خضع الألم في التراث الفكريّ الإسلاميّ لاعتبارات شتّى تتمازج فيها الحالة الوجوديّة الخالصة مع الحالة المعرفيّة الخالصة، أو تتباين أحيانًا إلى حدّ الافتراق الكلّيّ؛ إذ رئي إلى الألم على أنّه مجرّد تحسّس كيفيّ؛ ينتمي إلى قابليّات الجسد وانفعاليّاته، ويفتقد أيّ صلة مع فعّاليّات النفس الإدراكيّة، فضلًا عن التمثّل العقليّ وطبيعته الصوريّة البحتة التي لا تأتلف ومجسّات الشعور، هكذا استبعد الألم من دوائر القرار الفاعلة والمؤثّرة في بنية الإنسان، ونظر إليه كطفح مرضيّ عابر للجسد، وعمل على تنحيته بحسب التقليد الفلسفيّ الشائع عن دائرة الوجود، وإدراجه في دائرة الشرّ العدميّة، الأمر الذي تسبب باضطرابات مفهوميّة أصابته في الصميم، وأحالته إلى الكمّ السالب على مستوى فعّاليّته في الحياة، فضلًا عن جدوائيّته البحثيّة وعدم بلوغه مستوى النضج الذي يجعل منه واحدًا من الموضوعات المستقلّة في مباحث الفلسفة الإسلاميّة. وفي المقابل، بذلت جهود حثيثة، كلاميًّا وفلسفيًّا، نحو إعادة تشكيل هويّة للألم وفق صياغة تكشف عن تمثّلاته المتجذّرة في بنية الإنسان النفسيّة والعقليّة، فضلًا عن الجسديّة، الأمر الذي مهّد لرؤية عرفانيّة ذات طابع دلاليّ مشغوف بصبغة روحيّة، تكتنفها الرحمة، ويتجاذبها ألم الفراق، والحنين للعودة إلى الجذور الأولى.