صلاة الإنسان وصلاة الله

ترجمة خليفة الخليفة

الصلاة عند ابن عربي عبادة خاصّة، حوارٌ حميم بين العبد وربّه، حوارٌ هو أشبه بتقاسم الأدوار في ظهور الوجود: (1) صلاة الحقّ المتطلّع إلى الخروج من اللامعرفة به، وهي التجلّي الإلهيّ في مرآة الكائنات، و(2) صلاة العبد التي تُظهر الحقّ الذي يتأمّله العبد في مرآة نفسه. إنّه تعاقبٌ على الأسماء – أسماء الظاهر والباطن، والأوّل والآخر – لا يمكن له أن يتمّ إلّا في القلب، في حضرة الخيال القابل لهذا التعاقب، دون أيّ إخلالٍ بالوحدة، إذ الظاهر هو عين ظهور الباطن وهكذا. ولئن كان المطلق لا يتجلّى في إطلاقه، فإنّ العبد، في صلاته، يطلب أن يعرف مدى استيعاب تعيّنه الخاصّ للفيض الإلهيّ، فيصير مشاهدًا لهذه العين، مرتقيًا بها إلى منزلة علم الله بنفسه، وهذه أبلغ غايات الطالبين.

Prayer, to Ibn ‘Arabī, is a private worship, an intimate dialogue between the servant and his Lord, a dialogue more like a substitution of roles as to the appearance in existence: (1) the prayer of the Real One God eager to leave his unknowability – Divine self-disclosure in the mirror of creation; and (2) the prayer of the servant which reveals his contemplated Lord in his very mirror. It is a succession over the names [of God] – the First and the Last, the Revealed and the Hidden – which can only occur in the heart, the seat of this imaginative presence.

Nowhere here is unity disrupted, for the revealed is the very revelation of the hidden, and the hidden is the very hiddenness of the revealed. Nowhere here, in this prayer, is the Absolute manifested in His absoluteness; that is impossible. Rather, the servant asks to know his aptitude, the capacity of his own receptacle to receive Divine emanation, so as to become an observer of his own determination, his own hexeity, bringing it to the stage of God’s knowledge of Himself; no aspiration is more cherished by those who seek God.

السياسة بين الاستقلال والتبعيّة: رؤيةٌ تأسيسيّةٌ

يُبالغ البعض في تبعيّة السياسة للدين، أو للأخلاق، أو للاقتصاد، في مقابل مبالغة البعض الآخر باستقلاليّة السياسة عن أيّ مذهب من مذاهب هذه الأنشطة الإنسانيّة. وعادةً ما تتأسّس هذه المبالغات على رؤًى أيديولوجيّة.

في هذه العجالة نضع هذه الإشكاليّة العريقة موضع المعالجة من خلال النظر إلى السياسة، أيّ سياسة، من زاوية كونها نشاطًا له موضوعه، وأهدافه، ووسائله، وجدليّاته النوعيّة، من جهة، وفي واقعها المشخَّص الملموس كما يتجلّى في التجربة الحيّة لأيّ فاعل سياسيّ، وذلك بمعزل عن أيّ خلفيّة إيديولوجيّة.

Many an observer tend to overstate the subservience of politics to religion, or ethics, or economics, while others exaggerate the autonomy of politics vis-à-vis any of the schools of thought sponsoring the mentioned human activities.  More often than not, such exaggerations hinge upon ideological views.

            Here, we put to examination this time-honored problematic through, on the one hand, engaging politics, any politics, inasmuch as it is an activity  with  distinct aims and dialectics, and a  definite subject-matter. On the other hand, we would approach politics inasmuch as it is a reality lived and experienced in any political action.

 

الأسطورة والجسد

شكّلت الاسطورة جزءًا مهمًّا من تراث الإنسانيّة، فهي تتعدّى كونها نصوصًا تحمل في طيّاتها أبعادًا مِتافيزيقيّة وتاريخيّة، لتتحوّل إلى خبرة إنسانيّة، تجلّت بكلماتٍ أرادت أن تخبر من خلالها عن الذات-في-العالم. فالأساطير هي تجربة حياة الشعوب بكلِّ تفاصيلها، تختزن الألم والفرح، الهزيمة والانتصار…، وكلّ ذلك بلغة رمزيّة، تحتاج إلى تأويل يعيد الأشياء إلى أوّلها، فيظهرها كما هي قبل أن تتلبّس الأحداث وتعيشها. لذلك سيحاول هذا البحث أن يقدّم قراءةً للأسطورة من خلال مراجعة نمطين من الأساطير – اليونانيّة والهنديّة – لإظهار كيفيّة تعبيرهما عن الذات، وتشكيلهما للذاكرة الجمعيّة اللاواعيّة. وهذه العودة لن تكون شاملة وكلّيّة، إنّما ستمتاز بتوجّهها إلى عنصر واحد فيها هو الجسد.

Myths constitute an essential component of human heritage; they go beyond being texts encompassing metaphysical and historical dimensions to become human experience; experience put into words that express the self-in-the-world. For the myths embody the lives of peoples in all the intimate details, the joys and sorrows, the triumphs and setbacks, in a symbolic language which requires Ta’wīl (hermeneutics), bringing things back to their beginnings, showing them before they were dressed in events, and lived in events. This paper will try to read the myth through an appraisal of two genres of myths – Greek and Indian – to show how these have expressed the self, while constituting common, sub-conscious memory. The approach cannot be thorough or universal; rather would it be directed towards one single element: the body.

الإلحاد، أيديولوجيا الإنسان المبتور

أيّ إنسان يريده الدين؛ وأيّ إنسان يريده الإلحاد؟ سؤال مقيم ترسم محاولات الإجابة عنه مسار الجدل الحادّ الذي يتوسّع يومًا بعد يوم بين طرفَي النزاع. وفي حين يصرّ الملحدون على تحرير أنفسهم من قيود الدين وصولًا إلى قطع الصلة به نهائيًّا، يتفطّن المتديّنون لمآلات الانجرار وراء التركيز على عناوين من قبيل “الإرادة الحرّة”، مثلًا، ويجدون فيها توظيفات يحرص خصومهم من خلالها على جذب الانتباه وتحفيز الآخرين على الانضمام إلى ركبهم. ولمـّا كان الإنسان محور هذا النقاش المحتدم، فإنّ رهان أهل الدين منعقد على مقابلة الخصم بتوظيفات أشدّ إحكامًا لا تنقض جوهر حرّيّة الاختيار عند الفرد، ولكنّها في الوقت عينه لا تبالغ في إطلاق يده من غير عقال، وذلك لكيلا لا يؤدّي الإمعان في نبذ الدين إلى “بتر” قسريّ وقهريّ للإنسان عن الدور الذي يريده الدين له. وهو دور لا يـني المتديّنون يؤكّدون على أنّه – وإن حُفَّ بالتزامات ومعايير تتفاوت في اتّساعها ومرونتها – يحفظ الإنسان من الانقطاع العبثيّ والعدميّ عن مرجعيّة أخلاقيّة وقيميّة ضامنة.

What kind of man does religion seek? And what kind does atheism seek? An enduring question that attempts to delineate the path of intense arguments that expands continuously between the two parties of the conflict. Whereas atheists insist on freeing themselves of the restraints of religion, completely cutting their ties from it, the religious are becoming increasingly aware of the consequences of focusing on notions such as “free will”, for example, discovering uses for them through which their adversaries attempt to draw attention and motivate others to join their ranks. Since man is at the center of this heated debate, the religious are set on meeting their adversaries with better employment for these notions that do not contradict the essence of personal freedom of choice, while at the same time not leaving it free of restraint, so that efforts to cast away religion would not forcibly mutilate the role religion intends to man; a role the religious assert it – even if it should be involved with commitments and standards of varying scope and flexibility – keeps man from being vainly and uselessly cut off from a guaranteeing moral and axiological reference.

الخصائص العامة للانسان منم منظور الطباطبائي

يتجلى فهم الطباطبائي للإنسان من خلال إسهامه في بناء منظومة قيمية تأخذ بالحسبان دور الاعتبارات العملية في إعادة تشكيل اللحمة مع عالم الغيب؛ وما الاعتبارات سوى وسائل لحقائق وجودية تحتها، وليست هي غايات في نفسها؛ ولهذا يحيلنا الطباطبائي وعلى الدوام إلى النظر فيما هو أبعد من تلك الاعتبارات والتي قد يؤدي عزلها عن أصولها إلى اختزال الحقيقة الإنسانية في البعد التجريبي، أو الاعتباري البحت، الأمر الذي يوقعنا في حلقة مفرغة تتصنّم عندها الاعتبارات، وتنقلب عن غاياتها المرجوة إلى سلوكيات عدمية ليس في قاموسها سوى لغة النبذ والتكفير وطمس معالم الهوية الإنسانية. من هنا، كان من الضروري أن نعاود تشريح البنية الإنسانية على أساس أنثروبولوجيا الروح والنفس عند الطباطبائي لما لذلك من أهمية قصوى في فهم سيرورة الإنسان على مستوى أبعاده الوجودية والغائية.

aṭ-Ṭabāṭabāʾī’s understanding of man is manifested through his contribution to tracing out a system of values that takes into account the sensible contingents to reestablish the very connection with the world of the Unseen. The contingents, qua contingents, are none other than instruments underlying ontological truths. They stand not as an ultimate aim as such. Therefore, al-ʿAllāmahaṭ-Ṭabāṭabāʾī often leads us to explore what lies beyond such contingents that once singled out from the origin thereof might lead to the reduction of the human truth unto the empirical or absolute, nominal dimension, which alludes to a vicious circle whereby the contingents are idolized, drifting from their original aims towards nihilistic behaviors that connote abandon, takfīr, as well as the eclipse of the human identity. Accordingly, it is instrumental to reread the human entity in light of the anthropology of the soul and self in aṭ-Ṭabāṭabāʾī, as it is crucial to bring about an understanding of the process of man in the levels of his ontological and teleological dimensions.

منهج العلّامة الطباطبائيّ في فهم الإسلام

إنّ قراءة الإسلام في منهج العلامة الطباطبائي متوقّف على فهم المراد من الإسلام؛ فبلحاظ أنّ الرؤية العامّة لمكوّنات الدين الإسلامي وفق العلامة الطباطبائي كان للنصّ القرآني حضورًا محوريًّا في تشكيل الصورة والجانب القرآني جانب إلهي من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ المضمون نفسه يستعرضه العامّة في سياق كونه فطريًّا أو عقليًّا أو فطريًّا وعقليًّا، وبالتالي هناك تناسبيّة حاكمة في كلّ الأبعاد الدينيّة، ستطرح المضامين دائمًا في سياق تفاعلي بين الجانب الإنساني والجانب الإلهي.

حكمة المعاد ومنافذ المصير

أقصى بعض المشتغلين في المعارف الدينية، بتأثير من التأويل المِتافيزيقي، أهمّية الجسد وعلم الطبيعة، ما حرم المعرفة الدينية من مواءمة بين عالمي البدن والروح، وجعل نظريّة الانخلاع (عن الفطرة الأولى) شرطاً أساساً لفهم مباحث المعاد. بيد أنّ النظرة إلى الدنيا بما هي شأن من شؤون الآخرة، ومعلمٌ من معالم القدرة الإلهية في الخلائق، ومستودع بذور الوجود المصيرية على أساس من خيارات المعرفة والإرادة، يبيحُ لنا فهماً أعمق للشريعة، وللمعرفة المعادية التجاوزية، في مصالحة بين الروح والبدن عنوانها النور المنبلج بين طيّات الطين، وفي دفعٍ نحو قيم الآخرة يربط الإنسان بالأرض التي استُخلف عليها.

الحقيقة المِتافيزيقية بين حسّ الطبيعة وحدس الوجود

خصوصية الإنسان، هي في كونه ناطقاً، هكذا تمّ تمييز الإنسان عن مشاركاته في الجنس. والناطقية هي إدراك الكائنات؛ هي العقل والفكر والفلسفة، وكل أدواتنا في البحث عن الحقيقة. والحقيقة أوسع من أن تقع في مجال الإحساس الذي يشارك فيه الحيوان.

أمّا الكلّيات فهي على صنفين، كليات حاصلة بتجريد الحسّ، وهي تشكّل جوهر القضية الماهوية، وكليات حاصلة بانتزاع الذهن، وهي تشكّل جوهر القضية الفلسفية. والمِتافيزيقا تهتمّ بالتجاوز إلى الـ‘ما بعد‘ الذي يحتوي على الحقيقة؛ تجاوزَ إقصاء ونبذ، وبهذا المعنى، استُعملت في مجاوزة الأوهام والاعتباريّات، إلى الحقائق النوعية والوقائع الماهوية؛ وتجاوزَ ضمّ وشمول، وبهذا المعنى، ينبغي أن تُستعمل – كما توصي هذه المقالة – في مجاوزة الحسّيات والماهيات إلى الوجود، بوصفه مفهوماً فلسفياً أوّلياً لا ثانوياً.

العدد 36

فهرس المحتويات:
الافتتاحية    أحمد ماجد
مقاربات في التصوّف، والحبّ، والإنسان
حوار مع البروفيسور ويليام تشيتيك   مجلّة المحجّة
التجربة الدينيّة في الإسلام التقليديّ     ويليام تشيتيك
الجذور الإلهية للحبّ الإنساني     ويليام تشيتيك
الحبّ في الثيولوجيا الباطنية الإسلاميّة    ويليام تشيتيك
الصداقة والحبّ في المعنويّة الإسلاميّة    ويليام تشيتيك
موسى ودين الحبّ: تأمّلات حول منهجيّة دراسة التصوّف   ويليام تشيتيك
ضبابيّة الأمر القرآني    ويليام تشيتيك
التوازن والتحقيق: النفس والكون عند ويليام تشيتيك    ويليام تشيتيك
منهجية ويليام تشيتيك في دراسة وتفسير النصوص العرفانية والصوفية    ويليام تشيتيك

عقلانيّة هوبز: من إلزاميّة الفعل إلى حريّة الاختيار

مثَّل هوبز نقطة تحوّل جديدة في الفكر السياسيّ، فقد أتى بمنظومة تفكير كاملة تبدأ بطبيعة الإنسان، متوسّطًا الأنتروبولوجيا لفهم السُّلطة. ولفهمٍ جيّد للسياسة، لا بدّ من إدراك الإنسان قواه وغايته؛ لأنّ السلطة مرتبطة به.

انطلق هوبز من عقلنة السلطة، فهي كائن صناعيّ، ابتكره الإنسان. وبهذا الابتكار، أقام قطيعة مع كلّ النتاجات الفكريّة السابقة، وهي نتاج العقل الإنسانيّ، تنشأ من الاتفاق مع إرادات حرّة مساوية له في أن ينشئ دولة، تحقّق الأمن والاستقرار من خلال تنازله عن كامل حقوقه الطبيعيّة. وفي الوقت الذي أقنعنا فيه هوبز بأنّ السلطة كائن صناعيّ، بما هي فنّ إنسانيّ؛ قام بإرساء مفهوم الاستبداد على الرغم من أنّه لم يدعُ إليه علنًا، بل دعا إلى حكم العقل. كما تحدّث هوبز عن سيادة مطلقة، يكون الحقّ محصورًا في سنّ القوانين التي لا مشرِّع غيرها، ولا يمكن أن يصدر عنها إلّا ما هو خيِّر.