التحيّز المِتافيزيقي في اللغة

اللغة حالة وجودية خالصة، وليس للعدم دخالة في تحديد ما تتقوّم به، بخلاف الماهيّة التي تغاير الوجود وليست من سنخيّته. وإذا أخذنا بعين الاعتبار تعريف المِتافيزيقا لدى الفلاسفة، بدءًا من أرسطو حتى هايدغر، بأنها “تبحث في الموجود بما هو موجود”، نجد بأنّ اللغة تتكفّل في مراعاة قيد “بما هو موجود” بوصفها وجودية، ويمكن معها الحكاية عن الوجود من جهة موجوديّته، لا من جهة معدوميّته، كما هو الحال مع الماهية. على هذا، فإنّ فلسفة اللغة والتأويل تقف كطرح جدّي إزاء الفلسفات التقليدية التي استغرقت في جدليات الماهية والوجود، في تأخّر عن كلّ مستجدّات المبحث الفلسفي الراهن.

إشكالية المتافيزيقا في الفكر الأوروبي

باتت المِتافيزيقا، منذ عصر الأنوار، خارج الدائرة الفلسفية، إذ عُدّت قضاياها غير ذات معنًى، وكانت في تناقض مع روح الحداثة الصاعدة. وقد قاربت الحداثة هذه المسألة من خلال الانحسار الدينيّ التدريجي، على المستويين الفرديّ والاجتماعيّ. أما في مداولات اليوم في الدينيّ، فثمّة تيّاران أساسيّان لدى ورثة التنوير، يعبّر عن أوّلهما هابرماس الذي يرى أنّ مضمون الدين يستمرّ ضمن رؤية أخلاقية معلمنة تحفظ الاندماج الاجتماعي، وعن ثانيهما غوشيه الذي، وإن قال بخروج الدين من البنية الاجتماعية، فإنّه يراه مسترجعاً حضوره في الاختبار الفردي فحسب.

ديوجين باحثاً عن مصباحه في ظهيرة الحداثة:لقاء مع سقراط في عتبة الألفيّة الثالثة

في المسارات الفلسفية المودية إلى الحداثة، تكفُّ الفلسفةُ عن الانهمام بإنشاء المذهبيّات الدُغمائية وتقنع بإثارة السؤال ومعارضة الجواب؛ إنه انتقالٌ من التعالي إلى المحايثة، من العقلنة إلى المفهمة. وإذ تتأكّد الحاجة إلى الفلسفة لتصيغ من معارف العلم رؤى في الإنسان والعالم والعصر، ومع تحوّل الذاتية الفلسفية إلى ذاتوية تنادي بصراع حضارات على أساس هويّات مدعومة بثقافويّات، نجدُنا أمام بروز متجدّد للمِتافيزيقا، يدعو حكيم العصر إلى إصلاح الحداثة بتحكيم معايير الصحة المعرفية والمشروعية النقديّة.