اللاهوت الطبيعيّ ومعرفة الله الوجوديّة إشكاليّة الوحي في لاهوت رودولف بولتمان

في حين تسترسل تيّارات لاهوتيّة وفلسفيّة مسيحيّة، وغير مسيحيّة، بالكلام عن اللاهوت الطبيعيّ، أي معرفة الله عبر الخليقة، أو العقل، يعارض رودولف بولتمان هذا التوجّه أشدّ معارضة، وقد استنبط لاهوته، الأمين لفكر المصلح مارتن لوتر (1483-1546)، متأثّرًا بفلسفة مارتن هايدغر (1889-1976) الوجوديّة، وملازمًا اللاهوت الجدليّ.  وهو يعتقد أنّه من المستحيل للإنسان معرفة الله بقدرته الخاصّة، أو من خلال التأمّل بالطبيعة أو التاريخ، وهما يحملان سمة رفض الله. فالله لا يتجلّى عبر الفكر، أو مجرى التاريخ، أو الخلق، بل يفصح عن ذاته بذاته في وجود الإنسان، في تاريخيّته Geschichtlichkeit الخاصّة.

While philosophical and theological currents, Christian and non-Christian, speak extensively about natural theology, viz. the knowledge of God through creation or mind, Rudolf Bultmann, against this trend, stresses his opposition. Bultmann, still faithful to the reformist, Martin Luther (1483-1546), formulated his theology under the influence of Martin Heidegger’s (1889-1976) existential philosophy, while firmly adhering to a dialectical theology. He held that man could hardly know God by virtue of his own capacity, or through the observation of nature and history, for both carry the trait of rebuffing God. Rather, God discloses Himself in the very being of man, and through his [man’s] own special historicity (Geschichtlichkeit).

منهج العلّامة الطباطبائيّ في فهم الإسلام

إنّ قراءة الإسلام في منهج العلامة الطباطبائي متوقّف على فهم المراد من الإسلام؛ فبلحاظ أنّ الرؤية العامّة لمكوّنات الدين الإسلامي وفق العلامة الطباطبائي كان للنصّ القرآني حضورًا محوريًّا في تشكيل الصورة والجانب القرآني جانب إلهي من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ المضمون نفسه يستعرضه العامّة في سياق كونه فطريًّا أو عقليًّا أو فطريًّا وعقليًّا، وبالتالي هناك تناسبيّة حاكمة في كلّ الأبعاد الدينيّة، ستطرح المضامين دائمًا في سياق تفاعلي بين الجانب الإنساني والجانب الإلهي.

آفاق التعدّد المنهجي في منظومة العقل الوحياني عند العلامة عبد الله الجوادي الآملي

لم يتمكّن أصحاب المنهج التجريبي إلّا أنْ يُخضعوا النفس الإنسانيّة العالِمة للتفكيك والتجزئة في المعرفة المُكتسبة، كما أخضعوها لثنائيّات المتعالي والدنيوي (الحسي)، حيث حصروا كلَّ العلوم مهما كانت موضوعاتها في السلسلة الأفقية العرْضية اتّكاءً على منظومة الوجود المنحصرة في عالَم المادّة والحسّ؛ أمّا العقل الوحياني عند الآملي فيرتبط بمنظومته التفكيرية في علم المعرفة، القائمة على التعدّد والغنى المعرفيَّيْن، حيث الوجود غير منحصرٍ في عالَم الحسّ والتجربة، بل يتعدّاه طوليًّا إلى عوالِم أخرى، فيعطي العقلَ الإنساني القدرة على إبداع الحلول للمشكلات المعرفيةّ المُستجدّة بحسب القدرة والقابلية الإنسانيَّتَيْن.

 

الرؤية والمنهج عند جمال الدين الأفغاني

قُرِأ جمال الدين الأفغاني من قبل العديد من الدراسات، فتمّ التركيز على جوانب من حياته، أُثيرت من خلالها الكثير من الظلال على هذه الشخصية، حيث كان الجانب السياسيّ والمذهبيّ والإثنيّ هو الأَصل وما تبقى عبارة عن فروع، وفي هذا الأمر تحاملٌ كبيرٌ عليه، فهذا المفكّر، وإن اشنغل بالسياسة إلّا أنّه كان ينظر إلى هذا الجانب انطلاقًا من رؤية عميقة للاجتماع الإنساني وكيفيّة تأسيسه والنهوض به انطلاقًا من رؤية كلّية، فالسياسة وحتى في أكثر جوانبها الجهادية، لم تكن إلّا انعكاسًا لرؤيته الفلسفيّة، بالتالي الاشتغالات على جانب واحد من الموضوع يؤدّي إلى تفويت الفرصة للتعرّف عليه بحقيقته، وما كان يسعى لتحقيقه، وهذا البحث، سيحاول أن يبيّن ما أغفلت عنه الدراسات السابقة، ليذهب نحو العميق في فكره.

جمال الدين الأفغاني،الأمّة،الإصلاح، الحكم، الدين،العقل،الوحي

مفهوم “الوحي” في المسيحيّة

لم تتخلَّ المسيحيّة، مع ارتباك العلاقة بين الوحي والعقل في أواخر العصور الوسطى، عن القول بموضوعيّة الوحي، أو التأكيد على رفعة مكانته الإبستيميّة. أمّا وقد بدأت المنظومة المسيحيّة، بشقّيها الكاثوليكي والإنجيليّ، تنوء تحت ثقل تركة الحداثة، مع ما يعنيه ذلك من فرض المرجعيّة المعاياريّة العقليّة، وصعود الأداة التجريبيّة كمفصل معرفيّ، والتأكيد على تاريخانيّة الفهم البشري، فإنّ التحام اللاهوت المسيحي مع هذا النقد جاء بآثار إيجابيّة على فهم الوحي بعامّة؛ بل لقد استعادات القراءة المسيحيّة، إثر هذا التعاطي الإيجابي، مفهومها الجوهري للوحي بما هو كشف للذات الإلهيّة وعطاء لها بها.

The relationship between revelation and reason incurred some deep complications by the end of the medieval ages. Still, Christianity maintained an objective reality of revelation and granted it a prominent epistemic status. Christianity, then, fell under the heavy burden of modernity. But as the Christian system of thought, Catholic and Orthodox, engaged with the imperatives of modernity (the normativity of reason, the rise of empiricism, the assertion of the historicity of human understanding), this impact produced positive outcomes. The Christian approach to revelation even retrieved, as a result of this interaction [with modernity], its essential understanding of revelation as an uncovering of the Divine Essence, whereby this Essence is given [to us] through itself.

الوحي في التصوّر الإسلامي

لم يجافِ المعنى الاصطلاحي لمفردة الوحي في القرآن – وهو الكلام الإلهي مع الأنبياء – تلك المعاني الدلاليّة المتنوعّة التي تنطوي عليها المفردة، وهي: (1) الهداية التكوينيّة، و(2) الإلهام للخبر في حالات جزئيّة، و(3) الوسوسة. وهذا ما دعا إلى تعدّد فاعل الوحى بحسب السياقات القرآنيّة، وتنوّع الأدوار المنوطة بالوحي بحسب الفهم الإسلامي. بيد أنّ الوحي في الإسلام هو النصّ بعينه. ولمّا كان الوحي له تحيّزه النصّيّ وآثاره المختلفة (الجضاريّة والقيميّة والأخلاقيّة وما إلى ذلك)، فهو يطرح نفسه موضوعًا للعلوم المختلفة. إلّا أنّنا لن نستطيع قراءته في فاعليّاته إلّا متى ما تجاوزنا قسريّة المناهج، وقرأناه (الوحي) كما قدّم نفسه.

The terminological meaning of “revelation” in the Qurʾān (Divine speech delivered to prophets) encompasses, in effect, the diverse semantic connotations of the [Arabic] word, which are: (1) Divine guidance by virtue of creation; (2) Divine inspiration towards Good in given situations; and (3) instigation (waswasah). This, ultimately, admitted multiple agents of revelation within Qurʾānic contexts, and underscored the plurality of the roles revelation plays according to the Islamic understanding. Yet, in Islam, revelation remains one with scripture. As such, in terms of its scriptural existence, and its various influences (be they cultural, axiological, moral and so on), revelation lends itself to diverse fields of study. Indeed, to study revelation in its dynamics, one needs to go beyond the exclusivity of method, and tackle it as it presented itself, i.e. in the written text.

إبستمولوجيا الوحي عند العلّامة الطباطبائي

لمّا كان للخلقة غاية، وهي العبادة، فإنّ الهداية، ولا بدّ، ملازمة للخلقة. ويرى العلّامة الطباطبائي أنّ الهدايتين، الفطريّة والعقليّة، لا تستغنيان عن الهداية النبويّة، أي الوحي. والوحي عنده شأن تكوينيّ، فهو مصون بالتالي عن أيّ تغيّر “ماهويّ” – نزولًا وتبليغًا – كما هي عادة كلّ شأن تكوينيّ. إلّا أنّ الوحي يظلّ، بنظر العلّامة، أمرًا معرفيًّا، فهو أداة معرفيّة حينًا، ونوع معرفيّ حينًا آخر. وإذا كانت كلّ معرفة متشكّلةً بحسب السياقات البشريّة فإنّ الوحي، بدوره، يتغيّر. إلّا أنّ العلامة يسم هذا التغيّر بـ”المجازيّ”، إذ لا يطال مضمونَ الوحي بمقدار ما يطال صورته وشكله، ما يفسّر الاختلاف الذي نجده في الشرائع.

العلاقة بين الفلسفة والوحي في علم الكون لدى الفارابي

غلام رضا جمشيديها، أبو الفضل مرشدي

يُعتبر أبو نصر الفارابي من أوائل المفكّرين المسلمين الذين تعاملوا مع الفلسفة اليونانيّة بجدّ، حيث سعى إلى المواءمة بين الفكر الفلسفيّ والتقليد الفكريّ الإسلاميّ. وقد قام بالكثير من التأمّلات حول العلاقة (النسبة) بين الفلسفة والدين والعقل والوحي، فاتّخذ “الفلسفة الصحيحة” أساسًا للدين في الوقت الذي قدّم فيه تفسيرًا فلسفيًّا للوحي والنبوّة. وقد فسّر شارحو آثار الفارابي العلاقة بين الدين والفلسفة والنبيّ والفيلسوف في آراءه بأشكال مختلفة، وأخذ عليه البعض تفضيلَه للفيلسوف على النبيّ. إلّا أنّنا، إذا ما أخذنا بقراءة الفارابي الأنثرُبولوجيّة، سنجد أنّ النبيّ، عنده، هو فيلسوف، يتولّى، إلى كونه فيلسوفًا، رسالة هداية الناس وإرشادهم.

Abū Naṣr al-Fārābī is one of the first Muslim intellectuals to seriously tackle Greek philosophy, attempting, thereby, to bring about conciliation between philosophical thought and the Islamic intellectual tradition. Having pondered the relations between philosophy, religion, the intellect and revelation, he came to consider the “righteous philosophy” as basis for all religion, ultimately offering a rational explanation of prophecy and revelation. While some commentators have taken issue with this account as giving precedence to the philosopher [over the prophet], careful attention to al-Fārābī’s anthropology reveals his understanding of the prophet as a philosopher, whose task it is, additionally, to deliver guidance to peoples – to put wisdom in terms they can understand – and is as such endowed with capacities that philosophers usually lack.

الوحي من منظور إلهيّات المعرفة

غيّبت القراءة التقليديّة للوحي الإنسان، فانهمكت بماهيّته وبخصائصة المنطقيّة، في حين استحضرت القراءة الحداثويّة الإنسان كبديل عن المصدر الإلهيّ للوحي، فلم تر موضوعيّةً لوحي يجيء الذات من خارجها، بل الوحي، عندها، مجرّد عصارة عبقريّة الذات المؤمنة التي تروم المطلق. هذا في حين تقرّ “إلهيّات المعرفة”بمرجعيّة المعرفة الإنسانيّة، بل حتّى معياريّتهاإذا ما رجعنا إلى حيثيّة الانتساب الإلهيّ في الإنسان، وتُميّز، في سياق متّصل، بين (1) الوحي بمعناه التكوينيّ الذي يتشابك وما جُبل في فطرة الإنسان والكائنات، و(2) الوحي بمعناه النبويّ، وإن اندرجا كلاهما في فعاليّات نظام الهداية الذي أرساه الله في حياة الكائنات. وإذ يصل الوحي بمعناه الأوّل، أي الوحي المندرج في مفاعليل “كن”، إلى غاية اكتمالاته عند النبيّ، فإنّ النبيّ عندها يصير موردًا للوحي بمعناه الثاني، ويصير أهلًا لخطاب “اقرأ”، الذي يتمظهر في مرجعيّة عليا وهي النصّ.

The traditional understanding of Revelation was rather too absorbed with what constitutes revelation – in logical terms – to be inclusive of man. The modernist understanding, on the other hand, brought Man to center stage as a substitute to the Divine source of revelation. This second reading does not admit the revelation befalling the self from without any objective reality. Revelation is, rather, the ingenuitive outcome of a faithful Self yearning for the Absolute. As per the “Meta-theology of Knowledge,” however, the centrality, even normativity, of human knowledge is acknowledged only when the divine origin of man’s being is recognized. In due context, a distinction is made between two aspects of revelation:  (1) the creational, and (2) the prophetic. The distinction does not render irrelevant the fact that both aspects belong to the very system of guidance that God instilled in the life of beings. Revelation in the first sense, that is to say revelation in accordance with the imperative “Be,”[1] reaches its fullest in prophets; it is then that prophets become an instance for revelation in its second sense, and are fit to receive the Almighty’s address, “Read,”[2] which, consequently, takes form in scripture as an ultimate authority.

[1] See, Sūrat al-Baqarah (The Heifer), 2, v. 117; Sūrat ʾĀl ʿImrān (Family of ʿImrān), 3, v. 47, 59; Sūrat al-ʾAnʿām (Cattle), 6, v. 73; Sūrat an-Nal (The Bees), 16, v. 40; Sūrat Ghāfir (The Forgiver), 40, v. 68; Sūrat Maryam (Mary), 19, v. 35; Sūrat Yā Sīn (Yā Sīn), 36, v. 82.

[2] See, Sūrat al-ʿAlaq (the Clinging Mass), 96, v. 1.

متافيزيقا الخلود في الجنة والنار

ترجمة: علي الساحلي.

للوحي الديني منظورٌ خاص يُعنى بتحفيز الإنسان نحو خلاصه. من هنا يزوّدنا الوحي ببعض التفاصيل إلا أنه، في الغالب، يقدّم الخطوط العامة. أما إذا أحكم المِتافيزيقي هذه المفاتيح العامّة، وأسّس على أن الرحمة تسبق الغضب، وتسعُ كل شيء، وأنّ ما سوى الله نسبيّ، ولا يبقى سوى وجهه سبحانه، فإنه يستنتج أن الوجود الأخروي – بل كل الوجود الإطلاقي – لا بدّ أن يصل إلى حالةٍ من الاندماج والفناء في المبدإ الأول.

هنا تشكّل نقطة التقاء بين الأديان الإبراهيمية، التي تقول بخضوع الوجود لمسار طوليّ يبدأ بالخلق وينتهي بالرجوع النهائي إلى الخالق، وبين الأديان البرهمانيّة – البوذية التي تقول إنّ الوجود حركة دوريّة يتعاقب عليها البسط والقبض الإلهيين.