افتتاحية العدد7

تحميل: الافتتاحية العدد 7

لم تعد الأخلاق مجرد توصيات ومواعظ وآداب وأحكام ، بل هي نظام معرفي يمتد إلى العلم والفلسفة ونظام القيم، فقد اقتحم البحث الأخلاقي معظم الميادين وبات مشروعاً يُسائِل ويخضعُ للسؤال من قبل المفكر والفيلسوف، حتى بلغ الجدل فيه أوجه من الاحتدام؛ بحيث تنوعت وجهات النظر في القضايا الأخلاقية إلى حد التباين والافتراق، وانتظمت هذه التوجهات المتعدّدة في مذاهب ومدارس وكيانات أخلاقية كبرى.

افتتاحية العدد 6

تحميل الملف: الافتتاحية العدد 6

في زمن الاعتقاد بنسبية الحقائق، وانفلات النص من كل قيود، تصبح “الهرمنوطيقا” من العلوم الضرورية، التي لا بد من دراستها ورصد حركتها. وهذا العلم الذي يعتبر قديما قدم النص نفسه، أخذ وجهة أكثر راديكالية منذ القرن السابع عشر، عندما قام الباحث المعروف “شلايرماخر” في تطبيقه على النص المقدّس بوصفه “فن الفهم والاستيعاب”، وتطوّر الأمر من بعده إلى أن أصبحت “الهرمنوطيقا” أداة لمكافحة الاسطرة في الكتب الدينية.

ولكن هذا العلم الوافد إلينا من الغرب، والذي يحاول أن يأخذ حيّزًا في عقلنا وثقافتنا، هل يصلح ليكون من جملة العلوم التفسيرية عند المسلمين؟ السؤال وان كان يبدو صعبا، إلا أنه لا بد من طرحه بعد بروز هذا الاتجاه في أكثر من مكان في العالم الإسلامي؛ حيث أصبحنا اليوم نرى أسماء لامعة تتعاطى مع هذا القطاع المعرفي الوافد، وتحاول أن تفرض سطوته على العقل الإسلامي، علمًا أن مثل هذا السؤال لا بد أن يقترن مع أسئلة أخرى تطال الحقل المعرفي الذي سيعمل عليه هذا العلم، فالباحث عن المعرفة لا بد له من طرح أسئلة أوليّة ينبغي الإجابة عليها، ومن هذه الأسئلة على سبيل المثال:

هل يشبه القرآن الكريم الكتب السماوية الأخرى من ناحية الوجه التاريخي؟ وبالتالي، دراسته وفق مناهج وفلسفات النقد التاريخي؟

وهذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر: إذا كانت الكتب السماوية الأخرى، ونتيجة تموضعها في التاريخ، قد أدى ذلك إلى وجود بعض الدخائل على النص، وبالتالي لا بد من القيام بدراسات لمعرفة الذاتي والعرضي فيها، فهل هذا الأمر ينطبق على النص القرآني؟

كما أن بنية النصوص الدينية، والحقول التي تغطيها، تفرض علينا أن نتساءل عما إذا كانت النصوص الدينية تتناول نفس المساحات المعرفية؟

وهل النص الديني المقدس قابل لأسئلة لا متناهية من جانب المفسر والمؤول؟ وإذا كان الأمر ليس كذلك فما هو الحد الذي يقف عنده التأويل؟ وإذا كان النص الديني قابلا للتأويل فمن هو المخوّل للقيام بهذا الأمر؟ فهل تترك للتجربة الدينية الشخصية، وبالتالي نصل إلى التأويلات لا متناهية للنص الديني؟، أم يحال الموضوع إلى الراسخين في العلم، المدركين للمحكم والمتشابه، وأسباب النزول…

أسئلة كثيرة تطرح، سنحاول في هذا العدد أن نبدأ بتناول ما يمكن تناوله من الإجابات عليها، مفسحين المجال لهذه الفكرة أن تناقش بشكل علمي رصين؛ ولذلك نقدم للقراء عددا من الدراسات حولها، وهي:

  • “ماهية الهرمنوطيقا” للشيخ “أحمد واعظي”، ويعد هذا البحث مدخلًا منهجيًا لفهم الهرمنوطيقا. حيث قام الباحث بملاحقة هذا العلم منذ لحظة انبثاقه في الفكر الإنساني، وصولًا إلى يومنا هذا؛ لذلك بدأ بحثه بالحديث عن البعد اللغوي “للهرمنوطيقا”، متناولا جذر هذا المصطلح في الحضارات القديمة لا سيما اليونانية، ثم انتقل إلى تعريف هذا العلم، وكيفية تطوره منذ القرن السادس عشر حتى “فريدريك أرنست شلاير ماخر”، الذي كان ينظر إلى “الهرمنوطيقا” كفن يشتمل على جملة قواعد تفسيرية محددة، ثم انتقل للحديث عن هذا العلم عند “هيدغر” و “غادامر”، ليختم البحث بعد ذلك بالحديث عن أثر “الهرمنوطيقا” في العالم الإسلامي.
  • الموضوع الثاني: الذاتي والعرضي في النص” للدكتور “علي رضا قائمي نبا”، الموضوع الرئيسي لهذا البحث هو قضية تعدد القراءات واختلافها، ارتكازًا على التفكيك بين الذاتي والعرضي في النص. ويشتمل البحث على ثلاث خطوات تأسيسية: في الخطوة الأولى: يقسم الباحث اختلاف القراءات إلى كلي وجزئي، وفي الخطوة الثانية: يناقش جانبًا من طروحات “الهرمنوطيقا” الفلسفية عند “غادامر”، أما الخطوة الأخيرة: فيخصّها الباحث لآراء المفكرين الإيرانيين.
  • أما الموضوع الثالث، فهو “الهرمونطيقا والنص الديني” للمفكر الإيراني “محمد مجتهد شبستري” فقد تطرق فيه إلى مراده من مفردتي النصوص الدينية و “الهرمنوطيقا”، وأشار إلى أهمية موضوع البحث. ثم تعرض لملابسات ولادة المنهاج التفسيرية في العالم المسيحي، مركزًا من بينها على نظرية التمثيل والرمزية، بعد ذلك سلّط الأضواء على منهج النقد التاريخي والفلسفي وتوظيفه في تفسير النصوص الدينية، أو المسوغات النظرية التي تستند إليها هذه المناهج، ملمحًا إلى ما ينجم عن استخدامه من آثار.

وفي القسم التالي من الدراسة عرض المؤلف باختصار لخمس قضايا أساسية في تفسير النصوص الدينية. وفي الختام أشار إلى نظريات تتصل بتوقعاتنا من النصوص الدينية، وما تكتنفه هذه النظريات من قضايا وإشكاليات.

  • والبحث الأخير في الملف هو “ابستمولوجيا النص” للدكتور “علي رضا قائمي نيا”، ويتطرق الباحث فيه إلى إمكانية قيام معرفة بالنصوص الدينية، وإذا كانت ممكنة، فما هي ماهيتها؟

هذا وقد تناول عدد المحجة فلسفة السهروردي، من خلال بعض الأبحاث التي ألقيت في ندوة السهروردي في دمشق. على أن تخصص المجلة في كل عدد من أعدادها قسمًا خاصًا للدراسات والأبحاث، لا سيما المتعلق منها بالفلسفة الإسلامية ابتداء من هذا العدد.

 

العدد 6

تحميل العدد: العدد 6

فهرس المحتويات:
الافتتاحية 
ملف العدد: الهرمنوطقيا
ماهية الهرمنوطيقا    أحمد واعظي
الذاتي والعرضي في النص     علي رضا قائمي نيا
الهرمنوطيقا والنص الديني     محمّد مجتهد شبستري
أبستيمولوجيا النص    علي رضا قائمي نيا
دراسات وأبحاث:
حكمة الإشراق وجدلية الأنساق     الشيخ شفيق جرادي
بين السهروردي وملا صدرا    طراد حمادة
نقد السهروردي لمنطق المشائين     خنجر حمية
المصطلح في فلسفة السهروردي الإشراقية    أحمد ماجد
دراسة في مسألة الشر والآراء المختلفة فيها     علي الحاج حسن
إصدارات:
إصدارات

العدد 5

تحميل العدد: العدد 5

فهرس المحتويات:
الافتتاحية: الإيمان بين الجبر وخيار الاعتقاد 
ملف العدد: الإيمان وإرادة الاعتقاد
الإيمان بين الشك واليقين    الشيخ شفيق جرادي
قاعدة الإسلام والإيمان والإيقان     السيد حيدر آملي
العلم والإيمان     جوادي آملي
الإيمان وجهة نظر فلسفية     بولس الخوري
النزعة الإيمانية في الفلسفة الغربية المعاصرة     البروفسور محمّد لغنهاوزن
الإيمان في المجال الكلامي الإسلامي     أحمد ماجد
حوارات:
التجربة الإيمانية.. تجاذبات الخطاب والتلقي     حيدر نجف
ندوة:
توقعات البشر من الدين    تعريب حيدر نجف
اصدارات
إصدارات   محمد مرعي

الافتتاحية: تنوع نهضوي… وتحديات

الافتتاحية- عدد 4

اليوم، لم يعد الحديث عن البعد الانطولوجي البحث الذي يشكًل موضوعا للفلسفة مستساغا اليوم كما كان بالأمس، ويبدو أن مثل هذا الكلام على اطلاقه وقد فقد من قيمته العلمية، فإذا أمكن لنا أن نتشبّث بموضوعية الوجود للفلسفة الإسلامية لنكرّس بذلك واقعا لا يمكن انكاره لغير السوفسطائي، إلا أننا نكون قد خلطنا الأوراق، أو اختلطت علينا، حين نوصّف الفلسفة بالصبغة الإسلامية تمييزا لها عن الفلسفة المطلقة. فلم يكن مقصود الفلاسفة الإسلاميين من تعبير “الفلسفة الإسلامية” هو إفرادها كحقل اختصاص في نطاق الفلسفة المطلقة، لكي ينعى عليها اليوم بعدم جدوى موضعة الوجود كأساس ترتكز إليه الفلسفة على اطلاقها. وبذلك تكون العملية أشبه بمن يسحب البساط من تحت الأقدام.

وإنما كان الهدف من التوصّيف هو شيء آخر، من قبيل الإشارة إلى المنبت والمنشأ مثلًا، من دون أن يفقدها ذلك من عموميتها. إلى أن الحكم على الفلسفة، – أيًا تكن -، لم يعد حكرًا على أهلها، بل هو حق مشاع طالما أن إطلاق الأحكام بات يندرج في نطاق الممارسة الفلسفية نفسها، ومن هنا ينظر اليوم إلى الفلسفة “الاسلامية” على أنها أشبه ما تكون بالفلسفة المضافة التي تمارس نشاطها ضمن حقل معرفي خاص هو الوجود.

وقد واجهت الفلسفة الإسلامية تحدّيات من نوع مختلف، استهدفت هويتها في الصميم، وردّت بجملتها إلى إصول غريبة عنها؛ فليس للعقل العربي أن ينظر إلى الصميم، وردّت بجملتها إلى أصول غريبة عنها؛ فليس للعقل العربي أن ينظر إلى الأشياء نظرة شاملة، وما قام به ما هو سوى استنساخ مطابق للأصل الفلسفي اليوناني.

وفي أفضل الحالات، فإن الاعتراف بوجود فلسفة إسلامية لم يعد يجدي نفعا، سيما بعدما أصيب العقل بسهام النقد الحديث، فانهارت بذلك أسس البنيان الذي قامت عليه هذه الفلسفة، وفقد المنطق الأرسطوي مبرراته العقلانية…..

 

العدد 4

تحميل العدد: العدد 4

فهرس المحتويات:
الافتتاحية: تنوع نهضوي… وتحديات 
الملف: إتجاهات الفلسفة الإسلامية المعاصرة
الفلسفة العربية في مائة عام    أبو يعرب المرزوقي
خلفيات الاتجاهات الفلسفية المعاصرة في إيران     أحد قراملكي
أطوار الفكرة بين فجر النهضة وعصر المعلومة     علي حرب
الفلسفة العربية – الإسلامية    خنجر حمية
الفلسفة الإسلامية المعاصرة في العالم العربي    إبراهيم أبو ربيع
حوارات
الكلام الجديد.. تأسيس لفلسفة المستقبل    حسن حنفي
أصالة الكلام وتهافت الفلسفة    إبراهيم الأنصاري
إصدارات
إصدارات    محمد مرعي

العدد 3

تحميل العدد: العدد 3

فهرس المحتويات:
الافتتاحية 
ملف العدد: التعددية الدينية
الدين وتعدّد القراءات    أحمد واعظي
التعددية المعرفية    محمد لغنهاوزن
التعددية الدينية قراءة مسيحيانية     جون هيغ
الانحصارية الدينية     دوغلس غيفت وغاربي فيليبس
نقد التعددية (التديّن والصراط المستقيم)     علي رضا قائمي نيا
منطق فهم الدين     حجة الإسلام علي أكبر رشاد
منتدى المحجة
التصوف والفلسفة    أنور أبي خزام
ما هو موقف ستيس من التصوف     نواف الموسوي
بحوث ومقالات:
حدود الفلسفة ولوامع العرفان     مرتضى مطهري
الدليل الوجودي ونظرية الاستخلاف     أبو يعرب المرزوقي
إصدارات  

العدد 2

تحميل العدد: العدد 2

فهرس المحتويات:
الافتتاحية 
ملف العدد: الدين والثقافة من منظور فلسفي
إشكاليات العلاقة بين الدين والثقافة (مقدمة نظرية)     السيد محمد حسن الأمين
الإسلام آخر الديانات وأوله    الدكتور سيد حسن نصر
مدخل إلى فهم الظاهرة الدينية     الدكتور بولس الخوري
بحوث ومقالات:
معنى ومبنى التجدد في علم الكلام    الدكتور أحد قراملكي
القرآن هو العقل الوسيط    الدكتور خليل أحمد خليل
حوارات
حوار تأسيسي في منطق فهم الدين    حجة الإسلام علي أكبر رشاد
العَمَلانيّة – والثقافة الإسلاميّة “عَمَلانيّة الثقافة الإسلاميّة”    السيد عباس نبوي
مقومات عملانية الثقافة في القرآن الكريم     الشيخ آية الله محمد هادي معرفت
قراءات
أطروحات لاريجاني في “التدين والحداثة”    محمود حيدر
اصدارات
اصدارات   محمد مرعي

من عرف العرفان، فقد عرف…

تحميل الافتتاحيّة : من عرف العرفان فقد عرف

إذا كان العرفانُ تأملًا في الملكوت، وما فوقه، من عوالم الجبروت واللاهوت، وإذا كانت استغاثة أهلِه: “ربي أخرجني من هذه القرية – الدنيا – الظالم أهلها”.. الأمر الذي يعني النزوع نحو الانفصام عن الدنيا..

فهل نحن في هذا العدد من “المحجّة”، ندعو إلى مثل هذا الموقف السلبي من الحياة الدنيا، بكل ما تمثّله من واقعٍ معاش، ونسَقٍ معرفي، وعلاقات إنسانية، للاستغراق هناك‏؛ حيث لا تجربة، ولا مرارة، ولا ألم، ولا اكتراث، ولا نزاع، ولا مسؤولية؟

بل إذا كانت “المحجّة”، فصلية تُعنى بالفكر الديني والفلسفة الإسلامية، وبعض أهل التصوّف والعرفان يعتبرونه حالة من التلبّس أو التجلّي الوجودي، حيث “ظُنَّ خيرًا ولا تسألْ عن الخبرِ”.

وحيث يقول أحدُهُم: ليس هناك تفسير بما بيني وبين الله.

لا برهان ولا علامات إقناع..

فخذ ما تجلّى من انكشاف الله.

مشرقًا في ذاتي كاللؤلؤ الساطع(1)

فكيف يصح إذا الكلام عن العرفان في فصلية، طابعها معرفي؟

****

 بدايةً لا بُدَّ أن نشير، إلى العلاقة الحميمة بين التصوف – كحالة -، وبين العرفان كمقام من مقامات الإدراك‏؛ المُؤسِّس لمستوى من المستويات الإنسانية العالية،.. ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ(2).

ولقد اعتبر صاحب “منازل السائرين” المعرفة من قسم النهايات.. وعرَّف هذا النوع من المعرفة بأنها: “إحاطةٌ بعين الشي‏ء كما هو”. ويشرحُ عبدُ الرزاق الكاشاني معنى هذا القول: “أي إدراك لحقيقة الشي‏ء بذاته، وصفاته على ما هو عليه بعينه، لا بصورة زائدة مثله. هذا إدراك العرفان، واحترز عن إدراك العلم بقوله: “بعين الشي‏ء”. فإن العلم إدراك الشي‏ء بصورة زائدة مثله في ذات المدرِك، كما رسمه الحكماء بأنه حصول صورة الشي‏ء في النفس. فالمعرفة اتحاد العارف بالمعروف، بكونهما شيئًا واحدًا، أو كون ذات المعروف في العارف، فلا تعرف الشي‏ء إلا بما فيك منه أو بما فيه منك، فالمعرفة ذوق…”(3).

إلا أن المزج والخل‏ط  بين تعبير مصطلح العرفان في تداعيات دلالاته لدى أذهان الناس، وبين التصوّف كظاهرة مَرَضِيَّة، انعكست ضمن جماعات الدراويش  أوقع في شبهة كون العرفان إهمالًا لأشياء الحياة وقيم العقل والعلم،.

فلم يُمَيِّز الكثيرون بين رفض العرفان للعقل “كقيمةٍ مطلقة”، وبين احترامه كنعمةٍ إلهية توصل إلى طور هو فوق طور العقل، بمعناه الاستدلالي، وطرقه النظرية،.. للوحدة والتوحّد، بين العقل والعاقل والمعقول‏؛ وهذا هو الشهود والانكشاف والعرفان. ليس العرفان موقفًا سلبيًا من المعرفة؛ بل هو تحايث مع المعرفة العلمية – الآفاق أو الآفاقية -، والمعرفة العقلية – الأنفسية. إذ الكل آية، تشير إلى الواحد، وهنا يأتي السَفَرُ الثاني بعد المحايثة. إنه سَفَرُ التجاوزِ نحوَ الواحدِ المطلق، لأجل التوحّد بالكل،…

العرفان إذا، شرطٌ لازمٌ للاستكمال المعرفي…

وهذا ما دعا الكثيرَ من العرفاء لاعتبار أن كل توغّل في المضامين، والأسرار العبادية، أو الوجودية؛ لا بدَّ له من خطوة أولى يقيم فيها الدليلَ البرهاني على المعنى – اذ كل معنىً، في العرفان الإسلامي، يستلزمُ استحالة عقلية ما، هو أمرٌ باطل  ويبقى في هذا “الارتياض العقلي”.

ليلقن القلب – وهو هنا حقيقة الوجود الإنساني، وينقش فيه حقيقة المعنى مستعدًا بذلك لمرحلة “التجاوز” عبر التلقي من الفيض الذي لا حدَّ لفيضه، ومن منبع الحقيقة التي لا تنضب… ولنفس السبب اعتبر أهلُ المعرفة أنّ الحقيقةَ هي طورٌ أخيرٌ للشريعةِ والطريقة  حسب تعبيراتهم  …

وهناك حيث اللاحدودُ يتعطل كل ضيق ناشي‏ء من قيود العقل بسلوبه، أو الحس بتجاربه الآنية، أو الدنيا بتمايزاتِها الطوائفيةِ والاعتقاديةِ الضيقة، أو أفكار أهلها المأسورين للأهواءِ والمصالحِ النابعةِ من عقدِ الذات.

هناك حيث (لا) ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾(4)، و (لا) ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾(5). وإذا كانت الحزبيةُ كما اللعن أمرين سلبيين و(اللا) هي سلب السلب..

إذ هناك “لا إله إلا الله”.. هو الغاية والمعيار والطريق، هو الصراط المستقيم..

وإذا انعكس العرفان بمنطقه التوحيدي في كل منطقٍ، وفكرٍ، ومعرفة فلن يكون أمامنا سوى الخروج من كلّ اختزالياتِ، تلغي الكلَّ تحت عناوين “الإنسانوية” حينًا، و”الموضوعية” حينًا آخر. وهي اختزالاتٌ ابتدأت بما قبل وبعد الدنيا ووصلت في مراحلها السلبية المتقدّمة إلى نفي كل شي‏ء…

إن انعكاسَ العرفان في كل منحىً معرفي ديني أو غير ديني.. قادرٌ على تأمين “بؤرة المعنى”، الخاصة بالوجود؛ بل بكل موجود…

ولا نعني بذلك العرفان ضمن إطاره المقدَّم على مستويات من الخصوصية المذهبية، أو الدينية، بل بروحه وعمق المضمون… هذه هي الفرضية التي انطلقنا، وننطلق منها في مبرّر طرحنا لملف “العرفان”.

ونحن هنا لا ننسى الإشارة إلى قيام “عرفان تحررّي” معاصرٍ، كان رائده الإمام الخميني (قدس): إذ بمنطق العرفان انطلق في قراءته السياسية والاجتماعية…

ليرى أن البشر هم أهل حق، وأن المستضعفين هم شريحةٌ من كل دين ومذهب وقومية وانتماء.. وأن العدلَ هو غاية، ونعمة على الجميع أن يقصدَها لتعمّ الجميع. وأنّ ذلك كلّه مرهونٌ بالعرفان الذي يرى “الدنيا” ظاهرًا باطن حقيقته “الآخره”، والكل حياة..

وأن الناسوت هو خطوةٌ أولى نحو الملكوت، وأن الشهادةَ نافذةُ الغيب..

وأن الله هو قيُّوم الحياة، والإنسان، ومصدر عزه، وقوته الأوحد.. وأن العزم والإرادة والبناء والجهاد والشهادة كلها تتحول إلى عناوين حياة، إذا سرى فيها فيضُ الحي الذي لا يموت..

فلا نكد بين المعرفة والعرفان.. ولا ضنك بين كمال تجربة الروح واجتماعيات الشؤون الإنسانية والبشرية..

إنها فطرةُ الله، وبالمعرفة العرفانية تعود النفس كما الكِيان إلى منجع الفطرة، والأصالة إلى المحجّة والصراط…

(1)  منقول عن الحلاج.

(2)  الزمر/9.

(3)  منازل السائرين شرح الكاشاني، انتشارات بيدار، قم، ص565.

(4)  المؤمنون/53.

(5)  الاعراف/38.