لئن افتتحت مجلّة المحجّة عددها ما قبل الأوّل [العدد صفر] بعرض مدرسة الحكيم المتألّه صدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرزاي بعنوان “فلسفة الملّا صدرا”، فها هي الآن، وبعد مرور سنوات وأعداد عدّة، تعاود البسط للفكر الفلسفيّ الصدرائيّ إيّاه لما لهذا الفكر من أهمّيّة بالغة في دنيا الاشتغال الفلسفيّ الإسلاميّ والعالميّ، سواء بسواء. ولكن هذه المرّة نقدّم، أكثر ما نقدّم، قراءةً لأهمّ المباني والمرتكزات الفلسفيّة التي شكّلت ملاك الفكر الصدرائيّ، ساعين إلى بيان اللبنة الأولى التي شكّلت مرتكزًا لمدرسة الحكمة المتعالية والفكر الصدرائيّ.
يلج السيّد حسين نصر إلى مبحث الحكمة المتعالية بعرض غير مسهب عن تاريخ إدراج هذا اللفظ حتّى قبل الملّا صدرا الشيرازي، الذي هو نفسه قد استفاض في عرضه وبسطه في ما بعد، بزمن. ومن ثمّ ينتقل إلى عرض مرتكزات هذه المدرسة في فيء الفكر الصدرائيّ، ليخلص إلى أنّ الحكمة المتعالية ما هي إلّا أفنون نبت في شجرة الفكر الإسلاميّ ليتمكّن المسلمون، إذ ذاك، من النفاذ إلى رؤية جديدة محدثة للحقائق الخالدة. ومع روبرتس آيفنز نتمكّن، كذلك، من قمش المباني الأساس التي بنى عليها الملّا صدر الدين فلسفته الحكميّة، إذ قدّم آيفنز عرضًا مسهبًا لأهمّ هذه المباني والمرتكزات الفلسفيّة.
أمّا مع عليّ شيرواني، فنغوص في الخصائص المنهجيّة لفلسفة صدر المتألّهين مقارنةً بالفلسفة المشّائيّة والإشراقيّة، كليهما. لنخلص، من ثمّ، إلى أنّ مدرسة الحكمة المتعالية، بما هي هي، مدرسة فلسفيّة مستقلّة بالمعنى الخاصّ للفلسفة. نجحت في الاستفادة من المدارس السابقة عليها، فجمعت بين العرفان، والإشراق، والشهود، والبرهان، جمعًا سالمًا لا جمع تكسير، على حدّ تعبير شيرواني. وبعدها بسط كلّ من رضا أكبريان ونجمه سادات رادفر لمسألة القيامة في الفكر الصدرائيّ من منظور ألمع تلامذة صدرا ألا وهو محسن الفيض الكاشاني.
ويشتمل باب “دراسات وأبحاث” في هذا العدد على دراسات خمس. البحث الأوّل هو تتمّة النقاش الذي دار بين نوام تشومسكي وميشال فوكو حول مفهوم الطبيعة البشريّة، والذي يتنقّل بسلاسة بين اللغة والعلوم والسياسة، هذه المرّة، بفعل الحضور الموسوعيّ لكلّ منهما. وفي الدراسة الثانية يستعرض شفيق جرادي القيم الحضاريّة التراكميّة بما هي ملاك لفهم الحضارات، ليتمّ، بالتالي، النفاذ إلى قراءات إسلاميّة لموضوعة القيم والحداثة والحضارة. ومن ثمّ، مع فرانسوا رانجون، نقدّم ترجمةً لمقال له، بسط فيه للفظ “مجتمع مدنيّ”، عائدًا به إلى جذوره التاريخيّة وتحوّلاته المختلفة التي أدّت إلى اختلاف معناه اختلافًا جذريًّا بفعل مرور الزمن وبفضل التغيّرات الاجتماعيّة. وفي الدراسة الرابعة نقرأ حوارًا سلسًا مع محمّد فنائي الأشكوري يعرض فيه لموضوعة العرفان الشيعيّ بما هو بعد شرّانيّ للدين، ويتحدّث فيه، من ثمّ، عن أهمّيّة الترويج لهذا العرفان إيّاه قبالة العرفان الكاذب، في عيون الأشكوري، الذي يرقى كلّ رواج في بعض أنحاء هذه البسيطة. وننهي هذا العدد مع دراسة لأحمد ماجد، اختطّ فيها فكر الراحل المصريّ عبد الرحمن بدوي، منطلقًا من فلسفته الوجوديّة التي انكبّ على العمل عليها لعرضها خارج الحاضنة الأولى التي ولدت فيها.