العددين 41-42

فهرس المحتويات:
الافتتاحية   مجلّة المحجّة
المنطق وتنامي المفاهيم المنطقية
دراسة ماهية أصل عدم التّناقض وآثاره المعرفيّة بحسب نظر أرسطو    حسن عبدي
المنطق في الفلسفة الإسلامية   ديبورا بلاك
التّعريفُ بالحدّ ومشاكله    يحيى اليثربي
المنطق الأرسطيُّ في اللاهوت المسيحيِّ والفلسفة المدرسيَّة توما الإكوينيّ نموذجًا    سميح رعد
من المنطق في الإسلام إلى المنطق الإسلامي    موسى أكرمي
أنطولوجية العلاقات المنطقيّة المنظومة الفكرية الإسلامية نموذجًا     محمّد باقر طيار
تكثّر الأنظمة المنطقيّة: مقارنة بين آراء علماء المنطق القديم والجديد     فرشته نباتي
التجربة والحكم مباحث في جنيالوجيا المنطق    لودفيغ لاندغريبه
أثر المنطق الرياضيّ في الفلسفة المعاصرة (إعادةُ صَوْغِ الحججِ على وجود الله أنموذجًا)     حسن خليل رضا
نظرات في الأسس المنطقية للاستقراء    سمير الزبيدي
التعريف بفلسفة المنطق    عسكري سليماني أميري
هوسرل والمنطق الفينومينولوجي    مجلّة المحجّة
مكنز المنطق    مجلّة المحجّة

افتتاحية العددين 41 و42

افتتاحية

يعود سؤال المنطق من جديد ليحتل مساحة واسعة في ساحة الفكر، فهذا العلم الآلي الذي يحمل في طياته سؤال العقل الذي يتحوّل موضوعًا له، يضعنا أمام إشكالية كيف يمكن للسائل أن يضع نظامًا لذاته، ثم يعيد قراءته ويقوم بنقده؟ ويتعمق هذا الأمر، مع التوسع الذي طرأ على فهم المنطق، إذ لم يقتصر هذا النظام على كونه موضوعًا للعقل، بل تعدّى ليكون منطقًا للعلوم، بل وميزانًا للمعرفة. وهذا الأمر يستدعي فحص الإشكالية والبحث فيها، لننظر إليها، خاصة أنّ هذا التصور، تعرض لهزات عنيفة منذ التحوّلات التي شهدتها المجتمعات منذ عهد النهضة الغربية وصولا إلى الراهن، حيث عمل الفلاسفة على تعديل صورته، أو حتى محوها بدءَا من “فرنسيس بيكون” الذي عمل على إنشاء “أورغانون جديد” وصولا إلى التطورات المتتالية حتى في علم المنطق نفسه.

إذًا، نحن أمام مشهدية معقدة، يقف على طرفيها طرفان، الأول يجعل من المنطق آلة عاصمة من الزلل، وتخضع العقل لمقولاته، والثانية تراه لا يقدم جديدًا، بل إنّه يثبت النتائج التي توصل إليها العقل مسبقًا، من هنا، تأتي أهميّة هذا الموضوع، الذي ينطلق من ذات العلم نفسه ومسائله وما تركه من آثار على تاريخ الفكر؛ الأمر الذي يستلزم تعميق البحث فيها والوصول إلى نتائج. وهذا ما ينتج مجموعة من الأسئلة، منها:

– هل بقي المنطق يحمل صفة المعياريّة للعلوم عمومًا، وللعلوم الدينية خصوصًا؟

–  كيف يمكن قراءة خريطة العلاقة بين أنواع المنطق وتطوراته من المنطق الأرسطيّ والرمزيّ والوضعيّ والفينومينولوجيّ؟ وما هي طبيعة ارتباط العلوم المنطقيّة بالعلوم الإنسانيّة؟

ثمّ ألا يمكن للمعالجة المفهوميّة تحليلاً ومقارنة أن تكون أكثر حفرًا ودقّة في النتائج لمسائل من قبيل: تعميق البحث في مفهوم البداهة والضرورة عمومًا في العلوم، ودور القضايا البديهية في تكوثر المعرفة وتناميها، وقيمتها في القراءات الفلسفية والمنطقية المعاصرة؟ ويتوسّع الأمر للسؤال حول أهميّة دراسة مباني الحجاج وصناعة المغالطة، وكيفية تطور البحث المنطقيّ في نظام المغالطة في الدراسات المعاصرة؟

وكذلك، تبرز الحاجة إلى التعمّق في دراسة المفاهيم المنطقية الثانية، وكيفية فاعليّة الذهن في انتزاعه لها، كمفاهيم ذهنيّة تحكي عن مفاهيم ذهنيّة؛ ومقارنتها بالمفاهيم الفلسفية الثانية كمفاهيم تحكي عن نحو وجود الشيء؛ لما لها من آثار في قراءة وتحليل المنظومات الفكرية والفلسفية. وأيضًا القراءة في بنية القضية المنطقية وتطبيقاتها في النصوص الدينية، والبحث في كيفية انتزاع الذهن لمفهوم العدم رغم كونه أمرًا اعتباريًّا وعدم وجود أيّ مصداق له، وكذلك البحث الدلالي في المنطق مقارنة بالهرمنوطيقا، وتحليل مفهوم الكلّي مقارنة بالمدرسة الاسمية، بالإضافة إلى القراءات المنطقية النقدية والتجديدية.

كل هذه المسائل تؤكّد الضرورة لإعادة البحث في المسائل المنطقية بوجهة معاصرة، في ضوء تنامي العلوم وظهور علوم جديدة، من هنا جاء اختيار موضوع المنطق في هذا العدد لطرح مقاربات معاصرة في المنطق تحاول أن تعالج العديد من المسائل المنطقية.

وبالتالي، تكون الإشكالية التي سوف يحاول العدد أن يركّز عليها متمحورة حول الآتي: كيف يمكن إعادة النظر في منهجيّة البحث في علم المنطق بما هو قضايا ومسائل أكثر من العمل عليه بما هو علم؛ نظرًا لقيمة النتائج العلميّة والعمليّة للمسائل في العلوم من قبيل: مسألة تعريف المفاهيم والقضايا، ومعيار ذلك في العلوم الحقيقية والاعتبارية، وفلسفة التعريف وتطبيقاتها في العلوم المعاصرة، وعلاقة التعاريف بإنشاء المصطلحات، وأثر ذلك في تطور المفاهيم والمصطلحات؟ ويتفرّع عن ذلك سؤال: كيف يمكن تقييم موقعيّة مسائل المنطق كمسائل وعلم المنطق كعلم في سياق العلوم المعاصرة والمتنامية تناميًا لا يهدأ؟

في الطرح المنطقي

الملاحظ عمومًا أن هناك نوعًا من الجمود في الطروحات المنطقية، ويبدو هذا الجمود من خلال النظر في طبيعة الموضوعات التي يتم طرحها، وفي هذا السياق يمكن الحديث عن بعض الملاحظات:

أولاً: غلبة سمة العلم على المسائل المنطقية

يبدو أن الغالب في الطروحات المنطقية هي طروحات لعلم المنطق كعلم، لا كموضوعات ومسائل منطقية، رغم أنّ كل مسألة من مسائل علم المنطق ذات تاريخ وقيمة خاصّة؛ الأمر الذي جعل المشكلة مع العلم ككل، حتى صار بعضهم يرفضه كلّه، أو يقبله كلّه، مع أن مسائل العلم يمكنها أن تكون أقوى حضورًا في مجالات شتّى من حضور العلم كلّه؛ بل إن ما طرحه أرسطو عند تأسيس هذا العلم كان بنحو الموضوعات التي تم جمعها بعد أرسطو، من هذا المنطلق يشير التاريخ إلى أن أرسطو لم يصنّف مؤلفًا بعينه يحمل عنوان المنطق، ولكنه كتب أبحاث المنطق في مواضع متعدّدة ومختلفة: (المقولات، التأويل، التحليلات الأولى، التحليلات الثانية، كتاب الجدل أو الطوبيقا، كتاب تفنيد الأغاليط).

ثانيًا: غلبة الانشغال على النصوص القديمة

ويتبيّن ذلك من النظر في طبيعة المعالجات التي تمّ العمل عليها وهي: الترجمة، والنسخ، والشروح، والنظم والحواشي، والمختصرات، والتشجير، بل ويمكن الاعتبار بأن تعليم المنطق كان من خلال تلك النصوص، فمتون التعليم لم تكتب للتعليم غالبًا، وهي مطروحة بمنهج علميّ صارم، ولم تلحظ خصوصية المدى والتتابع التربويّ وفق النظام التربوي، من هنا غلب على تعليم المنطق الطابع التكراريّ لمسائل هذا العلم، مع إمكانية الاستثمار إلى الحد الأقصى من قوة المفاهيم المنطقية، مع ملاحظة أن تعليم المنطق تمّ كقواعد منفكّة عن الحياة؛ الأمر الذي جعل مادة المنطق مادة جامدة بشدة قاعدتها وصرامتها، رغم أن علم المنطق يشكّل منطق العلوم، لكن خلال دراسته يتمّ طرحه كعلم قواعديّ مجرد عن العلوم.

ثالثًا: تنامي الانشغال المنطقيّ المعاصر

رغم الملاحظات التي طُرحت يظهر أن النتاج المنطقيّ كان حيويًّا ومحوريًّا في بناء المنظومة الفكريّة والفلسفية لدى مجموعة من الفلاسفة المنطقيّين المعاصرين في العالم الإسلاميّ والعربيّ من قبيل: العلامة الطباطبائي، زكي نجيب محمود، طه عبد الرحمن؛ وذلك رغم تباعد فلسفاتهم ورؤاهم؛ إلّا أن أصل الانشغال المنطقيّ كان نقطة اشتراك جوهرية بينهم.

وهنا، تجدر الإشارة إلى الأمور التالية:

1- يشترك العلامة الطباطبائيّ وزكي نجيب محمود وطه عبد الرحمن في الانشغال الفكريّ والبحثيّ المنطقيّ انشغالاً منهجيًّا تأسيسيًّا، لناحية الماهية، والغاية، والمسائل، والدور، والعلاقة مع العلوم والمفاهيم الأخرى، ولكنه برز بشدّة بوجهته الوضعيّة مع زكي نجيب، لا سيّما في كتابه المنطق الوضعيّ وبعض كتبه الأخرى، وبوجهته البرهانيّة الأرسطيّة مع العلامة الطباطبائيّ، لا سيّما في كتابه البرهان وتطبيقاته في مجمل كتبه الأخرى، وبوجهته التكوثريّة مع طه عبد الرحمن، لا سيّما في كتابه اللسان والميزان أو التكوثر العقليّ، ومن ثم ربطه بفكرة الأخلاق العالمية.

من أجل ذلك، بقي السؤال المنطق حاضرًا بقوّة، وفي صلب الاهتمامات المعرفيّة والمنهجيّة، على الرغم من الاختلاف الذي يصل – أحيانًا – إلى حدّ التنافي، بل التناقض في النظرة إلى ماهية المنطق وقيمته، على مستوى تشكيل الرؤية الكليّة للنظام الوجوديّ.

2_ ربما يصحّ القول بأن زكي نجيب محمود قد ذهب إلى المنطق الوضعيّ من الباب الفلسفيّ ببعده اللغويّ؛ فهو أراد أن يقرأ العالم من خلال عدّة هذا المنطق وآليّاته، ومن ذلك التحليل اللغويّ، حيث أخذ به كطريقة في قراءة أشياء العالم، فكان التحليل اللغويّ مرآة تحكي قصَّة هذا الوجود لديه، وهذا يعني تغيّرًا جذريًّا في دور اللغة وغايتها، باعتبار انتقال اللغة من رتبة الوجود الأداتيّ حيث وضعه الواضع لها، إلى رتبة الوجود الذاتيّ؛ من هنا انزاح موضوع الفلسفة من الوجود إلى اللغة، فصارت الفلسفة متمحورة حول اللغة، وصار الكون مشهودًا بنظّارة اللغة.

أمّا بناء على مبنى العلامة الطباطبائي فتكون اللغة وجودًا أداتيًّا، وتكمن فلسفة هذا الوجود الأداتيّ في حكاية المعاني والمفاهيم والحقائق لإفهامها للآخرين أو فهمها من قبلهم؛ وهنا تتجلّى الوظيفة الاجتماعية التعبيريّة للّغة، فالألفاظ تُحضِر الأشياء بألفاظها بدلاً من إحضارها بذواتها.

والألفاظ تلك في مسيرتها اللغويّة وضعًا واستعمالاً كانت في أصل إنشائها اعتبارًا، وفي سعتها كانت اعتبارًا، وفي منتهاها كانت اعتبارًا، فهي اعتباريّة من ألفها إلى يائها، وكذلك في بقائها، فتبقى اللغة في رتبتها الاعتباريّة، ويبقى الوجود الذهنيّ والخارجيّ في رتبتهما الحقيقية، تلك الرتبة التي تترتب عليها الآثار بحسب كلّ منهما. فاللغة بألفاظها تكون دالّة على المعنى، ويكون المعنى مطابقًا للواقع، وواقع كل شيء بحسبه، ويكون الميزان المنطقيّ ميزانًا فكريًّا معنويًّا، قبل أن يكون ميزانًالفظيًّا لغويًّا، كما ذهبت إليه الوضعية المنطقيّة.

وتشتدّ المشكلة عندما تصير اللغة معيارًا لفهم النظام الوجوديّ، -كما اختار المنطق الوضعيّ- وهذا معناه الخلط بين عالم الاعتبار وعالم الحقيقة والواقع، والطبيعي أن يكون الأمر الحقيقي منشأ للأمر الاعتباريّ، ولا يمكن أن يكون الاعتبار أصلاً للحقيقيّ، لاستحالة تقوّم الأمر الحقيقي بالأمر الاعتباري!

3_ يبدأ العلامة الطباطبائي باليقين المنطقيّ كنقطة ارتكاز للمقولات الفلسفيّة التي تقرأ الوجود وشؤونه العامة، فتكون البديهيات المنطقية أصلاً للنظريات الفلسفية التي يتكثّر فيها اليقين باليقين؛ فتكون البداية لديه منطقية، ويكون المقبول فلسفيًّا هو مقبولاً منطقيًّا لجهة البرهان المكوّن من قضايا يقينيّة، والتي تستلزم يقينًا بالضرورة، والعلاقة بين موضوع القضية اليقينيّة وبين محمولها هي علاقة لزوميّة يستحيل انفكاكها؛ لذا كانت فلسفة العلامة الطباطبائي فلسفة منصبغة بالطابع البرهانيّ الذي يُعنى باكتشاف الحقائق عن طريق البرهان الكاشف عن الواقع، فتكون الحقيقة لديه صفة للإدراكات الذهنية من حيث مطابقتها للواقع.

من هنا، تمسّك بالتنظير للمنطق الأرسطيّ والدفاع عنه، وتبنّي منهجيّته في الاستدلال والبرهان؛ ولم يطبق منهجية المنطق الرمزي أو الحديث في بنائه للنظرة الكليّة للنظام الوجودي، أو في تشكيل منظومة مفاهيم معرفية استنادًا لذلك؛ معدًّا أن دعوة القرآن كانت للفكر الصحيح، غير أنه لم يعيّن الطريق، وأحال فيه إلى ما يعرفه الناس بحسب عقولهم الفطرية؛ فهو بذلك يكون قد جعل الفطرة ميزانًا لقبول المنطق؛ وبالتالي تكون قيمة المنطق كامنة في فطريّته، على أن اليقين بالواقعيات يستند إلى اليقين بالبديهيات من خلال ترتيبها ترتيبًا منطقيًّا، يلحظ شروطًا معيّنة فيوضع الحد الأوسط، فتتكوّن الأشكال وفقًا لذلك.

وبالتالي، لم تكن تقليديّة المنطق الأرسطيّ مسقِطة لقيمته الاستدلالية عنده، وهذا يعني أنه ليس كل منهج أو علم تقليديّ يكون فاقدًا لقيمته لأنه تقليديّ، كما ليس كل منهج أو علم حديث يكون ذا قيمة علميّة يمكن البناء عليها، والخلط بينهما مغالطة ينبغي التنبّه إليها.

هذا العدد، سيعمل على إعادة تفعيل السؤال المنطقيّ، ويعيده إلى ساحة النقاش، في وقت يعمل معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية  على مكنزه التخصصي في المنطق تقديرًا منه لأهمية هذا العلم وضرورة تفعيله في المؤسسات العلمية، وهو يأمل أن يجدّ هذا العدد الاستجابة من القارىء الكريم.

 

مع العدد

تنبني أبحاث العدد ضمن بابين؛ أوّلها ملف العدد، وثانيها هو باب حوارات.

يحوي الباب الأوّل ثلاثة عشر بحثًا.

في البحث الأوّل، قسّم حسن عبدي في بحثه “دراسة ماهية أصل عدم التّناقض وآثاره المعرفيّة بحسب نظر أرسطو” بيانات أرسطو إلى فئتين كلّيّتين: التّقرير الوجوديّ والتّقرير المنطقيّ. ورأى أنّ أصل عدم التّناقض – في نظر أرسطو – يتمتّع بأولويّة مطلقة في سياق وجود المعرفة بالقياس إلى أيّ نوع معرفة سواء كانت تصوريّة أم تصديقيّة.

ثمّ تطرّق ديبورا بلاك في بحثه “المنطق في الفلسفة الإسلامية” لخمسة موضوعات، هي: موضوع المنطق وأهدافه، وعلاقة المنطق واللغة والنحو، والتصور والتصديق، والكليات الخمسة والمقولات والقضايا، ونظرية الحجاج.

كما عرض يحيى يثربي في بحثه “التّعريفُ بالحدّ ومشاكله” نقدًا للتعريف بالحدّ، ونقل الإشكالات عليه، وبيّن عيوبًا أخرى فيه، ثمّ أيّد رؤية الفارابي، واقترح تجاوزَ “الحد” ولوازمَه.

أمّا الأب سميح رعد، فقد قسّم بحثه “المنطق الأرسطيُّ في اللاهوت المسيحيِّ والفلسفة المدرسيَّة توما الإكوينيّ نموذجًا” إلى قسمين: الأوّل سرد تاريخيٌّ لعلاقة الكنيسة، وبعض جامعاتها، مع كتب أرسطو، والثاني هو موقف القديس توما الإكويني منها.

كما قسّم موسى أكرمي بحثه “من المنطق في الإسلام إلى المنطق الإسلامي” إلى ثلاثة أقسام: العقل والتعقل في الدين الإسلامي، والمنطق في الدين الإسلامي، والمنطق الإسلامي مع التركيز على علاقته بالمنطق في الدين الإسلامي بما يتضمن من نصوص مقدسة من جهة، ومن قضايا نظرية وتطبيقية من جهة أخرى.

وفي بحث “أنطولوجية العلاقات المنطقيّة المنظومة الفكرية الإسلامية نموذجًا”، ركّز محمّد باقر طيار على إظهار أنطولوجيّة المنطق الرياضي بأدوات ربطه أو بمفهوم الدالّة المنطقيّة. وقدّم الباحث تطبيقات على ما ادّعاه من المنظومة الفكريّة الإسلاميّة في حقول عدّة، منها: فلسفة المعرفة، الإلهيّات، الحقل العقدي، الفطرة.

وفي البحث السادس “تكثّر الأنظمة المنطقيّة: مقارنة بين آراء علماء المنطق القديم والجديد”، حاولت فرشته نباتي أن تشير إلى رأي علماء المنطق في باب رأي القائلين بالواقعيّة المنطقيّة والمعتقدين بكون القواعد والقوانين المنطقيّة جزءًا من المعقولات الثّانية المنطقيّة.

أمّا البحث السابع، فهو للودفيغ لاندغريبه في “التجربة والحكم مباحث في جنيالوجيا المنطق”، وهو عبارة عن مقدّمة أُضيفت إلى كتاب إدموند هوسرل ERFAHRUNG UND URTEIL UNTERSUCHUNGEN ZUR GENEALOGIE DER LOGIK ، واستُلهم اختيار العنوان من عنوان مخطوطة عام 1929 التي تتناول المشكلات الأساسية للمنطق الفينومينولوجي.

كما عالج حسن رضا في بحثهأثر المنطق الرياضيّ في الفلسفة المعاصرة” فكرة اندفاع فريق من الفلاسفة المعاصرين إلى استعمال مبادئ المنطق الرياضي وقواعده وأنساقه في إعادة صوغ الحجج الفلسفيّة التي تثبت وجود الله.

وقارن سمير خير الدين في “الرّوابط المنطقيّة بين المنطق الأرسطي والمنطق الرمزيّ” نظرة كلّ من المنطقين إلى الروابط، مع لحاظ الحضور اللغويّ للرابط، من خلال أوجه ثلاثة: الاختلاف في مفهوم الرابط في المنطقَين، والحاجة التعبيريّة والحاجة الصناعيّة، والمعنى الحرفيّ والاستقلاليّ، ودعّم فكرته عبر نماذج عمليّة.

أمّا سمير الزبيدي فعرض في “نظرات في الأسس المنطقية للاستقراء” اعتراضات السيد مرتضى الشيرازي على اعتراضات على تطبيق السيد محمّد باقر الصدر (قدس) للحساب الرياضي في موارد التواتر والإجماع وغيرها في كتابه الأسس المنطقيّة للاستقراء.

وعرّف عسكري سليماني أميري في بحثه “التعريف بفلسفة المنطق” فلسفة المنطق وموضوعها، ومبادئها، ومنهجها ومسائلها، وعالج بإسهاب المسائل المتعلّقة بالمنطق قبل تقسيمه إلى منطق التعريف ومنطق الاستدلال، وعلاقة المنطق بالعلوم كافّة.

وعرضت اللجنة العلميّة مشروعَ مكنزٍ للمنطق يقوم معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينيّة والفلسفيّة بإعداده، وشرح أهميّته العلميّة. وأوضحت أنّه سوف يكون مربوطًا ببنك معلومات أوّليّ مع قابلية التطوير بالاشتراك مع المؤسسات العلمية والأكاديمية، والمشاركة الجمعيّة في سبيل عملية التنمية المستمرة عبر منصة إلكترونيّة خدمة للعلم والمتعلّمين.

وفي باب “حوارات”، أجرت مجّلة المحجّة حوارًا مع الدكتور خنجر حمية، أجاب عن الأسئلة، من قبيل: الخصائص العامّة للمنطق الفينومينولوجي عند هوسرل، وكيف يمكن أن يتقاطع علم النفس معه، وكيف يمكن الاستفادة من المنطق الفينومينولوجي في المجال الفلسفي والمعرفي، وغيرها من الأسئلة.

وتأمل مجلّة المحجّة أن يكون هذا العدد وغيره مدًّا وعونًا لطلّاب العلم والمعرفة، وخطوة من خطوات هذا الدرب الطويل والممتع والشاقّ.

مكنز المنطق

يقوم معهد المعارف الحكميّة للدراسات الدينية والفلسفية بإعداد مشروع مكنز متخصّص في المنطق، وهو  مشروع علميّ يسعى إلى مواكبة التطور التقنيّ، لاسيما على صعيد التهيئة لتطويرات الذكاء الاصطناعي والدخول في المجالات التخصصية من جهة، ومن جهة أخرى يعمل على تسهيل العمل أمام الباحثين من خلال وضع خريطة ذهنية متكاملة للمنطق، توضح العلاقات المفهوميّة بين المصطلحات، وتحدد موقعية كلّ مصطلح في النظام العام للعلم، مما يُفسح المجال أمامه لمعرفة العلاقات الترابطية، والتي يراعى فيها التسلسل الرتبي على أساسٍ منطقي دقيق، بما يؤدي إلى تحديده بشكل دقيق ومعرفة المصطلح الأوسع والأضيق والعلاقات التي يقيمها. وهذا ما سينعكس على المكنزية المنطقية – دون أن يكون هو الهدف – حيث سيتوسع مفهوم المصطلح ليصبح شاملا للكلمات المفتاحية كافة.

كما ويأتي هذا المشروع في إطار عملٍ علميّ أشمل، يشكّل المنطق فيه نقطة ارتكاز لانطلاق مشروعات مكنزية متخصّصة في العلوم الإنسانية والإسلامية، علمًا أنّ هذا العمل سوف يكون متاحًا أمام الباحثين بدءًا من العام 2024 عبر منصة إلكترونية، يعلن عنها في حينه، حيث يُعمل على ربط المنصة ببنك معلومات أوليّ، مع قابلية التطوير بالاشتراك مع المؤسسات العلمية والأكاديمية، والمشاركة الجمعية في سبيل عملية التنمية المستمرة.

هذا الجهد العلمي يقدّمه المعهد خدمة للعلم والمتعلّمين، راجيًا أن يكون معينًا علميًّا للباحثين والمتخصّصين، والذين يسعون لأن ينهلوا من معين العلم.

 

Al Maaref Al Hekmiyah Institute is introducing its specialized thesaurus in logic. This scientific project aims to keep pace with technological advancements, particularly in preparation for developments in artificial intelligence and an entry into specialized fields, while also facilitating the work of scholars. It achieves this by creating a comprehensive intellectual framework for logic. This framework clarifies the conceptual relationships between terms and identifies the position of each term within the overall Logic system.

This enables a nuanced and logically precise understanding of term relationships and lexical arrangement, resulting in accurate term allocation and the identification of broader and narrower terms and their interrelations. This expansion of the concept will enhance the logic repository, although that is not the primary goal. Nonetheless, this will lead to a more comprehensive understanding of the term’s concept for all key terms.

This project is part of a broader scientific endeavor in which logic represents a focal point for laying foundations of specialized thesauruses in Islamic and human sciences. This thesaurus will be available online to scholars on an e-platform by 2024, with further details to be announced. The platform will be built on a primary database, with allowing for future enhancements in collaboration with scholarly and academic institutions and with the collective participation in the ongoing development process. The institute offers this scientific effort as a service to knowledge and scholars, with the hope that it will serve as a valuable academic resource for researchers, specialists, and those interested in the field.

هوسرل والمنطق الفينومينولوجي

حاورت مجلّة المحجة الدكتور خنجر حمية، وهو أستاذ الفلسفة الغربيّة في الجامعة اللبنانيّة ورئيس الفرقة البحثية في الفلسفة في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب في الجامعة اللبنانية، فطرحت عليه مجموعة من الأسئلة، من قبيل: الخصائص العامّة للمنطق الفينومينولوجي عند هوسرل، وكيف يمكن أن يتقاطع علم النفس معه، وكيف يمكن الاستفادة من المنطق الفينومينولوجي في المجال الفلسفي والمعرفي، وغيرها من الأسئلة التي أجابها عنها ضمن هذا المقال.

 

Al-Mahajja asked Dr. Hamieh, who is a professor of Western Philosophy at the Lebanese University, and the head of the research team in philosophy at the Doctoral School of Literature of Lebanese University, a number of questions as: the general features of Husserl’s phenomenological logic; how psychology would intersect with it; how phenomenological logic would be useful in philosophy and knowledge, as well as further questions were discussed throughout this article.

العدد 29

فهرس المحتويات:
الافتتاحية   مجلّة المحجّة
الفلسفة عند الأطفال
الأطفال والاشتغال الفلسفيّ    كارين موريس
العالم كما يفهمه الطفل مفهوم الحياة؟   جان بياجيه
ثلاثيّة العقل والتربية والجمال نحو الإحياء والتكامل    محمّد محسن علّيق
هل يمكن تعليم الفلسفة للأطفال؟    وفاء شعبان
تدريس الفلسفة للأطفال    زينة محمّد ناصر الدين
دراسة ونقد لبرنامج الفلسفة للأطفال من منظار الحكمة المتعالية     عليّ ستاري
تصدير أوّليّ حول المباحث المنطقيّة في فِنومِنولوجيا هوسرل     نادر البزري
الحبّ الإلهيّ قراءة في الأدبيّات الشيعيّة التأسيسيّة    الشيخ شفيق جرادي
إعادة النظر في المعرفة: “الأسلمة والمستقبل”     ميريل دافيس
مقاربة في شخصيّته وفكره    سهيل الحسيني

العدد 23

فهرس المحتويات:
الافتتاحية    محمود يونس
الجسد (المقدس والمدنس)
ابن الطين وغسق الذات المجهولة    الشيخ شفيق جرادي
ا“ازدراء الجسد” في النصوص والتعاليم الإسلاميّة؟    حسن بدران
الجسد في الفلسفة الوجوديّة    وجيه قانصو
الأسطورة والجسد    أحمد ماجد
السهروردي، وحكمة الإشراق    جون والبريدج
السياسة بين الاستقلال والتبعيّة: رؤيةٌ تأسيسيّةٌ     علي يوسف
العَبر مناهجيّة كإطارٍ منهجيّ لتجاوز جدال الدين والعلم    باساراب نيكولسكو
القيم الغربيّة: حكاية السيّد الذي أطاح به خادمه    ألستير كروك
صلاة الإنسان وصلاة الله    هنري كوربان
فِنُمِنولوجيا الذات عند السهروردي    جاد حاتم
مفهوم الجسد في فكر موريس ميرلوبونتي    جوزيف معلوف

العدد 32

فهرس المحتويات:
الافتتاحية    حسين السعلوك
الإلحاد وإغتراب الإنسان
الإلحاد، أيديولوجيا الإنسان المبتور    الشيخ شفيق جرادي
الله والدين في مرآة الإلحاديين الجدد    حسن بدران
الإيمان والإلحاد والعقلانية    آلفن بلانتينغا
لغة الإلحاد المعاصر: بين شرطية لغة الدين وإعادة برمجة الإنسان    أحمد ماجد
إلحاد فريدريخ نيتشه (1844 – 1900)   مشير عون
صانع الكون: ضرورة وفق قوانين الفيزياء الحديثة     عبد الله زيعور
قراءة في مباني الحجاج في أدلة الملحدين الجدد: فيكتور ستينجر نموذجًا    سمير خير الدين
دراسة في البُعد الوجودي للعلم عند الشيرازي: أصالة الحضور واعتبارية الحصول    كمال لزيق
قراءة في أصالة الوجود على ضوء كتاب «النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية»    أحمد جابر

العدد 31

فهرس المحتويات:
الافتتاحية    حسين السعلوك
العلامة الطباطبائي
العبودية: مرتبة وجودية ونظام معرفي: قراءة في أفكار الطباطبائي    الشيخ شفيق جرادي
الخصائص العامة للانسان منم منظور الطباطبائي    حسن بدران
منازل الفلسفة الغربية في فكر الطباطبائي: استعراض موجز لكتاب “أصول الفلسفة والمنهج الواقعي”    مازن المطوري
اللغة والكلام والفكر عند العلامة الطباطبائي وعلاقتها بفهم القرآن الكريم    أحمد ماجد
“الميزان” في الدراسات الإيرانية   أمير رضا أشرفي
مفهوم السعادة في تفسير الميزان     ابراهيم بدوي
الإستدلال بمنهج التلازم ي بناء النسق العقائدي عند العلامة الطباطبائي: المنهج، المبنى، التطبيق    سمير خير الدين

العدد 30

فهرس المحتويات:
الافتتاحية    مجلّة المحجّة
الألم من منظور ديني فلسفي
موقع الألم في فلسفة الحضارة    حسن جابر
الألم في الفكر الإسلاميّ مقاربة فلسفيّة عرفانيّة    حسن بدران
الألم في الأدبيّات المسيحيّة     سليم بسترس
الدلالات الشعيريّة والطقوسيّة في فهم الألم في الأساطير القديمة    أحمد ماجد
الألم: الفعل الإلهيّ والارتقاء البشريّّ   علي الموسوي
الألم في فلسفة الأخلاق     حسن خليل رضا
جدل الألم بين الآن والزمان مقاربة قرآنيّة على ضوء تفسير الميزان    سمير خير الدين
النفس عند غريغوريوس أسقف نيصة: منشأها، وطبيعتها، وحياتها، وقرانها بالجسد    جورج خوّام البولسيّ
بين الكشف والبرهان ونقيضه ملاحظات في الشعر والفلسفة   محمّد عليّ شمس الدين
المحايثة: حياة […]   جيل دولوز

إفتتاحية العدد 30

إفتتاحية 30

 It is quaint to expound upon the very question of pain, as though you are plotting a sort of illumination that would unfold following undermining hardships that are all at variance.

As though the clay engrained in man’s body is in need for an injury to reveal what is engrained in it. Such pain would then attack you to introduce you unto light out of the darkness of you clay, to reach upon illumination.

In order to branch off your clay you need an injury that begets in your self a communion following after separation, to transcend the very body towards what is higher. Pain as such has an aim. It is the very injury that renders man awake afar from heedlessness, bringing man towards communion. This is the very notion of trial that Allah expounded upon in the Qurʾan, declaring “We will surely test you with a measure of fear and easure of fear and hunger and a loss of wealth, lives, and fruits; and give good news to the patient.”[1]

Hence, divergent are the opinions towards pain. Hasan Jaber commences the Issue writing upon the role pain occupies in establishing civilizations. In the second paper, Hasan Badran suggests his twofold approach towards pain, consisting of (1) a philosophical and (2) mystic aspects, expounding upon the identity of pain qua pain, and the representations thereof. Samir Bustros however plots the concept of pain that is a central part of human nature as per Christian literature, whereby the glory of God manifests.

 

 

ولكي تنفصل عن طينك الأرضيّ تحتاج إلى جرح يولد في ذاتك وصلًا بعد فصل، وديمومةً بعض انقطاع، فتفارق، حينها، الجسد لتكالم ما هو أعلى. فالألم، إذ ذاك، ليس عبثيًّا، بل هو الندب الذي يحقّق فيك يقظةً تخرجك من سنة الغفلة، آخذًا إيّاك نحو وصال، وهذا هو عين مفهوم الابتلاء الذي حدّث الله به الإنسان في القرآن قائلًا: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[2].

وعليه، تختلف الآراء حيال مفهوم الألم وتتعدّد.

يستهلّ حسن جابر ملفّ هذا العدد باسطًا للدور الذي يضطلع به الألم في صميم تشكيل الحضارة. ومن ثمّ يطوّر حسن بدران في المقالة الثانية مقاربته للألم ببعدين اثنين، بعد فلسفيّ وعرفانيّ، متناولًا هويّة الألم بما هو هو، وتمثّلاته الكامنة في بنية الإنسان النفسيّة والعقليّة والجسديّة. وثالثًا، يعرض لنا سليم بسترس النظرة المسيسحيّة للألم بما هو جزء من حياة الإنسان ومن طبيعته، عبره يظهر مجد الله ومحبّته. أمّا أحمد ماجد فيقدّم قراءةً لموقعيّة الألم في الأساطير القديمة التي تتبدّل بتبدّل السياقات الحضاريّة، مبيّنًا الدلالات الطقوسيّة والشعيريّة في ذلك.

ومن ثمّ يلج عليّ الموسوي في مبحث الألم، مختطًّا إيّاه بما هو فعل إلهيّ من جهة، يسلب من الإنسان الرفاه واللذّة، وارتقاء بشريّ من جهة أخرى، يوصله إلى الكمال. أمّا حسن رضا فيعالج موقعيّة الألم في حفر المبدإ الأخلاقيّ وتشذيبه، مشكّلًا، تاليًا، فيصلًا لا محيد عنه في بنية الفكر الأخلاقيّ. وفي الورقة الأخيرة من الملفّ، يبسط سمير خير الدين للألم بما هو ارتباط بالشعور باللحظة نفسها، اللحظة التي تغدو معياريّةً في مآلات الإنسان ونشآته.

وأمّا باب “دراسات وأبحاث”، فيشتمل على ثلاث دراسات. يعالج جورج خوّام في أولاها مفهوم النفس عند غريغوريوس أسقف نيصة، مبيّنًا منشأها، وطبيعتها، وعلاقتها بالجسد، دائمًا وفق غريغوريوس. ويختطّ محمّد عليّ شمس الدين، تاليًا، بعض ملاحظات له في الشعر بما هو نشوة حسّيّة، وفي الفلسفة بما هي نشوة عقليّة، ولكن، إن كليهما إلّا تجلّ لمستور مِتافيزيقيّ واحد. وفي الدراسة الأخيرة نقدّم ترجمةً لمقال “المحايثة: حياة”، لجيل دولوز، يعرض فيها فهمه للمحايثة، معتبرًا أنّها حياة ولا شيء سوى ذلك.

[1] Sūrat al- Baqarah (The Heifer), v. 155. Cf,The Qurʾān, With a Phrase-by-Phrase English Translation, trans. ʿAlī Qulī Qarāʾī (London: ICAS Press, 2005).

[2]  سورة البقرة، الآية 155