منهج العلوم الإنسانية من وجهة نظر إسلامية

ترجمة إبراهيم بشير

يتقدّم المنهج على علم المناهج رتبةً؛ فالمراد من الأوّل طريقة الدراسة التي تحفظ السير الصحيح للوصول إلى نتائج، والثاني موضوع علمه الأوّل الذي يتمّ تحديده وفقًا للمباني الفلسفيّة والنظريّات الوجوديّة والأسس المعرفيّة التي يعتقد بها الباحث.

وفي المنهج الإسلامي، الذي هو وليد فلسفات وأفكار إسلاميّة تتكلّم عن الإنسان والعالم، فإنّ منهجيّة التفكير خاضعة لإطار معرفي خاصّ يحدّد الأصول والمبادئ الموضوعيّة لموضوع معيّن وخاصّ.

والعلم بنظر الكاتب تفهّمي لأنّه ثمّة تأثير كبير له ولإرادة الإنسان في مجال العلوم الإنسانيّة، لذا يمكن لنا أن نؤسّس لمنهج في نظريّة المعرفة ومعرفة الوجود من خلال الاعتماد على العقل والنقل والوحي والشهود والتجربة، بل وعلى نظريّات ومناهج خاصّة بكلّ موضوع على حدة.

ارتباط العلوم الإنسانيّة بإرادة الإنسان لا بالعلوم والأمور الانتزاعيّة

لا تزال العلوم الإنسانيّة، بفروعها المتعدّدة، تعاني من المخلّفات الوخيمة التي تركها ظهور النزعة الوضعيّة بساحتها. ولم يكن أيسر تلك التبعات مقتصرًا على مناهج الإنسانيّات وسبل توليدها للمقولات والنظريّات، بل وصل إلى حدِّ جعل الإنسان، بما هو مركز تلك الاهتمامات، مجرّد موضوع طبيعيّ جامد وجافّ، يمكن تحديد نمط أفعاله مسبقًا، ويسهل تقرير مصيره بالنيابة عنه. لكنّ الفلسفة الإسلاميّة ومكنونات مقولاتها المعرفيّة الأساسيّة لم تستطع هضم تلك الوضعيّة المقيتة ولا حتّى التطوّرات التي سعت إلى التخلّص منها، وبقي السؤال مقيمًا عندها: كيف يُمكن لهذا الضرب من الانشغال البحثيّ والمعرفيّ بكلّ ما يمتّ للإنسان بصلة، علومًا وتخصّصاتٍ، أن يقصي دور أهمّ مكوّناته؟ ذلك الإنسان الذي يعطيها الاسم والشرعيّة والدافعيّة للتحرّك والتميّز عن سائر العلوم؟