افتتاحية العدد 13

تحميل البحث: الافتتاحية

ما هي المبررات الموضوعية التي تدفع إلى البحث عن علاقة مفترضة بين الدين والفن والتصوّف؟ وكيف يمكن التعامل منهجيًّا مع هذه المجالات والنظر إليها وفق مقاييس ىلية واحدة أو متقاربة رغم ما قد يبدو بينها من تغاير وتباين؟ ثمّ ما الذي يمكن أن يترتّب معرفيًّا على مثل هذا الخوض المنهجي في هذه المجالات ووضعها في خانة بحثيّة مشتركة مع اختلاف الفضاء المعرفي والموضوعي الذي يتكامل وينفعل فيه كلّ واحد منها؟

بدايةً، لا بدّ من القول: إنّ  الإجابة على الأسئلة المشار إليها تفترض مسبقًا تحديد ماهويات كلّ ضلع من أضلاع ثلاثيّة الدين والفنّ والتصوّف انطلاقًا من الفهم السائد والمألوف إزاءها بعيدًا عن الرؤى الخاصّة والتصوّرات الاجتهاديّة. إذ في هذه الحال، يبدو العمل على مقاربة مكوّنات ومحدّدات هذه الثلاثيّة – وتحديدًا من جهة الموضوع والمنهج والمعرفة – جهدًا مبرّرًا وضروريًّا، انطلاقًا من البحث في الترابط الماهوي بين اضلاعها وصولًا إلى الدور المشترك – فيما إذا كان متوفرًا – الموكل إليها بلحاظ الوظيفة والغاية.

ورغم ما تستبطنه من أهمية فائقة، دراسة كل من الدين والفن والتصوّف – بنحو يدرس فيه كل واحد بمعزل عن الآخر – وما تنطوي عليه من تأثير على تفكير الإنسان وسلوكياته، فإنّ الأهميّة – بحسب ما نرى – تبدو مضاعفة وأكثر إلحاحًا إذا ما تمّت دراسة هذه المجالات ومعالجتها على أساس ضمّها إلى بعضها البعض والبحث عن مبادئها وغاياتها المشتركة، والتثبّت فيما إذا كان ثمّة اتساق وانسجام يجمع بينها، وبالتالي النظر في مدى إمكانية انتزاع رؤية مشتركة تفسح في المجال أمام اندراج الدين والفن والتصوّف في منظومة وجوديّة واحدة تتطابق أبعادها المعرفية والغائيّة رغم اختلافها في التعبيرات والطرائق والتجلّيات.

بناءً على ما تقدّم، نحاول فيما يلي إجراء مقاربة سريعة وأولية للإطار العام الذي يجمع بين الدين والفن والتصوّف، وذلك انطلاقًا من طبيعة العلاقة التي تربط بين هذه الأمور الثلاثة من جهة الموضع، المنهج، المعرفة، حيث سينكشف أمامنا، نتيجة ذلك، عمق الترابط – وربما التطابق – الكلّي، الموضوعي والمنهجي والمعرفي، رغم التغاير بينها في التفاصيل والجزئيّات.

أوّلًا: في الموضوع:

ثمّة تشابه في العلاقة بين الدين والفن والتصوّف من جهة الموضع، بنحو يصحّ القول معه: إنّ العلاقة بين هذه الثلاثيّة تقوم على وحدة في الجوهر مستمدة من الوحدة في الموضوع.

موضوع الدين: الله الواحد هو الموضوع الذي تتمحور حوله كافة المسائل الدينيّة، غذ لا يمكن الوقوف على قضية دينية من دون أن تكون على صلة، بنحو ما، بالألوهية، وبالتالي فإنّ الأديان تهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان وتعريفه على الخالق وهدايته إلى الطرق التي تؤدي به إلى طاعة الله من حيث هو – الإنسان – مخاطب الوحي الإلهي.

موضوع الفن: أما الفن فموضوعه هو الجمال، وتحديدًا، هو الجمال المطلق الذي منه يستمدّ كلّ جمال وجوده، فيسعى الفنان، من خلال ملكاته الإنسانية الكامنة فيه، إلى البحث عن تجليات محدودة للجمال اللامتناهي الذي يتمثّل ويحضر في الشياء، ومن ثم التشبّه به عن طريق إعادة إبداع محدود لتجليات الجمال المطلق الذي يكون الله تعالى مصداقه ومصدره في آن، بحيث يقف الفنان، بحسب المفترض، في نهاية الأمر على وحدة الجمالية الكونية.

موضوع التصوّف: كذلك الأمر في التصوّف إذ موضوعه هو الوجود الأحدي المطلق الذي لا وجود لسواه، وكلّ عمل الصوفي إنّما يهدف إلى الوصول إلى هذا الوجود والتوحّد به التخلّي عن كل الموجودات الظلّية الموهومة حيث تنعدم الفاصلة بين السالك بما هو إنسان محدود والمقصد المطلق الوجود والكمال، وبذلك تتحقّق السعادة للصوفي.

على هذا، يبدو واضحًا أنّ الموضوع الذي يشكّل محور تلاقٍ جوهري بين الدين والفن والتصوّف إنّما هو واحد لا اختلاف فيه، ولكن يعبر عنه بتعبيرات مختلفة وينظر غليه من حيثيّات متعدّدة؛ وهذا الموضوع هو الله تعالى من حيث وجدانيّته وإطلاقه وجماله.

هذا مع ضرورة ملاحظة تلاقي الإنسان (في هذه الأطر الثلاث) بما هو ذات جامحة نحو موضوعها الواحد، عند هدفية الوصول إلى الله وملاقاته، مع اختلاف في طرق الكدح المؤدّية إلى ذلك وتباين مستوياتها.

ثانيًا: في المنهج

رغم التباين المنهجي في مجالات الدين والفن والتصوّف إذ لكل مجال طريقته المنهجيّة المعتمدة في سبيل الوصول إلى المطلوب، إلّا أنّ ذلك لا يمنع البتة من التعامل مه هذه المجالات وفق رؤية منهجية موحدة بمعزلعن المنهج المتبع في كل واحد منها.. فهناك فرق بين العمل المنهجي الموحّد على الدين والفن والتصوّف والعمل المنهجي المتبع في كلّ دائرة من هذه الدوائر…

من هنا، يمكن مقاربة هذه الدوائر على خلفية منهجية موحدة انطلاقًا من رؤية فلسفيّة.. إذ النظر إلى أمرين متباينين وفق منهجية فلسفيّة من شأنه تحديد مدى التقارب في الكلّيات والغايات والموضوعات والمباني والمفاهيم والعلل من دون الاستغراق في التفاصيل والجزئيّات والمصاديق التي هي محل تباين في كلّ حال.

وعليه، فإنّ ثمة إمكانية لتشكيل دائرة بحثية واحدة تشتمل على الدين والفن والتصوّف ويمكن تناولها بمنهجية فلسفية موحدة، يصار من خلالها إلى البحث حول فلسفة الدين وفلسفة الفن وفلسفة التصوّف، وصولًا غلى رؤية كلية يتحدّد معها التماهي في المبادئ والمقاصد والغايات والماورائيات.

وهنا، تجدر الإشارة، إلى أنّ البعد الفلسفي في هذه الثلاثية يمثل بعدًا حاضرًا في كافة جوانبها ومتلبسًا في هويتها ومحايثًا لمكوناتها من دون أن يكون منفصلًا عنها أو مغايرًا لها من خلال اصطفافه إلى جانبها كبعد رابع قائم بذاته.

ثالثًا: في المعرفة:

يمكن مقاربة المسألة المعرفية في هذه الثلاثية انطلاقًا من المنابع المعرفية التي تشكل منهلًا في المعرفة لكل من الدين والفن والتصوّف، وبالتالي النظر في مدى التقارب في المعطيات المعرفية على أساس التقارب معرفيًّا في المنابع والمصادر.

المعرفة الدينيّة: رغم تعدّد مصادر المعرفة الدينيّة (عقل، وحي، حسّ..) إلا أنّه لا خلاف في أنّ الفطرة تشكل منبعًا أساسيًّا في هذه المعرفة، فالفطرة السليمة تفضي إلى التدين والدين السليم يحاكي الفطرة (أقم وجهك للدين حنيفًا فطرة..).

المعرفة في الفن: يعتبر الإلهام شرطًا أساسيًّا ولازمًا في المعرفة الفنيّة ومنجزاتها. والهام هنا، وإن حاول البعض تمييزه عن الفطرة، فهو في كلّ الأحوال هبة غلهيّة يعطيها الله لبعض عباده، وتكون الفطرة محلها ومتعلقها، إذ الإلهام ملكة فطرية تنمو بالتجربة والممارسة، غلا أنّ التجربة ليست مصدرًا لها أو علة.

المعرفة الصوفية: أمّا منبع المعرفة عند المتصوّف فهو الفطرة ولا شيء غيرها، وفي الأساس إن حركة السالك تهدف أساسًا ىإلى العودة إلى الفطرة وإزالة ما يعلق بها من رواسب وكدورات.. وإن كلن للفطرة عند المتصوف تعبيرات عديدة (الحدس المعرفي، النور، الكشف المعرفي، المعرفة المباشرة..) إلا ان الفطرة تشكل مرجعًا أو منشأ لكل هذه التعبيرات.

وبالعموم يمكن القول: لا معرفة عرفانية وصوفية من دون التمسك بالفطرة السليمة…

وإذا كان التلاقي في منابع المعرفة بين الدين والفن والتصوف يكاد يبلغ هذا المبلغ من التوحّد، فليس من المستغرب أن تكون المفضيات والمترتبات المعرفية الناتجة عن كل ذلك واحدة أيضًا، رغم الاختلاف في التجليات والتعبيرات؛ فالمعرفة الدينيّة تقوم على معرفة الإله الواحد وطاعته، والمعرفة الصوفية تنشد الوصول إلى الوجود المطلق (الله) والتوحد به، كما إن المعرفة في الفن تتطلع إلى الكشف عن الجمال المطلق والواحد والاتصال به والتشبه بجماله.

وخلاصة ما تقدم أن العلاقة بين الدين والفن والتصوف إنما هي علاقة مشتركة بين الإنسان بسلوكياته وفعالياته المختلفة وبين المطلق الواحد بتجلياته المتعدّدة، حيث إن المقصد النهائي لهذه العلاقة رفع النقص لدى الإنسان، وبلوغه الكمال، وحصوله على السعادة.

ونحن في مجلة المحجة إذ نفرد محور هذا العدد للعلاقة بين الدين والفن والتصوف، فإنما نهدف من وراء ذلك إلى مقاربة رؤية تأسيسيّة نستطيع من خلالها التعامل مع هذه المجالات من منظور فلسفي، وصولًا إلى تحديد مكامن الالتقاء في المبادئ والغايات والوظائف، من دون أن يعني ذلك، الادعاء بأن موضوعات المحور تفي بالغرض وتؤدي إلى المطلوب كله، بل هي مجرد خطوة تحتاج إلى خطوات عديدة شاقة وصعبة، وهي رهن بجهود الباحثين والمتخصصين… والله من وراء المقصد.

افتتاحية العدد 12

تحميل البحث: الافتتاحية

الافتتاحية:

“الحق أوسع من أن يحيط به عقل واحد”

                                   صدر التألهين

 

         المعرفة الدينية وجدلية العقل والشهود:

إذا كانت المعرفة الدينية – بمعنى العلم بالدين – ترتكز وتنطلق من ” الوحي ” باعتباره المصدر الإلهي  لهذه المعرفة، فإنها سرعان ما تتفاعل تأثيرا وتأثرا ببقية المصادر المعرفية الأخرى، أي المعرفتين العقلية ( الفلسفية ) والشهودية ( الصوفية والعرفانية ). بحيث لا يمكن الحديث عن معرفة دينية دون الأخذ بعين الاعتبار النتائج التي تسفر عنها هذه العلاقة التفاعلية القائمة بين النص ( الوحي ) وبين منهجي العقل والشهود الكشفي.

فالعقل لا يجد بداً من اقتحام أسوار النص ( الوحي )، فهما وتأويلا وسبراً لأغواره، بحثا دون كلل عن الحقائق المنزلة بين ثنايا ألفاظه ومقارنتها بما يتوصل إليه بمعزل عن الوحي الإلهي. في الوقت الذي يحاول فيه المتصوف والعارف تمثُّل حقائق هذا الوحي وقيمه ومبادئه، ليحيلها إلى سلوك عملي يرتقي من خلاله سلم الحقيقة الشهودية، وكلا من العقل والشهود هدفهما يكاد يكون واحداً، وهو الوصول إلى سدرة الحقيقة أو مقام اليقين، للخروج من حالة القلق الوجودي والمعرفي التي يعاني منها هذا الكائن العاقل والمفكِّر.

وبالرجوع إلى المعرفة الدينية الإسلامية، نكتشف أن العقل الإسلامي قد تعرَّف مبكرا على هذه الثنائيات: العقل والنقل، الظاهر والباطن، العقل والشهود الكشفي أو الفلسفة والعرفان، فالإرهاصات الأولى لإعمال العقل في النص الموحى به واكبت تنزيله، لكن وجود الرسول (ص) الشارح والمفسر والمجيب على كل التساؤلات، أخَّر انفجار الإشكاليات المعرفية التي سيثيرها فهم النص ( الوحي ) إلى حين. لكن   ” حروب التأويل ” سرعان ما انطلقت شرارتها، لتضع النص والعقل الإسلامي أمام تحديات معرفية متعددة الأبعاد، حيث بدأ التساؤل عن طبيعة المنهجية المعتمدة في تحصيل المعرفة والبحث عن الحقيقة يتبلور في إطار اتجاهات وطرائق بحث متعددة، قسمَّها طاش زاده كبرى إلى قسمين: طريق النظر وطريق الذوق، وينقسم طريق النظر إلى قسمين: طريق الفلاسفة وطريق المتكلمين، وينقسم الطريق الأخير- أي الذوق – إلى قسمين: طريق الإشراق وطريق التصوف(1).

وقد تحولت هذه الطرائق فيما بعد إلى تيارات ومدارس متباينة المنطلقات والنتائج. فالنوازل والمستجدات اليومية دفعت العقل الإسلامي إلى محاولة تقعيد مجموعة من القواعد لمقاربة النص الديني بغية استنطاقه لاستنباط ما يحتاجه الواقع من حلول وأجوبة واحتياجات معرفية، ولم تكن هذه الآليات الجديدة المكتشفة محل وفاق بين المسلمين ، ففي الوقت الذي اقتصر البعض على الاستفادة من الظواهر اللفظية للنص الديني وفهمها والرجوع إليها، سعى آخرون لتوسيع مجال الاستنباط ليشمل آليات أخرى مثل القياس وغيره من مصادر الاستنباط الأخرى… وإذا كانت هذه الآليات الاستنباطية قد أثبتت جدوائيتها في مجال المعرفة الفقهية، إلا أنها لم تستطع مواجهة التحديات التي بدأت تتعرض لها العقائد الإسلامية من طرف الأفكار والآراء اللاهوتية والفلسفية التي اصطدم بها الدين الجديد وأتباعه، بسبب الاتصال المباشر مع معتنقي هذه الآراء والنحل أو الاطلاع على تراثهم الفكري والفلسفي عن طريق الترجمة.

لقد كانت حاجة علماء الكلام إلى العقل والمنطق ضرورية للدفاع عن العقائد الإيمانية، لكن انشغالهم بتقديم فهم وشرح عقلاني للعقيدة جعلهم يصطدمون في أحيان كثيرة بظواهر النصوص الدينية، ما دفع البعض منهم إلى الاستنجاد بآلية التأويل، في محاولة لتجاوز التناقض الحاصل بين ما يُفهم من ظواهر النصوص وما يتوصل إليه العقل والجدل الكلامي، وهكذا ظهرت في سماء المعرفة الدينية إشكالية الأسبقية هل هي للعقل أم النقل، حيث أعلن متكلمو مدرسة الاعتزال أن “العقل قبل ورود السمع” في الوقت الذي ذهب متكلمو المدرسة الأشعرية إلى تقديم النقل أو السمع على العقل، ورام آخرون من ضمن التيار الكلامي إلى التوفيق بين العقل والنقل،لأن “العقل لن يهتدي إلا بالشرع  والشرع لم يتبين إلا بالعقل، فالعقل كالأس، والشرع كالبناء”(2).

لقد انطلق الفقهاء والمتكلمون من أرضية مشتركة، وهي الإيمان بمصدري المعرفة الأساسيين (القرآن والسنة)، أما الاختلاف بينهما فيكاد ينحصر في ترتيب آليات استنباط المعرفة وإنتاجها من هذين المصدرين. بالإضافة إلى الاختلاف الكبير حول آلية التأويل، لأن إخراج الألفاظ من دلالتها الظاهرية إلى دلالات مجازية أو باطنية، عملية محفوفة بالمخاطر الجمة، لأنها تشرَّع أبواب النص الديني وتجعله منفتحا على أكثر من قراءة وتفسير وتأويل، لذلك استنكف الفقهاء عن الالتجاء إلى التأويل، أما دعاته فطالبوا فقط بضرورة وضع قواعد علمية للتأويل يراعى فيها قانون اللسان العربي – لسان التنزيل – ودلالاته المتفق أو المجمع عليها.

لقد تميز المنهج الكلامي بالجدل والمناظرة، فمن خلالهما تمكن من “نصرة الأفعال والآراء التي صرح بها واضع الملة، وتزييف كل ما خالفه من أقاويل”(3).

لذلك فقد غاب عن مباحثه استخدام البرهان، لولا الآثار التي تركها بعض علماء الكلام البارزين مثل الخواجة نصير الدين الطوسي من الإمامية وفخر الدين الرازي من أهل السنة، وكذلك ما خلفه المعتزلة من آثار ظهر فيها أخذهم بالاستدلالات العقلية في سياق أبحاثهم وفق المنهج الشكي، وبذلك غلب الطابع العقلي على علم الكلام وأصبح علما عقليا يستبطن معطيات النص الديني(4).

كما قلنا سابقا، ففي الوقت الذي انشغل البعض بفهم النص الديني (الوحي) والدفاع عن العقائد الإيمانية التي جاء بها، كان هناك من يعمل على تمثل قيمه ومبادئه وأحكامه بهدف التماهي مع الحقيقة المطلقة التي بشر بها الوحي، لذلك لم ينشغل هذا الفريق بجدلية العقل والنقل وأيهما أسبق، بل أعطى الأولوية للتجربة الروحية وتزكية النفس والارتياض والعزلة، فهذا الطريق – في نظرهم – هو أساس  المعرفة الدينية وهدفها، لأنه وحده القادر على إيصال السالك والمريد إلى مصدر المعرفة وغاية المعرفة أي علة الوجود وخالقه ومدبره ” الله سبحانه وتعالى”.

إن سلوك الطريق عبر تمثل القيم الدينية والرياضات الروحية، يؤدي إلى المكاشفات الشهودية، وهي عبارة عن ومضات نورانية تشبه الرؤى والأحلام، يتمكن المتصوف أو سالك الطريق عبرها من مشاهد حقائق الوجود أو معاينتها معاينة كشف وذوق وحال، ومن خلال هذه الومضات وشدتها  وتكرارها وقدرة المتصوف والعارف على استيعابها، ومدى صقالة مرآة روحه وهمته، تنعكس لديه الحقائق الوجودية، فيرتقي من مقام إلى مقام، ومن مشاهدة إلى أخرى، إلى أن يتحقق فناؤه في ذات الحق، فلا يبقى إلا وجه ربه ذو الجلال والإكرام…

إن الصوفي والعارف وهو يكابد معاناة الارتياض الروحي وكدح التزكية المستمرة للنفس، لا يضيع وقته في الانشغال بفهم ظواهر النصوص الدينية أو ترتيب المقدمات العقلية والمنطقية، بل يكتفي بالاحتراق لذة بما حصل عليه من معارف كشفية وذوقية، لائذا بالصمت قهرا، لأن اللغة تصبح عاجزة عن ترجمة ما رآه وشاهده وتذوقه، بل تصبح أضيق من أن تحيط أو تستوعب مضامين تلك الكشوفات الغيبية، ولسان حاله يردد قول الشاعر:

وكان ما كان مما لست أذكره          فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر

وإذا لم يصبر على الكتمان ورام لسانه الإفصاح أو ترجمة ما رآه بعين قلبه حال سكره وذهوله، فإنه سيسقط في الشطح والهذيان، وسيعرض نفسه لسهام علماء الرسوم وحراس الظواهر والقشور، وسيكبو جواده لا محالة ولن يجد من ينقذه من غضب هؤلاء، كما وقع للحلاج الذي كبا به جواده  فعجَّل حتفه وعوقب بالإعدام لإفشائه بعض أسرار الكشوفات  الغيبية.

إن المعرفة الشهودية لا يمكن الوصول إليها بالتعلم أو التفكر والرياضات العقلية، وإنما تُدرك بسلوك طريق المجاهدات النفسية والرياضات الروحية المستمرة، لذلك فقد ظلت هذه المعرفة مثار جدل مستمر إلى الآن، من جهة، توجَّس الفقهاء أو علماء الرسوم – كما يسميهم ابن عربي- خيفة من نتائج هذه التجارب والرياضات الروحية التي يخوض غمارها الصوفية في خلواتهم والتي يطفو على سطحها بين الفينة والأخرى من الأفعال والأقوال ما يخالف الشريعة، مثل الشطحات القولية: “أنا الحق”، “سبحاني سبحاني ما أعظم شأني”، “ما تحت الجبة إلا الله”. وهذه الشطحات تثير حفيظة العوام، ويصعب على الخواص إيجاد تأويل صائغ لها.

بالإضافة إلى صعوبة بل استحالة التأكد من صحة هذه المكاشفات والمشاهدات الروحية، هل هي فعلا نورانية من مصدر النور الحقيقي – أي الله سبحانه وتعالى – أم تلبيسات شيطانية وشطحات يحاول المتصوفة وأهل العرفان تغطيتها والتستر عليها عبر تأويلها بما يجعلها صائغة ومقبولة نقلًا وعقلًا.

أما الفلاسفة وأهل العقل فشككوا في القيمة العلمية لهذه المعرفة الشهودية، لأن أصحابها لا يستطيعون إثباتها بالأدلة العقلية والمقاييس المنطقية، لأنها قائمة على تجربة ومعاناة نفسية باطنية وشخصية، ولا تعني لها هذه المقاييس العقلية شيئًا.

وقد ردَّ المتصوفة والعرفاء على هذه الاعتراضات، فأكدوا على لسان الجنيد والغزالي وغيرهما بأنهم مقيدون بالكتاب والسنة، وأن شعارهم:” تفقه ثم اعتزل “، أما “ما يتوصلون إليه فما هو إلا فيض روحاني  إلهي”(5)، وأعلن البسطامي وهو من كبار القوم: “لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات  حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به، حتى تنظروا كيف تجدونه في الأمر الإلهي وحفظ الحدود”(6)، وبذلك وضعوا حدا فاصلا بين الحقيقة والادعاء. وفي سلوكهم هذا الطريق، هم مجتهدون كالفقهاء، قد يخطئ البعض منهم أو يكبو فيقع في الشطح ويتلفظ بعبارات كفرية أو تدل على عقائد منحرفة، لكن كبار العارفين منهم يؤولونها بما يصرف وجهها الدال على الكفر والانحراف.

لكن المتصوفة – وبسبب اعتمادهم على التجربة الشخصية الباطنية – افترقوا طرائق قددا في تحديد معنى المعرفة، يقول القشيري: “وقد تكلم المشايخ في المعرفة، فكل نطق بما وقع له وأشار إلى ما وجده في وقته”(7)، وبذلك اختلف النطق والترجمة باختلاف الحال والمقام، والقدرة على الاستيعاب والتمثل، والإيضاح والإفصاح والتمكن من اللسان المبين، ومنهج من فضَّل الصمت اختيارا للخمول والتواري عن الأنظار، إيثار السلامة من الغرور أو خوفا من زلات اللسان ومصائد الشيطان. وهذه المآخذ المهمة التي روَّج لها خصوم التصوف حاول العرفان إيجاد الحلول لها عندما قام بصياغة المكاشفات والشهودات صياغة نظرية يمكن إدخالها في أنساق استدلالية عقلية ومنطقية.

لقد انفجر الصراع مبكرا بين الفقهاء والمتصوفة، وهذا الصراع جسَّد بدوره الاختلاف والتناقض المنهجي بين تيارين مهمين في تاريخ المعرفة الدينية الإسلامية، وكشف عن مستوى التأزم الذي وصلته العلاقة بين الفقيه والمتصوف أو العارف، والاضطراب الذي ساد مواقف الفقهاء من المعرفة الصوفية وأصحابها…

لقد حاول التصوف أن يتمثل الوحي، ليتمكن عبر ما يؤدي إليه هذا التمثل من مشاهدات وكشوفات روحية من الوصول إلى اليقين والكشف عن حقائق الوجود وأسراره، ثم تطور الهدف مع العرفان والإشراق ليصبح انشغالًا أكثر بفهم الوجود وتفسيره أيضًا، وهذا بالضبط ما رامت الفلسفة الإسلامية الوصول إليه، ونقصد بها الفلسفة المشائية (الأرسطية) على وجه الخصوص، لأنها وجدت لها مناصرين ومروجين في عالم الإسلام على قدر كبير من الذكاء والحب للحكمة والإيمان بقدرة العقل على الوصول إلى الحقائق الكبرى في الوجود دون مساعدة الوحي أو النقل، مثل الفارابي الملقب ﺑ”المعلم الثاني”، وابن سينا المشهور ﺑ “الشيخ الرئيس”، وابن رشد “الشارح الأكبر”.

لقد سعى فلاسفة الإسلام – وربما تقليدا لفلاسفة اليونان – إلى فهم العالم وتكوين تصور صحيح وجامع نسبيا وكامل عن العالم، حيث أصبح الحد الأعلى لكمال الإنسان عند الفيلسوف – كما يقول الشهيد مطهري – هو وصوله إلى تلك المرحلة التي يدرك فيها العالم كما هو موجود بعقله، بحيث يكون العالم في وجوده وجودًا عقليًّا، ويصبح عالما عقليًّا(8).

أما الأدوات أو المنهج الذي يعتمده الفيلسوف فهو: العقل والمنطق والاستدلال البرهاني(9). فالفارابي مثلا يعتقد أن معرفة الوجود ممكنة، وإنها تستطيع أن تقبض على الحقيقة عن طريق العقل الكلي نفسه، الذي يقدم الصور للعالم المادي والأفكار للإنسان، لذلك فحكمة الفلاسفة تصدر عن هذا العقل الكلي أو العقل الخالص (10).

لقد أثار اعتماد الفلاسفة المسلمين النظر العقلي  والبرهان كمنهج لمعرفة حقائق الوجود بعيدا عن الوحي، أثار ردود فعل مختلفة ومتعددة من طرف الفقهاء والمتكلمين والمتصوفة والعرفاء، حيث سارع الفقهاء – كدأبهم – إلى رفض التفكير الفلسفي جملة وتفصيلا، واتهام المشتغلين بالفلسفة بالزندقة والكفر والانحراف عن العقائد الإيمانية، وأعلنوا الحرب على الفلسفة والفلاسفة، بينما اتخذ المتكلمون والمتصوفة والعرفاء مواقف متباينة، أهمها المحاولة التي قام بها بعض المتكلمين لإدخال البرهان إلى علم الكلام، ومحاولة بعض العرفاء الجمع والتوفيق بين الفلسفة والعرفان.

لقد وضع حب الحكمة والرغبة في الارتياض العقلي الفلاسفة المسلمين في موقف صعب للغاية، فالفقهاء – ومن ورائهم العامة – يتربصون بهم الدوائر، ويهتبلون الفرص لتحريم النظر الفلسفي لأنه يؤدي – في نظرهم – إلى التشكيك في العقائد الإيمانية، “من تمنطق تزندق”، لذلك لم يكن هناك بدٍّ من الدفاع عن النظر الفلسفي بالشروع في محاولات توفيقية بين الفلسفة والدين لمعرفة ما بينهما من اتصال وانفصال.

انطلق الفلاسفة المسلمون من الإيمان بأن الشريعة المحمدية الحقة  صادرة عن مبدأ العقل، إذن يستحيل مناقضتها لقضايا  العقل الضرورية أو القريبة من الضرورة، كما يستحيل مخالفة العقل لقضايا الشريعة الحقة بصفتها صادرة عن مبدأ العقل وقيومه، فإن لم نجد بينهما وفاقا في بعض الموارد فإما لعدم الفهم الصحيح عن الرأي الديني، أو لعدم مطابقة القضية العقلية للأصول المنطقية، وخفاء ذلك على عقل من يحاول التفسير الصحيح عن قضاياهما(11).

ومن أشهر المحاولات التوفيقية بين الحكمة والشريعة، ما قام به فيلسوف قرطبة والشارح الأكبر لأرسطو ابن رشد، أما محاولات السهروردي والملا صدرا فلم تقتصر على عقد المصالحة بين الفلسفة والدين فقط، بل حاولت كذلك الجمع والتوفيق بين الفلسفة والعرفان والإشراق والدين.

بالنسبة لابن رشد كان التوفيق بين الحكمة والشريعة مناسبة لرد الاعتبار للفلسفة والنظر العقلي البرهاني، الذي كاد أن يتهاوى في الشرق تحت ضربات الغزالي وكتابه تهافت الفلاسفة، لذلك سيتجه التوفيق أولا باتجاه تأصيل النظر الفلسفي من خلال التأكيد على حقيقة الاختلاف الطبيعي الموجود بين بني البشر في مستوى إدراك الحقائق. ففي مقدمة كتاب: “فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من اتصال” يتساءل ابن رشد: هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشرع أم محضور أم مأمور به، إما على جهة الندب، وإما على جهة الوجوب(12). ويجيب على سؤاله هذا بترتيب أدلة عقلية ونقلية، منطلقا من حقيقة الاتفاق الأولي بين الفلسفة والدين في الحث على الاعتبار والتفكر والتأمل في الموجودات لمعرفة الصانع أو الخالق سبحانه وتعالى. وهذا لا يتم بالنسبة للفيلسوف إلا بالنظر العقلي المنطقي، فالمنطق هو آلة الفيلسوف لتحقيق الاعتبار الذي حثت عليه الشريعة، وبالتالي فإن “النظر في كتب القدماء واجب بالشرع إذا كان مغزاهم في كتبهم ومقصدهم هو المقصد الذي حثنا الشرع عليه “(13).

لكن النظر العقلي المنطقي ليس هو الطريق الوحيد لتحقيق الاعتبار في الموجودات، بل هناك طريقان آخران للاعتبار أشارت إليهما الآية الكريمة: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾(14)، فهذه الطرق الثلاثة تؤكد تفاوت مستويات البشر في الاعتبار وإدراك الحقائق. يقول ابن رشد: “إن طباع الناس متفاضلة، فمنهم  من يصدق بالبرهان، إذ ليس في طباعه أكثر من ذلك، ومنهم من يصدق بالأقاويل الجدلية تصديق صاحب البرهان بالبرهان، إذ ليس في طباعه أكثر من ذلك، ومنهم من يصدق بالأقاويل الخطابية كتصديق صاحب البرهان بالأقاويل البرهانية… وإذا كانت هذه الشريعة حقا، وداعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق، فإنا معشر المسلمين، نعلم على القطع أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع، فإن الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له”(15).

وفي حال ما إذا اختلفت نتائج النظر الفلسفي “البرهاني” مع ظواهر الشريعة فإن فيلسوف قرطبة يحيلنا إلى آلية التأويل، تأويل ظاهر الشريعة بما يوافق نتائج البرهان “ونحن – يقول ابن رشد:- نقطع قطعا أن ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع، إن ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العربي”(16).

والخلاصة التي يتوصل إليها فيلسوف قرطبة بخصوص العلاقة بين الدين والفلسفة، هي “إن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة… وهما المصطحبتان بالطبع، المتحابتان بالجوهر والغريزة(17).

لقد أثارت هذه المحاولة التوفيقية بين الدين والفلسفة الكثير من الانتقادات والردود، لسنا هنا في مورد تقييمها، لكن لا بد من الإشارة إلى أهمية هذه المحاولة والوضوح والدقة العلمية التي عالج بها ابن رشد هذه الإشكالية الكبيرة،  كما أعاد الاعتبار للنظر الفلسفي، أما الادعاء الذي روَّج له البعض من أن ابن رشد كان يؤمن بوجود حقيقتين متعارضتين، دينية وفلسفية، فنحن نؤيد ما ذهب إليه هنري كوربان من أن القول بوجود حقيقة مزدوجة هو من نسج الرشدية اللاتينية السياسية.

 

وفي الوقت الذي كانت الفلسفة تلفظ أنفاسها الأخيرة في الغرب الإسلامي كانت جذوة التفلسف تشتعل ويشتد أوارها في الشرق الإسلامي، مع شخصيتين لامعتين هما شهاب الدين السهروردي (549 ﻫ – 587ﻫ) الملقب بشيخ الإشراق، وصدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي المعروف بصدر المتألهين (979 ﻫ – 1050 ﻫ) وصاحب “الحكمة المتعالية”، إن ما قام به هذين الحكيمين الإلهيين يشبه عمل النحل الذي يتنقل بين الأزهار والأشجار والثمار، يمتص الرحيق ثم يخرجه من بطنه فيه لذة وشفاء للشاربين، لقد استطاع هذان الحكيمان فعلا أن يعالجا برحيق ما أنتجاه من فكر وفلسفة الكثير من علل المعرفة الفلسفية، وأن يحلا عددا من معضلاتها، وأن يساهما بدورهما في معالجة إشكالية العلاقة بين الفلسفة والدين، وبين الفلسفة والعرفان، وبين الدين والعرفان.

قبل الحديث عن فلسفة الإشراق، لا بد من الإشارة إلى أن “الشيخ الرئيس” كان قد أشار إلى إمكانية إستفادة الفيلسوف من الكشوفات الشهودية للمتصوف أو العارف، وهذا يعني إمكانية المصالحة بين الفلسفة والعرفان، والحاجة المتبادلة بينهما، فالعرفان بحاجة إلى الاستدلال العقلي والمنطقي لتفسير شهوده الكشفي ووضعه في نسق نظري يمكن البرهنة عليه، ومده بالاصطلاحات الدقيقة التي تمكنه من التعبير عن حاله، وبالتالي تلقينه وتجاوز أزمة صدقية وصحة كشوفاته الذوقية الخاصة. أما الفلسفة فهي في حاجة للمواضيع والقضايا الجديدة التي يثيرها العرفان والتي ستصبح موضوعا للنظر والبحث العقلي.

بالنسبة للسهروردي، الارتياض الروحي والتزكية المستمرة للنفس تفسح المجال للأنوار الإشراقية المتتالية كي تسطع على الروح فتتيح لها فرصة ” معاينة المعاني والمجردات كافة “بعد ذلك يأتي دور الحجة والبرهان لتصديق ما رآه الفؤاد بعين قلبه وشهوده، لذلك فمع الحكمة الإشراقية هناك تجاوز لثنائية الفلسفة المشائية ــ الشريعة الإسلامية، لأن الينابيع التي تمتح منها هذه الحكمة هي التراث الإنساني  ككل: الحكمة الإيرانية القديمة، الفلسفة اليونانية، التصوف والعرفان الإسلامي، الشريعة الإسلامية (قرآن وسنة)، لذلك نجد في كتابات شيخ الإشراق الأدلة البرهانية جنبا إلى جنب الآيات القرآنية لمساندة المقامات الكشفية والذوقية وشرحها وتفسيرها وتأكيد صدقيتها، والخلاصة، فالحكيم الإشراقي هو من يجمع بين التأله العرفاني والبحث العقلي، وبذلك يؤكد على المستويين النظري والواقعي وحدة الحقائق الدينية والعقلية والشهودية… فما يدركه الفيلسوف بالعقل والمنطق والاستدلال، يراه العارف من خلال الإشراق(18).

وبالعودة إلى صدر المتألهين، نجد أهداف الحكمة المتعالية محددة بدقة، فبخصوص العلاقة بين الفلسفة والدين والعرفان، فالهدف هو الوصول إلى مقام التصالح التام بينهم.

“فإذا اتحد التعقل الفلسفي مع الوحي السماوي، فإن ذلك سيكون نورا على نور” (19).

أما البرهان، فالمطلوب أن يصبح مقدمة للعرفان، وفي هذا السياق يشير الشيرازي إلى نقطة محورية في تفكيره ومنطلقه، وهو إيمانه بأن التشيع – الإمامي – وحده الذي يستطيع في الإسلام أن يقدم التوافق والانسجام بين الوحي الإلهي والتعقل الفلسفي،  لأن التشيع يأخذ العلم والحكمة عارية من مشكاة النبوة، ولأن الفلسفة الشيعية فلسفة مبنية في الأساس على الوحي…(20).

كان هذا سفرًا قصيرًا وسريعًا توقفنا فيه عند أهم المحطات المعرفية الكاشفة عن طبيعة تعاطي العقل الإسلامي مع الثنائيات التي تحكمت في إنتاجه المعرفي، وعلاقة المعرفة الدينية بالمناهج المعرفية الأخرى، فالنزاع انفجر مبكرًا واستمر إلى يومنا هذا بين الفقيه والمتكلم والفيلسوف والعارف، وبين بعضهم البعض والكل يدعي وصلا بليلى، وقد خاض عدد من الفقهاء والمتكلمين والفلاسفة والعارفين تجربة التوفيق والمصالحة بين هذه المناهج والمدارس، بغية نزع فتيل الصراع والتحارب والتأكيد على وحدة الحقيقة وإن اختلفت المناهج والسبل الموصلة إليها، فالله سبحانه وتعالى واحد وطرق الوصول إليه بعدد أنفاس خلقه، “والحق ــ كما يقول صدر المتألهين ــ أوسع من أن يحيط به عقل واحد” أو تستوعبه تجربة روحية واحدة، أو ينحصر التعبير عنه بلغة أو إشارة واحدة.

لقد أثرى هذا النزاع والتنوع المنهجي المعرفة الدينية الإسلامية والمعرفتين الفلسفية والعرفانية، وحال دون استبداد أو استفراد منهج أو تيار بالساحة المعرفية الإسلامية، كما أعطى العقل الإسلامي الفرصة للإبداع، خصوصا محاولات التوفيق بين هذه المناهج كما رأينا. وفي الوقت نفسه أثار من الأسئلة والإشكاليات الكثير، من أهم هذه الأسئلة – في نظرنا – علاقة المناهج بالمعرفة بشكل عام، وتأثيرها في النتائج؟ وهل هذا التنوع المنهجي يؤكد نسبية المعرفة الدينية ؟  وتحديد معنى أو مفهوم العقل، فقد صوِّر دائما  على أنه مخالف للشريعة وللعرفان ؟ ما السبيل لعقلنة المعرفة الشهودية ؟ وكيف نُظر إليها على أنها تقدم فهما وتصورا أكثر عمقا وشمولا للوجود ولأحكام الشريعة ؟ مع أنها فجَّرت بدورها إشكالات أخرى لا تقل غموضا وصعوبة عن الإشكالات التي فجرتها المعرفة العقلية؟

هل تتوقف المعرفة العقلية عند بناء البعد البرهاني، أم يمكن أن تتجاوزه لأطوار أسمى (ما فوق العقل) وبالتالي قد تلتقي مع المعرفة الشهودية في مرحلة من المراحل؟

للمساهمة في الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، تقدم مجلة المحجة لقرائها في هذا العدد مجموعة من الدراسات والأوراق المقدمة لمؤتمر” المعرفة الدينية جدلية العقل والشهو ” الذي نظمه  في بيروت معهد المعارف الحكمية في 23 تموز 2004.

قدمت دراسات الملف معالجات لهذه الإشكالية من خلال مقاربات متنوعة، فالباحث الإيراني د. غلام حسين ديناني يؤكد في بحثه: “العقل والعشق الإله ” على صعوبة إدراك الإنسان للعقل والعشق، لكن وحدة الحقيقة المعبر عنها بالشهود الحضوري كفيلة بتجاوز هذه الإشكالية. أما الشيخ شفيق جرادة، تحت عنوان: “العقل في جدلياته” عن موضوع العقل في حقليه المفاهيمي والاصطلاحي. كما حاول الكشف عن منطق التوحيد الارتقائي الذي يقوم في إطاره المعرفي على جدلية العقل الشامل.

واستعرض الدكتور الإيراني محمد صادق الموسوي آراء بعض حكماء الشرق والغرب بخصوص برهان الصديقين لإثبات وجود الخالق. من جهة أخرى تحدث د.جاد حاتم عن نظرية الحب الخالص لدى الملا صدرا، من خلال ثلاثة عناوين: الرحمة للهالك، الحب للهالك، رغبة الموت. أما الباحثة الإيرانية فروزان الراسخي فقد تناولت الموقف من المرأة من خلال المعرفة الشهودية. وعالج د. حبيب فياض ثنائية المنهج في إطار العرفان والفلسفة، كما تحدثت د. مهين الرضائي من إيران عن العدل الإلهي في فلسفة لايبتس.

أما دراسات هذا العدد فهناك دراستان: الأولى للشيخ محسن غرويان أجاب فيها عن سؤال: هل الحركة الجوهرية اشتدادية؟ والثانية للباحث المغربي الأستاذ إبراهيم بورشاشن الذي سلط الضوء على  علاقة ابن رشد بالتصوف.

وفي باب وجهات نظر: هناك مناقشة لكتاب السيد محمد حسن الأمين: “الاجتماع العربي الإسلامي، مراجعات في التعددية والنهضة والتنوير”، من طرف د. علي فياض والأستاذ إلياس خوري، بالإضافة إلى وقائع الدائرة المستديرة للحوار الذي عقد على هامش ندوة: “هنري كوربان: حواريات الروح والدين” وقد شارك في الحواركل من سماحة الشيخ شفيق جرادة، ود. بيار لوري، ود. أعواني، ود. حبيب فياض.

 

                                                              

                                                                 والله الموفق     

                                                                  محمد دكير

 

افتتاحية العدد 11

تحميل الملف: الافتتاحية

أن تطرح مجلة المحجة  موضوع “الدين والعلمنة” في ملف خاص تعكس فيه حلقة بحثية جرت في قاعة “معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية”، فإن ذلك يعود لاعتبارات معرفية بحتة لا تبتغي صب المديح ولا الذم والقدح اللذين عكستهما أدبيات المهتمين بالموضوع من بعض الإسلاميين والتيار العلماني العربي تحديدًا…

وهذا النزوع نحو خيار البحث المعرفي يعود للأسباب التالية:

أولًا: كون المعهد ومجلته “المحجة” يعنيان بطرح الموضوعات بلغة علمية تبحث عن مكامن وجوانب تقديم المفاهيم بالشكل الذي عني أصحابها على تقديمها.. مستخدمة اللغة النقدية التي لا تأخذها في سبيل إبراز وجوه من الحقيقة لومة لائم، تاركة لمذاق القارئ حق الخيار في القناعة.

ثانيًا: لقد شكلت القضايا المطروحة عند الوضعية التحليلية والمنطقية والتي تتبنّى الاتجاه العلماني تحدّيًا جدّيًا على صعيد قراءة الفكر الديني، مما يستدعي إعادة التفكير في تلك القضايا ومبانيها ومرتكزاتها التي تستند إليها.. وهو عمل لا ينبغي فيه التأكيد على الشقاق، بل البحث عن الملابسات التاريخية التي وقعت ضمن سياقات معينة فأولدت ذاك الموقف من أصحاب الاتجاهات العلمانية – على تنوعها- نحو الدين….كما أملت واقع ردة الفعل التي حصلت من قبل الكثير من المفكرين الإسلاميين – على تطور نظرتهم – تجاه العلمنة والعلمانية.

ثالثًا: بما أن حاضنة الطرح العلماني كان هو الغرب، والغرب لا ينطوي على مكونات الحضارة والبنى المجتمعية للشرق، وبما أن العلمانية جاءت كرد حاسم على سلطة الإكليروس المسيحي، – والإسلام غير المسيحية -، كما أنه لا يدعو إلى المؤسسة الدينية كجزء من نظامه العقيدي ومشروعه الإنساني العام… فلا بد من دراسة المدى  الذي يعني الإسلام والمسلمين في مجادلة العلمنة والعلمانية.

رابعًا: إن معهد المعارف الحكمية إذ يحمل في مشروعه الفكري وجهة نظر محددة تجاه كل ما يمت لفلسفة الدين، وعلم كلام الأديان بصلة، فإنه يرى في الكثير من طروحات الفكر العلماني (الفلسفي والأخلاقي) مادة قابلة للنقاش المعرفي المفتوح…

خامسًا: إن العلمانية سواء أقبلناها أم لم نقبلها، تمثل صورة من صور العلاقة مع الغرب.. وإن أخذ أي موقف معرفي منها لا يصح أن نفصله عن حدود العلاقة العملية مع الغرب.. بل بمعنى أصرح لا يمكن التغافل في بحثها عن سياق الصراع بين الغرب والشرق.. لنبحث واقع الصراع وهل يمثل ضرورة من ضرورات تاريخنا المعاصر، أو إنه مائز من مميزات التعدد الحضاري القائم بين الغرب والشرق؟!.

سادسًا: لقد عملنا في هذا الملف المتعلق بـ “الدين والعلمنة” على التنبه إلى أن الطرح العلماني الذي كان من حيث المنشأ والتطورات في سياقه التصاعدي وليد واقع سياسي واجتماعي غربي، انبثقت عنه رؤية نظرية سعت لإعادة تشكيل النظرة للعالم والمجتمع والعقل والتاريخ والإنسان، وهي نظرة مبنية على رفض الدين كموجّهٍ وحاكمٍ لتستعيض عنه بما أطلقت عليه اسم “المذهب الإنساني” الذي خاض صراعًا مريرًا مع الكنيسة، بحيث تم زرع جملة من الطروحات اللاهوتية المعلمنة ابتداءً من البروتستانت وصولًا لمقولات كاثوليكية سعى بحث د. جيروم شاهين لإظهار مسارها وما آلت إليه….

بحيث تم حصار الشأن الكنسي داخل جماعات الإكليروس ومحيطهم الخاص وحوّل الإيمان إلى مجرد نزوع نحو المطلق.

سابعًا: لما كان الغرب ككيان استحواذي يقدّم نفسه باعتباره “الحضارة النموذج” و”العقل النموذج”، كما كشفت عن ذلك الأبحاث المقدمة تحت عنوان “التصالح المجتمعي بين الدين وعلمانية الدولة”، و “الدين والعلمنة في نظام المعرفة والقيم” و “العلمانية والديموقراطية”.

وقد سعت هذه الأبحاث لتأكيد أن العلمانية توجت عوامل النهوض الثقافي في أوروبا وأميركا، وأثارت فكرة أن الإنسان كائن مكتفٍ بذاته على كل صعد الاحتياجات المجتمعية والفلسفية والقيمية؛ وبالتالي فقد تم أدلجة العلمانية في وقت اكتشف فيه العقل الإنساني -فيما بعد- عدم إمكانية الفصل التسطيحي بين ما هو ديني وما هو زمني، ذلك أنهما متلازمان تمامًا، ولقد كان من الحري البحث حول كيفية تنظيم صيغ العلاقة بينهما، بدل نفي العلمانية للدين….

كما أن النقوضات التي طرحتها الوضعية العلمانية للمقولات الدينية إنما نقضت بالواقع صيغ المقولات المبنية على المنطق الصوري، لا المقولات الدينية التأسيسية.. والثمن الذي دفعته العلمانية بسبب روحية طرحها الشمولي أوقعها بإخفاق كبير في نماذج التجربة التي أطاحت في كثير من محفزات الديموقراطية في بلدان ودول العالم، منها دول العالمين العربي والإسلامي. والتجربة التركية هي خير دليل على ذلك، كما أظهر بحث د. محمد نور الدين حول “العلمانية في تركيا”، في الوقت الذي لم يلتفت فيه أصحاب الاتجاه الشمولي للعلمانية تطور الفكر السياسي في الخطاب الديني الذي أبرز بعض عناوينه بحث د. حسين رحال حول “العلمانية والخطاب الإسلامي” خاصة إذا نظرنا إلى ما آل إليه بحث د. كارتسن ويلاند والذي اعتبر أن العلمانية هدفت للحد من تسلط القلة متغافلًا أن هذه القلة بقيت هي الحاكمة في مسرح الأحداث الغربية ومن تأثر بها في عالمنا العربي الإسلامي، كما أنه اعتبر أن العلمانية اعتمدت ولو من خلاله وجوهها المتعددة ثلاثة مظاهر هي:

  1. فصل الكنيسة عن الدولة.
  2. تخصيص حقل اهتمام الدين.
  3. التأكيد على نزعة اللاتدين.

وقد أبقت على قواسم مشتركة منها: الخبرة الثقافية، الحركة الفكرية والاجتماعية مع تزامن وتلازم تطورات الديمقراطية التحررية، سيادة القانون، حريات الأفراد، وحقوق الإنسان عامة مستقلة عن الإيمان الشخصي والمذهب، في المقابل كانت العلمانية في العالم العربي، – حسب المقال- شيئًا مختلفًا تمامًا.. وما ذلك إلا بسبب عدم أهلية العقل العربي على فهم مكونات وخصائص التجربة العلمانية التي استخدموها كأيديولوجيا، يعاود الحكام تركها للتمسك بالشعارات الدينية عند الحاجة، ولعل أهم ثغرة وقع فيها العقل العربي- حسب صاحب المقال- هو عدم القدرة على تفهم معنى المساواة في نظام القيم العلماني.. من هنا جاءت دعوته لضرورة التعرف إلى العلمانية وبثها في الطروحات الإسلامية التي اهتم الكاتب بإبراز وجوه محددة منها مؤكدًا على أن العالم عليه أن يقسم أصحاب الطروحات والرسالات إلى قسمين:

قسم خير وصالح، وآخر سيّء وشرير…

وعلى العقلاء الصلحاء التعامل مع الطرف الآخر ضمن سياسة “التسامح بمنطق القوة” من أجل نشر تعاليم العلمنة..

وهو ما لم يوافق عليه أصحاب الأوراق العربية والإسلامية وإلى مراجعة الإسلام كنظام سيادي للمنطقة يمكن لأصحابه أن يتحدثوا عن هويتهم، بالشكل الملائم لواقع حالهم وحال شعوبهم وبلدانهم وطروحاتهم العقيدية والقيمية…

افتتاحية العدد 9

تحميل البحث: الافتتاحية

لطالما سعى الإنسان في عبور الواقع وأسراره بروح تتسلح بالإرادة والعقل والمعرفة، ليستنبش المخفيّ وليستوضح الملغّز…

ولطالما تعرّض في هذا الطريق لمنزلقات وواجه مصاعب، آلت به إلى طيّ صفحات مخفية، ودرك كمونات جوهرية كان يحسبها حتى الأمس القريب بدون طائل.. كما آلت في وجوه أخرى إلى انحرافات عن جادة صواب كان عليها، وما لبث أن ضيعها بسبب الغفلة حينًا، أو بسبب سوء التقدير وقلة التعقل أحيانًا أخرى..

افتتاحية العدد7

تحميل: الافتتاحية العدد 7

لم تعد الأخلاق مجرد توصيات ومواعظ وآداب وأحكام ، بل هي نظام معرفي يمتد إلى العلم والفلسفة ونظام القيم، فقد اقتحم البحث الأخلاقي معظم الميادين وبات مشروعاً يُسائِل ويخضعُ للسؤال من قبل المفكر والفيلسوف، حتى بلغ الجدل فيه أوجه من الاحتدام؛ بحيث تنوعت وجهات النظر في القضايا الأخلاقية إلى حد التباين والافتراق، وانتظمت هذه التوجهات المتعدّدة في مذاهب ومدارس وكيانات أخلاقية كبرى.

افتتاحية العدد 6

تحميل الملف: الافتتاحية العدد 6

في زمن الاعتقاد بنسبية الحقائق، وانفلات النص من كل قيود، تصبح “الهرمنوطيقا” من العلوم الضرورية، التي لا بد من دراستها ورصد حركتها. وهذا العلم الذي يعتبر قديما قدم النص نفسه، أخذ وجهة أكثر راديكالية منذ القرن السابع عشر، عندما قام الباحث المعروف “شلايرماخر” في تطبيقه على النص المقدّس بوصفه “فن الفهم والاستيعاب”، وتطوّر الأمر من بعده إلى أن أصبحت “الهرمنوطيقا” أداة لمكافحة الاسطرة في الكتب الدينية.

ولكن هذا العلم الوافد إلينا من الغرب، والذي يحاول أن يأخذ حيّزًا في عقلنا وثقافتنا، هل يصلح ليكون من جملة العلوم التفسيرية عند المسلمين؟ السؤال وان كان يبدو صعبا، إلا أنه لا بد من طرحه بعد بروز هذا الاتجاه في أكثر من مكان في العالم الإسلامي؛ حيث أصبحنا اليوم نرى أسماء لامعة تتعاطى مع هذا القطاع المعرفي الوافد، وتحاول أن تفرض سطوته على العقل الإسلامي، علمًا أن مثل هذا السؤال لا بد أن يقترن مع أسئلة أخرى تطال الحقل المعرفي الذي سيعمل عليه هذا العلم، فالباحث عن المعرفة لا بد له من طرح أسئلة أوليّة ينبغي الإجابة عليها، ومن هذه الأسئلة على سبيل المثال:

هل يشبه القرآن الكريم الكتب السماوية الأخرى من ناحية الوجه التاريخي؟ وبالتالي، دراسته وفق مناهج وفلسفات النقد التاريخي؟

وهذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر: إذا كانت الكتب السماوية الأخرى، ونتيجة تموضعها في التاريخ، قد أدى ذلك إلى وجود بعض الدخائل على النص، وبالتالي لا بد من القيام بدراسات لمعرفة الذاتي والعرضي فيها، فهل هذا الأمر ينطبق على النص القرآني؟

كما أن بنية النصوص الدينية، والحقول التي تغطيها، تفرض علينا أن نتساءل عما إذا كانت النصوص الدينية تتناول نفس المساحات المعرفية؟

وهل النص الديني المقدس قابل لأسئلة لا متناهية من جانب المفسر والمؤول؟ وإذا كان الأمر ليس كذلك فما هو الحد الذي يقف عنده التأويل؟ وإذا كان النص الديني قابلا للتأويل فمن هو المخوّل للقيام بهذا الأمر؟ فهل تترك للتجربة الدينية الشخصية، وبالتالي نصل إلى التأويلات لا متناهية للنص الديني؟، أم يحال الموضوع إلى الراسخين في العلم، المدركين للمحكم والمتشابه، وأسباب النزول…

أسئلة كثيرة تطرح، سنحاول في هذا العدد أن نبدأ بتناول ما يمكن تناوله من الإجابات عليها، مفسحين المجال لهذه الفكرة أن تناقش بشكل علمي رصين؛ ولذلك نقدم للقراء عددا من الدراسات حولها، وهي:

  • “ماهية الهرمنوطيقا” للشيخ “أحمد واعظي”، ويعد هذا البحث مدخلًا منهجيًا لفهم الهرمنوطيقا. حيث قام الباحث بملاحقة هذا العلم منذ لحظة انبثاقه في الفكر الإنساني، وصولًا إلى يومنا هذا؛ لذلك بدأ بحثه بالحديث عن البعد اللغوي “للهرمنوطيقا”، متناولا جذر هذا المصطلح في الحضارات القديمة لا سيما اليونانية، ثم انتقل إلى تعريف هذا العلم، وكيفية تطوره منذ القرن السادس عشر حتى “فريدريك أرنست شلاير ماخر”، الذي كان ينظر إلى “الهرمنوطيقا” كفن يشتمل على جملة قواعد تفسيرية محددة، ثم انتقل للحديث عن هذا العلم عند “هيدغر” و “غادامر”، ليختم البحث بعد ذلك بالحديث عن أثر “الهرمنوطيقا” في العالم الإسلامي.
  • الموضوع الثاني: الذاتي والعرضي في النص” للدكتور “علي رضا قائمي نبا”، الموضوع الرئيسي لهذا البحث هو قضية تعدد القراءات واختلافها، ارتكازًا على التفكيك بين الذاتي والعرضي في النص. ويشتمل البحث على ثلاث خطوات تأسيسية: في الخطوة الأولى: يقسم الباحث اختلاف القراءات إلى كلي وجزئي، وفي الخطوة الثانية: يناقش جانبًا من طروحات “الهرمنوطيقا” الفلسفية عند “غادامر”، أما الخطوة الأخيرة: فيخصّها الباحث لآراء المفكرين الإيرانيين.
  • أما الموضوع الثالث، فهو “الهرمونطيقا والنص الديني” للمفكر الإيراني “محمد مجتهد شبستري” فقد تطرق فيه إلى مراده من مفردتي النصوص الدينية و “الهرمنوطيقا”، وأشار إلى أهمية موضوع البحث. ثم تعرض لملابسات ولادة المنهاج التفسيرية في العالم المسيحي، مركزًا من بينها على نظرية التمثيل والرمزية، بعد ذلك سلّط الأضواء على منهج النقد التاريخي والفلسفي وتوظيفه في تفسير النصوص الدينية، أو المسوغات النظرية التي تستند إليها هذه المناهج، ملمحًا إلى ما ينجم عن استخدامه من آثار.

وفي القسم التالي من الدراسة عرض المؤلف باختصار لخمس قضايا أساسية في تفسير النصوص الدينية. وفي الختام أشار إلى نظريات تتصل بتوقعاتنا من النصوص الدينية، وما تكتنفه هذه النظريات من قضايا وإشكاليات.

  • والبحث الأخير في الملف هو “ابستمولوجيا النص” للدكتور “علي رضا قائمي نيا”، ويتطرق الباحث فيه إلى إمكانية قيام معرفة بالنصوص الدينية، وإذا كانت ممكنة، فما هي ماهيتها؟

هذا وقد تناول عدد المحجة فلسفة السهروردي، من خلال بعض الأبحاث التي ألقيت في ندوة السهروردي في دمشق. على أن تخصص المجلة في كل عدد من أعدادها قسمًا خاصًا للدراسات والأبحاث، لا سيما المتعلق منها بالفلسفة الإسلامية ابتداء من هذا العدد.

 

الافتتاحية: تنوع نهضوي… وتحديات

الافتتاحية- عدد 4

اليوم، لم يعد الحديث عن البعد الانطولوجي البحث الذي يشكًل موضوعا للفلسفة مستساغا اليوم كما كان بالأمس، ويبدو أن مثل هذا الكلام على اطلاقه وقد فقد من قيمته العلمية، فإذا أمكن لنا أن نتشبّث بموضوعية الوجود للفلسفة الإسلامية لنكرّس بذلك واقعا لا يمكن انكاره لغير السوفسطائي، إلا أننا نكون قد خلطنا الأوراق، أو اختلطت علينا، حين نوصّف الفلسفة بالصبغة الإسلامية تمييزا لها عن الفلسفة المطلقة. فلم يكن مقصود الفلاسفة الإسلاميين من تعبير “الفلسفة الإسلامية” هو إفرادها كحقل اختصاص في نطاق الفلسفة المطلقة، لكي ينعى عليها اليوم بعدم جدوى موضعة الوجود كأساس ترتكز إليه الفلسفة على اطلاقها. وبذلك تكون العملية أشبه بمن يسحب البساط من تحت الأقدام.

وإنما كان الهدف من التوصّيف هو شيء آخر، من قبيل الإشارة إلى المنبت والمنشأ مثلًا، من دون أن يفقدها ذلك من عموميتها. إلى أن الحكم على الفلسفة، – أيًا تكن -، لم يعد حكرًا على أهلها، بل هو حق مشاع طالما أن إطلاق الأحكام بات يندرج في نطاق الممارسة الفلسفية نفسها، ومن هنا ينظر اليوم إلى الفلسفة “الاسلامية” على أنها أشبه ما تكون بالفلسفة المضافة التي تمارس نشاطها ضمن حقل معرفي خاص هو الوجود.

وقد واجهت الفلسفة الإسلامية تحدّيات من نوع مختلف، استهدفت هويتها في الصميم، وردّت بجملتها إلى إصول غريبة عنها؛ فليس للعقل العربي أن ينظر إلى الصميم، وردّت بجملتها إلى أصول غريبة عنها؛ فليس للعقل العربي أن ينظر إلى الأشياء نظرة شاملة، وما قام به ما هو سوى استنساخ مطابق للأصل الفلسفي اليوناني.

وفي أفضل الحالات، فإن الاعتراف بوجود فلسفة إسلامية لم يعد يجدي نفعا، سيما بعدما أصيب العقل بسهام النقد الحديث، فانهارت بذلك أسس البنيان الذي قامت عليه هذه الفلسفة، وفقد المنطق الأرسطوي مبرراته العقلانية…..

 

الفهم الديني… مداخل الثقافة والمحيط…

اليوم، وفي الوقت الذي نعيش فيه ضمن عالم تحكمه الصيغ والاحتياجات، وتشكل المساءلة والمراجعة النقدية – حتى لأقدس المقدسات – السمة والأسلوب المعتمد…

تحول الدين عند الكثيرين إلى “موضوع”، علينا معرفة نشأته وصدقية دعاويه، ومدى أحقيته وقدسية ما يدعو إلى قدسيته.. بل علينا أن نسأل كل دين، ما هي القيم الحاكمة فيه بنحو فعلي؟

بمعنى آخر: ما هو الدين – الذي ندين به – في أي دين؟

هل هي الحقائق والتعاليم؟

هل هي الذات المحتاجة والمفتقرة إلى المعنى المتسامي؟

هل هو المتسامي؟

هل هو المؤسّس؟ أو الرسول؟ أو جهاز السلطة الدينية النافذة؟

وإذا كانت “تختلف وظيفة النص الديني من مجتمع إلى آخر، ففي بعض المجتمعات نجد النص الديني هو محور السلطة، ومصدر المعرفة، وضابط السلوك، ومحدد الرؤية الشاملة إزاء الكون وظواهره وفي مجتمعات أخرى يتقلص هذا الدور إلى حد أدنى من إرشادات السكينة الروحية، والقواعد الأخلاقية. غني عن القول أن النصوص الدينية شأنها شأن كل السرديات الكبرى، ليست الوحيدة في ساحة التفاعل المجتمعي، حيث تزاحمها خطابات أخرى تسعى إلى الحد من دورها الاجتماعي، بل تقتص من قدسيتها أحيانًا”.

إذا كان الأمر محكومًا بين دين وآخر بهكذا نحو من المغايرة.. فهل من الصحيح أن تعمّم إشكاليات تقع في حاضرة دين معين، على دين آخر؟ ولا لشيء إلى لأن كليهما اسمه دين.

وإذا كانت الظروف المجتمعية وحقل التجاذب بين دين ما ومحيطه فرضت أسئلة وأحكامًا خاصة.. فهل يمكن لنا طرح نفس الأسئلة والأحكام على ظروف مجتمع ديني آخر عند لمح أدنى تشابه في المعطيات؟ مثلًا: نحن نعلم ما للكنيسة من حاكمية كهنوتية على النص الإنجيلي الأمر الذي دعا حركة الإصلاح الديني – في الغرب – إلى كسر تلك الحاكمية وترجمت الانجيل إلى اللغات القومية، والعمل على تأويل الانجيل تأويلات مجازية.. حتى “أطلقت حرية القراءة، وقامت رياح العولمة فنقلت التعامل مع النص الإنجيلي إلى مدارك التعددية والنسبية الثقافية. في اطار سعي الكنيسة المسيحية الحثيث إلى تكييف أوضاعها ديناميًا مع مطالب العولمة الثقافية.

وكان مدخل الكنيسة في ذلك هو التخلص من المركزية الغربية في قراءة الانجيل وحيث اقرت بمشروعية القراءات المتعددة والقبول بالفوارق إلى حد التناقض أحيانًا.. بل اعتبر البعض الأناجيل الأربعة نوعًا من التعدد الثقافي.

وهكذا أصبحت التأويلية الانجيلية هي البحث عن معنى النص في سياق من الخبرات المعيشية، أي معرفة الانجيل في السياق الثقافي والتاريخي لكل جماعةٍ مؤمنة…

تطلبت هذه المتغيرات من الكنيسة المسيحية إعادة النظر إلى النص الإنجيلي، بل وإعادة النظر إلى النصوص السماوية الأخرى؛ إيمانًا بالوحدة المعرفية لهذه النصوص”.

فهل النتائج الخاصة التي وصلت إليها المسيحية في نحو ونوعية القراءة أو القراءات المعلقة بها، ينبغي أن نعممها على بساط واحد من رياح العولمة لتشمل كل بقعة جغرافية بما في ذلك العالم العربي والإسلامي؟! وكل ديانة بما في ذلك الدين الإسلامي؟! مع وجود الفوارق المركزية التي نذكر منها على سبيل المثال..

  • محورية النص الحرفي للقرآن الكريم؛ باعتبار كل حرف فيه منزلًا من عند الله سبحانه؛ وهو ما يختلف عن الإنجيل أو الأناجيل.
  • اعتماد العقيدة الإسلامية على الحقيقة الثابتة والمجردة المتعالية والمتسامية على الزمان؛ ودخول الإله في العقيدة المسيحية في حركة التاريخ والزمان.
  • اعتبار الكلمة الفصل في المسيحية ممثلة بالكنيسة كمؤسسة كهنوتية، مما أوجب تجاذبًا بين الحتمية المتولدة منها؛ وبوادر الحتمية العلمية المتولدة من عصر النهضة والتي أنتجت صراعًا اضطرت معه اللغة الدينية – المسيحية إلى أخذ شكل متكيّف مع النسبية في الثقافة والاجتماع مما أوقع بشيء من التعددية التي أخذت أشكالًا حادة أحيانًا…

بينما قامت اللغة الدينية – الإسلامية على فردية التدبر والتعبد؛ كما وعلى مشروعية الاختلاف كواقع اجتماعي وإنساني “وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا” قرآن كريم.

  • “خلاف أمتي رحمة” حديث شريف. حصول تطورات علمية وأدبية ومعرفية وحركة تقنين وتشريع وتنظيم في الغرب فرضت نفسها على النفوذ الكنسي وعلى منظومة القيم والثوابت المسيحية؛ رفعت – ولو على حساب الأبعاد المعنوية – حركة التطور الحضاري ووتيرتها في مجال الاقتدار السياسي، والاقتصادي، والتقني مما ألحق خلفه كل معطيات الواقع الغربي – بما فيه الديني.

بل وتم إلحاق ما أسمي بـ “أطراف العالم”.

وهذا ما لم يحصل في عالمنا العربي والإسلامي وبالتالي لم يقع في الدين عندنا ما وقع في الغرب. فالواقع هنا مختلف ومغاير لما عليها هناك – والدين هنا يشكل الروح النابض والقدّام الحي – ولو على الصعيد الشعبي… ومنظومة المعرفة والسياسة هناك إذا تخبطت، ففي كثير من الأحيان بسبب الإبتعاد عن قيم الدين والتزاماته.. الدين هنا هو السائد حتى ولو لم يأخذ السيادة؛ بينما هناك فإنما يتنفس برئة المحيط وحيثياته… لكن وعلى الرغم من كل ما مرّ وأوردنا فيد يطيب للكثرين عرض الأسئلة والمشكلات على الإسلام بطريقة فيها الوفير من المبادرة على صعيد الأحكام..

ولقد قدّمت فرضيات قامت على نحت جملة من القواعد المعرفية ومناهج القراءة للسرديات والنصوص الأدبية والدينية الإسلامية بنفس الكيفيات التي جرت مع النص الإنجيلي أو التوراتي..

ونشأ بين أصحاب الاهتمام بفلسفة الدين وعلم الكلام في بلادنا مصطلحات تعبّر عن نشوء فرق جديدة.. تؤمن أحيانًا بـ “التعددية الدينية” أو “الانحصارية الدينية” وهي نفس المسميات التي يمكن لنا أن نجدها لدى علماء لاهوت مسيحيين.

ولتبيان الأمر فلقد عرضنا في هذا الملف من العدد آراء لاتجاهات لاهوتية مسيحية. ونقلنا بعض الفقرات للكتاب من العالم الإسلامي تأثروا بتلك الاتجاهات، ثم استعرضنا نموذجًا من النقد الذي يمكن القيام به من قبل مفكرين إسلاميين.

وألمحنا في مقالة للشيخ على أكبر رشاد إلى ضرورة التوفر على منظومة منهجية إسلامية لتحديد وجهة أي قراءة إسلامية فكرية وقد عنونت باسم: “منطق فهم الدين” وسيبقى الباب عندنا مشرعًا على أي مساهمة تدفع الفكر ليكون فكر المهمات في عصر التحولات العظمى.

الدين، الإسلام، الثقافة

تحميل الملف: الدين، الإسلام، الثقافة

إنّ لكلّ موجود إمكانيّ، أو ظاهرةٍ حياتيّةٍ، علّةً وسبباً تدفعُ الباحثَ للسؤالِ عنها، والتحقيق في مداليلِها، ومقاصدِها… والدينُ وجودٌ، وظاهرةٌ حياتيّةٌ، عاشت مع الإنسانِ منذ بداياتهِ حتّى تكاد أن تشكّلَ قِوامَ إنسانيّتِه رغمَ الاختلافاتِ التي وقعت حين التّعبير عن هذا الدين أو ذاك… بين هذا الدّين أو ذاك…

“ولو أنّنا تتبعنا سلسلةَ الحديثِ عن الأديان من عهد الفراعنةِ، فاليونانُ، فالمسيحيّة، فالإسلام، فالنهضة الحديثة، لاستطعنا أن نتبيّن اختلاف صورة فيما بين العصر، والعصر، بل ربما بين الفترةِ والفترة، من فتراتِ العصر الواحد”(1) وقبل أن نخوضَ البحثَ في “الدين” كوجودٍ، وظاهرةٍ إنسانيّةٍ نقدّم بعض التعريفات حول الدين.

     تعريفات للدين:

  أ  تعريف الراغب الأصفهاني:

أورد الراغب الأصفهاني أن “الدين يقال للطاعة والجزاء واستعير للشريعة، والدين كالملّة، لكنه يقال اعتباراً بالطاعة، والانقياد للشريعة” قال تعالى: ﴿إنّ الدّين عند الله الإسلام﴾(2) وقال: ﴿ومن أحسن ديناً ممَّن أسلم وجهه لله وهو مُحسن﴾(3)؛ أي طاعة ﴿واخلصوا دينهم للّه﴾(4) وقوله تعالى: ﴿قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم﴾(5)؛ وذلك حثّ على اتباع دين النبي (ص) الذي هو أوسط الأديان كما قال: ﴿وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً﴾(6)، وقوله: ﴿لا إكراه في الدين﴾(7)؛  قيل: يعني الطاعة فإن ذلك لا يكون في الحقيقة إلا بالإخلاص.

والإخلاص لا يتأتّى فيه الإكراه. وقيل: إنّ ذلك مختصٌ بأهل الكتابِ الباذلين للجزية. وقوله: ﴿أفغير دين الله يبغون﴾(8)؛ يعني الإسلام.. لقوله تعالى: ﴿ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه﴾(9). وعلى هذا قوله تعالى: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق﴾(10)

وقوله: ﴿ولا يدينون دين الحق﴾(11)، وقوله: ﴿ومن أحسن ديناً ممَّن أسلم وجهه لله وهو محسن﴾(12)… ﴿فلولا إن كنتم غيرَ مدينين﴾(13) أي غير مجزيين(14).

ممّا عرَّفه الراغب يمكن فهم أنّ الدّين هو “الطاعة، والانقياد للشريعة بإخلاص وصدق وطلب لوجه الباري سبحانه”..

     ب-  تعريف الجرجاني:

“الدين وضع إلهيٌ، يدعو أصحاب العقول إلى قبول ما هو عند الرسول…

الدّين والملّة متّحدان بالذات، ومختلفان بالاعتبار فإن الشريعة من حيث إنها تطاع تسمّى ديناً.. ومن حيث إنها تجمع تسمّى: ملَّة؛ ومن حيث إنها يُرجع إليها تُسمّى مذهباً…

وقيل الفرق بين الدين، والملَّة، والمذهب أنّ الدّين منسوبٌ إلى اللَّه تعالى، والملَّة منسوبة إلى الرسول، والمذهب منسوب إلى المجتهد”(15).

إذاً، هناك جملة من الأمور التي عرَّف بها الجرجاني الدين:

أولاً: أنه من اللَّه سبحانه وتعالى. (المصدر 0 )

ثانياً: هو خطاب من البارى‏ء إلى العقول الإنسانيّة، التي برأها، وخلقها، وهداها سبحانه.

ثالثاً: وهو حثٌ على قبول شريعة، وأوامر النبي..

رابعاً: ميزة الدين أنه النسبة التي تعود للبارى‏ء.

وإذا نسبت للنبيّ سمّيت ملَّة، وإذا نسبت إلى أهل الاجتهاد، والتفكّر الدينيّ سمّيت مذهباً؛ وبالتالي، فأيّ دخالة بشريّة نابعة من تفكير الناس وثقافتهم؛ إذا توجهت نحو الدّين هذا التفاعل يُطلق عليه اسم المذهب، ولا يصحّ أن يُسمى ديناً…

ج- تعريف الدين عند العلامة الطباطبائي:

لقد سعى الطباطبائي (قده) في كتابه التفسيري الكبير الموسوم بـ “الميزان في تفسير القرآن” إلى وضع جملة من التعريفات – توزّعت على أكثر من مجلد من الميزان – لتبيان المقصود من الدين وتعريفه.

ونحن هنا نسعى للملمة بعضها، والعمل على تركيبها..

أ‌- “الدين نحو سلوك في الحياة الدنيا، يتضمّن صلاح الدّنيا بما يوافق الكمال الأخرويّ، والحياة الدائمة الحقيقيّة عند الله سبحانه، فلا بدّ في الشريعة من قوانين تتعرّض لحال المعاش على قدر الاحتياج”(16).

فالدّين بهذا المعنى هو حالةٌ سلوكيّة تُنظّم حياة الإنسان الفرد، والمجتمع على حسب ما فيه كمال وجوده الدنيويّ المرتبط بالآخرة، التي هي الحياة الحقيقيّة..

ب‌-  “قوله سبحانه: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾(17)؛ يفيد أنّ المراد بالدّين هو مجموع المعارف، والأحكام المشرّعة”(18).

لقد أطلَّ العلامة بهذه الملاحظة على إضافة الجانب المعرفيّ “مجموع المعارف” الإلهيّة والأخلاقيّة…

كما والدستور الإلهي “الأحكام المشرعة”.. إلى الجانب السلوكيّ الذي ألفت إليه في النقطة السابقة.

ج-   “الدين صبغة اجتماعيّة حمله الله على الناس، ولا يرضى لعباده الكفر، ولم يرد إقامته إلا منهم بأجمعهم”(19).

يكتسب الدين ميزةً (جماعية – اجتماعيّة) تنصبغ بصبغة رضا البارى‏ء… وهو بذلك حياة الجماعة.

د-   … ﴿فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون﴾(20).

فالدّين الحنيف الإلهيّ الذي هو قيّم على المجتمع الإنسانيّ هو الذي تهدي إليه الفطرة، وتميل إليه الخِلقة البشريّة بحسب ما تحسّ. بحوائجها الوجوديّة، وتلهم بما يسعدها فيها من الاعتقاد والعمل، وبتعبير آخر من المعارف والأخلاق والأعمال(21).

بعد أن أورد في الملاحظة السابقة أنّ للدّين صبغته الاجتماعيّة، التي تشمل حركة، وكيان الإنسانيّة؛ اعتبر (قده) أنّ القرآن كشَف عن فطريّة الصبغة الإلهيّة، وكونها ذاتيّةً عند الإنسان، والدين بتشريعاته، ونظمه إنّما – يحاكي هذه الفطرة والكيان بحسب احتياجاته الكماليّة.

“ليس الدين إلا سنّة الحياة، والسبيل التي يجب على الإنسان أن يسلكها حتى يسعد في حياته فلا غاية للإنسان يتبعها إلا السعادة..

وقد هدي كل نوع من أنواع الخليقة إلى سعادته، التي هي بغية حياته بفطرته، وجُهِّز في وجوده بما يناسب غايته من التجهيز ﴿ربنا الذي أعطى كلّ شي‏ء خلقه ثم هدى﴾(22).

ولعلّ هذه الحاجة الاجتماعيّة – الذاتية إلى الدين، تنبع من طبع الاختلاف بين البشر، فيجي‏ء الدين كحاجة لرفع ذاك الاختلاف الطبيعي..

ولهذا، يشير (قده) بقوله: “العلّة في الدعوة الدينيّة، هو أنّ الإنسان بحسب طبعه وفطرته سائر نحو الاختلاف كما أنّه سالك نحو الاجتماع المدني..

وإذا كانت الفطرة هي الهادية إلى الاختلاف، ولم تتمكّن من رفع الاختلاف.. إذ كيف يدفع شي‏ء ما يجذبه إلى نفسه..

كان رفع الله سبحانه هذا الاختلاف بالنبوّة، والتشريع بهداية النوع إلى كماله اللائق. بحالهم المصلح لشأنهم، وهذا الكمال كمال حقيقيّ داخل في الصنع، والإيجاد”(23) وممّا يلفت النّظر هنا أنّه نحا بموضوعة الدين كشأن اجتماعيّ ناحية النبوّة، والتشريع وهما عمدة تشكيل الملَّة، التي تصبّ بنهاية المطاف في جوهر حقيقة إلهيّة – دينية هي: تأمين الكمال بما هو “كمال حقيقي داخل في الصنع والإيجاد”؛ وهذه العبارة منه تضعنا أمام التساؤل التالي: هل يمكن اعتبار طبيعة الحقيقة الدينيّة واقعاً موضوعيّاً له آثاره وكمالاته الوجودية؟

وبالتالي فليس الدّين مجرد إنشاءٍ، يتشكّل من أوامر ونواهي.. وهذا ما قد يوصلنا لنتساءل عن مدى إمكانيّة التعرف إلى الدين.. إذ في الحالة الأولى‏، فإنّ أي حقيقة موضوعيّة تحمل في ذاتها قدرة، وقابليّة التعريف عن نفسها، والتعرف عليها..

أمّا في الحالة الثانية، فإنّ المسألة تكون مرتبطة بعالم الاعتبار، والاصطلاح، والإنشاء. والحقيقة هي ما ننشئ وما نحكي وما نصطلح.

وبذا فليست بذاتها أمراً ذا بال، بل هي قابلة للتكوّن في كلّ مرة إنشاءً جديداً لحقيقة جديدة..

وهنا تدخل الثقافة – باعتبارها النظامَ العقلي للبشر – في حركة العلاقة مع الدين‏.

لتكون هي المنشئة للدين – الملّة، إذا اعتبرنا أنّ الدّين مجرد إنشاء يتمّ على يد النبي المُخبِرِ عن اللَّه سبحانه، أو على يد وصيّ النبيّ، أو من وكيله، (أيِّ كانت طبيعة هذا الوصيّ أو الوكيل حسب اختلاف الأديان)..

فتصبح السلطة الدينيّة، والإطار الدينيّ صنيعَ المُخْبِرِ عن اللَّه سبحانه، وبمعنى آخر يصبح الدّين صنيع ثقافة المُخْبِرِ عن اللَّه سبحانه..

بينما لو اعتبرنا أنّ للدّين حقيقة موضوعيّة، فإنّ المسألة فضلاً عن كونها تخرج من يد تحكم البشر وتلوُّن ثقافاتهم.

فإنّها تكون بذلك أمراً له مقاصده ولوازمه، ودلالاته، وآثاره، وكمالاته..

التي هي قابلة لتُعرف – ويجب أن تعرف – إذ الاندماج والتأثّر الإيجابيّ بالحقائق فرع معرفتها…

﴿إنّا أنزلناه في ليلة القدر…﴾(24).

﴿إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون﴾(25).

﴿بل هو قرآن مجيدٌ في لوحٍ محفوظ﴾(26).

﴿كتابٌ أُحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير﴾(27).

إلا أن الكلام يبقى حول خصوصية تلك الحقيقة الدينيّة، وإلى أيِّ مدى تقبل التنوّع التثاقف والثقافة..

     طبيعة الحقيقة الدينية:

ليس الجمود والسكونيّة هما سيدا الموقف في الحقيقة الدينية – ونقول هنا الحقيقة الدينية، لأنّنا لا نتحدث عن ظاهرة الأديان وتنوّعها، وبهذا المجال أطلق القرآن لفظ الدّين بصيغة المفرد، ولم يتحدّث عنه بصيغة الجمع…

فالدين هويّة حقيقة واحدة محفوظة – استنزلت عبر التاريخ، وتكاملت بالقرآن الكريم.. وبذلك يكون القرآن هو تلك الحقيقة التي نزلت كوحدة، ووجود بسيط (بالمعنى الفلسفي) دفعة واحدة على الكمال البشري الخاتم (قلب محمد ص) وهذه الحقيقة لم تُلغِ أيَّ كتابٍ سماويٍّ سابق تنزل من عند اللَّه سبحانه.

بل واستمرّت – حقيقة القرآن تتنزل – نجوماً – في الوقائع، والمناسبات عبر امتدادات زمنيّة، ولحاظات جغرافيّة. وطبائع، وانطباعات بشرية، وتاريخيّة، معلنة أنّها بثباتها في الهوية هي سيّالة أبداً، تُفصِّل، وتقوِّم، وتقضي، وتعالج إلخ… (الفرقان) ﴿كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فُصِّلت…﴾(28). وهي تدعو. بل إنّما تنزلت للبشر، لتدعوهم أن يعقلوا ويتدبّروا؛ ﴿كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته﴾(29).

وهي تدخل السجال بوسائط التثاقف البشري (اللغة)، لإعادة تكوين بنية العقل على مقتضى الفطرة، والحقيقة الدينيّة ﴿حم والكتاب المبين إنّا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون وأنّه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم﴾(30).

فهو في الوقت الذي يكون فيه على ثباته في “أم الكتاب لدينا لعليّ حكيم”.

يلبس ثوب اللغة العربيّة، ويخاطب الناس ببيان هو الأفصح ﴿والكتاب المبين إنّا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون﴾(31).

ويحمل كلّ إمكانيّات، وقدرات التكامل في التثاقف‏، بحيث إنّه خاطب كلّ عقل حسب قابليّاته “إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم”(32) (النبي الأكرم ص)، ويسير بلغة، وروح الصدق النظريّ، والعمليّ / المعرفي والعبادي.. لينقل الناس إلى كمال “الطهر”، ليتشرفوا بدرك الحقيقة الدينيّة القدسيّة؛ ﴿فلا أقسم بمواقع النّجوم* وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم* إنّه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهّرون* تنزيل من ربّ العالمين﴾(33).

فاللون الثقافيّ لهؤلاء يتحوّل إلى كمال يؤهّلهم درك الحقيقة الثابتة التي تُعبِّر عن نفسها بثوب الثقافات..

فالحقيقة الدينيّة، وكلام الله حقيقة عينيّة لها دلالاتها، وأطوار تفسيرها…

“القرآن الكريم هو كتاب الله وكلماته…

هو حقيقة كونيّة بصورته الموجودة، ويختلف بذلك تمام الاختلاف عن الكلمات البشريّة.

والحقيقة الكونيّة تتجلّى، وتبرز للإنسان من جديد في أيّ خطوة تقدّم وعيه فيها، وارتفع مستوى ثقافته بها..

والكون هو موضوع تطوّر الحضارة، وتقدّم الثقافة، وحامل هذه التطورات، والتقدّم المستمرّ هو الإنسان.

فالكون والإنسان حقيقتان تتجلّيان في كلّ مرحلة حضاريّة بصورةٍ جديدةٍ”(34).

وبشأن تأثير الدين والاستقامة على الثقافة قال أفصح من تحدث بعد النبي (ص) : “لا يستقيم إيمان عبدٍ حتّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه”(35) الإمام علي (ع).

ففي الوقت الذي حصَّن فيه القرآن ثقافة الناس المؤمنين به، فقد فتح صدورهم لقبول الثقافات الأخرى اقتباساً: “خذ الحكمة ولو من مشرك”.

* وهضماً: “خياركم من وعى فأوعى”.

* وتنشيطاً: “يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم…”

وقد صبغت الحقيقة الدينية = (الإسلام)، ثقافة الحضارة التي كوَّنتها في العديد من جوانبها..

فإذا “كان القرآن نوراً – كما وصفه الله سبحانه – فقد كتب المسلمون آياته على جدران المساجد، فإذا المسجد يجمع بين نورٍ مقروءٍ ونورٍ منظورٍ.

وإذا نظرت إلى فنّ الأرابيك رأيت فيه جمالاً، ونظاماً هندسيّاً دقيقاً وتماسكاً بين الأشكال الهندسيّة، وأنت في المجتمع تؤكّد هذه العناصر الأساسيّة الثلاثة: الجمال / التماسك‏ / والنظام.. كذلك ترى التناسب بين الجزء والكلّ، فكلّ وحدة صغيرة لها ذاتيّتها، وفي تماسك الوحدات ذاتيّة أكبر؛ وبهذا يحدث التوازن بين الصغير، والكبير، بين الفرد والمجتمع.

وأنت تقرأ في القرآن هذا عناية بالفرد وعناية بالجماعة… وكما تؤكّد العقيدة الإسلاميّة بالكلمة والسلوك الرباط بين السماء والأرض، ترمز المآذن العالية لهذا الرباط؛ يرتفع صوت المؤذّن كما ترتفع الأيدي بالدعاء”(36).

     كلمات لا بد منها:

أولاً: أن كلّ ما سلف ممّا بيّنّاه حول نظرتنا لرؤية الإسلام تجاه الدّين وعلاقته بالثقافة، لا يلغي واقع أنّ ما هو عندي حقيقة قد يكون عند آخر مجرد ثقافة واطّلاع، فتارةً ننظر للموضوع من داخله.. إجابة عن تساؤل.. “أيّ شي‏ٍء هو في ذاته؟”.

وأخرى نطلّ عليه من خارج فيكون مجرّد شي‏ء نسأل عنه بـ “ما هذا؟”.

وفي هذه الحالة الثانية سيبقى السؤال من دون قيمة ما لم ندخل في عمق الحقيقة. إذن ستكون الثقافة الدينيّة دون أيّ قيمة ما لم تدخل عمق الحقيقة الدينيّة.

ثانياً: لا تعاند بين الحقيقة الدينيّة، وبين أشكال ثقافيّة كالفلسفة، والأخلاق وغيرهما…

لأنّ الحقيقة كواقعٍ موضوعيٍ – يمكن التعرّف إليه.. تحتاج إلى سبل معرفيّة كالفلسفة وغيرها.

فإن لحظنا الحقيقة الدينيّة كفطرة في الإدراك، عنينا بذلك أنّها بديهيّة أوليّة نجد الدليل عليها معها وكل برهان في مقدّماته لا بُدَّ أن يعود إلى مثل هذه البديهيّات.. هذا علماً أن طريق البرهان إلى مثل هذه الحقيقة مفتوح. وكلّ قول بأنّ الدّين نأخذه بمجرّد التقليد، والتعبّد الأعمى هو قول إذا صدق على كثيرٍ من الاتّجاهات الدينيّة، إلا أنّه لا يصدق على الإسلام، وهو كلام “يبطله كون الدّين مركّباً من معارف المبدأ والمعاد، ومن قوانين اجتماعيّة من العبادات والمعاملات،.. مأخوذة من طريق الوحي والنبوّة الثابت صدقه بالبرهان.. والمجموعة من الأخبار التي أخبر بها الصادق صادقة وأتباعها أتباع للعلم، لأنّ المفروض: العلم بصدق مُخُبِرِها بالبرهان”(37).

أمّا إذا لحظنا الحقيقة الدينيّة من جنبة النزوع الفطري فإنّما نقصد الحالة النّفسيّة المتدبّرة بالإيمان الذي هو صنو المعرفة العيانيّة..

في إجابة لأمير المؤمنين )ع) لذعلب حين سأله هل رأيت ربّك؟

يقول (ع): لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان. (نهج البلاغة).

ثالثاً: أنّنا مدعوّون للتمييز بين ما يصعب معرفته، وبين ما يستحيل معرفته.

فما كانت معرفته مستحيلة لأنّه يناقض كلّ حقيقة، وجب علينا رميه في سلّة الأساطير والأوهام. وما صعب معرفته وجب علينا تمتين بنائنا الثقافيّ ليتفاعل مع تلك الحقيقة إدراكاً بالوجه كما هي نتائج أيّ معرفة مفهوميّة..

أو تفانياً مع تجلّيات الحقيقة كما هي المكاشفة والمشاهدة..

والحقيقة الدينيّة هي كل ذلك، وكلّما استطاعت لغة التثاقف عندنا أن توغّل في المعرفة، كلّما استطاعت أن تدرك الدين كواقعٍ عينيّ، علينا أن نزيل عنه ما علق به من أوهام، وأساطير، ومحالات عقليّة. كما وعلينا التكامل معه بعفويّة صادقة متدبّرة لا بتكلّف شعائري خالٍ من كل مضمون..

واليوم بات لزاماً لروح العصر، والإنسان أن تستعيد مع الدين محكمة الاستقامة، والتقييم، والترشيد، والنقد الإيجابيّ.

وأن لا نخشى على الدين من الإرهاصات، أو النقاشات والله هو القائل ﴿وأنّه لدينا لعليّ حكيم﴾.

ولهذا نفتح باب التباحث في الدين والثقافة كموضوعة تقع فيها وجهات نظر متعدّدة وهي على اختلافها وتباينها، أو توافقها إنّما تبني أفقاً من تثمير الإدراك، والفهم، والانسجام مع “الدين” و”الإنسان”.

(1)  راز/ الدين/ ص9.

(2)  سورة آل عمران، الآية 19.

(3)  سورة النساء، الآية 125.

(4)  سورة النساء، الآية 146

(5)  سورة المائدة، الآية 77.

(6)  سورة البقرة، الآية 143.

(7)  سورة البقرة، الآية 256.

(8) سورة آل عمران، الآية 83.

(9) سورة آل عمران، الآية 85.

(10) سورة التوبة، الآية 33.

(11) سورة التوبة، الآية 29.

(12) سورة النساء، الآية 125.

(13) سورة الواقعة، الآية 86.

(14) الأصفهاني، راغب، “مفردات ألفاط القرآن الكريم” مركز الخدمات، إيران، ط 42- 1404هـ، ص175.

(15) الجرجاني، “التعريفات”، دار السرور، د. ط، د. ت، ص 47.

(16) الطباطبائي، محمد: “الميزان في تفسير القرآن”، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي، بيروت، مؤسسة الأعلمي، ط 1عام 1997، ج 2، ص132.

(17) سورة المائدة، الآية 3.

(18) م. س / ج 5/ ص184.

(19) م. س/ ج – ص146.

(20) سورة الروم، الآية 30.

(21) م. س‏/ ج7/ ص255.

(22) م. س‏/ ج16/ ص.183.

(23) م. س‏/ ج7/ ص 132/ الواقع الموضعي‏ – عم من أن يكون مادياً.

(24) سورة القدر، الآية 1.

(25) سورة الحجر، الآية 9.

(26) سورة البروج، الآية 21- 22.

(27) سورة هود، الآية1.

(28) سورة هود، الآية1.

(29) سورة ص، الآية 29.

(30) سورة الزخرف، الآية 1-2-3-4.

(31) سورة الزخرف، الآية 2- 3.

(32) المجلسي “بحار الأنوار”، ج 16، ص 280، رواية 122، باب9.

(33) سورة الواقعة، الآية 75- 76- 77- 78- 79.

(34) الإمام موسى الصدر: “أبجديّة الحوار” مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات، إعداد حسين شرف الدين، ط 1، عام  1997، ص 96.

(35) المجلسي: “بحار الأنوار”، ج 71، ص 286، رواية 42، باب 78.

(36) عالم الفكر، عبد العزيز كامل سنة 1984.

(37) الميزان الطباطبائي، ج1، ص 424.