إلام آل علم الإناسة؟

كان من آثار الاستقطاب الحادّ بين مقولتَي الطبيعة والثقافة أن فقدت الإناسة موضوعها، وبالتالي تماسكها، فعدمت سُبُل التواصل مع الحقول المعرفيّة الأخرى. فالإناسة كانت قد انطلقت من أسس تطوّريّة تفهم الطبيعة البشريّة فهمًا ساذجًا، وتعطي التاريخ البشريّ طابعًا حتميًّا وأحاديًّا. فكان أن أطاح النقد الانتشاريّ لهذا النحو من الاشتغال الإناسيّ كلّ إحالة تفسيريّة على الطبيعة البشريّة. فالثقافة، بتركيبها، وعشوائيّة مساربها، هي ما يجعل الإنسان ما هو عليه، لا الطبيعة. يكمن المخرج من هذا الاستقطاب، في التوسّل بالوظيفيّة من حيث هي موقف يعترف بخصوصيّات الأوضاع البشريّة، دون أن يستغرق في النسبيّة المعرفيّة والمثاليّة.

Having started from evolutionary grounds with only a naïve understanding of human nature, and a deterministic, linear rendering of history, anthropology couldn’t face up to the diffusionist attack which actually proscribed any allusion to a fixed human nature as an explanatory device. The sharp polarization between the notions of culture and nature, in terms of what shapes man, could only allow for a single victor, and with nature out of the race, anthropology lost its subject matter, and as a result, its consistency as a field of inquiry, and its capacity to communicate with other such fields. Functionalism is one way out of this impasse conditioned that it is taken as an attitude admitting of the peculiarities of human conditions without being absorbed in epistemic or idealistic relativism

 

الطبيعة البشريّة في إدراك شخصيّ مباشر

هذه العجالة محاولة لتكوين فكرة واضحة ومتميّزة، ما أمكن، عن الطبيعة البشريّة عبر تحليلها – كما تتجلّى في ولآحاد الناس – إلى مكوّناتها الجسديّة والانفعاليّة والإدراكيّة والاجتماعيّة والروحيّة في تفاعلها وتكاملها وتضافرها في كينونة ديناميّة، واحدة، ووحيدة، مؤهّلة لممارسة فاعليّاتها بحرّيّة نسبيّة تجعلها مسؤولةً بنسبة كبيرة عن مصيرها.

An attempt is made, herein, to arrive at an understanding of human nature, as precise and lucid as possible, through analyzing nature – as it is present to, and within, individuals – to its various constituents: the bodily, the emotional, the apprehensive, the social and the spiritual. These are then taken insofar as they constitute, in their complementarity and harmonization, a single, dynamic whole. This dynamic whole is, consequently, ready to take action within the limits of a relative freedom which renders it (the dynamic whole), to a large extent, responsible as to its destiny.

المسارات الكلّيّة في قراءة الطبيعة الإنسانيّة

اختُزِل الإنسان في الدراسات الإنسانيّة، وعلم الحياة المعاصر، إلى ما يشبه وضعيّة الكائن البيولوجيّ، مع تخفيض مجحف للمنسوب الغيبيّ من دائرة وجوده. فيما تمحورت الرؤى الفلسفيّة والفكر الدينيّ عمومًا في النظر إلى الإنسان من حيث الجنبة العقلانيّة، وإحالة أبعاده الدنيا إلى مرتبة الشروط الإعداديّة لحياته الروحيّة. وتفيد نصوص الوحي أنّ الإنسان بدأ من طين، وأنّه كما بدأ سيعود. وقد شكّل هذا التأسيس قاعدةً للتساؤل والاعتراض في الملإ الأعلى، وعليه ابتنى الإنذار والبشرى في الملإ الأدنى {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا}. وإذا كانت حقائق الوحي تلحظ الجنبة الحيوانيّة التي تظلّ مصاحبةً لوجود الإنسان طالما أنّه يعيش بالشعور والعقل معًا، أمكن لنا حينئذ أن نتساءل: هل الإنسان حيوان، يتميّز في بعض مراحله بأنّه ناطق؟ أم إنّ الإنسان ناطق، يتميّز في بعض مراحله بأنّه حيوان؟ والقصد من السؤال هو الدفع باتّجاه استكشاف مدى ما تمثّله الحياة الحيوانيّة من نفوذ داخل الطبيعة الإنسانيّة، والتأمّل في الماهيّة والوظائف والأبعاد المكوّنة والتي تقوم على أساسها تلك الطبيعة.

In the humanities, as well as in modern biology, man was reduced to a biological being, whereby the internal, hidden, element is minimalized. Philosophical and religious approaches, on the other hand, were confined to the rational aspect of human beings, taking those material aspects, of human beings, to be merely preparative conditions for the spiritual life. In scripture, however, the basic starting point for any understanding of human nature remains that man emerged from clay and it is to clay that he returns. Such a scriptural truth instigated a surge of questioning and protest among the dwellers of the upper realm (the angels and ʾIblīs), and by its virtue, man becomes the addressee of all Divine warning and encouragement. If revelation, in its very essence, takes note of the animal aspect of man, an aspect which accompanies his existence inasmuch as he lives by thought and feeling together, then we are entitled to ask: is man an animal, characterized at some stage by being rational? Or is he a rational being, characterized at some stage by being an animal? The intention here is to pressure towards discovering the weight of the animal life within human nature, and to contemplate the essence, the functions and the constituting elements upon which this nature stands.

الطبيعة الإنسانيّة: مقاربة قرآنيّة فلسفيّة

تجنح المقاربة التقليديّة إلى التعرّف على الإنسان من خلال طبيعته، في حين أنّ قراءة الطبيعة الإنسانيّة من خلال الإنسان أولى، فيكون الإنسان مبدأً دلاليًّا إلى طبيعته. وهاهنا مدخلان، النصّ الدينيّ من ناحية، والذات بما هي قارئة للذات من ناحية أخرى. فالأولى يُعتدّ بها لكون الدينيّ هو مطبّع الطبيعيّ، فكلامه عنه معرّف له، والثانية تتّخذ مشروعيّتها من كون الذات حاضرةً عند الذات، والطبيعة من شؤون الذات الباطنيّة. فإذا توافرنا على فهم للطبيعة من هذين الطريقين، اتّخذنا الطبيعة أصلًا لقراءة دلالات أفعالها.

While, traditionally, the approach has been to delve into man through his nature, what is herein suggested is to study the nature through man himself, so that man becomes the significatory principle as to his nature. To this end, two paths can be taken, (1) Scripture on the one hand, and (2) the self, inasmuch as it can read itself, on the other. (1) is resorted to in this regard since natures were granted, to whatever, or whoever, possesses a nature by the granter of religion; the source is one, that is. (2), on the other hand, is justified by the fact that the self is present to itself, and nature is one of its internal affairs. Having understood nature through either of these non-exclusive paths, we can afford to read the significations of the nature’s acts through nature itself.

عرش الروح وإنسان الدهر

القلب حقيقة سيّالة، يصعب استقرارها على حال، إذ تتبدّل حسب مظاهر الشؤون الإلهيّة، فتبقى في تتالي من الحركة في الأعراض السلوكيّة الكاشفة عن حركة في جوهر المعنى الإنسانيّ، أي اللبّ. وفعّاليّة القلب هذه هي التي تولّد هويّة الإنسان، لأنّها تمثّل الطبيعة التي تشكّلت لديه بفعل تأمّلات الذات، واستطالات الفؤاد المعرفيّة، وتبصّرات القلب في الواقع. فالقلب له وجه نحو البدن (الطين)، ووجه نحو المعنى الكلّيّ للنفس الناطقة، ووجه نحو الفرد بهويّته الشخصيّة، ووجه متّصل بنور الله. أمّا الإنسان الدهريّ فهو صاحب القلب البرزخيّ، الجامع بين الروح والطين، وصاحب الرؤية التوحيديّة، الممتلك نعمة المعرفة الفطريّة والتكليف الإلهيّ.

The heart (al-qalb) is a fluid reality, changing in accordance with the appearance of Divine Manifestations. The flux it entertains, in terms of behavioral accidents, discloses the very movement of the essence of human meaning (al-lubb). The action of the heart is what generates the human identity, for it represents the human nature that was constituted through (1) the meditations of the self, (2) the epistemic extrapolations of the “intelligent heart” (al-fuʾād), and (3) the insights, into reality, of the heart itself. The heart, moreover, is multi-faceted: one of its faces turns towards the body (the clay), another towards the universal meaning of the rational soul, a third towards the individuated personal identity, and still another face associates with the light of God. In the man of perpetuity, these faces come to an intricate balance, for he is the possessor of an isthmic (barzakhī) heart which combines the spirit with the clay; it is this heart which entitles him to the tawḥidī vision, and to the gifts of fiṭrī knowledge and Divine trust.

منهج العلّامة الطباطبائيّ في فهم الإسلام

إنّ قراءة الإسلام في منهج العلامة الطباطبائي متوقّف على فهم المراد من الإسلام؛ فبلحاظ أنّ الرؤية العامّة لمكوّنات الدين الإسلامي وفق العلامة الطباطبائي كان للنصّ القرآني حضورًا محوريًّا في تشكيل الصورة والجانب القرآني جانب إلهي من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ المضمون نفسه يستعرضه العامّة في سياق كونه فطريًّا أو عقليًّا أو فطريًّا وعقليًّا، وبالتالي هناك تناسبيّة حاكمة في كلّ الأبعاد الدينيّة، ستطرح المضامين دائمًا في سياق تفاعلي بين الجانب الإنساني والجانب الإلهي.

خصائص المدرسة الفكريّة عند السيّد محمّد باقر الصدر قراءة في المنهج

عمل الصدر على صياغات منهجيّة متنوّعة ومتعدّدة بتعدد طبيعة الموضوعات وحقولها المعرفيّة. فمن أهمّ أدواته المنهجيّة؛ المنهج العقلي الأرسطي في المنطق بقياساته وأدلّته، وسلكه الصدر في كتابه فلسفتنا، وارتكز على نظرية المعرفة كمنهج محكم وقاعدة لإثبات أي بناء علمي وفكري فلسفي وعقائدي؛ والمنهج الاستقرائي العلمي الذي أسماه بالمنهج الذاتي لنظريّة المعرفة واعتبره اتجاهًا جديدًا. وحاول حلّ الإشكاليّة المنطقيّة في عمليّة الاستقراء، والتي تكمن في كيفية القفز والانتقال من الخاصّ إلى العامّ.

المستغرِبُ المحفوظ بأصله الأوّل منهجيّة التفكير عند الفيلسوف سيّد حسين نصر

حفظ سيد حسين نصر أصله الديني وهويّته الحضاريّة، وسعى لتظهير روح الإسلام وعرضها على العقل المؤسّس لحداثة الغرب المعاصر. فجاءت منهجيّته مركّبة تقوم على تفعيل ثلاثة خطوط متوازية ومتلازمة هي: التعرّف إلى المجتمعات الغربيّة كما هي في واقعها، كذلك المناهج والسياسات التي اعتمدتها حيال الشرق والمجتعمات الإسلاميّة، وخطّ النقد ويجري عنده متاخمًا للذات وللآخر. ولم يعالج الغرب ككتلة صمّاء بل بنية حضاريّة تتعدّد أضلاعها وينبغي فهمها لبناء إستراتيجيّات للمواجهة.

منهج قراءة الفاروقي للإسلام

اختلف المفكّرون المسلمون في كيفية استخدام المفاهيم التي تعمل على قراءة التراث الإسلامي، ما أدى إلى بروز تيارات عدة، أبرزها تيار يدعو إلى تحوّل العلوم، وآخر إلى تأصيلها، بالإضافة إلى تيار ثالث يدعو إلى أسلمة المعرفة، وصل إلى ذروته مع إسماعيل الفاروقي وحمل دعوة واضحة وصريحة لا لبس فيها إلى تغيير آليات التعامل مع العلوم وضرورة إعادة النظر بها.

أسّس الفاروقي رؤيته على التوحيد الذي يتحوّل برأيه إلى ناظم منهجي للتفكير والتحليل والاستنتاج، فهو جوهر الإسلام، والحضارة والدين، وهو مبدأ التاريخ والمعرفة والغيب والأخلاق والنظام الاجتماعي، والأمة والأسرة والسياسة والاقتصاد والنظام العالمي.

منهجيّة مالك بن نبي في قراءة الإسلام

شكّل النصّ القرآنيّ في منهج مالك بن نبي ركيزةً بنيويّةً، نهل مصاديقها من منجزات الفكر الشرقيّ والغربيّ على حدّ سواءٍ، بحيث يمكن طرحها في عرض المنظومات المعرفيّة التي أبدعها مفكرو الإسلام في العصر الحديث، محاولةً منهم لتقديم مقاربات جديدة في فهم الإسلام، وحرصًا على بعث نهضة حضاريَّة عربيّة وإسلاميّة محدثة.

كما ظلّ فكره مرتبطًا بشخصه، واستلهم من طروحات الباحثين وافكارهم ومناهجهم، وتأثّر بالثقافة الغربيّة إلّا أنّه لم يسلّم لها تسليم الأعمى.