الموت وعالم الخيال: المعاد عند ابن العربي

ترجمة: محمود يونس

تشكّل مباحث “المعاد” ثالث الأصول في الإسلام السنّيّ بعد التوحيد والنبوّة. ويعالج الصوفيّون الباحثون في المعاد جانباً واسعاً من الموضوعات، وإن كان أهمّها مبحثا “الرجوع الاختياري” و”الرجوع الاضطراري”؛ ويُعنى المبحث الأول بسبيل إحراز الكمال المعنويّ في هذه الحياة، أما الثاني فبطبيعة الموت المادّي والقيامة الجسدية. ويتعرّض ابن العربي الكبير (توفي 638هـ؛ 1240م) لكلا المبحثين بسعة وغزارة، مهيّئاً المجال لكلّ من سوف يليه من المتصوّفة، والمتكلّمة والفلاسفة إلى يومنا هذا. سوف أحاول في هذه الورقة إجمال الخطوط العامة لبعض تعاليمه في الرجوع الاضطراري، مموضعاً المبحث في إطار الرؤية الشاملة لابن العربي.

المعاد في زمن الحاجة إلى الأخلاق

لا تستقيم الحياة الأخلاقية دون نواظم تحدّد حركتها ومفاصلها وغاياتها. وإذا ما سقطت هذه النواظم دون إمكانية التبرير، تهافتت البنى الأخلاقية وتساوت كل الأشياء. وللمعاد، في ضمن هذه النواظم، حاكمية وسعة خاصّتين تجعلانه أصلاً لا تثبت قيم الدين، أيّ دين، دونه. فالمعاد، وهو، بالمطلق، لقاء الله، يحرّك كوامن الشوق إلى لقاء الغاية لدى الإنسان، ويسكن ألمه الذي يكابده في دنياه، ويقفه أمام مسؤولياته التي كانت مذ جُعل مختاراً. بيد أنّ المعاد، كمبحث، يفرض صعوبات خاصّة لدى معالجته، ما يحيلنا على مقاربة لا بدّ لها أن تكون في غاية السعة، بمعنى أنّها تقرأ كل جوانب الذات الإنسانية في محاولةٍ لتلمّس الطريق نحو مصيرها المعاديّ.