التصنيف: العدد 43
الحكمة الخالدة: ثورة على الحداثة، أم وجه آخر لها؟
تتنوع الأسماء: “الحكمة الخالدة”، و”العلم القدسيّ”، و”الروحانية المعاصرة”، ولكنّ المحتوى واحد، يدلّ على تيار فلسفيّ، نشأ في القارة الأوروبية، مع بداية تبلور الحداثة الغربيّة التي بدأت مع مارتينيز دي باسكوالي (1727-1774)، وخطت لنفسها مسارًا خاصًّا، وصولًا إلى رينية غينون (1866-1951)، وفريتجوف شوون (1907-1998)، وهنري كوربان (1903 -1978)، وسيد حسين نصر (1933)، وويليم تشتيك (1943)… هذا التيار الفلسفيّ، على الرغم من حمله راية الاعتراض على ما يجري في القارة الأوروبية من تطور فلسفيّ وعلميّ وثقافيّ، إلا أنّه بقي كوكبًا يدور حول نجم الحداثة، يكتسب قوّته ونوره منها، ويتحرّك ضمن نظامها الذي يحدّد جميع المسارات، ويلفظُ، أو يبتلع الخارج عنها.
ترافقت الحكمة الخالدة مع ظهور المدارس الفلسفية الكبرى في المنظومة الغربية، وعملت على رفضها في نموذجَيها العقليّ والتجريبيّ، وعارضت بعد ذلك كلّ فلسفة سعت إلى إبقاء الوجود مرتبطًا بما هو أنطولوجيّ، ورأت أنّ هذه النظرة بحاجة إلى إعادة تقييم جديد، عبر تفعيل الميتافيزيقا الحقيقية، بما هي إحالة إلى المبدأ والأصل. وهي في سبيل ذلك، لم تتوانَ عن مهاجمة كلّ حراك فلسفيّ، لا يسعى إلى ربط الإنسان بحقيقته الروحية. وفي سبيل هذا الهدف، عملت على إظهار الميتافيزيقا الزائفة، بدءًا من “أرسطو”، ووصولًا إلى “ديكارت” و”ليبنتز” و”كانط”، والتي أدّت إلى نشوء التصورات الخاطئة عن العالم، حيث أسلمت الإنسان إلى وعي أنطولوجيّ إزاء الوجود، ما أدّى إلى نشوء وعي زائف، يمركز هذا الكائن في عدمية مطلقة، فَقَد من خلالها المعنى، وأصبح تائهًا، تتلاعب به أهواء الذات، فضلًا عن رغبتها في السيطرة على النفس أو الجماعة التي تعمل؛ للقبض على مقدّرات الشعوب واستغلالها.
تقدّم الحكمة الخالدة نفسها كمشروع حضاريّ، يعيد موضعة الإنسان في مكانته الوجودية السامية، من خلال إعادة بعث ذلك الجانب العظيم الذي أُلغي باسم عناوين مختلفة. إنّها تسعى إلى تفعيل الجانب الروحيّ في الإنسان جاعلةً من “الحكمة الشرقية” السراج المنير الذي سوف يقود الإنسان إلى المقام الوجودي الذي يليق به، عبر ما يُسمّى “بالتحقّق الروحي”، أو “الميتافيزيقا الحقّة”، والذي تشترك فيه كل المذاهب التراثية في الشرق. هذا التحقق هو الذي تسمّيه التراثيات الشرقية – لا سيما الصوفية – مقام “الفطرة الأصليّة الأولى”، لذلك عملت على صياغة علم جديد، ووضعت له مباني، أسمتها “مباني العلم القدسيّ”. هذا العلم لا يمكن الوصول إليه عبر التفكّر الذهنيّ الذي أُسمي عقلًا، وإنّما عبر “عقلٍ مجاوز”، يكتسب معارفه عبر الإلهام، ورأت هذه التراثيّات أنّ ما تعيشه الحضارة الغربية من تيهٍ، يعود إلى هذا التعريف الخاطئ الذي لم يستطع التمييز بين العقل في مقام الخبرة، وهو ما يُسمّى التفكير، والعقل في مقام الحقيقة الحقّة، والذي يستحقّ اسم “العقل”. ورأت أنّ عقل الخبرة الذي انتصر مع الحداثة الغربية دمّر معاني العلم، وأسس للتشظّي المدمّر، حيث أصبحت العلوم قائمة بذاتها، لا ترتبط في ما بينها بفكرة كليّة، تعمل على إيصال الإنسان إلى كمالاته التي وُجِد لأجلها، فأصبحت قيم المنفعة والاستهلاك تتحكّم بها.
كما رأت الحكمة الخالدة أنّ الحياد عن المبدأ الروحي الفطريّ، كان السبب الرئيس الذي تولّدت عنه أوجاع الحضارة الحديثة، وتنامت معه المآسي الإنسانية، وعنه نشأت الفوضى في العقائد والمفاهيم والأفكار والسلوكيات، وهو الذي أدخل البشرية في أحلك مراحلها الظلمانية، هذا الظلام الذي سوف يعمّم، إذا لم تتدارك الحداثة الخطأ الذي وقعت به، وتعمل على تقويمه عبر ربطه بحقيقة وجوده وهدفيّته. لقد وجدت أنّ على العلم الحديث التموضع في المرتبة المناسبة له، والتي يحدّدها العقل المجاوز، عبر إخضاعه بما يمتلك من قيمومة عليه، نتيجة إدراكه للحقائق بذاتها.
وقد استدركت الحكمة الخالدة – أيضًا – مسألة الصراع بين الديانات والمذاهب، والتي أدّت إلى نزعة العلمنة، وتقدّمت خطوة إلى الإمام، حين أكّدت على إخضاع كلّ الأديان والعلوم والمعارف للعقل المجاوز الذي يمثل الميتافيزيقا على حقيقتها، بالتالي ذهبت إلى الحديث عن جوهر الدين وعوارضه، وعدّت الأديان الحقيقيّة، من: إسلام ويهودية ومسيحية وهندوسية وبوذية، تمتلك جوهرًا واحدًا، وما نراه من طقوس وعبادات هي أعراض تطرأ على الدين؛ لتعبّر بشكل رمزيّ عن هذه الحقيقة الدينيّة الجوهرية الواحدة، والمشكَّلة دائمًا، فتتمثل في الإعلاء من هذه الأعراض، أو فكّ رموزها بشكل خاطئ.
تجنبًا للإطالة، وحتى لا نقع في أحكام قيميّة قبل البدء بالموضوع، يطرح هذا العدد من مجلة المحجة موضوع الروحانية المعاصرة، أو الحكمة الخالدة، ويضعه تحت المجهر، وقد انطلق العمل على هذا المحور من مجموعة أسئلة، أهمّها:
ما هي الحكمة الخالدة؟ وكيف قدّمت نفسها؟ كيف نظرت إلى الأديان؟ لماذا طرحت موضوع التقليد؟ وما هو هذا الأمر؟ وما هي علاقته بالأديان؟ وهل ما طرحته يبرر التعدّدية الدينية؟ وهل التعدّدية الدينية تنحصر فيما آلت إليه؟ وهل يجوز لها أن تأخذ جانبًا من الديانات، وهو البعد الوحياني، وتُهمل الأبعاد الأخرى، كالتشريع مثلًا؟ وهل يصحّ اعتماد نظرة توفيقيّة تختزل الأديان في نزعة كلّيّة، في سبيل إقامة علم حديث، يستند إلى مبدأ إلهي؟ وهي عندما تستعير من الأديان ما يحقّق حالة معنوية، ثمّ تقوم بتهميشها، هل تسعى إلى دين بديل من أجل معالجة تكوين البعد الروحي، وإعادته لدى الإنسان؟
وما هي علاقة الحكمة الخالدة بالتصوّف؟
ما هي علاقة الحكمة الخالدة بالديانات الشرقيّة القديمة، لا سيما الهندوسيّة؟ وهل نقلت الدين من حالة مجتمعيّة إلى تجربة روحيّة، عندما جعلتها قاعدة لها؟
هل تُبَرَّر الحالة الاعتراضية للحكمة الخالدة بمواجهة النظرة الغربية التشيئيّة؟ وهل جعلت الغرب مركزًا من جديد، حين وضعت نفسها قاعدة للحكم؟ وهي عندما وضعت معيارًا انتقائيًّا من الدين، وعملت على إنشاء تيار فكر كوني للفضائل الكونية، ألم تأخذ من الدين ما يخدم الإنسان، وليس قصديّة الخالق من الخلق؟ وفي هذا الموضع، ألم تتوافق الروحانيّة مع الحداثة بجعل الإنسان المحور، خاصة أنّ ما قُدِم في هذا التيار، هُمّش فيه الإلهي لصالح الإنسانيّ؟
وثمّة أسئلة عديدة تستحقّ الإجابة في هذه المرحلة، حيث أخذ هذا التيار في التقدم، واحتلّ موقعًا بين المثقّفين، وعبّر عن نفسه في مؤسسات ودول، تعمل على ترويجه.
مع العدد
تنبني أبحاث العدد ضمن ثلاثة أبواب: أوّلها ملف العدد، وثانيها باب الحوارات، وثالثها باب البحوث والدراسات.
يحوي الباب الأوّل تسعة أبحاث.
يمثّل البحث الأول “حكمة مجاوزة لكل الأزمان والأماكن.. مقدمة إلى الفلسفة الخالدة” لصَموئيل بِندِك سوتيلّوس، انطلاقة ملف العدد. يعرض الباحث فيه معاني الفلسفة الخالدة، ومصدر انطلاقة التسمية، وتسلسلها التاريخي، وأعلامها، وكيفية فهم أديان العالم المختلفة من خلالها.
يعرض سيد حسين نصر في بحثه “العلم المقدّس” المعاني المختلفة التي يحملها هذا العلم، ويناقش فيها، ثمّ يتبنّى كونه يرادف الميتافيزيقيا، بما هي العلم المطلق بالحقيقة، حيث يستطيع الإنسان بواسطته التمييز بين الحقيقة والوهم، ومعرفة الأشياء في ذاتها، أو كما هي، وبالتالي معرفتها من خلال معرفة الله.
وتشير الورقة البحثية الثالثة التي تحمل عنوان “ما هو التقليد؟” إلى تعريف نصر للتقليد، وما يمثّل بالنسبة إلى الأديان المختلفة، من قبيل: الهندوسيّة، والبوذيّة، والتاويّة، واليهوديّة، والمسيحيّة، والإسلام؛ ليصل إلى الحديث عن ارتباطه بالحكمة الخالدة التي يبيّن من خلالها أنّ المقدس، بما هو مقدّس، هو مصدر التقليد.
أمّا البحث الرابع “توضيح العلم القدسي في الاتجاه التقليدي للدكتور السيد حسين نصر وتحليله”، فقد شرح عبد الحسين خسروبناه فيه مقصود نصر من العلم الذي يتمثّل العلوم التجريبية الرائجة في الغرب، وبيّن أنّ الحكمة الخالدة هي أهم مبنى من مباني العلم القدسي، والهدفُ المتعالي للتقليدِ هو إظهار وجه معشوق الكل.
كما نقد منصور مهدوي وحميد پارسانيا في بحثهما “تقويم الحكمة الخالدة” منهج الحكمة الخالدة ومبانيها، كما طرحها أصحاب المدرسة التّقليديّة، وعرضاها على أساس ميزان العقل، ثمّ قايساها مع الحكمة عند السّهرورديّ، وأظهرا نقاط التّمايز والاختلاف بينهما.
وأظهر البحث السادس لأحمد ماجد “الغرب والميتافيزيقا المستحيلة: رينية غينون، وإمكان تأسيس ميتافيزيقا مشرقية” فكرة غينون في تأسيس ميتافيزيقا، انطلاقًا من النموذج الشرقي، لأنّه يرى عجزًا عن بناء ميتافيزيقا غربيّة تواجه معوّقات عديدة، أهمّها الانصياع للثقافة الماديّة التي حوّلت الإنسان إلى مجرد أداة في وسط عالم ماديّ.
وحقّق حسين حسيني في بحثه “التقليد والحكمة الخالدة: معناها ونطاقها وخصوصياتها” في ما يرمي إليه التقليد على مستوى الأبعاد الفكريّة للتقليديين من معنى مختلف عن التقاليد والسنن بمعناها المتعارف من حيث الآداب القديمة والرسوم والعادات السالفة، وخصوصية هذا المعنى من جهة تسييله في دنيانا المعاصرة.
أمّا البحث الثامن “تعدّد الأديان ووحدتها من وجهة نظر الشهيد مطهري والتقلديين”، لغلام رضا رضايي، فأظهر التباين في معنى التعدّديّة الدينيّة عند التقليديين الذين يتحدّثون عن التعددية الواقعية، وعند مطهري الذي يقول بالتعددية في سُبل النجاة؛ لأنّ الدين واحدٌ منحصر بالإسلام، وأنّ جميع الاختلافات ترجع إلى الشرائع.
والبحث الأخير في ملف العدد، هو لعلي رضا قائمي نيا، بعنوان: “الوَحدةُ المتعاليةُ للأديان”، وهي تعبيرٌ عن نظرية أتباع المدرسة التّقليديّة في مسألة تعدُّد الأديان، فصَّلها لأوَّل مرّة فريجوف شيون (Frithjof Schuon) في كتابه، حيث قدّم الكاتب توصيفًا للنظريّة، ثمّ بيّن نقاط ضعفها.
وفي باب “حوارات”، أجرت مجّلة المحجّة حوارًا مع الباحث نوّاف الموسوي، منطلقة من تجربته في ترجمة جزء من نتاج هنري كوربان الذي أسّس لروحانيّة ملتزمة مستقاة من تعلّقه بالإمام الثاني عشر عند الشيعة الإماميّة، متحدّثًا عن خفايا الترجمة، والبحث عن المصطلحات، موضحًا أهميّة ما قاربه كوربان، وقدّمه.
أمّا في باب “بحوث ودراسات”، ففيه أربعة أبحاث.
عالج شفيق جرادي في بحثه “الخوف بين التفلسف والتديّن وعوائد الأيّام”، الخوف كظاهرة إنسانيّة من وجهة نظر الفلسفة والدين. عرض معناه، ومسارات تداوله في الحياة الإنسانيّة والدينيّة والمسلكيّة، وما يمثّل الخوف من مصاديق في مسير الإنسان التكاملي.
ولفت مهدي زماني في البحث الثاني بعنوان: “الفيدانتا، الفلسفة الإلهية للديانة الهندوسية”، إلى مراتب الواقعية الخمس في الفيدانتا وقارنها مع الحضرات الخمس في العرفان الإسلامي. وقد فصّل الكاتب في معاني الشعارات الأساسية في مدرسة الفيدانتا، رابطًا إيّاها بآثار رينيه غينون، وفريتيوف شوان.
أمّا البحث الثالث فهو لحسين صفي الدين، عرض فيه “التأسيس الميتافيزيقي للأخلاق عند إيمانويل كانت”، من المبنى المعرفي عنده، وصولًا إلى البنيان الأخلاقي عنده، ومصادرات العقل العملي الثلاث: الحريّة، وخلود النفس، ووجود الله.
وعرض شادي علي في البحث الأخير “محاولات تفكيك الإسلام: عرض وتحليل ونقد .. أركون نموذجًا”، مشروع أركون الفكري، وسماته العامّة، ونظرته إلى القرآن كنصّ وخطاب ووحي، فضلًا عن رؤيته العامّة للإسلام. ثمّ فصّل في نقاط ضعف أركون ومشروعه.
وتتمنّى مجلّة المحجّة أن يكون هذا العدد وغيره مدًّا وعونًا لطلّاب العلم والمعرفة، وخطوة من خطوات هذا الدرب الطويل والممتع والشاقّ.
محاولات تفكيك الإسلام: عرض وتحليل ونقد .. أركون نموذجًا
يعرض الكاتب مشروع أركون الفكري، وسماته العامّة، ونظرته إلى القرآن كنص وخطاب ووحي، فضلًا عن رؤيته العامّة للإسلام؛ ثمّ يفصّل في نقاط ضعف أركون ومشروعه، كاعتماد العقل التجريبي منبعًا وحيدًا لمعرفة الوجود، والدراسات الإنسانية الحديثة في فهم الدين. ورأى أنّ أركون وقع في مشكلة الدور والتسلسل المنطقي في تفسير تاريخيّة النص، وفي فخّ السفسطة في اعتماده المناهج التفكيكيّة في محاولة نفي القدسيّة عن النص الديني. ويعزو الكاتب سبب ذلك إلى اعتماد أركون على المنابع الاستشراقيّة في فهم الدين، ولم يعتمد على مصادر إسلاميّة أصيلة لقراءة صحيحة للإسلام.
وقد انتقد الباحث انقياد أركون إلى التنوير الغربي والاستعمار الثقافي، بدعوى الحداثة، ووجّه إلى اتهامًا بإصابته بحالة استلاب نفسي للحضارة الغربية.
Attempts to Deconstruct Islam: Presentation, Analysis and Criticism
Arkoun as a Case Study
Shadi Ali
Abstract
The author presents Arkoun’s intellectual project and its overall features, his view on the Quran as a text, discourse, and revelation, and his general vision of Islam. Further, he details the weakness of Arkoun’s project, namely adopting empirical reason as the only source to understand existence and modern human studies in understanding religion. The author observes that Arkoun fell into the fallacy of circularity and succession in logic while interpreting the historicity of the Quran text. Moreover, by adopting the deconstructive approaches in an attempt to deny the sacredness of the Quran text, he fell into the trap of sophism. This arises, in the author’s view, from Arkoun’s reliance on Oriental sources in understanding religion, instead of relying on authentic Islamic sources to truly understand Islam.
Thus, the author criticizes Arkoun’s submission to Western enlightenment and cultural colonialism under the pretext of modernity, accusing him of being captivated by Western culture and having a state of psychological alienation from his own civilization.
التأسيس الميتافيزيقي للأخلاق عند إيمانويل كانت
أسس إيمانويل كانت ميتافيزيقا الأخلاق في سياق إيجاد مصالحة، جاءت بين الاتجاهين: العقلي والتجريبي، وذلك من خلال تأصيل كلٍّ من المنجزات التجريبية والعقلية، وإعادة توطيدهما على أسسٍ يقينية.
وقد أحدث ذلك ثورة في تاريخ الفلسفة، شُبّهت بثورة كوبرنيكوس الفلكية، وذلك عندما شكّل العقل نفسه موضوعًا للمعرفة، وأخضعه للنقد، فقد قوّض أسس التفكير الميتافيزيقي، وقضى على أي إمكانية لتأسيس لاهوت ديني، وحاول إقامة دعامة جديدة للإيمان من خلال تضمين الأخلاق.
قدم، من خلال تقسيمه للقضايا إلى: تحليليّة وتركيبية، وإلى ما قبل التجربة وما بعدها، توزيعًا جديدًا مختلفًا لملكات النفس، وسعى من خلال تفكيك العقل العملي عن النظري، إلى نجاة الأخلاق التي كانت قبله قد انبثقت من الدين القائم على رؤية، عمادها المعارف النظرية، بينما قلب كانت الصورة، حين أضحت الأخلاق عنده ركيزة الإيمان الديني المُبتنية على إدراكات العقل العملي.
كما فرّق بين أخلاق الشكل وأخلاق الموضوع، وأوضح أنّ الأخلاق يجب أن تقوم على فكرة الواجب، والآمر المطلق الذي يجب أن تتكئ عليه جميع الأصول الأخلاقية. ومن خلال ذهابه إلى أن الأمر المطلق واجب غير مشروط، أثبت مقولة الحرية، ومن خلال إشارته إلى أن الإخلاص التام للواجب لا يتحقق في هذه الحياة، افترض أن النفس خالدة، ومن خلال القول إنه يجب أن يتحقّق الاتفاق بين قيمة الفضيلة والسعادة، أثبت وجود الله.
Immanuel Kant: The Groundwork of the Metaphysics of Morals
Hussain Safieldin
Abstract
Immanuel Kant founded the metaphysics of morals within the framework of reconciling empiricism and rationalism. He synthesized the outcomes of each approach and reestablished them based on certainties. Kant tackled reason as a subject of knowledge and subjected it to criticism. Moreover, he undermined the principles of metaphysical speculation and eliminated the scope for religious theology. He attempted to settle a new pillar of faith by implicating morals. These insights were as revolutionary in the history philosophy as Copernicus’s.
Kant distinguished between two types of propositions: analytic/synthetic and priori/posteriori. Accordingly, he introduced a new distinct distribution of faculties of soul. Furthermore, he separated practical reason from theoretical one in his endeavor to save morals, which had emerged, before him, out of religion based on theoretical knowledge. However, Kant reversed this image by settling morals as the pillar of religious faith, grounded in the knowledge of practical reason.
Kant also differentiates between object and subject morals. He emphasized that morals should be established on duty and the categorical imperative on which all moral principles should stand. He confirmed freedom by holding that the categorical imperative is an unconditional duty; he presupposed the immortality of the soul on the ground that it is impossible in life to reach utmost devotion to duty; and he proved the existence of God by arguing that the value of virtue and happiness should coincide.
الفيدانتا، الفلسفة الإلهية للديانة الهندوسية
ترجمة: جعفر الحاج حسن
توجد في الديانة الهندوسية مدارس مختلفة، وأكثر هذه المدارس أصالة هي الفيدانتا، أو الفلسفة الإلهية. لهذه المدرسة مفسرون متعددون، لكن أشهر تفسير لها هو التفسير الذي ارتبط بفيلسوف الهند الإلهي الذي يطلق على مدرسته: الفيدانتا الخالية من الثنائية.
في هذه المقالة، وضمن البحث عن أكثر تعاليم هذه المدرسة أساسية، أي: وحدة الوجود، سُعيَ إلى توضيح الكلمات الآتية: برهما، وآتما، وايشوارا، ومايا، وبودهي. كذلك التُفِت ضمن البحث عن مراتب الواقعية الخمس في الفيدانتا، إلى مقارنتها مع الحضرات الخمس في العرفان الإسلامي. في الختام، بُحِثَ أكثر الشعارات أساسية في مدرسة الفيدانتا، أي: ” آتمن هو برهمن”، وذلك مع الالتفات إلى نحو ارتباط الكثرة بالوحدة، أو النسبي بالمطلق، ومع الاعتناء بآثار رينيه غينون وفريتيوف شوان خاصة.
Vedanta, Divine knowledge According to Hinduism[1]
Mahdi Zamani
Translated by Jaafar Hajj Hasan
Abstract
There is a variety of schools in Hinduism, Vedanta/the divine philosophy is the most important one. This school has multiple commentators; Indo-divine philosopher, who called his school: Vedanta non–dualism, presented the most renowned commentary on this school.
This paper explains the following: Brahma، Atma، Ishvara، Maya and Budhi, in its attempt to analyze the fundamental teachings of this school, i.e., non-dualism. Besides, a comparison had been made between the five states of being according to Vedanta, and the five divine Presences (al-Ḥazarāt- al- ʾilahiyyah al- khamis) as admitted in Sufism. Eventually, the most fundamental formula of the Vedanta school, namely “Atma is Brahma” has been analyzed, considering the association of both unity with multiple and the relative with absolute, and the teachings of R. Guenon and F. Schuon.
[1]Philosophical Journal, 2013, issue 2
الخوف بين التفلسف والتديّن وعوائد الأيّام
عالج الكاتب في مقاله الخوف، كظاهرة إنسانيّة من وجهة نظر الفلسفة والدين. عرض معنى الخوف، ومسارات تداوله، ضمن نحوين: الأول: الخوف العبادي، والثاني: الخوف البلاغي، أو الإبلاغي. وأجاب عن أسئلة جوهريّة من قبيل: هل الخوف حقيقة من الحقائق التي زكّاها الدين والفلسفة، عندما كانت مورد تفلسف في حياة التديّن، أو الإنسان عمومًا، أم أنها وهمٌ يقع خارج إطار المؤثّرية؟ وهل إنّه حيلة سبيل للوصول إلى مبتغى، أم أنّه سبيل بعينه، يؤدّي إلى الصراطيّة في التوجّه؟ وهل في الخوف مقدّرات لبناء نظام أخلاقي وسلوكي، أم أنه شرط توجّه لنظام ما؟
Fear in the Context of Philosophizing, Religiosity, and Unforeseen Future
Sahfiq Jradi
Abstract
In his paper, the author examines fear as a human phenomenon through the prism of philosophy and religion. He defines fear and presents its framework within two facets: Khawf ʿIbādī (i.e fear experienced during ritual worship) and khawf Balāghī or ʾIblāghī (i.e fear used as a general measure for managing people’s affairs). In addition, he answers important questions, such as: Is fear one of the realities that religion and philosophy praised when it was a philosophizing subject in religious life or humans in general? Is it merely an illusion that has no influence? Is it the independent route leading to the right destination, or is it just a mean leading to the desired destination/an end? Are there any capacities in Fear that allow for establishing an independent ethical-moral system, or is it merely one factor in establishing a specific system?
كوربان والروحانيّة الملتزمة
حوار مع نواف الموسوي
حاورت مجلّة المحجّة الأستاذ والباحث نوّاف الموسوي، فطرحت عليه مجموعة من الأسئلة، تتعلّق بتجربته الخاصّة في ترجمة كتب هنري كوربان الذي أسّس لروحانيّة ملتزمة مستقاة من تعلّقه بالإمام الثاني عشر عند الشيعة الإماميّة، متحدّثًا عن خفايا الترجمة، والبحث عن المصطلحات، موضحًا أهميّة ما قاربه كوربان، وقدّمه، وضرورة البحث في فكره أكثر، والاهتمام بنتاجه.
Corbin and the Conservative Spirituality
Dialogue with Nawaf al-Moussawi
Al-Mahajja interviews the scholar Nawaf al-Moussawi. Several questions were discussed with al-Moussawi covering his personal experience translating the books of Henry Corbin, who established a conservative spirituality derived from his deep attachment to the twelfth Imam of the Imami Shiites. al-Moussawi speaks of the secrets of translation and the search for terms. He clarifies the significance of Corbin’s approaches and works. Further, he emphasizes delving deeper into his thoughts and works.
الوَحدةُ المتعاليةُ للأديان
ترجمة: هاشم الضيقة
الوحدةُ المتعاليةُ للأديان تعبيرٌ عن نطرية أتباع المدرسة التّقليديّة في مسألة تعدُّد الأديان. وقد فصَّلها لأوَّل مرّة [فريجوف] شيون (Frithjof Schuon) في كتابه الوحدة المتعالية للأديان؛ ليُقدِّم – بعد ذلك – تقليديّون آخرون أبحاثًا في هذا المجال. للأديان – وفقًا لهذه النّظرية – بُعدان: أحدهما باطنيٌّ، والآخر ظاهريّ، وهي متّحدة في مستواها الباطنيّ، في حين أنّها مختلفة في مستواها الظاهريّ، وما نلاحظه من حقائق في المستوى الظاهريّ نسبيٌّ، بَيد أنّ حقائق المستوى الباطنيّ مُطلقةٌ.
تواجه نظريةُ شيون إشكاليّاتٍ عديدة، كالنّسبية، وعدم كونها استدلاليّة، وغير ذلك. وبما أنّ لغتَه المستعملة في تبيين نظريته مشوبة بالصّعوبة، حاول المؤلِّف أن يقدِّم توصيفًا للوحدة المتعالية للأديان، ومن ثمّ يبيّن نقاط ضعفها.
The Transcendent Unity of Religions
Ali Rida Qaemi-nia
Translated by Hashem al-Dikah
Abstract
Traditionalists speak of the transcendent unity of religions when addressing religious pluralism. Frithjof Schuon first explained it in his book, The Transcendent Unity of Religions, followed by other traditionalists conducting research in this area. According to this theory, religions have two dimensions: an exoteric and an esoteric one. They are united at their esoteric level, while they differ at the exoteric level. The truths observed at the latter are relative, but those at the former are absolute.
Schuon’s theory entails several problems, such as relativism, lack of reasoning, and more. Since Schuon’s language used to explain his theory is difficult, the author, Ali Rida Qaemi-nia, attempts to describe the transcendent unity of religions and then outlines its weaknesses.
تعدّد الأديان ووحدتها من وجهة نظر الشهيد مطهري والتقيلديّين
ترجمة: حسين جهجاه
تؤمن التقليدية – في رؤيتها الخاصة – بأنّ وراء تعدد العالم وكثرته – لا سيّما الأديان – وحدة باطنية، حيث إنّ الكثرة التي نلاحظها في عالم الوجود والأديان كثرة شكلية وصورية، تخصّ موجودات هذا العالم وظاهر الأديان. لكنّ حقيقة الحقائق التي تكون جميع مراتب الواقعيات الأخرى تجليات لها، واحدة فقط. ولذا؛ فإنّ وحدة الأديان تثبت في المرتبة العليا للوجود. كما وترجع فكرة تعدد الأديان – بحسب هذه الرؤية – إلى اختلاف أعراق البشر وعاداتهم المتنوعة. إذ إنّ هذه الفروع البشرية المختلفة هي المخاطبة بالوحي. ومن ثمّ، فهذه الاختلافات نفسها في قابليات البشر، هي ما يحدد الاختلافات في صور الحقيقة وأشكالها.
يُعدّ الشهيد مطهري من الشخصيات التي خلقت لنفسها من خلال نقد الحداثة والاعتماد على التقليد والتراث أوجه تشابه مع التقليديين. ومن خلال مراجعة كتاباته، نرى نوعًا من الدفاع عن التعددية ووحدة الأديان، ما يخيّل في الأذهان اتفاقه مع التقليديين، لكن إذا دقّقنا النظر في آراء هؤلاء، وأيضًا في أعمال الشهيد مطهري، سرعان ما يتبين بطلان ذلك، حيث إنّ التعددية التي يعتقد بها مطهري هي من النوع الخلاصي، أي: التعددية في سُبل النجاة، وليست التعددية الواقعية التي يتحدث عنها التقليديون. ومن ناحية أخرى، يرى الشهيد مطهري أيضًا أنّ الدين واحدٌ، ومنحصر في الإسلام، وأنّ جميع الاختلافات ترجع إلى الشرائع. كما يتحدث عن أسباب أخرى لاختلاف الشرائع، غير تلك التي يتداولها التقليديون.
Plurality and Unity of Religions: Perspectives of Shaheed Mutahhari and Traditionalists
Ghulam Rida Ridayi
Translated by Hussein Jahjah
Abstract
Traditionalism, from its own perspective, believes that an esoteric unity is hidden behind the plurality and diversity of the world, especially of religions; because the diversity in the world of existence and religions is considered a diversity of figures and forms that pertains to the world’s existents and religions in their outward sense. However, the Real of all realities, of which all other levels of realities are Its own manifestations, is in fact only One. Thus, the center of the unity of religions is the supreme level of existence. According to this perspective, the notion of religious pluralism originates from the variation of human races and the diversity in their customs, where these different races are the intended recipients of revelation. Therefore, these varieties in human potentialities designate the varieties of the forms and figures of Reality. Shaheed Mutahhari is one of those figures who reflects a common ground with traditionalists by criticizing modernity and relying on tradition and literature. By reviewing his works, we notice a sense of defense of religious pluralism and unity, leading to the assumption that he conforms with traditionalists. However, if we examine traditionalists’ visions and Shaheed Mutahhari’s works, this assumption is clearly deemed invalid; since Mutahhari believes in a deliverance plurality, which refers to the plurality of salvation paths rather than the realistic plurality that traditionalists talk about. Meanwhile, Shaheed Muṭahharī sees that religion is one, specifically confined to Islam and that diversity exists within laws. Also, he sets forth different reasons for this diversity aside from those discussed by traditionalists.
التقليد والحكمة الخالدة: معناهما ونطاقهما وخصوصياتهما من وجهة نظر التقليديين
ترجمة: محمود عمّار
إنّ التقليدية، بعنوان كونها مذهبًا فكريًّا معاصرًا تقابل الحداثة، هي مذهب يعتقد بوجود تقليد حيّ متحرّك وأزليّ، يتجلّى في قوالب مختلفة. وبالتالي، يكون المعنى المقصود من التقليد مختلفًا بشكل كبير عن التقليد بمعناه المتعارف من حيث الآداب القديمة والرسوم والعادات السالفة.
إنّ ما نرمي إليه في هذه المقالة هو التحقيق في معاني التقليد، ونطاقه، وخصوصياته، وحقيقته الماهويّة في الأبعاد الفكريّة للتقليديين الذين يرون للتقليد معانٍ أربعة مهمّة ومتفاوتة، يمكن إرجاعها – بحسب تعبير نصر – إلى معنيين هما: أن يكون له استمرار، ومبدأ إلهي، وبهذا، يكون له خصوصية فريدة من نوعها، ويصبح إحياءه في دنيانا المعاصرة ضروريّ جدًّا.
Tradition and Perennial Wisdom: Meanings, Fields, and Features
Hussein Husseini
Translated by Mahmoud Ammar
Abstract
Traditionalism, as a contemporary intellectual school vis-à-vis modernism, believes in a living, dynamic, and eternal tradition that never blots out but manifests in different forms. Thus, this tradition significantly differs from common traditions in terms of ancient manners, rites, and prior practices.
This article seeks to investigate tradition’s meanings, fields, features, and the essence of reality in the intellectual dimensions of traditionalists who define tradition in four significant yet different meanings. Nasr[1], however, refers to tradition with two meanings: continuity and Divine Principle. Consequently, it possesses unique features and its revival in our contemporary world becomes highly necessary.
[1] Sayed Hussein Nasr