متافيزيقا الخلود في الجنة والنار

ترجمة: علي الساحلي.

للوحي الديني منظورٌ خاص يُعنى بتحفيز الإنسان نحو خلاصه. من هنا يزوّدنا الوحي ببعض التفاصيل إلا أنه، في الغالب، يقدّم الخطوط العامة. أما إذا أحكم المِتافيزيقي هذه المفاتيح العامّة، وأسّس على أن الرحمة تسبق الغضب، وتسعُ كل شيء، وأنّ ما سوى الله نسبيّ، ولا يبقى سوى وجهه سبحانه، فإنه يستنتج أن الوجود الأخروي – بل كل الوجود الإطلاقي – لا بدّ أن يصل إلى حالةٍ من الاندماج والفناء في المبدإ الأول.

هنا تشكّل نقطة التقاء بين الأديان الإبراهيمية، التي تقول بخضوع الوجود لمسار طوليّ يبدأ بالخلق وينتهي بالرجوع النهائي إلى الخالق، وبين الأديان البرهمانيّة – البوذية التي تقول إنّ الوجود حركة دوريّة يتعاقب عليها البسط والقبض الإلهيين.

رمزيتا الماء والنار في الأساطير والأديان

تبوّأت المياه والنار منزلة مهمّة في حياة الشعوب البائدة، والحضارات القديمة. فالمياه هي مصدر الحياة؛ لذلك قدّسها الإنسان. فالفكر الإغريقي يرى أنّ الماء أصل الكون؛ لذلك حظي بآيات تبجيل دينيّة، واعتقد المصريّون أنّ الإله رع أوّل من خرج من المياه الأولى. وأمّا السومريّون فإنّ البداية المائيّة عندهم موجودة في فكرة الإينوماإليش. باختصار، لقد اعتقد الإنسان الأوّل في قدسيّة المياه، واعتبرها إلهًا، آمن بقوّته وقدرته وسخائه وبطشه، فعلّق المرء استيهاماته على هذا العنصر الطبيعي، وعدّه ملاذه الآمن، فجعله رمزًا دالًّا على الخلق، واستمرار الحياة، أو الطهارة، الجسديّة منها والروحيّة، ورمزًا دالًّا أيضًا على الثواب والعقاب. وهي دلالات حملها الإنسان للماء، مثلما تبرزها الأساطير أو النصوص الدينيّة المقدّسة. كما قدّس الإنسان الدينيّ أيضًا النار كالماء تمامًا، فاعتقد فيها وعدّها رمزًا للحضور الإلهيّ بين البشر، ورمزًا للبعث المتجدّد.