العدد 30

تحميل العدد:العدد 30: الألم من منظور ديني فلسفي

فهرس المحتويات:
الافتتاحية    مجلّة المحجّة
الألم من منظور ديني فلسفي
موقع الألم في فلسفة الحضارة    حسن جابر
الألم في الفكر الإسلاميّ مقاربة فلسفيّة عرفانيّة    حسن بدران
الألم في الأدبيّات المسيحيّة     سليم بسترس
الدلالات الشعيريّة والطقوسيّة في فهم الألم في الأساطير القديمة    أحمد ماجد
الألم: الفعل الإلهيّ والارتقاء البشريّّ   علي الموسوي
الألم في فلسفة الأخلاق     حسن خليل رضا
جدل الألم بين الآن والزمان مقاربة قرآنيّة على ضوء تفسير الميزان    سمير خير الدين
دراسات وأبحاث
النفس عند غريغوريوس أسقف نيصة: منشأها، وطبيعتها، وحياتها، وقرانها بالجسد    جورج خوّام البولسيّ
بين الكشف والبرهان ونقيضه ملاحظات في الشعر والفلسفة   محمّد عليّ شمس الدين
المحايثة: حياة […]   جيل دولوز

إفتتاحية العدد 30

إفتتاحية 30

 It is quaint to expound upon the very question of pain, as though you are plotting a sort of illumination that would unfold following undermining hardships that are all at variance.

As though the clay engrained in man’s body is in need for an injury to reveal what is engrained in it. Such pain would then attack you to introduce you unto light out of the darkness of you clay, to reach upon illumination.

In order to branch off your clay you need an injury that begets in your self a communion following after separation, to transcend the very body towards what is higher. Pain as such has an aim. It is the very injury that renders man awake afar from heedlessness, bringing man towards communion. This is the very notion of trial that Allah expounded upon in the Qurʾan, declaring “We will surely test you with a measure of fear and easure of fear and hunger and a loss of wealth, lives, and fruits; and give good news to the patient.”[1]

Hence, divergent are the opinions towards pain. Hasan Jaber commences the Issue writing upon the role pain occupies in establishing civilizations. In the second paper, Hasan Badran suggests his twofold approach towards pain, consisting of (1) a philosophical and (2) mystic aspects, expounding upon the identity of pain qua pain, and the representations thereof. Samir Bustros however plots the concept of pain that is a central part of human nature as per Christian literature, whereby the glory of God manifests.

 

 

ولكي تنفصل عن طينك الأرضيّ تحتاج إلى جرح يولد في ذاتك وصلًا بعد فصل، وديمومةً بعض انقطاع، فتفارق، حينها، الجسد لتكالم ما هو أعلى. فالألم، إذ ذاك، ليس عبثيًّا، بل هو الندب الذي يحقّق فيك يقظةً تخرجك من سنة الغفلة، آخذًا إيّاك نحو وصال، وهذا هو عين مفهوم الابتلاء الذي حدّث الله به الإنسان في القرآن قائلًا: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[2].

وعليه، تختلف الآراء حيال مفهوم الألم وتتعدّد.

يستهلّ حسن جابر ملفّ هذا العدد باسطًا للدور الذي يضطلع به الألم في صميم تشكيل الحضارة. ومن ثمّ يطوّر حسن بدران في المقالة الثانية مقاربته للألم ببعدين اثنين، بعد فلسفيّ وعرفانيّ، متناولًا هويّة الألم بما هو هو، وتمثّلاته الكامنة في بنية الإنسان النفسيّة والعقليّة والجسديّة. وثالثًا، يعرض لنا سليم بسترس النظرة المسيسحيّة للألم بما هو جزء من حياة الإنسان ومن طبيعته، عبره يظهر مجد الله ومحبّته. أمّا أحمد ماجد فيقدّم قراءةً لموقعيّة الألم في الأساطير القديمة التي تتبدّل بتبدّل السياقات الحضاريّة، مبيّنًا الدلالات الطقوسيّة والشعيريّة في ذلك.

ومن ثمّ يلج عليّ الموسوي في مبحث الألم، مختطًّا إيّاه بما هو فعل إلهيّ من جهة، يسلب من الإنسان الرفاه واللذّة، وارتقاء بشريّ من جهة أخرى، يوصله إلى الكمال. أمّا حسن رضا فيعالج موقعيّة الألم في حفر المبدإ الأخلاقيّ وتشذيبه، مشكّلًا، تاليًا، فيصلًا لا محيد عنه في بنية الفكر الأخلاقيّ. وفي الورقة الأخيرة من الملفّ، يبسط سمير خير الدين للألم بما هو ارتباط بالشعور باللحظة نفسها، اللحظة التي تغدو معياريّةً في مآلات الإنسان ونشآته.

وأمّا باب “دراسات وأبحاث”، فيشتمل على ثلاث دراسات. يعالج جورج خوّام في أولاها مفهوم النفس عند غريغوريوس أسقف نيصة، مبيّنًا منشأها، وطبيعتها، وعلاقتها بالجسد، دائمًا وفق غريغوريوس. ويختطّ محمّد عليّ شمس الدين، تاليًا، بعض ملاحظات له في الشعر بما هو نشوة حسّيّة، وفي الفلسفة بما هي نشوة عقليّة، ولكن، إن كليهما إلّا تجلّ لمستور مِتافيزيقيّ واحد. وفي الدراسة الأخيرة نقدّم ترجمةً لمقال “المحايثة: حياة”، لجيل دولوز، يعرض فيها فهمه للمحايثة، معتبرًا أنّها حياة ولا شيء سوى ذلك.

[1] Sūrat al- Baqarah (The Heifer), v. 155. Cf,The Qurʾān, With a Phrase-by-Phrase English Translation, trans. ʿAlī Qulī Qarāʾī (London: ICAS Press, 2005).

[2]  سورة البقرة، الآية 155

المحايثة: حياة […]

ترجمة جمال نعيم

يبسط دولوز للحقل المجاوز بما هو مائز عن التجربة، وبما هو لا يحيل إلى موضوع أو إلى ذات؛ من حيث هو حقل محايثة محض، متفلّت من كلّ مفارقة للذات كما للموضوع، والمحايثة المحضة حياة، ولا شيء سوى ذلك، حياة لا ترتبط بكائن، ولا تخضع لأفعول. فالحقل المجاوز، من ثمّ، يختطّ بمسطّح المحايثة، ومسطّح المحايثة يختطّ بحياة.

بين الكشف والبرهان ونقيضه ملاحظات في الشعر والفلسفة

لئن تميّز العرب على امتداد تاريخهم الطويل بالقرآن والشعر، كليهما، اللذين كانا على أشدّ اختلاف نظرًا إلى بعض السياقات القرآنيّة التي تعاطت مع الشاعر بما حيث هو ضدّ للنبيّ، فإنّ المتصوّفة المسلمون تنبّهوا إلى ظلال وأبعاد خفيّة في القرآن اتّخذوا منها مادّةً لأشعارهم وشطحهم. فباتت الحقيقتان، الشعريّة والفلسفيّة، تجلّيات إن لمستور مِتافيزيقيّ واحد. وفيما تؤمّن اللغة الفلسفيّة غبطةً عقليّةً فإنّ اللغة الفنّيّة تذهل عن العقل نحو الذهول، ليختلف النصّ الفلسفيّ، إذ ذاك، عن النصّ الشعريّ في الطريقة والأثر في أثناء السعي نحو المستور أو الغيب.

النفس عند غريغوريوس أسقف نيصة: منشأها، وطبيعتها، وحياتها، وقرانها بالجسد

تحمل النفس في طبيعتها قبسًا إلهيًّا، فالإلهيّ منشأها، تشبه، وعلى صورته. ففي اللحظة التي تبرء فيها النفس ينشأ وصال يبنها وبين بيتها الأوّل. تقتات تلك النفس البشريّة على الحقّ والخير: الحقّ الذي يزكّي فيها الصبوة الدائمة إلى بلوغ الأنموذج الأوّل، والخير الذي يهذّب في نسيجها الروحيّ ميلًا نحو النافع والكامل الذي يرضي طبيعتها. للنفس منشأ يسمو على ما سواها في الجسم نفسه، ويقبع هذا المنشأ في الأولهة، فهي تشبه الله، وعلى صورته.

جدل الألم بين الآن والزمان مقاربة قرآنيّة على ضوء تفسير الميزان

كيما نتوافر على فهم للألم يجدر بنا أن لا نبسط له بما هو هو، بل أن نشذّبه لنفهم ما يتجاوزه. يتقوّم الألم بالذات الإنسانيّة، وهو مطبوع على نحو الطبيعة فيها. إذ هو هو، في إنسان الماضي، والحاضر، والآتي. وثمّة بما لا ريب من تلازم ما بين الألم والشعور، فإن لم يتحقّق الشعور لم يتحقّق الألم. يرتبط، إذ ذاك، الألم بالشعور باللحظة، بالآن، غير أنّ تلك اللحظة تغدو معياريّة في مآلات الإنسان ونشآته.

الألم في فلسفة الأخلاق

يكاد طيف الألم يتبوّأ عنايةً ومحوريّة خاصّةً في دائرة القلق الإنسانيّ على صعيد الفرد والجماعة إبّان مقاربة المبادئ الأخلاقيّة في الفلسفات الشرقيّة منها والغربيّة، سواء بسواء. وهو بذلك يشكّل فيصلًا لا محيد عنه في بنية الفكر الأخلاقيّ، إذ يضطلع بوظيفة نحتيّة تكوينيّة، ليحفر بذلك المبدأ الأخلاقيّ إيّاه. ولمّا اكتسبت المبادئ الأخلاقيّة في القرون الوسطى بردةً مِتافيزيقيّةً محكمة، انتمت المبادئ الأخلاقيّة إلى منظومة عقيديّة محكمة رأت إلى اللذّة والألم على أنّهما خارج نطاق المادّة بما هي هي. ولئن طرحت بعض الفلسفات المشرقيّة تصوّرات لخلاص الفرد من آلامه، فإنّ بعض النظريّات الفلسفيّة الغربيّة نظّرت إلى قوننة الخلاص من الألم بما له بعد جماعيّ، ليصهر الأخلاق الفرديّة في سياق الجماعة.

الألم: الفعل الإلهيّ والارتقاء البشريّ

ثمّة بلا ريب من علقة ما بين النفس والجسد، إذ هي تشعر به، وتحيط بكلّ ما يصيبه من آلام وبلاءات. تسالم بعض على أن ثمّ جنبتين للألم. (1) الألم من حيث هو فعل إلهيّ مفروض على الإنسان، يسلب منه الرفاه واللذّة، باحثين في موقعيّة العدل الإلهيّ من ذلك؛ و(2) الألم من حيث هو حالّ في الإنسان كيما يرتقي به، ويصقل جوهره الإنسانيّ. وعليه، يصبح الألم لطفًا إلهيًّا آخذًا الإنسان، بما هو إنسان، نحو الكمال الأوّل.

الدلالات الشعيريّة والطقوسيّة في فهم الألم في الأساطير القديمة

للطقس حضور في هذا العالم، إذ يمثّل جزءًا من الإنسان. يتغيّر الطقس ويتبدّل بتغيّر السياقات الثقافيّة التأسيسيّة، كما ينسج جزءًا من هويّة الإنسان، تُلازِمه. وتروم الممارسة الطقوسيّة بما هي فعل تواصليّ إلى إيجاد تجربة جماعيّة واحدة للجماعة، تعبيرًا عن أفكار ماثلة في مخيالها الجمعيّ. وعليه، يكون الطقس دلالةً على الكامن. ولئن كان الطقس الشعيريّ أشبه ما يكون بالكتابيّ، تشكّل الأسطورة الجانب الآخر الشفاهيّ. وهما يتضايفان معًا كيما يشكّلا لحظة الحدث، ليتحوّلا، إذ ذاك، إلى وحدة متكاملة. وعن الطقوس المرتبطة بالألم تبتسر أواصر تحيي انتماء الفرد إلى الجماعة.

الألم في الأدبيّات المسيحيّة

الألم جزء من حياة الإنسان، من كيانه، ومن طبيعته البشريّة: إذ هو كائن روحيّ جسديّ. للإنسان بعدين، باطنيّ وخارجيّ، والألم الذي يحلّ في البعد الباطنيّ على مستوى المشاعر أعمق بكثير من الألم الذي يصيب الجسد الخارج. ليس الألم عقابًا إلهيًّا، إن هو إلّا علامة على ضعف الإنسان ومحدوديّته. في أثناء البسط لمبحث الألم يجب أن لا نبحث فيه بما هو هو، بل بما هو علامة على الضعف والمحدوديّة، كليهما. يظهر موقف الإنسان الرحيم تجاه المتألّم مجد الله ومحبّته للإنسان. وهكذا، يشارك المسيحيّ بالمعموديّة مسيرة المسيح بالحياة والموت والقيامة، انطلاقًا من عيد القيامة بما هو انتصار على الموت والألم. إنّما الألم الأكبر هو أن نتخلّى عن أنانيّتنا لنصلبها مع المسيح لننال ظفر القيامة.