للأخلاق عند إيمانويل كانت”، من المبنى المعرفي عنده، وصولًا إلى البنيان الأخلاقي عنده، ومصادرات العقل العملي الثلاث: الحريّة، وخلود النفس، ووجود الله.

وعرض شادي علي في البحث الأخير “محاولات تفكيك الإسلام: عرض وتحليل ونقد .. أركون نموذجًا”، مشروع أركون الفكري، وسماته العامّة، ونظرته إلى القرآن كنصّ وخطاب ووحي، فضلًا عن رؤيته العامّة للإسلام. ثمّ فصّل في نقاط ضعف أركون ومشروعه.

وتتمنّى مجلّة المحجّة أن يكون هذا العدد وغيره مدًّا وعونًا لطلّاب العلم والمعرفة، وخطوة من خطوات هذا الدرب الطويل والممتع والشاقّ.

الغرب والميتافيزيقا المستحيلة

رينية غينون وإمكان تأسيس ميتافيزيقا مشرقية

يعرّف هذا البحث الميتافيزيقا المشرقية، ومقوّماتها، والهدف منها، وسبل الوصول إليها. فبعد عرض عام لـحياة غينون، ومصادره المعرفية، وكيفية تعريفه الميتافيزيقا، سعى إلى إعادة بنائها، انطلاقًا من النموذج الشرقي الذي يعدّه الأتمّ والأكثر وضوحًا، لأنّ بناء ميتافيزيقا غريبة تواجه معوّقات عديدة، منها: جعل الميتافيزيقا مسألة من المسائل الفلسفة، وتركيز البناءات على موضوع الأخلاق القابل للتحيّز.
قدّم “رينيه غينون” فكرة. وهذه الفكرة تحتاج إلى نقاش، فهو قد أشار إلى أزمة الحداثة التي أخرجت الإنسان من كونه كائنًا ميتافيزيقيًّا، وحوّلته إلى مجرد أداة في وسط عالم ماديّ، يريد أن يحصد أكبر قدر ممكن من المنفعة الجزئية.

The West and the Impossible Metaphysics

René Guénon and the Idea of Establishing an Oriental Metaphysics

Ahmad Majid

Abstract

This research defines Oriental metaphysics, its foundational principles, objective, and the means of establishing it. After presenting an overview of Guénon’s life, knowledge sources, and definition of metaphysics, the research seeks to reestablish it through the lens of the Oriental form, which is perceived by the author as the most comprehensive and clear form. Since the establishment of Western metaphysics is prone to various obstacles such as incorporating metaphysics into philosophy and centering its principles on morality which is vulnerable to bias.

René Guénon introduced an idea that still requires further examination. He addressed the crisis of modernism which distanced man from his metaphysical being, reducing him to a mere tool in a materialistic realm driven by the utmost pursuit of limited utility.

الأسطورة والجسد

شكّلت الاسطورة جزءًا مهمًّا من تراث الإنسانيّة، فهي تتعدّى كونها نصوصًا تحمل في طيّاتها أبعادًا مِتافيزيقيّة وتاريخيّة، لتتحوّل إلى خبرة إنسانيّة، تجلّت بكلماتٍ أرادت أن تخبر من خلالها عن الذات-في-العالم. فالأساطير هي تجربة حياة الشعوب بكلِّ تفاصيلها، تختزن الألم والفرح، الهزيمة والانتصار…، وكلّ ذلك بلغة رمزيّة، تحتاج إلى تأويل يعيد الأشياء إلى أوّلها، فيظهرها كما هي قبل أن تتلبّس الأحداث وتعيشها. لذلك سيحاول هذا البحث أن يقدّم قراءةً للأسطورة من خلال مراجعة نمطين من الأساطير – اليونانيّة والهنديّة – لإظهار كيفيّة تعبيرهما عن الذات، وتشكيلهما للذاكرة الجمعيّة اللاواعيّة. وهذه العودة لن تكون شاملة وكلّيّة، إنّما ستمتاز بتوجّهها إلى عنصر واحد فيها هو الجسد.

Myths constitute an essential component of human heritage; they go beyond being texts encompassing metaphysical and historical dimensions to become human experience; experience put into words that express the self-in-the-world. For the myths embody the lives of peoples in all the intimate details, the joys and sorrows, the triumphs and setbacks, in a symbolic language which requires Ta’wīl (hermeneutics), bringing things back to their beginnings, showing them before they were dressed in events, and lived in events. This paper will try to read the myth through an appraisal of two genres of myths – Greek and Indian – to show how these have expressed the self, while constituting common, sub-conscious memory. The approach cannot be thorough or universal; rather would it be directed towards one single element: the body.

لغة الإلحاد المعاصر: بين شرطية لغة الدين وإعادة برمجة الإنسان

يعمل هذا البحث على طرح إشكالية لغة الإلحاد، من خلال وضعها على مشرحة النقد، فهذه اللغة، التي اصطدمت بالدين في أصل مواضعة اللغة، أدركت أنها تعيش في مأزق مشروعية القول، فسعت لذلك إلى ضرب النسق الذي تقوم عليه اللغة، لتحولها إلى لغة شبيهة بالبرمجة من جهة، وإفراغ اللغة الدينية من محتواها، وإظهارها كلغة هامشية من جهة ثانية، دون التنبّه إلى أن التلاعب بهذا الأمر لا يفضي إلى ولادة لغة بديلة، وإنما يؤسس للإنسان المبتور، أو لنقل إلى ولادة كائن افتراضي يُطلق عليه مجازًا اسم “الإنسان”.

This paper poses the issue of the language of atheism, by critically dissecting it as it has run counter to religion in the very foundation of linguistic convention, and realized that it now rests in the crisis of the legitimacy of its discourse. Thus, it seeks to strike the very paradigm on which language rests, turning it into a programming-like language on the one side, and voiding religious language from its content, making it out to be marginal on the other, unwise to the fact that such manipulation does not create an alternate language, but rather sets the ground for a mutilated man, or a transition to the birth of a pseudo-being figuratively called “man”.

اللغة والكلام والفكر عند العلامة الطباطبائي وعلاقتها بفهم القرآن الكريم

أثارت أعمال العلّامة الطباطبائي الفكرية كثيرًا من القضايا التي تحاكي العصر والتي من شأن تفعيلها والحديث عنها الإجابةُ على كثير من الأسئلة، ومن بينها اللغة وماهيتها ودورها في فهم النص الدينيّ، ولذلك فقد كان من الجدير العمل على أخذ هذه القضية ولحاظ نظرة العلّامة للغة وطبيعتها ومنشئها، ثم الميل معه للحديث عن اللسان والقول والكلام والفرق بينهما، حتى إذا استُكمل الحديث عن هذه العناصر، تم التوجه إلى دراسة العلاقة بين الكلام والفكر، لنحط الزاد في نهاية الأمر عند محطة تطبيقية ضرورية تبحث الروابط بين القرآن الكريم واللغة والفكر. ويقع ذلك كله في سبيل لفت النظر إلى أهمية الموضوع وانعكاساته الهامة على كثير من القضايا.

The intellectual works of al-ʿAllāmahaṭ-Ṭabāṭabāʾī have provoked many a question that speak to the modern world and trace answers for many questions that include questions on language per se and the role it plays in understanding the scripture. That is why, it is deemed crucial to reflect on al-ʿAllāmah’s view on the very question of language and the thereof nature and origin, to, then, expound upon his view on the relation between speech and intellect, reaching to an applied, crucial stance on the relation between the Qurʾān, language, and intellect. We, thus, aim at shedding light on the importance of this subject and the profound implications thereof on many issues.

الدلالات الشعيريّة والطقوسيّة في فهم الألم في الأساطير القديمة

للطقس حضور في هذا العالم، إذ يمثّل جزءًا من الإنسان. يتغيّر الطقس ويتبدّل بتغيّر السياقات الثقافيّة التأسيسيّة، كما ينسج جزءًا من هويّة الإنسان، تُلازِمه. وتروم الممارسة الطقوسيّة بما هي فعل تواصليّ إلى إيجاد تجربة جماعيّة واحدة للجماعة، تعبيرًا عن أفكار ماثلة في مخيالها الجمعيّ. وعليه، يكون الطقس دلالةً على الكامن. ولئن كان الطقس الشعيريّ أشبه ما يكون بالكتابيّ، تشكّل الأسطورة الجانب الآخر الشفاهيّ. وهما يتضايفان معًا كيما يشكّلا لحظة الحدث، ليتحوّلا، إذ ذاك، إلى وحدة متكاملة. وعن الطقوس المرتبطة بالألم تبتسر أواصر تحيي انتماء الفرد إلى الجماعة.

عبد الرحمن بدوي والاتّجاه الوجوديّ

تعتبر الوجوديّة مدرسةً فكريّةً هامّةً شغلت الساحة الثقافيّة والفكريّة لفترة زمنيّة، وكان لها ممثّلوها ومنظّروها ومجلّاتها. إذ حاولت أن تقدّم نفسها بديلًا فكريًّا ملائمًا للمجتمعات العربيّة الإسلاميّة. سيقدّم هذا البحث قراءةً نقديّةً لهذا المشروع عبر أبرز ممثّليه، وهو عبد الرحمن بدوي. لم يكن هذا الاختيار، في الواقع، عبثيًّا، إنّما انطلق من خصوصيّة هذه الشخصيّة التي عملت على تسويغ المشروع في إطار إسلاميّ عبر إيجاد أصول فكريّة إسلاميّة له، تقدّم الدعامة المرجعيّة والتراثيّة له، ما جعله مقبولًا خارج الحاضنة التي ولد فيها. هذا فضلًا عن تقديمها الكثير من الأفكار التي ميّزته عن الوجوديّة الغربيّة، ما جعله فيلسوفًا له مساحة من التمايز والخصوصيّة يستطيع هذا البحث أن يبني عليها، ليتكلّم عن مشروع فكريّ له خصائصه، ورؤيته، ومواقفه المتميّزة.

الطبيعة الإنسانيّة في الهندوسيّة

تمثّل الروح (أتمان) جوهر الطبيعة الإنسانيّة المماثلة للروح المطلق (برهمن). لذلك، فهي بسيطة غير مركبة؛ لا يمكن إدراكها عن طريق الأعضاء الحسيّة أو التحليل العقليّ. إنّما يتمّ ذلك عن طريق إدراك العارف لها عبر التجربة الدينيّة التي تسمح بالوصول إلى ذلك المكوّن الفطريّ في كلّ إنسان. ولأنّها على هذه الشاكلة، تتّخذ الروح من القلب الإنسانيّ مستقرًا لها، وتعمل على تنشيط العوامل التي تساعدها للخلاص من أجل أن تتماثل مع اصلها والاتّحاد به. فعندما يهتمّ الإنسان بنقاء فطرته فإنّه يتوحد بالبراهمن، ويصير مطمئنّ البال والنفس. لا يعني ذلك نفي العالم، أو الخروج منه، إنّما يعني ضرورة نظم العالم عبر مجموعة من الأعمال الصالحة والأخلاقيّة التي لا ترتبط بمصلحة أو منفعة خاصة، إنّما تقوم على عنصر الانسجام الذي يتيح الوصول إلى الأصل المحض بخيريّته.

The soul (Atman) constitutes the very essence of human nature and is analogous to the supreme soul of Brahman. As such, it is simple and cannot be grasped by the sensory organs or through mental analysis. Religious experience, alone, allows for arriving at that primordial constituent in every human being. Thus constituted, the soul dwells in the human heart, attempting to revitalize the elements that lead to redemption through resemblance of its origin, and unity with it. When man is heedful of the purity of his primordial nature, he unites with Brahman, and arrives at the state of peace of mind and soul. This does not suggest renouncing the world, or somehow fleeing from it altogether, but rather stands for organizing the world through a set of conciliatory and ethical actions, far removed from any personal advantage or profit, but based on an element of harmony that enables man to reach his very pure origin.

الرؤية والمنهج عند جمال الدين الأفغاني

قُرِأ جمال الدين الأفغاني من قبل العديد من الدراسات، فتمّ التركيز على جوانب من حياته، أُثيرت من خلالها الكثير من الظلال على هذه الشخصية، حيث كان الجانب السياسيّ والمذهبيّ والإثنيّ هو الأَصل وما تبقى عبارة عن فروع، وفي هذا الأمر تحاملٌ كبيرٌ عليه، فهذا المفكّر، وإن اشنغل بالسياسة إلّا أنّه كان ينظر إلى هذا الجانب انطلاقًا من رؤية عميقة للاجتماع الإنساني وكيفيّة تأسيسه والنهوض به انطلاقًا من رؤية كلّية، فالسياسة وحتى في أكثر جوانبها الجهادية، لم تكن إلّا انعكاسًا لرؤيته الفلسفيّة، بالتالي الاشتغالات على جانب واحد من الموضوع يؤدّي إلى تفويت الفرصة للتعرّف عليه بحقيقته، وما كان يسعى لتحقيقه، وهذا البحث، سيحاول أن يبيّن ما أغفلت عنه الدراسات السابقة، ليذهب نحو العميق في فكره.

جمال الدين الأفغاني،الأمّة،الإصلاح، الحكم، الدين،العقل،الوحي

صورة الإيمان في مرآة الإناسة

لا تتخلّف الإناسة عن سياق العلوم التي نشأت مع المشروع الحداثيّ التنويريّ، والتي أسّست على حضور الإنسان في العالم قوانين ثابتةً ومعياريّةً نبذت كلّ مرجعيّة وحيانيّة. وهكذا نرى تحوّل الدين، مع غيرتز، من كونه إطارًا مرجعيًّا مكوّنًا للثقافة ومشكِّلًا للمعنى، إلى منظومة ثقافيّة، ونسق رمزيّ خاضع لسلطة المفسّر التأويليّة بحيث يكيّفه مع الحداثة. ولئن دعا غلنر إلى بقاء الدين، فباعتباره أمرًا إجرائيًّا يسبغ عليه الكائن الحيّ المعنى ولا يستقيه منه، فيفقد أثره التعلّقيّ بالواقع من حيث هو منظومة إيمانيّة اعتقاديّة. من ناحية أخرى، تأتي المقاربة النقديّة لطلال أسد لتنبذ التعريفات التعميميّة للدين على أساس محوريّة التقليد، والعودة إلى القواعد الصراطيّة بحثًا عن المعياريّة. لا يقتصر الإيمان بحسب هذه المقاربة الأخيرة على عمل طقسيّ عاكس للثقافة، بل ثمّة قواعد إيمانيّة ثابتة في النصّ المرجعيّ تنتج فيه المعنى وتحدّد أصول التعاطي معه.

Enlightenment/modernity has produced a group of sciences aimed at understanding man, the sciences themselves being established on the very basis of man’s presence in this world. A resulting normativity, articulated in stringent laws, dismissed any resort to a revelatory authority as unscientific or, at times, irrational. Anthropology falls into this context very fittingly.

In anthropology’s handling of religion, one can see the transformation of religion – with Geertz – from being a reference frame constitutive of meaning, and founding of culture, into a cultural construct, a symbolic system subordinate to the hermeneutic authority of the interpreter whose task it is to conform it to modernity. Or, as with Gellner, religion can be justified inasmuch as it is a logistic apparatus given meaning by the living being, but incapable of producing meaning on its own. It loses, as such, its relation to reality as a belief-faith construct. Critical approaches, on the other hand, as with Asad, reject the generalizing definitions of religion. Tradition, here, regains its centrality, and orthodoxy becomes, again, the source of normativity. Faith, by such a reading, is not restricted to rituals expressive of culture, rather are there rules of faith, traced back to the establishing scripture, wherein meaning is produced and norms defined.