لا تزال العلوم الإنسانيّة، بفروعها المتعدّدة، تعاني من المخلّفات الوخيمة التي تركها ظهور النزعة الوضعيّة بساحتها. ولم يكن أيسر تلك التبعات مقتصرًا على مناهج الإنسانيّات وسبل توليدها للمقولات والنظريّات، بل وصل إلى حدِّ جعل الإنسان، بما هو مركز تلك الاهتمامات، مجرّد موضوع طبيعيّ جامد وجافّ، يمكن تحديد نمط أفعاله مسبقًا، ويسهل تقرير مصيره بالنيابة عنه. لكنّ الفلسفة الإسلاميّة ومكنونات مقولاتها المعرفيّة الأساسيّة لم تستطع هضم تلك الوضعيّة المقيتة ولا حتّى التطوّرات التي سعت إلى التخلّص منها، وبقي السؤال مقيمًا عندها: كيف يُمكن لهذا الضرب من الانشغال البحثيّ والمعرفيّ بكلّ ما يمتّ للإنسان بصلة، علومًا وتخصّصاتٍ، أن يقصي دور أهمّ مكوّناته؟ ذلك الإنسان الذي يعطيها الاسم والشرعيّة والدافعيّة للتحرّك والتميّز عن سائر العلوم؟