فِنُمِنولوجيا الذات عند السهروردي

ترجمة عليّ يوسف ومحمود يونس

السهروردي فيلسوف وصوفيّ؛ هو رجلٌ من زمنٍ غابر (القرن الثاني عشر)، ومفكّر ينتمي إلى سياقٍ فكريّ داثر. وأيّ احتكاكٍ مع فلسفته يقتضي، بالنتيجة، تفاعليّةً وحيويّة عالية. ونحن إنّما نُسمّيه فِنُمِنولوجيًّا على سبيل إيجاد حلقة وصل. فإذا ما تمكّنا، في مقاربتنا، أن نرقى إلى الحيويّة المطلوبة، قد نتجاوز أيّة مفارقة تأريخيّة قد تعترضنا.

هذا، وليس التقاطع بين إشراقيّة السهروردي والفِنُمِنولوجيا منعدمًا، بل كلاهما يصدر عن مقولة التجلّي. ما أجدُني مُقدِمًا عليه هو بيان الصلة بين حدوس السهروردي وإسهامات ميشيل هنري في فِنُمِنولوجياه المادّيّة، بما يخدم تقديم فلسفته [السهروردي] بوضوح أكبر اليوم.

Suhrawardî is a philosopher and a mystic, a man from a faraway time (twelfth century) and a thinker who belongs to an outdated intellectual context. His philosophy requires us, hence, to mingle with it in a lively manner. Calling him a Phenomenologist is a way of creating a link. If our approach is lively enough, we can avert the risks of anachronism.

There’s already a convergence between Suhrawardī’s philosophy of illumination and Phenomenology, in that they both originate from the notion of manifestation; I suggest showing that his intuitions could benefit from Michel Henry’s material Phenomenology’s insights.

الجسد في الفلسفة الوجوديّة

ترى الفلسفة الوجوديّة في وجود الموجود عمليّة تحقّق مستمرّ، مسرحُها حضور الموجود في هذا العالم. إنّه حضورٌ يمرّ عبر الجسد؛ فنحن موجودون بالجسد، أوّلًا وبالأساس، وننوجد، في العالم، بواسطته. للجسد، إذًا، بُعدٌ تكوينيّ، لنا أن نختبره في احتكاكه بالعالم، وبُعدٌ أداتيّ نختبر العالم بواسطته. فهو المكان الحميميّ القريب الذي تظهر فيه رغباتنا، وانفعالاتنا، وأحاسيسنا؛ فهو، بهذا اللحاظ، نحن. وهو وسيلة التحقّق في العالم، وأداة اختبار العالم واستعماله؛ فهو، بهذا اللحاظ، شيء. وفي حدّ التوتّر بين اختبار الجسد، واختبار العالم بالجسد، تقف الفلسفة الوجوديّة أسيرةً له، مع إقرارها بأنّ تحقّق الموجود لا يكون إلّا بتجاوزه.

Existential philosophy deems the very Being of beings a process of continued actualization, the theater of which is the presence of the being in this world. It is a presence which passes through the body; we exist in the body, first and foremost, but also by the body. The body possesses, then, an existential dimension that we experience in its contact with the world, and an instrumental dimension that we experience the world through. It’s the very intimate space wherein our desires, emotions and feelings come to pass; it is, in this respect, us. It is, moreover, our means of actualization in this world, and our tool to experience the world and use it; in this respect, it is a thing. At such an edge of tension between experiencing the body, and experiencing the world with the body, existential philosophy stands bemused: while captive to the body, it cannot but admit that actualization does not befall beings unless the body is bypassed.

“ازدراء الجسد” في النصوص والتعاليم الإسلاميّة؟

ينبغي النظر إلى الجسد كجزءٍ من بنيةٍ تفاعليّة، في إطار مؤسّسيّ، وظيفيٍّ، متوازن، تُصاغ فيه الموازنة على أساس رؤية شاملة، وهدفيّةٍ إنسانيّةٍ عليا، تأخذ بعين الاعتبار جميع حيثيّات الوجود الإنسانيّ. وفي هذا الإطار يغدو الجسد الإنسانيّ موضوعا للإحياء، والإماتة، والرزق، وسائر العمليّات التي تشكل نشاطًا إلهيًّا متميِّزًا. وسوف لن يُلحظ الجسد بوصفه نقصانًا، بل بما هو إمكان استعداديّ للكمال. فيتجاوز الجسد، في النصوص الإسلاميّة، البُعد البيولوجيّ البحت، ويرقى إلى مستوى التمثيل الاجتماعيّ والثقافيّ بما يمتلكه من طاقةٍ تصويريّةٍ هائلةٍ مشحونةٍ بالدلالاتِ السلوكيّة والقيميّة. ولأجل ذلك، إن أيَّ حديثٍ عن عنوان “ازدراء الجسد” في الاسلام، هو استنتاج حتميّ لغياب الاهتمام برؤية واضحة عن الجسد، وليس استنتاجا حتميًّا لدراسة مستوعبة، أو رؤية فاحصة.

The body is to be seen as a part of an interactive formation, in an institutional, balanced and functional framework, wherein equilibrium is arrived at on the basis of a universal, objective-oriented outlook. Such a worldview takes into account all the whereases of human existence. Within it, the human body becomes an object of life, death, sustenance and all the other processes that comprise this very peculiar domain of Divine activity.  We won’t see the body, here, as imperfection; rather can we only see it as a disposition to perfection. Hence the body transcends, in the Islamic founding scriptures, sheer biological dimensionality, connecting with the levels of social and cultural representations by authority of its tremendous illustrative capacities, laden with values and fraught with significations. In view of that, we judge any talk of “disdaining the body” in Islam as resulting, inevitably, from the lack of a fitting view of the body, not from a diligent, all-encompassing survey.

ابن الطين وغسق الذات المجهولة

لقد كان للفلسفة اليونانيّة – الأفلاطونيّة، وما تفرّع منها، تحديدًا – وكذلك للمسيحيّة، أثرٌ في تجذير النظرة السلبيّة إلى الجسد. وهذا ما شكّل الخلفيّة، في التعاطي مع الجسد، للنموذجين الشخصيّين الذين سادا هذه المساحة الحضاريّة: الغرب والإسلام. أمّا في الغرب، ونتيجة تراكمات تاريخيّة، فقد أدارت النُّظُم الفلسفيّة الغربيّة ظهرَها للدين، ومعه منظومته حول الجسد ومتعلّقاته، ليصير الجسد عندها تمام الذات ومعيار القيمة. وأمّا في النموذج الحضاريّ الإسلاميّ، لم يَحُل رسوخ الروح الدينيّ دون استشراء الموقف النفسيّ الحادّ تجاه الدنيا، وتجاه الجسد بالتَّبَع. بيد أنّنا، إذا ما استطلعنا أصول نظرة الإسلام إلى الجسد وأركانها، وميّزنا بين القراءات الداخل الدينيّة، وتلك الخارجة عن الرؤية الدينيّة، لوجدنا أنّ المسار الفكريّ الإسلاميّ ليس مضطرًّا لأن يخلص إلى نفس مآلات الفكر الغربيّ، بل هو مدعوّ لأن يطوّر نظرته – المتوازنة – الخاصّة في شأن الدنيا والجسد.

Greek philosophy – Platonism and its offshoots above all – and Christianity have had a role in augmenting the negative stance towards the body. This has provided the background, while dealing with the issue, for the two personal archetypes overshadowing this sphere of civilizations: the West and Islam. In the West, and on account of historical accretions, Western philosophical constructs forsook religion, with its edifice concerning the body un-excluded, just to have the body become the whole of the self, and the criterion for value. In the Islamic civilization model, the firmness of the religious spirit couldn’t prevent the conduction of the acrimonious attitude towards this earthly life, and, derivatively, towards the body. If we could, however, survey the pillars of the Islamic view of the body, and discern, in the various readings, what’s foreign from what’s native (to Islam), we would see that the intellectual trajectory in Islam need not arrive at the same endings like its Western counterpart; rather is it called upon to develop its own principled – balanced – position as to the body and this earthly life.

الخصائص العامة للانسان منم منظور الطباطبائي

يتجلى فهم الطباطبائي للإنسان من خلال إسهامه في بناء منظومة قيمية تأخذ بالحسبان دور الاعتبارات العملية في إعادة تشكيل اللحمة مع عالم الغيب؛ وما الاعتبارات سوى وسائل لحقائق وجودية تحتها، وليست هي غايات في نفسها؛ ولهذا يحيلنا الطباطبائي وعلى الدوام إلى النظر فيما هو أبعد من تلك الاعتبارات والتي قد يؤدي عزلها عن أصولها إلى اختزال الحقيقة الإنسانية في البعد التجريبي، أو الاعتباري البحت، الأمر الذي يوقعنا في حلقة مفرغة تتصنّم عندها الاعتبارات، وتنقلب عن غاياتها المرجوة إلى سلوكيات عدمية ليس في قاموسها سوى لغة النبذ والتكفير وطمس معالم الهوية الإنسانية. من هنا، كان من الضروري أن نعاود تشريح البنية الإنسانية على أساس أنثروبولوجيا الروح والنفس عند الطباطبائي لما لذلك من أهمية قصوى في فهم سيرورة الإنسان على مستوى أبعاده الوجودية والغائية.

aṭ-Ṭabāṭabāʾī’s understanding of man is manifested through his contribution to tracing out a system of values that takes into account the sensible contingents to reestablish the very connection with the world of the Unseen. The contingents, qua contingents, are none other than instruments underlying ontological truths. They stand not as an ultimate aim as such. Therefore, al-ʿAllāmahaṭ-Ṭabāṭabāʾī often leads us to explore what lies beyond such contingents that once singled out from the origin thereof might lead to the reduction of the human truth unto the empirical or absolute, nominal dimension, which alludes to a vicious circle whereby the contingents are idolized, drifting from their original aims towards nihilistic behaviors that connote abandon, takfīr, as well as the eclipse of the human identity. Accordingly, it is instrumental to reread the human entity in light of the anthropology of the soul and self in aṭ-Ṭabāṭabāʾī, as it is crucial to bring about an understanding of the process of man in the levels of his ontological and teleological dimensions.

النفس عند غريغوريوس أسقف نيصة: منشأها، وطبيعتها، وحياتها، وقرانها بالجسد

تحمل النفس في طبيعتها قبسًا إلهيًّا، فالإلهيّ منشأها، تشبه، وعلى صورته. ففي اللحظة التي تبرء فيها النفس ينشأ وصال يبنها وبين بيتها الأوّل. تقتات تلك النفس البشريّة على الحقّ والخير: الحقّ الذي يزكّي فيها الصبوة الدائمة إلى بلوغ الأنموذج الأوّل، والخير الذي يهذّب في نسيجها الروحيّ ميلًا نحو النافع والكامل الذي يرضي طبيعتها. للنفس منشأ يسمو على ما سواها في الجسم نفسه، ويقبع هذا المنشأ في الأولهة، فهي تشبه الله، وعلى صورته.

دراسة ونقد لبرنامج الفلسفة للأطفال من منظار الحكمة المتعالية

ترجمة عزّة فرحات

يروم هذا المقال إلى دراسة برنامج الفلسفة للأطفال من منظار تعاليم مدرسة الحكمة المتعالية. ويدور رحى البحث حول السؤال الأساس الآتي: ما هي المباني الفلسفيّة لبرنامج الفلسفة للأطفال؟ وما هي الانتقادات التي توجّه إليه بحسب المدرسة إيّاها؟ ثمّة شواهد على وجود وجوه اتّفاق واختلاف بين برنامج الفلسفة للأطفال والمباني الفلسفيّة للمدرسة الصدرائيّة، وإذ ذاك، سنختطّ وجوه الاختلاف والاتّفاق هذه، لنفصح، تاليًا، عن الفوائد التي يمكن سبرها من هكذا برنامج على غير صعيد.

المسارات الكلّيّة في قراءة الطبيعة الإنسانيّة

اختُزِل الإنسان في الدراسات الإنسانيّة، وعلم الحياة المعاصر، إلى ما يشبه وضعيّة الكائن البيولوجيّ، مع تخفيض مجحف للمنسوب الغيبيّ من دائرة وجوده. فيما تمحورت الرؤى الفلسفيّة والفكر الدينيّ عمومًا في النظر إلى الإنسان من حيث الجنبة العقلانيّة، وإحالة أبعاده الدنيا إلى مرتبة الشروط الإعداديّة لحياته الروحيّة. وتفيد نصوص الوحي أنّ الإنسان بدأ من طين، وأنّه كما بدأ سيعود. وقد شكّل هذا التأسيس قاعدةً للتساؤل والاعتراض في الملإ الأعلى، وعليه ابتنى الإنذار والبشرى في الملإ الأدنى {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا}. وإذا كانت حقائق الوحي تلحظ الجنبة الحيوانيّة التي تظلّ مصاحبةً لوجود الإنسان طالما أنّه يعيش بالشعور والعقل معًا، أمكن لنا حينئذ أن نتساءل: هل الإنسان حيوان، يتميّز في بعض مراحله بأنّه ناطق؟ أم إنّ الإنسان ناطق، يتميّز في بعض مراحله بأنّه حيوان؟ والقصد من السؤال هو الدفع باتّجاه استكشاف مدى ما تمثّله الحياة الحيوانيّة من نفوذ داخل الطبيعة الإنسانيّة، والتأمّل في الماهيّة والوظائف والأبعاد المكوّنة والتي تقوم على أساسها تلك الطبيعة.

In the humanities, as well as in modern biology, man was reduced to a biological being, whereby the internal, hidden, element is minimalized. Philosophical and religious approaches, on the other hand, were confined to the rational aspect of human beings, taking those material aspects, of human beings, to be merely preparative conditions for the spiritual life. In scripture, however, the basic starting point for any understanding of human nature remains that man emerged from clay and it is to clay that he returns. Such a scriptural truth instigated a surge of questioning and protest among the dwellers of the upper realm (the angels and ʾIblīs), and by its virtue, man becomes the addressee of all Divine warning and encouragement. If revelation, in its very essence, takes note of the animal aspect of man, an aspect which accompanies his existence inasmuch as he lives by thought and feeling together, then we are entitled to ask: is man an animal, characterized at some stage by being rational? Or is he a rational being, characterized at some stage by being an animal? The intention here is to pressure towards discovering the weight of the animal life within human nature, and to contemplate the essence, the functions and the constituting elements upon which this nature stands.

رسالة “زاد المسافر”

تشتمل رسالة “زاد المسافر” على اثني عشر مبدأ في إثبات المعاد الجسماني. ولا تخرج النظرة إلى المعاد عن الأسس التي بُنيت عليها الحكمة المتعالية. فالأسماء الإلهية حاكمة على المظاهر الوجوديّة ومنها النفس الناطقة. من هنا، تمتلك النفس، في حركتها الجوهرية من مبدئها إلى معادها، حالات اشتداد، وإن كانت حقيقتها ثابتة في مراتب الاستكمال. هذا علماً أنّ الحركة تقع في النفس والبدن معاً إذ هما، بحسب المراتب، أصل واحد. بالتالي، عندما يُحشر البدن، فهو عينه البدن الذي كان في الدنيا، ماهيةً وعقلاً وعُرفاً.

حكمة المعاد ومنافذ المصير

أقصى بعض المشتغلين في المعارف الدينية، بتأثير من التأويل المِتافيزيقي، أهمّية الجسد وعلم الطبيعة، ما حرم المعرفة الدينية من مواءمة بين عالمي البدن والروح، وجعل نظريّة الانخلاع (عن الفطرة الأولى) شرطاً أساساً لفهم مباحث المعاد. بيد أنّ النظرة إلى الدنيا بما هي شأن من شؤون الآخرة، ومعلمٌ من معالم القدرة الإلهية في الخلائق، ومستودع بذور الوجود المصيرية على أساس من خيارات المعرفة والإرادة، يبيحُ لنا فهماً أعمق للشريعة، وللمعرفة المعادية التجاوزية، في مصالحة بين الروح والبدن عنوانها النور المنبلج بين طيّات الطين، وفي دفعٍ نحو قيم الآخرة يربط الإنسان بالأرض التي استُخلف عليها.