حال فلسفة الأخلاق في الحوزة العلمية في القرن الأخير

ترجمة: محمود عمّا

يعود تاريخ فلسفة الأخلاق بشكل رسمي في بلاد الغرب إلى القرن الأخير، ولم تكن فلسفة الأخلاق رائجة في الحوزة العلمية قبل انتصار الثورة الإسلامية. أمّا بعد انتصار الثورة الإسلامية، بدأ التوسّع الكمّي والكيفي بدراسة فلسفة الأخلاق. عرضت المقال لعلماء خاضوا هذا المبحث إمّا بشكل واضح ودقيق أو بشكل عرضي أصبح لاحقًا من المباحث الأساسيّة، منهم: الشهيد مطهّري، وآية الله الشيخ مصباح اليزدي، والعلّامة محمّد تقي جعفري، وآية الله السبحاني، وآية الله جوادي آملي.

 

The history of moral philosophy in the West dates formally to the last century. Moral philosophy was not prevalent in the Islamic seminary before the victory of the Islamic Revolution. After its victory, the study of moral philosophy began to develop quantitatively and qualitatively. This paper highlights scholars who examined this topic, either explicitly and precisely or incidentally, which later became one of the fundamental fields of study. Among these scholars are: Martyr Morteza Muṭahharī, ʾĀyat Allāh ash-Shaykh Miṣbāḥ al-Yazdī, al-‘Allāmah Muḥammad Taqī Ja‘farī, ʾĀyat Allāh al-Subḥānī, ʾĀyat Allāh Jawādī ʾĀmulī.

 

 

الوجدان الأخلاقي عند العلامة الجعفري

تبحث هذه المقالةُ مفهومَ الوجدان الأخلاقي وأدلّة إثباته وتطبيقاته بحسب رؤية الأستاذ الجعفري. قسّم الباحث نصّه – بعد عرض إشكاليّته – إلى أقسام. عرض في القسم الأوّل ماهية الأخلاق وعلاقتها بالوجدان، وفي العنوان الثاني النطاق المفهومي لمواضيع الوجدان وحصره بالوجدان بمعنى الوعي والوجدان الاجتماعي. أمّا القسم الثالث، فخصّصه لمعالجة مفهوم الوجدان الأخلاقي عبر التاريخ بدءًا من النصوص التاريخيّة القديمة حتى الفلاسفة الغربيّين مرورًا بمصادر الإسلام. وأفرد القسم الأكبر للردّ على الأسئلة والإيرادات المتعلّقة بالوجدان الأخلاقي، وتطبيقات الوجدان الأخلاقي من الناحية الشخصيّة والمجتمعيّة، ثمّ عرض النقوض الواردة على آراء العلامة في الوجدان الأخلاقي، والتحقيق فيها.

مرتضى زارع غنجارودي

بهروز محمدي منفرد

This paper examines the concept of ethical conscience and the evidence for its validation and its applications as envisioned by al-‘Allāmah al-Ja‘farī. After outlining the problem, the authors divide their paper into distinct sections. In the first section, they examine the whatness of ethics and its relationship to conscience. In the second section, they explore the conceptual scope of the topics of conscience, limiting this scope to conscience in its cognitive and social sense.

The third section is devoted to addressing the concept of ethical conscience throughout history, starting with ancient historical texts, and then examining Western philosophers’s thought and the Islamic sources. The largest section focuses on addressing questions and findings related to ethical conscience and its applications on personal and societal levels. Finally, the authors present and critically examine the counterarguments to the scholar’s ​​views.

 

 

تقييم نظرية إطلاق الأخلاق ونسبية الفعل الخُلقي بحسب رأي الشهيد مطهري

قسّم الكاتب بحثه إلى ثلاثة أقسام. عرض في الأوّل رؤية الشهيد مطهري لنظريّة إطلاق الأخلاق ونسبية السلوك والفعل الخلقيين. وفي القسم الثاني، فصّل في مباني نظرية إطلاق الأخلاق ونسبية الفعل بعناوين، مثل: الحسن والقبح العقليين، وبالذات وبالغير، ومكانة الوجدان، والقوانين الحاكمة. وأفرد القسم الثالث لنقد نظرية الشهيد مطهري وتقييمها عبر إيجاد أدلّة من داخل النظرية وخارجها ومقاربتها مع آراء علميّة لإثبات التعارض أو التوافق فيها، وبقي عند الباحث أسئلة لم يحصل فيها على إجابة، تركها لجهد القارئ والباحثين الآخرين.

Evaluating the Theory of Ethics Absolutism and the Relativity of Moral Action
According to the View of Martyr Muṭahharī
Afdal Buki
Muhammad Ali Muslih Najad
Abstract
The author divides his study into three sections. In the first section, he presents Martyr Muṭahharī’s perspective on the theory of ethical absolutism and the relativity of moral behavior and actions. In the second section, he elaborates on the foundations of the theory of ethical absolutism and the relativity of actions, addressing topics such as rational goodness and badness, self and non-self, the value of conscience, and the governing principles. The third section focuses on critiquing and evaluating Martyr Muṭahharī’s theory by drawing on evidence from within and outside the theory and comparing it with scientific perspectives to establish whether it entails contradictions or alignments. The author is left with unanswered questions, which he entrusts to the efforts of readers and future researchers.

دور النيّة في القیمة الأخلاقيّة

بحَثَت هذه المقالةُ تأثيرَ النيّة على القيمة الأخلاقيّة من خلال تحليل النيّة على مستويين. اقتصر النظر في المستوى الأول على الفعل الجوارحيَّ فقط، وتساوي النيّة مع الفعل، وتوصّل الباحث إلى أنّ النيّة -مضافًا إلى دورها في تحقّق الفعل الاختياري- هي التي تحدّد قيمة الفعل الاختياري من حيث الكمال المُتَعَلّق النهائي لنيّة الفاعل، والفعل هو الذي يحدّد نطاقه. وتوصّلنا في المستوى الثاني – من خلال تعميم الفعل الاختياري إلى الأفعال الجوانحية – إلى أنّ النيّة عبارة عن فعلٍ داخليٍّ واختياريٍّ، والأفعال الاختيارية الخارجية تجلٍّ لها، والنيّة هي الشيء الوحيد الذي يتمتّع بقيمةٍ أخلاقيةٍ غيريةٍ.

استعان الباحث بالمباني الإسلامية اللاهوتية وبعلم النفس الفلسفي، وجرى إثبات الدعاوى بمنهجٍ عقليٍّ، وذُكرت – في الختام – مؤيّدات من القرآن ورويات أهل البيت لتلك النتائج التي توصّل إليها.

The Role of Intention in Ethical Value
Mujtabah Misbah
Translated by Yasir Bshir
Abstract
Despite the clear understanding of intention in common law and its ethical value in religious texts, its effect has rarely been investigated. This article is intended to analyze the concept of intention and its effect at two levels. At the first level, behavior has been limited to physical type and then it has been equated with intention and the conclusion is drawn that intention plays a role in the actualization of a voluntary act and can determine the value of the voluntary act according to the perfection level achieved by the doer and his intention and its scope is determined by the behavior. At the second level, the voluntary act has been generalized to the verbal one, so the conclusion drawn is that the intention, as an internal and voluntary act is the external manifestation of the physical acts and is the only thing that basically has non-ethical value. By applying Islamic theology and philosophy, this article has proved its claim through logical approaches, and in the end; some verses of the Qur’an and narrations of Ahl al-Bayt (peace be upon them) have been quoted to support the conclusion.

العددين 41-42

فهرس المحتويات:
الافتتاحية   مجلّة المحجّة
المنطق وتنامي المفاهيم المنطقية
دراسة ماهية أصل عدم التّناقض وآثاره المعرفيّة بحسب نظر أرسطو    حسن عبدي
المنطق في الفلسفة الإسلامية   ديبورا بلاك
التّعريفُ بالحدّ ومشاكله    يحيى اليثربي
المنطق الأرسطيُّ في اللاهوت المسيحيِّ والفلسفة المدرسيَّة توما الإكوينيّ نموذجًا    سميح رعد
من المنطق في الإسلام إلى المنطق الإسلامي    موسى أكرمي
أنطولوجية العلاقات المنطقيّة المنظومة الفكرية الإسلامية نموذجًا     محمّد باقر طيار
تكثّر الأنظمة المنطقيّة: مقارنة بين آراء علماء المنطق القديم والجديد     فرشته نباتي
التجربة والحكم مباحث في جنيالوجيا المنطق    لودفيغ لاندغريبه
أثر المنطق الرياضيّ في الفلسفة المعاصرة (إعادةُ صَوْغِ الحججِ على وجود الله أنموذجًا)     حسن خليل رضا
نظرات في الأسس المنطقية للاستقراء    سمير الزبيدي
التعريف بفلسفة المنطق    عسكري سليماني أميري
هوسرل والمنطق الفينومينولوجي    مجلّة المحجّة
مكنز المنطق    مجلّة المحجّة

افتتاحية العددين 41 و42

افتتاحية

يعود سؤال المنطق من جديد ليحتل مساحة واسعة في ساحة الفكر، فهذا العلم الآلي الذي يحمل في طياته سؤال العقل الذي يتحوّل موضوعًا له، يضعنا أمام إشكالية كيف يمكن للسائل أن يضع نظامًا لذاته، ثم يعيد قراءته ويقوم بنقده؟ ويتعمق هذا الأمر، مع التوسع الذي طرأ على فهم المنطق، إذ لم يقتصر هذا النظام على كونه موضوعًا للعقل، بل تعدّى ليكون منطقًا للعلوم، بل وميزانًا للمعرفة. وهذا الأمر يستدعي فحص الإشكالية والبحث فيها، لننظر إليها، خاصة أنّ هذا التصور، تعرض لهزات عنيفة منذ التحوّلات التي شهدتها المجتمعات منذ عهد النهضة الغربية وصولا إلى الراهن، حيث عمل الفلاسفة على تعديل صورته، أو حتى محوها بدءَا من “فرنسيس بيكون” الذي عمل على إنشاء “أورغانون جديد” وصولا إلى التطورات المتتالية حتى في علم المنطق نفسه.

إذًا، نحن أمام مشهدية معقدة، يقف على طرفيها طرفان، الأول يجعل من المنطق آلة عاصمة من الزلل، وتخضع العقل لمقولاته، والثانية تراه لا يقدم جديدًا، بل إنّه يثبت النتائج التي توصل إليها العقل مسبقًا، من هنا، تأتي أهميّة هذا الموضوع، الذي ينطلق من ذات العلم نفسه ومسائله وما تركه من آثار على تاريخ الفكر؛ الأمر الذي يستلزم تعميق البحث فيها والوصول إلى نتائج. وهذا ما ينتج مجموعة من الأسئلة، منها:

– هل بقي المنطق يحمل صفة المعياريّة للعلوم عمومًا، وللعلوم الدينية خصوصًا؟

–  كيف يمكن قراءة خريطة العلاقة بين أنواع المنطق وتطوراته من المنطق الأرسطيّ والرمزيّ والوضعيّ والفينومينولوجيّ؟ وما هي طبيعة ارتباط العلوم المنطقيّة بالعلوم الإنسانيّة؟

ثمّ ألا يمكن للمعالجة المفهوميّة تحليلاً ومقارنة أن تكون أكثر حفرًا ودقّة في النتائج لمسائل من قبيل: تعميق البحث في مفهوم البداهة والضرورة عمومًا في العلوم، ودور القضايا البديهية في تكوثر المعرفة وتناميها، وقيمتها في القراءات الفلسفية والمنطقية المعاصرة؟ ويتوسّع الأمر للسؤال حول أهميّة دراسة مباني الحجاج وصناعة المغالطة، وكيفية تطور البحث المنطقيّ في نظام المغالطة في الدراسات المعاصرة؟

وكذلك، تبرز الحاجة إلى التعمّق في دراسة المفاهيم المنطقية الثانية، وكيفية فاعليّة الذهن في انتزاعه لها، كمفاهيم ذهنيّة تحكي عن مفاهيم ذهنيّة؛ ومقارنتها بالمفاهيم الفلسفية الثانية كمفاهيم تحكي عن نحو وجود الشيء؛ لما لها من آثار في قراءة وتحليل المنظومات الفكرية والفلسفية. وأيضًا القراءة في بنية القضية المنطقية وتطبيقاتها في النصوص الدينية، والبحث في كيفية انتزاع الذهن لمفهوم العدم رغم كونه أمرًا اعتباريًّا وعدم وجود أيّ مصداق له، وكذلك البحث الدلالي في المنطق مقارنة بالهرمنوطيقا، وتحليل مفهوم الكلّي مقارنة بالمدرسة الاسمية، بالإضافة إلى القراءات المنطقية النقدية والتجديدية.

كل هذه المسائل تؤكّد الضرورة لإعادة البحث في المسائل المنطقية بوجهة معاصرة، في ضوء تنامي العلوم وظهور علوم جديدة، من هنا جاء اختيار موضوع المنطق في هذا العدد لطرح مقاربات معاصرة في المنطق تحاول أن تعالج العديد من المسائل المنطقية.

وبالتالي، تكون الإشكالية التي سوف يحاول العدد أن يركّز عليها متمحورة حول الآتي: كيف يمكن إعادة النظر في منهجيّة البحث في علم المنطق بما هو قضايا ومسائل أكثر من العمل عليه بما هو علم؛ نظرًا لقيمة النتائج العلميّة والعمليّة للمسائل في العلوم من قبيل: مسألة تعريف المفاهيم والقضايا، ومعيار ذلك في العلوم الحقيقية والاعتبارية، وفلسفة التعريف وتطبيقاتها في العلوم المعاصرة، وعلاقة التعاريف بإنشاء المصطلحات، وأثر ذلك في تطور المفاهيم والمصطلحات؟ ويتفرّع عن ذلك سؤال: كيف يمكن تقييم موقعيّة مسائل المنطق كمسائل وعلم المنطق كعلم في سياق العلوم المعاصرة والمتنامية تناميًا لا يهدأ؟

في الطرح المنطقي

الملاحظ عمومًا أن هناك نوعًا من الجمود في الطروحات المنطقية، ويبدو هذا الجمود من خلال النظر في طبيعة الموضوعات التي يتم طرحها، وفي هذا السياق يمكن الحديث عن بعض الملاحظات:

أولاً: غلبة سمة العلم على المسائل المنطقية

يبدو أن الغالب في الطروحات المنطقية هي طروحات لعلم المنطق كعلم، لا كموضوعات ومسائل منطقية، رغم أنّ كل مسألة من مسائل علم المنطق ذات تاريخ وقيمة خاصّة؛ الأمر الذي جعل المشكلة مع العلم ككل، حتى صار بعضهم يرفضه كلّه، أو يقبله كلّه، مع أن مسائل العلم يمكنها أن تكون أقوى حضورًا في مجالات شتّى من حضور العلم كلّه؛ بل إن ما طرحه أرسطو عند تأسيس هذا العلم كان بنحو الموضوعات التي تم جمعها بعد أرسطو، من هذا المنطلق يشير التاريخ إلى أن أرسطو لم يصنّف مؤلفًا بعينه يحمل عنوان المنطق، ولكنه كتب أبحاث المنطق في مواضع متعدّدة ومختلفة: (المقولات، التأويل، التحليلات الأولى، التحليلات الثانية، كتاب الجدل أو الطوبيقا، كتاب تفنيد الأغاليط).

ثانيًا: غلبة الانشغال على النصوص القديمة

ويتبيّن ذلك من النظر في طبيعة المعالجات التي تمّ العمل عليها وهي: الترجمة، والنسخ، والشروح، والنظم والحواشي، والمختصرات، والتشجير، بل ويمكن الاعتبار بأن تعليم المنطق كان من خلال تلك النصوص، فمتون التعليم لم تكتب للتعليم غالبًا، وهي مطروحة بمنهج علميّ صارم، ولم تلحظ خصوصية المدى والتتابع التربويّ وفق النظام التربوي، من هنا غلب على تعليم المنطق الطابع التكراريّ لمسائل هذا العلم، مع إمكانية الاستثمار إلى الحد الأقصى من قوة المفاهيم المنطقية، مع ملاحظة أن تعليم المنطق تمّ كقواعد منفكّة عن الحياة؛ الأمر الذي جعل مادة المنطق مادة جامدة بشدة قاعدتها وصرامتها، رغم أن علم المنطق يشكّل منطق العلوم، لكن خلال دراسته يتمّ طرحه كعلم قواعديّ مجرد عن العلوم.

ثالثًا: تنامي الانشغال المنطقيّ المعاصر

رغم الملاحظات التي طُرحت يظهر أن النتاج المنطقيّ كان حيويًّا ومحوريًّا في بناء المنظومة الفكريّة والفلسفية لدى مجموعة من الفلاسفة المنطقيّين المعاصرين في العالم الإسلاميّ والعربيّ من قبيل: العلامة الطباطبائي، زكي نجيب محمود، طه عبد الرحمن؛ وذلك رغم تباعد فلسفاتهم ورؤاهم؛ إلّا أن أصل الانشغال المنطقيّ كان نقطة اشتراك جوهرية بينهم.

وهنا، تجدر الإشارة إلى الأمور التالية:

1- يشترك العلامة الطباطبائيّ وزكي نجيب محمود وطه عبد الرحمن في الانشغال الفكريّ والبحثيّ المنطقيّ انشغالاً منهجيًّا تأسيسيًّا، لناحية الماهية، والغاية، والمسائل، والدور، والعلاقة مع العلوم والمفاهيم الأخرى، ولكنه برز بشدّة بوجهته الوضعيّة مع زكي نجيب، لا سيّما في كتابه المنطق الوضعيّ وبعض كتبه الأخرى، وبوجهته البرهانيّة الأرسطيّة مع العلامة الطباطبائيّ، لا سيّما في كتابه البرهان وتطبيقاته في مجمل كتبه الأخرى، وبوجهته التكوثريّة مع طه عبد الرحمن، لا سيّما في كتابه اللسان والميزان أو التكوثر العقليّ، ومن ثم ربطه بفكرة الأخلاق العالمية.

من أجل ذلك، بقي السؤال المنطق حاضرًا بقوّة، وفي صلب الاهتمامات المعرفيّة والمنهجيّة، على الرغم من الاختلاف الذي يصل – أحيانًا – إلى حدّ التنافي، بل التناقض في النظرة إلى ماهية المنطق وقيمته، على مستوى تشكيل الرؤية الكليّة للنظام الوجوديّ.

2_ ربما يصحّ القول بأن زكي نجيب محمود قد ذهب إلى المنطق الوضعيّ من الباب الفلسفيّ ببعده اللغويّ؛ فهو أراد أن يقرأ العالم من خلال عدّة هذا المنطق وآليّاته، ومن ذلك التحليل اللغويّ، حيث أخذ به كطريقة في قراءة أشياء العالم، فكان التحليل اللغويّ مرآة تحكي قصَّة هذا الوجود لديه، وهذا يعني تغيّرًا جذريًّا في دور اللغة وغايتها، باعتبار انتقال اللغة من رتبة الوجود الأداتيّ حيث وضعه الواضع لها، إلى رتبة الوجود الذاتيّ؛ من هنا انزاح موضوع الفلسفة من الوجود إلى اللغة، فصارت الفلسفة متمحورة حول اللغة، وصار الكون مشهودًا بنظّارة اللغة.

أمّا بناء على مبنى العلامة الطباطبائي فتكون اللغة وجودًا أداتيًّا، وتكمن فلسفة هذا الوجود الأداتيّ في حكاية المعاني والمفاهيم والحقائق لإفهامها للآخرين أو فهمها من قبلهم؛ وهنا تتجلّى الوظيفة الاجتماعية التعبيريّة للّغة، فالألفاظ تُحضِر الأشياء بألفاظها بدلاً من إحضارها بذواتها.

والألفاظ تلك في مسيرتها اللغويّة وضعًا واستعمالاً كانت في أصل إنشائها اعتبارًا، وفي سعتها كانت اعتبارًا، وفي منتهاها كانت اعتبارًا، فهي اعتباريّة من ألفها إلى يائها، وكذلك في بقائها، فتبقى اللغة في رتبتها الاعتباريّة، ويبقى الوجود الذهنيّ والخارجيّ في رتبتهما الحقيقية، تلك الرتبة التي تترتب عليها الآثار بحسب كلّ منهما. فاللغة بألفاظها تكون دالّة على المعنى، ويكون المعنى مطابقًا للواقع، وواقع كل شيء بحسبه، ويكون الميزان المنطقيّ ميزانًا فكريًّا معنويًّا، قبل أن يكون ميزانًالفظيًّا لغويًّا، كما ذهبت إليه الوضعية المنطقيّة.

وتشتدّ المشكلة عندما تصير اللغة معيارًا لفهم النظام الوجوديّ، -كما اختار المنطق الوضعيّ- وهذا معناه الخلط بين عالم الاعتبار وعالم الحقيقة والواقع، والطبيعي أن يكون الأمر الحقيقي منشأ للأمر الاعتباريّ، ولا يمكن أن يكون الاعتبار أصلاً للحقيقيّ، لاستحالة تقوّم الأمر الحقيقي بالأمر الاعتباري!

3_ يبدأ العلامة الطباطبائي باليقين المنطقيّ كنقطة ارتكاز للمقولات الفلسفيّة التي تقرأ الوجود وشؤونه العامة، فتكون البديهيات المنطقية أصلاً للنظريات الفلسفية التي يتكثّر فيها اليقين باليقين؛ فتكون البداية لديه منطقية، ويكون المقبول فلسفيًّا هو مقبولاً منطقيًّا لجهة البرهان المكوّن من قضايا يقينيّة، والتي تستلزم يقينًا بالضرورة، والعلاقة بين موضوع القضية اليقينيّة وبين محمولها هي علاقة لزوميّة يستحيل انفكاكها؛ لذا كانت فلسفة العلامة الطباطبائي فلسفة منصبغة بالطابع البرهانيّ الذي يُعنى باكتشاف الحقائق عن طريق البرهان الكاشف عن الواقع، فتكون الحقيقة لديه صفة للإدراكات الذهنية من حيث مطابقتها للواقع.

من هنا، تمسّك بالتنظير للمنطق الأرسطيّ والدفاع عنه، وتبنّي منهجيّته في الاستدلال والبرهان؛ ولم يطبق منهجية المنطق الرمزي أو الحديث في بنائه للنظرة الكليّة للنظام الوجودي، أو في تشكيل منظومة مفاهيم معرفية استنادًا لذلك؛ معدًّا أن دعوة القرآن كانت للفكر الصحيح، غير أنه لم يعيّن الطريق، وأحال فيه إلى ما يعرفه الناس بحسب عقولهم الفطرية؛ فهو بذلك يكون قد جعل الفطرة ميزانًا لقبول المنطق؛ وبالتالي تكون قيمة المنطق كامنة في فطريّته، على أن اليقين بالواقعيات يستند إلى اليقين بالبديهيات من خلال ترتيبها ترتيبًا منطقيًّا، يلحظ شروطًا معيّنة فيوضع الحد الأوسط، فتتكوّن الأشكال وفقًا لذلك.

وبالتالي، لم تكن تقليديّة المنطق الأرسطيّ مسقِطة لقيمته الاستدلالية عنده، وهذا يعني أنه ليس كل منهج أو علم تقليديّ يكون فاقدًا لقيمته لأنه تقليديّ، كما ليس كل منهج أو علم حديث يكون ذا قيمة علميّة يمكن البناء عليها، والخلط بينهما مغالطة ينبغي التنبّه إليها.

هذا العدد، سيعمل على إعادة تفعيل السؤال المنطقيّ، ويعيده إلى ساحة النقاش، في وقت يعمل معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية  على مكنزه التخصصي في المنطق تقديرًا منه لأهمية هذا العلم وضرورة تفعيله في المؤسسات العلمية، وهو يأمل أن يجدّ هذا العدد الاستجابة من القارىء الكريم.

 

مع العدد

تنبني أبحاث العدد ضمن بابين؛ أوّلها ملف العدد، وثانيها هو باب حوارات.

يحوي الباب الأوّل ثلاثة عشر بحثًا.

في البحث الأوّل، قسّم حسن عبدي في بحثه “دراسة ماهية أصل عدم التّناقض وآثاره المعرفيّة بحسب نظر أرسطو” بيانات أرسطو إلى فئتين كلّيّتين: التّقرير الوجوديّ والتّقرير المنطقيّ. ورأى أنّ أصل عدم التّناقض – في نظر أرسطو – يتمتّع بأولويّة مطلقة في سياق وجود المعرفة بالقياس إلى أيّ نوع معرفة سواء كانت تصوريّة أم تصديقيّة.

ثمّ تطرّق ديبورا بلاك في بحثه “المنطق في الفلسفة الإسلامية” لخمسة موضوعات، هي: موضوع المنطق وأهدافه، وعلاقة المنطق واللغة والنحو، والتصور والتصديق، والكليات الخمسة والمقولات والقضايا، ونظرية الحجاج.

كما عرض يحيى يثربي في بحثه “التّعريفُ بالحدّ ومشاكله” نقدًا للتعريف بالحدّ، ونقل الإشكالات عليه، وبيّن عيوبًا أخرى فيه، ثمّ أيّد رؤية الفارابي، واقترح تجاوزَ “الحد” ولوازمَه.

أمّا الأب سميح رعد، فقد قسّم بحثه “المنطق الأرسطيُّ في اللاهوت المسيحيِّ والفلسفة المدرسيَّة توما الإكوينيّ نموذجًا” إلى قسمين: الأوّل سرد تاريخيٌّ لعلاقة الكنيسة، وبعض جامعاتها، مع كتب أرسطو، والثاني هو موقف القديس توما الإكويني منها.

كما قسّم موسى أكرمي بحثه “من المنطق في الإسلام إلى المنطق الإسلامي” إلى ثلاثة أقسام: العقل والتعقل في الدين الإسلامي، والمنطق في الدين الإسلامي، والمنطق الإسلامي مع التركيز على علاقته بالمنطق في الدين الإسلامي بما يتضمن من نصوص مقدسة من جهة، ومن قضايا نظرية وتطبيقية من جهة أخرى.

وفي بحث “أنطولوجية العلاقات المنطقيّة المنظومة الفكرية الإسلامية نموذجًا”، ركّز محمّد باقر طيار على إظهار أنطولوجيّة المنطق الرياضي بأدوات ربطه أو بمفهوم الدالّة المنطقيّة. وقدّم الباحث تطبيقات على ما ادّعاه من المنظومة الفكريّة الإسلاميّة في حقول عدّة، منها: فلسفة المعرفة، الإلهيّات، الحقل العقدي، الفطرة.

وفي البحث السادس “تكثّر الأنظمة المنطقيّة: مقارنة بين آراء علماء المنطق القديم والجديد”، حاولت فرشته نباتي أن تشير إلى رأي علماء المنطق في باب رأي القائلين بالواقعيّة المنطقيّة والمعتقدين بكون القواعد والقوانين المنطقيّة جزءًا من المعقولات الثّانية المنطقيّة.

أمّا البحث السابع، فهو للودفيغ لاندغريبه في “التجربة والحكم مباحث في جنيالوجيا المنطق”، وهو عبارة عن مقدّمة أُضيفت إلى كتاب إدموند هوسرل ERFAHRUNG UND URTEIL UNTERSUCHUNGEN ZUR GENEALOGIE DER LOGIK ، واستُلهم اختيار العنوان من عنوان مخطوطة عام 1929 التي تتناول المشكلات الأساسية للمنطق الفينومينولوجي.

كما عالج حسن رضا في بحثهأثر المنطق الرياضيّ في الفلسفة المعاصرة” فكرة اندفاع فريق من الفلاسفة المعاصرين إلى استعمال مبادئ المنطق الرياضي وقواعده وأنساقه في إعادة صوغ الحجج الفلسفيّة التي تثبت وجود الله.

وقارن سمير خير الدين في “الرّوابط المنطقيّة بين المنطق الأرسطي والمنطق الرمزيّ” نظرة كلّ من المنطقين إلى الروابط، مع لحاظ الحضور اللغويّ للرابط، من خلال أوجه ثلاثة: الاختلاف في مفهوم الرابط في المنطقَين، والحاجة التعبيريّة والحاجة الصناعيّة، والمعنى الحرفيّ والاستقلاليّ، ودعّم فكرته عبر نماذج عمليّة.

أمّا سمير الزبيدي فعرض في “نظرات في الأسس المنطقية للاستقراء” اعتراضات السيد مرتضى الشيرازي على اعتراضات على تطبيق السيد محمّد باقر الصدر (قدس) للحساب الرياضي في موارد التواتر والإجماع وغيرها في كتابه الأسس المنطقيّة للاستقراء.

وعرّف عسكري سليماني أميري في بحثه “التعريف بفلسفة المنطق” فلسفة المنطق وموضوعها، ومبادئها، ومنهجها ومسائلها، وعالج بإسهاب المسائل المتعلّقة بالمنطق قبل تقسيمه إلى منطق التعريف ومنطق الاستدلال، وعلاقة المنطق بالعلوم كافّة.

وعرضت اللجنة العلميّة مشروعَ مكنزٍ للمنطق يقوم معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينيّة والفلسفيّة بإعداده، وشرح أهميّته العلميّة. وأوضحت أنّه سوف يكون مربوطًا ببنك معلومات أوّليّ مع قابلية التطوير بالاشتراك مع المؤسسات العلمية والأكاديمية، والمشاركة الجمعيّة في سبيل عملية التنمية المستمرة عبر منصة إلكترونيّة خدمة للعلم والمتعلّمين.

وفي باب “حوارات”، أجرت مجّلة المحجّة حوارًا مع الدكتور خنجر حمية، أجاب عن الأسئلة، من قبيل: الخصائص العامّة للمنطق الفينومينولوجي عند هوسرل، وكيف يمكن أن يتقاطع علم النفس معه، وكيف يمكن الاستفادة من المنطق الفينومينولوجي في المجال الفلسفي والمعرفي، وغيرها من الأسئلة.

وتأمل مجلّة المحجّة أن يكون هذا العدد وغيره مدًّا وعونًا لطلّاب العلم والمعرفة، وخطوة من خطوات هذا الدرب الطويل والممتع والشاقّ.

مكنز المنطق

يقوم معهد المعارف الحكميّة للدراسات الدينية والفلسفية بإعداد مشروع مكنز متخصّص في المنطق، وهو  مشروع علميّ يسعى إلى مواكبة التطور التقنيّ، لاسيما على صعيد التهيئة لتطويرات الذكاء الاصطناعي والدخول في المجالات التخصصية من جهة، ومن جهة أخرى يعمل على تسهيل العمل أمام الباحثين من خلال وضع خريطة ذهنية متكاملة للمنطق، توضح العلاقات المفهوميّة بين المصطلحات، وتحدد موقعية كلّ مصطلح في النظام العام للعلم، مما يُفسح المجال أمامه لمعرفة العلاقات الترابطية، والتي يراعى فيها التسلسل الرتبي على أساسٍ منطقي دقيق، بما يؤدي إلى تحديده بشكل دقيق ومعرفة المصطلح الأوسع والأضيق والعلاقات التي يقيمها. وهذا ما سينعكس على المكنزية المنطقية – دون أن يكون هو الهدف – حيث سيتوسع مفهوم المصطلح ليصبح شاملا للكلمات المفتاحية كافة.

كما ويأتي هذا المشروع في إطار عملٍ علميّ أشمل، يشكّل المنطق فيه نقطة ارتكاز لانطلاق مشروعات مكنزية متخصّصة في العلوم الإنسانية والإسلامية، علمًا أنّ هذا العمل سوف يكون متاحًا أمام الباحثين بدءًا من العام 2024 عبر منصة إلكترونية، يعلن عنها في حينه، حيث يُعمل على ربط المنصة ببنك معلومات أوليّ، مع قابلية التطوير بالاشتراك مع المؤسسات العلمية والأكاديمية، والمشاركة الجمعية في سبيل عملية التنمية المستمرة.

هذا الجهد العلمي يقدّمه المعهد خدمة للعلم والمتعلّمين، راجيًا أن يكون معينًا علميًّا للباحثين والمتخصّصين، والذين يسعون لأن ينهلوا من معين العلم.

 

Al Maaref Al Hekmiyah Institute is introducing its specialized thesaurus in logic. This scientific project aims to keep pace with technological advancements, particularly in preparation for developments in artificial intelligence and an entry into specialized fields, while also facilitating the work of scholars. It achieves this by creating a comprehensive intellectual framework for logic. This framework clarifies the conceptual relationships between terms and identifies the position of each term within the overall Logic system.

This enables a nuanced and logically precise understanding of term relationships and lexical arrangement, resulting in accurate term allocation and the identification of broader and narrower terms and their interrelations. This expansion of the concept will enhance the logic repository, although that is not the primary goal. Nonetheless, this will lead to a more comprehensive understanding of the term’s concept for all key terms.

This project is part of a broader scientific endeavor in which logic represents a focal point for laying foundations of specialized thesauruses in Islamic and human sciences. This thesaurus will be available online to scholars on an e-platform by 2024, with further details to be announced. The platform will be built on a primary database, with allowing for future enhancements in collaboration with scholarly and academic institutions and with the collective participation in the ongoing development process. The institute offers this scientific effort as a service to knowledge and scholars, with the hope that it will serve as a valuable academic resource for researchers, specialists, and those interested in the field.

هوسرل والمنطق الفينومينولوجي

حاورت مجلّة المحجة الدكتور خنجر حمية، وهو أستاذ الفلسفة الغربيّة في الجامعة اللبنانيّة ورئيس الفرقة البحثية في الفلسفة في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب في الجامعة اللبنانية، فطرحت عليه مجموعة من الأسئلة، من قبيل: الخصائص العامّة للمنطق الفينومينولوجي عند هوسرل، وكيف يمكن أن يتقاطع علم النفس معه، وكيف يمكن الاستفادة من المنطق الفينومينولوجي في المجال الفلسفي والمعرفي، وغيرها من الأسئلة التي أجابها عنها ضمن هذا المقال.

 

Al-Mahajja asked Dr. Hamieh, who is a professor of Western Philosophy at the Lebanese University, and the head of the research team in philosophy at the Doctoral School of Literature of Lebanese University, a number of questions as: the general features of Husserl’s phenomenological logic; how psychology would intersect with it; how phenomenological logic would be useful in philosophy and knowledge, as well as further questions were discussed throughout this article.

التعريف بفلسفة المنطق

ترجمة: حسن زين الدين

فلسفة المنطق هي علم فوقاني، يبحث بمنهجٍ عقلي حيثيات علم المنطق؛ ولهذا فإنَّ موضوع هذا العلم هو علم المنطق نفسه، ومسائله أجوبةٌ عن الأسئلة الفلسفية الناظرة إلى هذا العلم ككل، أو الناظرة إلى مسائله، كما أنَّها تنظر إلى التطوّرات التي حصلت في هذا العلم على مرِّ التاريخ. تتضمَّن هذه المقالة إطلالةً على فلسفة المنطق.

 

The philosophy of logic is defined as a metascience that approaches rationally the modes of the science of logic. Accordingly, the subject of this science is the very science of logic. Its issues answer the philosophical questions tackling this science at large, or its questions as well. These issues study also the developments of this science throughout history. This article overviews the philosophy of logic.

نظرات في الأسس المنطقية للاستقراء

يعرض الباحث في مقاله اعتراضات السيد مرتضى الشيرازي على اعتراضات على تطبيق السيد محمّد باقر الصدر (قدس) للحساب الرياضي في موارد التواتر والإجماع وغيرها في كتابه الأسس المنطقيّة للاستقراء، عبر محاضرات ألقاها في دروس مباحث الظنّ، فأورد الأدلة والشواهد والبراهين على ما طرحه.

The author sets forth in his paper the objections of Sayyid Murtaḍā ash-Shīrāzī to Sayyid Muḥammad Bāqir as-Ṣadr’s application of the mathematical calculations in the instances of recurrence, consensus, and so forth in his book Logical Foundations of Induction. These objections were delivered by ash-Shīrāzī in lectures on conjecture studies lessons, supporting his claims with proofs, examples, and evidence.