تحميل البحث: الافتتاحية
وضعت إشكالية “الشر” كلا من الفلسفة والدين أمام أسئلة صعبة، جهد الفلاسفة عمومًا، وفلاسفة الدين خصوصًا لمعالجتها والإجابة عليها انطلاقًا من العقل أحيانًا، وبرؤية محكومة للنصوص الدينية، أحيانًا أخرى، ورغم المعالجات المعمقة والجدية التي قدمت في هذا المجال، إلا أن تاريخ الفكر الديني والفلسفي يضعنا أمام حقيقة وهي أن باب البحث والنقاش في حقيقة الشر يبقى مفتوحًا على الدوام، وأن الخوض في هذه الحقيقة متلازم مع التفكير الديني والفلسفي والاجتماعي في كل زمان ومكان.
بيد أن مفهوم الشر في حياتنا الراهنة، يتعدى مدياته الفلسفية والدينية، ليصبح أكثر اقترانًا بدلالاته وأبعاده القيمية والمجتمعية، حيث بات البحث في هذا المفهوم ناظرًا، بشكل أساسي، إلى الطبيعة العملانية والتداعيات الحاصلة، وذلك بهدف الحد من آثار الممارسات الشريرة في حياة البشر والأمم.. ومع ذلك، فإن هذا لا يلغي ضرورة كون نقطة البداية في المعالجة التأسيسية لإشكالية الشر هي المساحة الفلسفية والماورائية بغية تحديد نشأته وعلله وماهيته، كمقدمة للوصول إلى تداعياته وآثاره على مستوى الأفراد والمجتمعات.
ويلي التأسيس الفلسفي والديني لمفهوم الشر، منهجيًا، الخوض في هذا المفهوم تربويًا ونفسيًا واجتماعيًا، ذلك أن الأفراد والمجتمعات، إنما هي بشكل أو بآخر، متعلقات للأفعال الشريرة، سواء أكانت – الأفراد والمجتمعات- ذوات يصدر عنها الفعل الشرير، أو موضوعات يرتكب بحقها، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن مقولة الشر كانت منذ بدء الخليقة، ولا تزال، مؤشرًا على مدى رقي الإنسان وكماله واقترابه من الغايات السامية التي خُلق لأجلها.
ثمة أسئلة وإشكاليات تدور حول موضوع الشر عديدة يحاول محور هذا العدد معالجة معظمها والإجابة عليها ومنها:
- ما هو مفهوم الشر وكيف يمكن تحديد ماهيته؟
- هل يصح نسبة الشر إلى الخالق تعالى وأنه سبحانه خالق الشرور، مع أنه خير محض ومطلق؟
- ما حقيقة القول إزاء الفلاسفة الملحدين الذين حاولوا الاستدلال من خلال الشر “الشر” على عدم وجود الخالق؟
- هل أن مفهوم الشر نسبي، بحيث أنه شر إذا ما نظر إليه من زاوية، لكنه خير وضروري من زوايا أخرى؟
- ألم يكن بإمكان البارئ تعالى أن يخلق العالم من دون شرور؟ وهل الشكل الأتم والأصلح للكون وجود الشرور فيه أم انتفاؤهما؟
- هل الشر ذو طبيعة وجودية أم ذو طبيعة عدمية؟
- كيف تتفاوت الرؤية إلى الشر بين العرفان والفلسفة والدين والاجتماع؟
- إذا كان الإنسان مسؤولًا عن بعض الشرور التي تصدر عنه، فما هو القول في الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والأعاصير والأوبئة؟
- هل الشرور تقتصر على عالم الدنيا دون الآخر؟ وماذا عن جهنم والعذاب في الآخرة؟
- هل هذا العالم أكثر خير وأقله شر أم بالعكس؟
- ما هي العلاقة بين الشر والألم، فهل الآلام على الدوام من تداعيات الشرور؟
- إذا كان الإنسان مفطورًا على حب الخير، فهل الشر حالة غريزية لديه تولد معه، أم هي حالة مكتسبة؟
- ما هي التوصيات والتعاليم التي أوصى الدين بها لمواجهة الشرور؟
- ما هي التجليات المعاصرة لموضوع الشر، وكيف يمكن النظر إلى الشر على ضوء العلوم المعاصرة من تربية واجتماع وعلم النفس؟
- وأخيرًا، ما هي الظروف والعوامل التي تؤدي إلى ارتفاع وتيرة الشر لدى بعض الأفراد والمجتمعات وانخفاضها لدى أخرى؟