المعموديّة والصِبغة

تقوم الأنظومة المسيحيّة على تركيب إلهيّ بشريّ، إنّما نسمّيه سرًّا لأنّه اتّحاد صورة ورمز، أي اتّحاد المحسوس وغير المحسوس. ويرجع ذلك إلى محلّ التجسّد من هذه الأنظومة. فإذا كان كمال المسيح في جمعه الطبيعة الإلهيّة والطبيعة الإنسانيّة، فإنّ كمالنا في التشبّه به. ولئن اصطبغ الكون بالله، في موت المخلّص، بالماء والدم، فإنّ معموديّة المسيح، في نهر الأردن، هي صورة عن هذا الاصطباغ. وبـ”المعموديّة” يكتمل تشبّهنا بالمسيح، فيصير المسيح منعكسًا فينا، ونكتسب صبغة الله التي إذا حلّت فينا تؤلّهنا.

The Christian system is based on a combined human-divine complex which we dub a “secret” as it is a union of image and symbol, a union of tangible and intangible. This is so because of the unique standing of embodiment within this system. If the perfection of Christ lies in his encompassing the divine and human natures at once, our own perfection, then, lies in imitating him. And whereas the whole universe became hued with God—through water and blood—upon the death of the Savior, then the baptism of Jesus in the Jordan River is an image of this original baptism. It is through baptism that our imitation of Jesus becomes most perfect. Accordingly, Jesus is reflected within us, and we acquire the ṣibghah (hue) of God, as it occurs within us and renders us divine.

الصبغة في الإسلام

للفطرة القائمة في الذات الإنسانيّة صبغة هي أحسن الصبغات. إنّها “صبغة الله” الشاهدة على أنّ الأصل في الإنسان هو الطهر والصلاح. إلّا أنّ الإنسان قابل، بمقتضى اختياره، لكثرة من السُّبُل قد تنحرف به عن الصراط، وتستبدل قلبه المصبوغ بقلب مطبوع، بالأحرى مصبوغ بصبغة الشيطان المستغرقة في “الأنا”. أمّا القلب المفتوح على الرحمة والصلة، وإن لهج بلسان الإنكار لله، فهو أقرب إلى صبغة الله، إذ الأصل والمِلاك التسابق في الخيرات.

The fiṭrah engrained in human beings has the best of ṣibghahs (baptism; color; hue). It is this ṣibghah of God that bears witness to the origin of man, an origin of purity and righteousness. Human beings, however, by virtue of their volition, are open to countless courses of choice that may drive them away from the right path (aṣ-Ṣirāt), risking the closure of the heart, rather the substitution of the baptized heart for a sealed (maṭbūʾ) heart, a heart baptized by Satan who got totally engrossed in his ʾAnā (“I). Those who openly deny the belief in God, but whose hearts are open to mercy and communication with others, are, as a matter of fact, closer to the baptism of God than any other, for the crux of the matter is the race towards the good (istibāq al-khayrāt).

آراء المفكّرين الإيرانيّين في ما يخصّ العلم الدينيّ

يعرض البحث آراء المفكّرين الإيرانيّين في ما يخصّ العلم الديني من معارضين كأصحاب النظريّة التجريبيّة الذين يدعون إلى الفصل بين العلم والدين، ومؤيّدين يرون إمكانيّة انسجام وتوافق العلم الجديد مع النظرة الدينيّة، وهو ما سمّي في ما بعد بـ”أسلمة العلوم”، وقضيّته الأساسيّة هي في إمكانيّة الوصول إلى علم يأخذ العقلانيّة الإنسانيّة على محمل الجدّ، ويلتفت أيضًا بشكل عميق وجدّي إلى تعاليم الوحي.

تحدّيات وموانع تحوّل العلوم الإنسانية وتوليد العلوم الإنسانية الإسلامية

ليست إشكاليّة ما سُمِّيَ بـ”أسلمة العلوم الإنسانيّة” مسألةً معرفيّةً-إبستيمولوجيّةً فحسب، بل اتّخذت في بعض الأحيان صفة السؤال عن الهويّة والرغبة في احتلال موقع ندِّيّ إلى جانب الآخرين (إن لم نقل التفوّق عليهم). وإضافةً إلى محاكمة المناهج والنتائج، فإنّ الضيق الذي يشعر به مفكّرون إسلاميّون تجاه علوم ترعرعت في الغالب في الغرب يدفعهم إلى التفكير في إعادة إنتاجها محليًّا أو من ضمن آليّاتٍ اعتادوها وألفوا مُخرجاتها. فالأسلَمة تستبطن شعورًا بالغُربة عن علومٍ تدّعي أنّها إنسانيّة كلّيّة، ولذا فهي تمثّل في جوهرها ادّعاءً مضادًّا بأنّ صفة “الإنسانيّة” تلك ينقصها ما يسدّه الإسلام (أيًّا يكن فهمه) ويكمّله. وثمّة جانب آخر للأسلمة تلك، يبرز في كونها شكلًا من أشكال مقاومة الهيمنة الغربيّة المادّية والفكريّة. وككلّ مشروع نهضويّ مقاوم، تتضافر التحديّات والموانع في وجهه، وإن لاحت بعض الإمكانات، إلى الحدّ الذي يصبح التفكير فيها قبل مواجهتها واجبًا أساسيًّا في حدّ ذاته.

ثلات نكات في ما يخصّ منهجيّة العلم الإسلامي

 

استقرّت التعريفات الكلاسيكيّة على أنّ “موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية”. واستتبع ذلك البحث في ما يميّز علمًا عن آخرَ لجهة الموضوع المبحوث. وكأنّ الموضوع مقولة أنطولوجيّة بموجبها تترسّم الحدود الفاصلة بين العلوم. ولكن مع انقلاب التركيز من البحث الوجوديّ إلى البحث الإبستيميّ المعرفيّ، لم يعد من الممكن الاقتصار على السؤال حول “موضوع العلم”، بل ربّما تراجع هذا الاعتبار إلى خلفيّة المشهد لصالح تقدّم السؤال عن “البحث” نفسه، حتّى صار اختلاف المقترب العلميّ سببًا لاختلاف العلم – أو لإسقاط البحث نفسه من دائرة ما يستحقّ اسم العلم. وفي عصر يزدحم بسؤال الهويات، من الأفراد إلى الأوطان إلى الأدبيّات وغيرها، يصبح مشروعًا السؤال أيضًا عن “هويّة العلم” وما يلحقها من نتائج، وخصوصًا إذا اتّخذ ذلك العلم صفةً إنسانيّةً جامعة.

التحيّز المِتافيزيقي في اللغة

اللغة حالة وجودية خالصة، وليس للعدم دخالة في تحديد ما تتقوّم به، بخلاف الماهيّة التي تغاير الوجود وليست من سنخيّته. وإذا أخذنا بعين الاعتبار تعريف المِتافيزيقا لدى الفلاسفة، بدءًا من أرسطو حتى هايدغر، بأنها “تبحث في الموجود بما هو موجود”، نجد بأنّ اللغة تتكفّل في مراعاة قيد “بما هو موجود” بوصفها وجودية، ويمكن معها الحكاية عن الوجود من جهة موجوديّته، لا من جهة معدوميّته، كما هو الحال مع الماهية. على هذا، فإنّ فلسفة اللغة والتأويل تقف كطرح جدّي إزاء الفلسفات التقليدية التي استغرقت في جدليات الماهية والوجود، في تأخّر عن كلّ مستجدّات المبحث الفلسفي الراهن.

إشكالية المتافيزيقا في الفكر الأوروبي

باتت المِتافيزيقا، منذ عصر الأنوار، خارج الدائرة الفلسفية، إذ عُدّت قضاياها غير ذات معنًى، وكانت في تناقض مع روح الحداثة الصاعدة. وقد قاربت الحداثة هذه المسألة من خلال الانحسار الدينيّ التدريجي، على المستويين الفرديّ والاجتماعيّ. أما في مداولات اليوم في الدينيّ، فثمّة تيّاران أساسيّان لدى ورثة التنوير، يعبّر عن أوّلهما هابرماس الذي يرى أنّ مضمون الدين يستمرّ ضمن رؤية أخلاقية معلمنة تحفظ الاندماج الاجتماعي، وعن ثانيهما غوشيه الذي، وإن قال بخروج الدين من البنية الاجتماعية، فإنّه يراه مسترجعاً حضوره في الاختبار الفردي فحسب.

عودة المِتافيزيقا

بين فترة وأخرى تطرح مسألة المِتافيزيقا بشكلٍ متجدّد. وكأنها الفلسفة التي تأبى رحيلًا، أو هجرة باللغة التي يفضّلها العاملون في هذا المركز التي يستضيفنا هذه الأمسية. ولا غرابة لذلك بالنسبة إلى العاملين في الفلسفة بتمايز إيجابيّ أو سلبيّ. فلو صحّت فلسفة بعينها وانتصرت لما كنا هنا الآن نتباحث في ما استجدّ، أو في التفسير الأفضل، أو الأنسب لنقول ما نقول أو ما يتبادر إلى ذهننا قوله. والانفتاح هذا لا يعني أيضًا، تشريع أبواب كانت موصدة، أو فتح أبواب لم تكن موجودة. يتحدّد البحث باستمرار بمقولة ما زالت صحيحة من أيام أرسطو. بفكرة هي بالقوة موجودة إلى تحقّق لها بالفعل. من انتقال من أبيض إلى أبيض إلى صورة الأبيض المطلقة، كما قال مقدّم هذا العدد، ولا أدري لماذا تجاوز القول من أبيض إلى أبيض فإلى أبيض. وهذا موضوع آخر.

والحديث يتوالى عن تجدد المِتافيزيقا فإلى موتها وبعثها، وسيظل الأمر كذلك ما زلنا نبحث، وما زال الإخوة والأصدقاء والزملاء ممن معنا، أو ممن سنأتي في الحديث عنهم يوالون القول في الفلسفة قبولًا وتمثّلًا أو تجديدًا وابتكارًا. فلا موت المِتافيزيقا أدّى إلى إضفاء الرحمة عليها، وإقامة مشاعر حزن أو حداد. ولا إعلان موت الإنسان أوقف ذريّة بني البشر، فما زالوا يعملون في سرّهم وعلنهم فيتكاثرون عددًا ويُكثرون من الأفكار، ويجرّوننا إلى التباحث معهم في ما نقبل وما لا نقبل. وكذلك إعلان موت الله لم يوقف الإيمان به، بل عزّزه وكرّسه وتعلمون اليوم مدى التمسّك بذلك صبحة وعشيّة، والعودة إليه تعالى بجوهره وبما أوحى به، وما أوصل ذلك كلّه إلى أصول، وما أولد من أصوليّات.

إنّ الدخول من زاويتي في نقاش لأبواب المجلّة وأبحاثها لن يقدّم أو يؤخر كثيرًا. بعضها عاد إلى الوراء، وبعضها طرح إشكاليّات قدّمت باقتضاب كفصل من كتاب علمنا أوله ولم نعلم آخره، وبعضها تعمّد المقارنة بين مناهج من عندنا، وبعضها عند الآخر، الأمر الذي يجعل مسألة التقريب واحدة من إمكانيّات مطروحة، لا يضاهيها أهمّية إلّا مسألة المصطلح الذي وكما نلاحظ من بعض مقالات هذا العدد من المجلّة أنّنا أمام تجديد آمل أن ننتفع به ببركة شيخنا الشيخ شفيق جرادي، كما نلاحظ في الترجمات إحكامًا في السبك نادرًا ما نجده في الترجمات المتداولة.

ديوجين باحثاً عن مصباحه في ظهيرة الحداثة:لقاء مع سقراط في عتبة الألفيّة الثالثة

في المسارات الفلسفية المودية إلى الحداثة، تكفُّ الفلسفةُ عن الانهمام بإنشاء المذهبيّات الدُغمائية وتقنع بإثارة السؤال ومعارضة الجواب؛ إنه انتقالٌ من التعالي إلى المحايثة، من العقلنة إلى المفهمة. وإذ تتأكّد الحاجة إلى الفلسفة لتصيغ من معارف العلم رؤى في الإنسان والعالم والعصر، ومع تحوّل الذاتية الفلسفية إلى ذاتوية تنادي بصراع حضارات على أساس هويّات مدعومة بثقافويّات، نجدُنا أمام بروز متجدّد للمِتافيزيقا، يدعو حكيم العصر إلى إصلاح الحداثة بتحكيم معايير الصحة المعرفية والمشروعية النقديّة.

منهج الحكمة المتعالية بين التراث وروح العصر

تحميل الملف: ورقة بحثية- منهج الحكمة المتعالية بين التراث وروح العصر

يأخذ المنهج، في إطار العمل الفلسفي، موقعيّة مهمّة واستثنائيّة، نظرًا لتوقّلإ مكوّنات الفكر الفلسفي ونتائج ومعطيات أيّة منظومة فلسفيّة على المنهج ذاته، من جهة محدّداته ومشاربه ومعياريته، وآليّات إعماله ومدى ملاءمته للحقل المعرفي المرتبط به.