منهج العلوم الفطريّة

ترجمة إبراهيم بشير

اهتمّ الفلاسفة الغربيّون وبعض علماء الإسلام بالبحث عن طرق تحديد الأمور الفطريّة. فاعتبر ديكارت أنّ الوضوح والتمايز هو علامة فطريّة الشيء. وأمّا جون لوك فجعل الإجماع العامّ هو العلامة. وذهب بعض في مقام التحديد إلى الاعتماد على ضوابط أخرى من قبيل الوجدان الأخلاقي (الضمير الأخلاقي) أو ما كان سببًا لحلول الرحمة الإلهيّة والرضا الإلهي. وتمسّك العلماء المسلمون بأربع طرق لإثبات فطريّة الشيء، وهي: الطريقة التجريبيّة – التاريخيّة، الطريقة العقليّة، الطريقة الشهوديّة، والطريقة النقليّة. وإضافة إلى النتائج التي توصّل إليه علماء الإسلام والفلاسفة الغربيّون، لا زال هذا البحث – أيّ طرق تحديد فطريّة الشيء – يحتاج لمزيد من الدراسة والتحليل.

منهج العلوم الإنسانية من وجهة نظر إسلامية

ترجمة إبراهيم بشير

يتقدّم المنهج على علم المناهج رتبةً؛ فالمراد من الأوّل طريقة الدراسة التي تحفظ السير الصحيح للوصول إلى نتائج، والثاني موضوع علمه الأوّل الذي يتمّ تحديده وفقًا للمباني الفلسفيّة والنظريّات الوجوديّة والأسس المعرفيّة التي يعتقد بها الباحث.

وفي المنهج الإسلامي، الذي هو وليد فلسفات وأفكار إسلاميّة تتكلّم عن الإنسان والعالم، فإنّ منهجيّة التفكير خاضعة لإطار معرفي خاصّ يحدّد الأصول والمبادئ الموضوعيّة لموضوع معيّن وخاصّ.

والعلم بنظر الكاتب تفهّمي لأنّه ثمّة تأثير كبير له ولإرادة الإنسان في مجال العلوم الإنسانيّة، لذا يمكن لنا أن نؤسّس لمنهج في نظريّة المعرفة ومعرفة الوجود من خلال الاعتماد على العقل والنقل والوحي والشهود والتجربة، بل وعلى نظريّات ومناهج خاصّة بكلّ موضوع على حدة.

الإسلام ومشكلة العلم الحديث

ترجمة محمّد علي جرادي

 

يحتوي التراث الفكري الإسلامي كلّ الأدوات الفكريّة والفلسفيّة اللازمة لإقامة الرابطة بين العلم الحديث والتكنولوجيا والفكر الإسلامي والتمايز بينها. فلا يمكن لأسلمة العلم إلّا أن تبتني على النقد والتقييم والرفض أحيانًا لبعض عناصر العلوم من أجل ضمّ الناتج إلى عالم الفكر الإسلامي. ويجب أن تُشَجّع التجارب التي يتمّ إجراؤها اليوم في حقل أسلمة المعرفة، ووضع مناهج علميّة للمدارس، والردّ على العلم الحديث، وحتّى الخطوات الحذرة نحو خلق علم إسلامي، وأن يسمح لها بأن تتمّ في بيئة من الجدل والنقاش الصادق.

فالبعض يختزل المشكلة بالبعد الأخلاقي، ويرى أنّ العلم الحديث، لو دُرس وطوّر في مجتمع تطبّق فيه الشريعة بشكل كامل، فلن تكون هناك أيّ مشكلة على الإطلاق. ويطمح البعض الآخر إلى تطبيق المناهج الفقهيّة للشريعة في دراسة العلم. كما نجد من يتحدّث عن التوحيد بشكل عقلاني يستوعب الرؤية العلميّة الحاليّة للعالم. وهناك كذلك من يغوص في التفاسير القرآنيّة والتراث العلمي الإسلامي المتجذّر في القرآن بحثًا عن أنموذج بديل وأدوات فكريّة ينقد بها الأسس الفلسفيّة للعلم الحديث. ويجب أن يسمح لكلّ هذه المجموعات أن تتجادل وتناقش القضايا الراهنة.

العلوم المعاصرة ومعياريتها

أسلمة العلوم هي ترشيد للعلوم من خلال الدين، وعلى ضوء الحقّ والفطرة والاستقامة والعدل والحرّيّة والعبوديّة، وبما يتوافق مع ما قُرِّر في عقول البشر وجُبل في فطرتهم، بالإضافة إلى ملاحظة منافعهم الدنيويّة وصلاحهم الأخروي.

كما يعدّ توافق العلوم المعاصرة مع الفطرة الإنسانيّة السليمة ومطلب السعادة الحقيقيّة من المعايير الأساسيّة لتقبّلها أو عدمه، مع مراعاة خصوصيّة كلّ علم – سواء الطبيعيّات أو الإنسانيّات أو العلوم الدينيّة وغيرها – من ناحية الأدوات المنهجيّة والموضوعيّة.

النموذج المعرفي وإنتاج العلوم

يختلف النموذج المعرفي عن النظام المعرفي، فهو حاكمٌ على النظام، يقوم بإرشاده ليتوافق معه. وهو يبقى ثابتًا في حين أنّ النظام يتطوّر بتطوّر العلوم والمناهج. وإذا انفصلا عن بعضهما، تتحوّل العلوم إلى غايات قائمة بذاتها، ممّا يفقد النموذج فعّاليّته.

والبحث عن هذا العنصر وتحديده يشكّل نقطة انطلاق هامّة في فهم ومآلات الفكر ومستقبل الثقافات الإنسانيّة، لأنّها لا تتعدّى كونها تعميمات، لتتحوّل إلى هويّة شاملة.

متافيزيقا الخلود في الجنة والنار

ترجمة: علي الساحلي.

للوحي الديني منظورٌ خاص يُعنى بتحفيز الإنسان نحو خلاصه. من هنا يزوّدنا الوحي ببعض التفاصيل إلا أنه، في الغالب، يقدّم الخطوط العامة. أما إذا أحكم المِتافيزيقي هذه المفاتيح العامّة، وأسّس على أن الرحمة تسبق الغضب، وتسعُ كل شيء، وأنّ ما سوى الله نسبيّ، ولا يبقى سوى وجهه سبحانه، فإنه يستنتج أن الوجود الأخروي – بل كل الوجود الإطلاقي – لا بدّ أن يصل إلى حالةٍ من الاندماج والفناء في المبدإ الأول.

هنا تشكّل نقطة التقاء بين الأديان الإبراهيمية، التي تقول بخضوع الوجود لمسار طوليّ يبدأ بالخلق وينتهي بالرجوع النهائي إلى الخالق، وبين الأديان البرهمانيّة – البوذية التي تقول إنّ الوجود حركة دوريّة يتعاقب عليها البسط والقبض الإلهيين.

رسالة “زاد المسافر”

تشتمل رسالة “زاد المسافر” على اثني عشر مبدأ في إثبات المعاد الجسماني. ولا تخرج النظرة إلى المعاد عن الأسس التي بُنيت عليها الحكمة المتعالية. فالأسماء الإلهية حاكمة على المظاهر الوجوديّة ومنها النفس الناطقة. من هنا، تمتلك النفس، في حركتها الجوهرية من مبدئها إلى معادها، حالات اشتداد، وإن كانت حقيقتها ثابتة في مراتب الاستكمال. هذا علماً أنّ الحركة تقع في النفس والبدن معاً إذ هما، بحسب المراتب، أصل واحد. بالتالي، عندما يُحشر البدن، فهو عينه البدن الذي كان في الدنيا، ماهيةً وعقلاً وعُرفاً.

حكمة المعاد ومنافذ المصير

أقصى بعض المشتغلين في المعارف الدينية، بتأثير من التأويل المِتافيزيقي، أهمّية الجسد وعلم الطبيعة، ما حرم المعرفة الدينية من مواءمة بين عالمي البدن والروح، وجعل نظريّة الانخلاع (عن الفطرة الأولى) شرطاً أساساً لفهم مباحث المعاد. بيد أنّ النظرة إلى الدنيا بما هي شأن من شؤون الآخرة، ومعلمٌ من معالم القدرة الإلهية في الخلائق، ومستودع بذور الوجود المصيرية على أساس من خيارات المعرفة والإرادة، يبيحُ لنا فهماً أعمق للشريعة، وللمعرفة المعادية التجاوزية، في مصالحة بين الروح والبدن عنوانها النور المنبلج بين طيّات الطين، وفي دفعٍ نحو قيم الآخرة يربط الإنسان بالأرض التي استُخلف عليها.

الموت وعالم الخيال: المعاد عند ابن العربي

ترجمة: محمود يونس

تشكّل مباحث “المعاد” ثالث الأصول في الإسلام السنّيّ بعد التوحيد والنبوّة. ويعالج الصوفيّون الباحثون في المعاد جانباً واسعاً من الموضوعات، وإن كان أهمّها مبحثا “الرجوع الاختياري” و”الرجوع الاضطراري”؛ ويُعنى المبحث الأول بسبيل إحراز الكمال المعنويّ في هذه الحياة، أما الثاني فبطبيعة الموت المادّي والقيامة الجسدية. ويتعرّض ابن العربي الكبير (توفي 638هـ؛ 1240م) لكلا المبحثين بسعة وغزارة، مهيّئاً المجال لكلّ من سوف يليه من المتصوّفة، والمتكلّمة والفلاسفة إلى يومنا هذا. سوف أحاول في هذه الورقة إجمال الخطوط العامة لبعض تعاليمه في الرجوع الاضطراري، مموضعاً المبحث في إطار الرؤية الشاملة لابن العربي.

المعاد في زمن الحاجة إلى الأخلاق

لا تستقيم الحياة الأخلاقية دون نواظم تحدّد حركتها ومفاصلها وغاياتها. وإذا ما سقطت هذه النواظم دون إمكانية التبرير، تهافتت البنى الأخلاقية وتساوت كل الأشياء. وللمعاد، في ضمن هذه النواظم، حاكمية وسعة خاصّتين تجعلانه أصلاً لا تثبت قيم الدين، أيّ دين، دونه. فالمعاد، وهو، بالمطلق، لقاء الله، يحرّك كوامن الشوق إلى لقاء الغاية لدى الإنسان، ويسكن ألمه الذي يكابده في دنياه، ويقفه أمام مسؤولياته التي كانت مذ جُعل مختاراً. بيد أنّ المعاد، كمبحث، يفرض صعوبات خاصّة لدى معالجته، ما يحيلنا على مقاربة لا بدّ لها أن تكون في غاية السعة، بمعنى أنّها تقرأ كل جوانب الذات الإنسانية في محاولةٍ لتلمّس الطريق نحو مصيرها المعاديّ.