خضع الألم في التراث الفكريّ الإسلاميّ لاعتبارات شتّى تتمازج فيها الحالة الوجوديّة الخالصة مع الحالة المعرفيّة الخالصة، أو تتباين أحيانًا إلى حدّ الافتراق الكلّيّ؛ إذ رئي إلى الألم على أنّه مجرّد تحسّس كيفيّ؛ ينتمي إلى قابليّات الجسد وانفعاليّاته، ويفتقد أيّ صلة مع فعّاليّات النفس الإدراكيّة، فضلًا عن التمثّل العقليّ وطبيعته الصوريّة البحتة التي لا تأتلف ومجسّات الشعور، هكذا استبعد الألم من دوائر القرار الفاعلة والمؤثّرة في بنية الإنسان، ونظر إليه كطفح مرضيّ عابر للجسد، وعمل على تنحيته بحسب التقليد الفلسفيّ الشائع عن دائرة الوجود، وإدراجه في دائرة الشرّ العدميّة، الأمر الذي تسبب باضطرابات مفهوميّة أصابته في الصميم، وأحالته إلى الكمّ السالب على مستوى فعّاليّته في الحياة، فضلًا عن جدوائيّته البحثيّة وعدم بلوغه مستوى النضج الذي يجعل منه واحدًا من الموضوعات المستقلّة في مباحث الفلسفة الإسلاميّة. وفي المقابل، بذلت جهود حثيثة، كلاميًّا وفلسفيًّا، نحو إعادة تشكيل هويّة للألم وفق صياغة تكشف عن تمثّلاته المتجذّرة في بنية الإنسان النفسيّة والعقليّة، فضلًا عن الجسديّة، الأمر الذي مهّد لرؤية عرفانيّة ذات طابع دلاليّ مشغوف بصبغة روحيّة، تكتنفها الرحمة، ويتجاذبها ألم الفراق، والحنين للعودة إلى الجذور الأولى.
الوسم: محمّد عليّ الشاه آبادي
الإنسان من خلال الطبيعة والشخص والفطرة
الإنسان، في التقليد المنطقيّ الشائع، عبارة عن “جسم نامٍ، حسّاس، متحرّك بالإرادة، ناطق”. ويحتوي هذا التعريف على أهمّ العناصر التي شغلت التفكير الفلسفيّ والعلميّ قديمًا وحديثًا بوصفها مقوّمات الطبيعة الإنسانيّة، نظرًا لتضمّنه الأبعاد المادّيّة والروحيّة من الشعور والإرادة والوعي، وذلك على الرغم من اختلاف الآراء حول المعايير والضوابط التي قد تتفاوت من جهة احتوائها على جميع الأبعاد الآنفة، أو اقتصارها على بعد دون آخر، وكذلك الاختلاف في تصوير علائقها وكيفيّة ارتباطها. بيد أنّه ثمّة نزوع، في تفسير الإنسان، ينحو إلى إغفال الطبيعة الكلّيّة، من خلال الحكم على الإنسان كشخص، وهو منظور يحيل الإنسان إلى مجموعة من الأوضاع التي يتمّ وصفها عادةً بأنّها أوضاع إنسانيّة، إلّا أنّه يخفق في القبض على الأسس العميقة التي تتحدّد على أساسها بنية الإنسان من خلال الكشف عن الدوافع الأصيلة والكامنة فيه.
Man, according to the mainstream logical tradition, is a “growing, animate, intentional, rational body.” This definition grasps the most important elements that have occupied philosophical and scientific thought, previously and at present, inasmuch as they constitute the basic components of human nature in view of the material and spiritual dimensions proceeding from the sentiment, will and consciousness of man. This view holds in spite of differences, in terms of standards and norms, as to whether to include all the aforementioned elements, or to how they relate or interconnect. When interpreting the human being, there remains a tendency, however, to overlook its universal character by judging man, merely, as person, a perspective that transforms man into a set of conditions, typically described as the human condition. This perspective, however, fails to capture the deep foundations that ground the human substructure wherein the primordial motives dwell.