الحكمة الخالدة: ثورة على الحداثة، أم وجه آخر لها؟

تتنوع الأسماء: “الحكمة الخالدة”، و”العلم القدسيّ”، و”الروحانية المعاصرة”، ولكنّ المحتوى واحد، يدلّ على تيار فلسفيّ، نشأ في القارة الأوروبية، مع بداية تبلور الحداثة الغربيّة التي بدأت مع مارتينيز دي باسكوالي (1727-1774)، وخطت لنفسها مسارًا خاصًّا، وصولًا إلى رينية غينون (1866-1951)، وفريتجوف شوون (1907-1998)، وهنري كوربان (1903 -1978)، وسيد حسين نصر (1933)، وويليم تشتيك (1943)… هذا التيار الفلسفيّ، على الرغم من حمله راية الاعتراض على ما يجري في القارة الأوروبية من تطور فلسفيّ وعلميّ وثقافيّ، إلا أنّه بقي كوكبًا يدور حول نجم الحداثة، يكتسب قوّته ونوره منها، ويتحرّك ضمن نظامها الذي يحدّد جميع المسارات، ويلفظُ، أو يبتلع الخارج عنها.

ترافقت الحكمة الخالدة مع ظهور المدارس الفلسفية الكبرى في المنظومة الغربية، وعملت على رفضها في نموذجَيها العقليّ والتجريبيّ، وعارضت بعد ذلك كلّ فلسفة سعت إلى إبقاء الوجود مرتبطًا بما هو أنطولوجيّ، ورأت أنّ هذه النظرة بحاجة إلى إعادة تقييم جديد، عبر تفعيل الميتافيزيقا الحقيقية، بما هي إحالة إلى المبدأ والأصل. وهي في سبيل ذلك، لم تتوانَ عن مهاجمة كلّ حراك فلسفيّ، لا يسعى إلى ربط الإنسان بحقيقته الروحية. وفي سبيل هذا الهدف، عملت على إظهار الميتافيزيقا الزائفة، بدءًا من “أرسطو”، ووصولًا إلى “ديكارت” و”ليبنتز” و”كانط”، والتي أدّت إلى نشوء التصورات الخاطئة عن العالم، حيث أسلمت الإنسان إلى وعي أنطولوجيّ إزاء الوجود، ما أدّى إلى نشوء وعي زائف، يمركز هذا الكائن في عدمية مطلقة، فَقَد من خلالها المعنى، وأصبح تائهًا، تتلاعب به أهواء الذات، فضلًا عن رغبتها في السيطرة على النفس أو الجماعة التي تعمل؛ للقبض على مقدّرات الشعوب واستغلالها.

تقدّم الحكمة الخالدة نفسها كمشروع حضاريّ، يعيد موضعة الإنسان في مكانته الوجودية السامية، من خلال إعادة بعث ذلك الجانب العظيم الذي أُلغي باسم عناوين مختلفة. إنّها تسعى إلى تفعيل الجانب الروحيّ في الإنسان جاعلةً من “الحكمة الشرقية” السراج المنير الذي سوف يقود الإنسان إلى المقام الوجودي الذي يليق به، عبر ما يُسمّى “بالتحقّق الروحي”، أو “الميتافيزيقا الحقّة”، والذي تشترك فيه كل المذاهب التراثية في الشرق. هذا التحقق هو الذي تسمّيه التراثيات الشرقية – لا سيما الصوفية – مقام “الفطرة الأصليّة الأولى”، لذلك عملت على صياغة علم جديد، ووضعت له مباني، أسمتها “مباني العلم القدسيّ”. هذا العلم لا يمكن الوصول إليه عبر التفكّر الذهنيّ الذي أُسمي عقلًا، وإنّما عبر “عقلٍ مجاوز”، يكتسب معارفه عبر الإلهام، ورأت هذه التراثيّات أنّ ما تعيشه الحضارة الغربية من تيهٍ، يعود إلى هذا التعريف الخاطئ الذي لم يستطع التمييز بين العقل في مقام الخبرة، وهو ما يُسمّى التفكير، والعقل في مقام الحقيقة الحقّة، والذي يستحقّ اسم “العقل”. ورأت أنّ عقل الخبرة الذي انتصر مع الحداثة الغربية دمّر معاني العلم، وأسس للتشظّي المدمّر، حيث أصبحت العلوم قائمة بذاتها، لا ترتبط في ما بينها بفكرة كليّة، تعمل على إيصال الإنسان إلى كمالاته التي وُجِد لأجلها، فأصبحت قيم المنفعة والاستهلاك تتحكّم بها.

كما رأت الحكمة الخالدة أنّ الحياد عن المبدأ الروحي الفطريّ، كان السبب الرئيس الذي تولّدت عنه أوجاع الحضارة الحديثة، وتنامت معه المآسي الإنسانية، وعنه نشأت الفوضى في العقائد والمفاهيم والأفكار والسلوكيات، وهو الذي أدخل البشرية في أحلك مراحلها الظلمانية، هذا الظلام الذي سوف يعمّم، إذا لم تتدارك الحداثة الخطأ الذي وقعت به، وتعمل على تقويمه عبر ربطه بحقيقة وجوده وهدفيّته. لقد وجدت أنّ على العلم الحديث التموضع في المرتبة المناسبة له، والتي يحدّدها العقل المجاوز، عبر إخضاعه بما يمتلك من قيمومة عليه، نتيجة إدراكه للحقائق بذاتها.

وقد استدركت الحكمة الخالدة – أيضًا – مسألة الصراع بين الديانات والمذاهب، والتي أدّت إلى نزعة العلمنة، وتقدّمت خطوة إلى الإمام، حين أكّدت على إخضاع كلّ الأديان والعلوم والمعارف للعقل المجاوز الذي يمثل الميتافيزيقا على حقيقتها، بالتالي ذهبت إلى الحديث عن جوهر الدين وعوارضه، وعدّت الأديان الحقيقيّة، من: إسلام ويهودية ومسيحية وهندوسية وبوذية، تمتلك جوهرًا واحدًا، وما نراه من طقوس وعبادات هي أعراض تطرأ على الدين؛ لتعبّر بشكل رمزيّ عن هذه الحقيقة الدينيّة الجوهرية الواحدة، والمشكَّلة دائمًا، فتتمثل في الإعلاء من هذه الأعراض، أو فكّ رموزها بشكل خاطئ.

تجنبًا للإطالة، وحتى لا نقع في أحكام قيميّة قبل البدء بالموضوع، يطرح هذا العدد من مجلة المحجة موضوع الروحانية المعاصرة، أو الحكمة الخالدة، ويضعه تحت المجهر، وقد انطلق العمل على هذا المحور من مجموعة أسئلة، أهمّها:

ما هي الحكمة الخالدة؟ وكيف قدّمت نفسها؟ كيف نظرت إلى الأديان؟ لماذا طرحت موضوع التقليد؟ وما هو هذا الأمر؟ وما هي علاقته بالأديان؟ وهل ما طرحته يبرر التعدّدية الدينية؟ وهل التعدّدية الدينية تنحصر فيما آلت إليه؟ وهل يجوز لها أن تأخذ جانبًا من الديانات، وهو البعد الوحياني، وتُهمل الأبعاد الأخرى، كالتشريع مثلًا؟ وهل يصحّ اعتماد نظرة توفيقيّة تختزل الأديان في نزعة كلّيّة، في سبيل إقامة علم حديث، يستند إلى مبدأ إلهي؟ وهي عندما تستعير من الأديان ما يحقّق حالة معنوية، ثمّ تقوم بتهميشها، هل تسعى إلى دين بديل من أجل معالجة تكوين البعد الروحي، وإعادته لدى الإنسان؟

وما هي علاقة الحكمة الخالدة بالتصوّف؟

ما هي علاقة الحكمة الخالدة بالديانات الشرقيّة القديمة، لا سيما الهندوسيّة؟ وهل نقلت الدين من حالة مجتمعيّة إلى تجربة روحيّة، عندما جعلتها قاعدة لها؟

هل تُبَرَّر الحالة الاعتراضية للحكمة الخالدة بمواجهة النظرة الغربية التشيئيّة؟ وهل جعلت الغرب مركزًا من جديد، حين وضعت نفسها قاعدة للحكم؟ وهي عندما وضعت معيارًا انتقائيًّا من الدين، وعملت على إنشاء تيار فكر كوني للفضائل الكونية، ألم تأخذ من الدين ما يخدم الإنسان، وليس قصديّة الخالق من الخلق؟ وفي هذا الموضع، ألم تتوافق الروحانيّة مع الحداثة بجعل الإنسان المحور، خاصة أنّ ما قُدِم في هذا التيار، هُمّش فيه الإلهي لصالح الإنسانيّ؟

وثمّة أسئلة عديدة تستحقّ الإجابة في هذه المرحلة، حيث أخذ هذا التيار في التقدم، واحتلّ موقعًا بين المثقّفين، وعبّر عن نفسه في مؤسسات ودول، تعمل على ترويجه.

مع العدد

تنبني أبحاث العدد ضمن ثلاثة أبواب: أوّلها ملف العدد، وثانيها باب الحوارات، وثالثها باب البحوث والدراسات.

يحوي الباب الأوّل تسعة أبحاث.

يمثّل البحث الأول “حكمة مجاوزة لكل الأزمان والأماكن.. مقدمة إلى الفلسفة الخالدة” لصَموئيل بِندِك سوتيلّوس، انطلاقة ملف العدد. يعرض الباحث فيه معاني الفلسفة الخالدة، ومصدر انطلاقة التسمية، وتسلسلها التاريخي، وأعلامها، وكيفية فهم أديان العالم المختلفة من خلالها.

يعرض سيد حسين نصر في بحثه “العلم المقدّس” المعاني المختلفة التي يحملها هذا العلم، ويناقش فيها، ثمّ يتبنّى كونه يرادف الميتافيزيقيا، بما هي العلم المطلق بالحقيقة، حيث يستطيع الإنسان بواسطته التمييز بين الحقيقة والوهم، ومعرفة الأشياء في ذاتها، أو كما هي، وبالتالي معرفتها من خلال معرفة الله.

وتشير الورقة البحثية الثالثة التي تحمل عنوان “ما هو التقليد؟” إلى تعريف نصر للتقليد، وما يمثّل بالنسبة إلى الأديان المختلفة، من قبيل: الهندوسيّة، والبوذيّة، والتاويّة، واليهوديّة، والمسيحيّة، والإسلام؛ ليصل إلى الحديث عن ارتباطه بالحكمة الخالدة التي يبيّن من خلالها أنّ المقدس، بما هو مقدّس، هو مصدر التقليد.

أمّا البحث الرابع “توضيح العلم القدسي في الاتجاه التقليدي للدكتور السيد حسين نصر وتحليله”، فقد شرح عبد الحسين خسروبناه فيه مقصود نصر من العلم الذي يتمثّل العلوم التجريبية الرائجة في الغرب، وبيّن أنّ الحكمة الخالدة هي أهم مبنى من مباني العلم القدسي، والهدفُ المتعالي للتقليدِ هو إظهار وجه معشوق الكل.

كما نقد منصور مهدوي وحميد پارسانيا في بحثهما “تقويم الحكمة الخالدة” منهج الحكمة الخالدة ومبانيها، كما طرحها أصحاب المدرسة التّقليديّة، وعرضاها على أساس ميزان العقل، ثمّ قايساها مع الحكمة عند السّهرورديّ، وأظهرا نقاط التّمايز والاختلاف بينهما.

وأظهر البحث السادس لأحمد ماجد “الغرب والميتافيزيقا المستحيلة: رينية غينون، وإمكان تأسيس ميتافيزيقا مشرقية” فكرة غينون في تأسيس ميتافيزيقا، انطلاقًا من النموذج الشرقي، لأنّه يرى عجزًا عن بناء ميتافيزيقا غربيّة تواجه معوّقات عديدة، أهمّها الانصياع للثقافة الماديّة التي حوّلت الإنسان إلى مجرد أداة في وسط عالم ماديّ.

وحقّق حسين حسيني في بحثه “التقليد والحكمة الخالدة: معناها ونطاقها وخصوصياتها” في ما يرمي إليه التقليد على مستوى الأبعاد الفكريّة للتقليديين من معنى مختلف عن التقاليد والسنن بمعناها المتعارف من حيث الآداب القديمة والرسوم والعادات السالفة، وخصوصية هذا المعنى من جهة تسييله في دنيانا المعاصرة.

أمّا البحث الثامن “تعدّد الأديان ووحدتها من وجهة نظر الشهيد مطهري والتقلديين”، لغلام رضا رضايي، فأظهر التباين في معنى التعدّديّة الدينيّة عند التقليديين الذين يتحدّثون عن التعددية الواقعية، وعند مطهري الذي يقول بالتعددية في سُبل النجاة؛ لأنّ الدين واحدٌ منحصر بالإسلام، وأنّ جميع الاختلافات ترجع إلى الشرائع.

والبحث الأخير في ملف العدد، هو لعلي رضا قائمي نيا، بعنوان: “الوَحدةُ المتعاليةُ للأديان”، وهي تعبيرٌ عن نظرية أتباع المدرسة التّقليديّة في مسألة تعدُّد الأديان، فصَّلها لأوَّل مرّة فريجوف شيون (Frithjof Schuon) في كتابه، حيث قدّم الكاتب توصيفًا للنظريّة، ثمّ بيّن نقاط ضعفها.

وفي باب “حوارات”، أجرت مجّلة المحجّة حوارًا مع الباحث نوّاف الموسوي، منطلقة من تجربته في ترجمة جزء من نتاج هنري كوربان الذي أسّس لروحانيّة ملتزمة مستقاة من تعلّقه بالإمام الثاني عشر عند الشيعة الإماميّة، متحدّثًا عن خفايا الترجمة، والبحث عن المصطلحات، موضحًا أهميّة ما قاربه كوربان، وقدّمه.

أمّا في باب “بحوث ودراسات”، ففيه أربعة أبحاث.

عالج شفيق جرادي في بحثه “الخوف بين التفلسف والتديّن وعوائد الأيّام”، الخوف كظاهرة إنسانيّة من وجهة نظر الفلسفة والدين. عرض معناه، ومسارات تداوله في الحياة الإنسانيّة والدينيّة والمسلكيّة، وما يمثّل الخوف من مصاديق في مسير الإنسان التكاملي.

ولفت مهدي زماني في البحث الثاني بعنوان: “الفيدانتا، الفلسفة الإلهية للديانة الهندوسية”، إلى مراتب الواقعية الخمس في الفيدانتا وقارنها مع الحضرات الخمس في العرفان الإسلامي. وقد فصّل الكاتب في معاني الشعارات الأساسية في مدرسة الفيدانتا، رابطًا إيّاها بآثار رينيه غينون، وفريتيوف شوان.

أمّا البحث الثالث فهو لحسين صفي الدين، عرض فيه “التأسيس الميتافيزيقي للأخلاق عند إيمانويل كانت”، من المبنى المعرفي عنده، وصولًا إلى البنيان الأخلاقي عنده، ومصادرات العقل العملي الثلاث: الحريّة، وخلود النفس، ووجود الله.

وعرض شادي علي في البحث الأخير “محاولات تفكيك الإسلام: عرض وتحليل ونقد .. أركون نموذجًا”، مشروع أركون الفكري، وسماته العامّة، ونظرته إلى القرآن كنصّ وخطاب ووحي، فضلًا عن رؤيته العامّة للإسلام. ثمّ فصّل في نقاط ضعف أركون ومشروعه.

وتتمنّى مجلّة المحجّة أن يكون هذا العدد وغيره مدًّا وعونًا لطلّاب العلم والمعرفة، وخطوة من خطوات هذا الدرب الطويل والممتع والشاقّ.

الوَحدةُ المتعاليةُ للأديان

ترجمة: هاشم الضيقة

الوحدةُ المتعاليةُ للأديان تعبيرٌ عن نطرية أتباع المدرسة التّقليديّة في مسألة تعدُّد الأديان. وقد فصَّلها لأوَّل مرّة [فريجوف] شيون (Frithjof Schuon) في كتابه الوحدة المتعالية للأديان؛ ليُقدِّم – بعد ذلك – تقليديّون آخرون أبحاثًا في هذا المجال. للأديان – وفقًا لهذه النّظرية – بُعدان: أحدهما باطنيٌّ، والآخر ظاهريّ، وهي متّحدة في مستواها الباطنيّ، في حين أنّها مختلفة في مستواها الظاهريّ، وما نلاحظه من حقائق في المستوى الظاهريّ نسبيٌّ، بَيد أنّ حقائق المستوى الباطنيّ مُطلقةٌ.

تواجه نظريةُ شيون إشكاليّاتٍ عديدة، كالنّسبية، وعدم كونها استدلاليّة، وغير ذلك. وبما أنّ لغتَه المستعملة في تبيين نظريته مشوبة بالصّعوبة، حاول المؤلِّف أن يقدِّم توصيفًا للوحدة المتعالية للأديان، ومن ثمّ يبيّن نقاط ضعفها.

The Transcendent Unity of Religions

Ali Rida Qaemi-nia

Translated by Hashem al-Dikah

Abstract

Traditionalists speak of the transcendent unity of religions when addressing religious pluralism. Frithjof Schuon first explained it in his book, The Transcendent Unity of Religions, followed by other traditionalists conducting research in this area. According to this theory, religions have two dimensions: an exoteric and an esoteric one. They are united at their esoteric level, while they differ at the exoteric level. The truths observed at the latter are relative, but those at the former are absolute.

Schuon’s theory entails several problems, such as relativism, lack of reasoning, and more. Since Schuon’s language used to explain his theory is difficult, the author, Ali Rida Qaemi-nia, attempts to describe the transcendent unity of religions and then outlines its weaknesses.

تعدّد الأديان ووحدتها من وجهة نظر الشهيد مطهري والتقيلديّين

ترجمة: حسين جهجاه

 تؤمن التقليدية – في رؤيتها الخاصة – بأنّ وراء تعدد العالم وكثرته – لا سيّما الأديان – وحدة باطنية، حيث إنّ الكثرة التي نلاحظها في عالم الوجود والأديان كثرة شكلية وصورية، تخصّ موجودات هذا العالم وظاهر الأديان. لكنّ حقيقة الحقائق التي تكون جميع مراتب الواقعيات الأخرى تجليات لها، واحدة فقط. ولذا؛ فإنّ وحدة الأديان تثبت في المرتبة العليا للوجود. كما وترجع فكرة تعدد الأديان – بحسب هذه الرؤية – إلى اختلاف أعراق البشر وعاداتهم المتنوعة. إذ إنّ هذه الفروع البشرية المختلفة هي المخاطبة بالوحي. ومن ثمّ، فهذه الاختلافات نفسها في قابليات البشر، هي ما يحدد الاختلافات في صور الحقيقة وأشكالها.

يُعدّ الشهيد مطهري من الشخصيات التي خلقت لنفسها من خلال نقد الحداثة والاعتماد على التقليد والتراث أوجه تشابه مع التقليديين. ومن خلال مراجعة كتاباته، نرى نوعًا من الدفاع عن التعددية ووحدة الأديان، ما يخيّل في الأذهان اتفاقه مع التقليديين، لكن إذا دقّقنا النظر في آراء هؤلاء، وأيضًا في أعمال الشهيد مطهري، سرعان ما يتبين بطلان ذلك، حيث إنّ التعددية التي يعتقد بها مطهري هي من النوع الخلاصي، أي: التعددية في سُبل النجاة، وليست التعددية الواقعية التي يتحدث عنها التقليديون. ومن ناحية أخرى، يرى الشهيد مطهري أيضًا أنّ الدين واحدٌ، ومنحصر في الإسلام، وأنّ جميع الاختلافات ترجع إلى الشرائع. كما يتحدث عن أسباب أخرى لاختلاف الشرائع، غير تلك التي يتداولها التقليديون.

Plurality and Unity of Religions: Perspectives of Shaheed Mutahhari and Traditionalists

Ghulam Rida Ridayi

Translated by Hussein Jahjah

Abstract

Traditionalism, from its own perspective, believes that an esoteric unity is hidden behind the plurality and diversity of the world, especially of religions; because the diversity in the world of existence and religions is considered a diversity of figures and forms that pertains to the world’s existents and religions in their outward sense.  However, the Real of all realities, of which all other levels of realities are Its own manifestations, is in fact only One. Thus, the center of the unity of religions is the supreme level of existence. According to this perspective, the notion of religious pluralism originates from the variation of human races and the diversity in their customs, where these different races are the intended recipients of revelation. Therefore, these varieties in human potentialities designate the varieties of the forms and figures of Reality. Shaheed Mutahhari is one of those figures who reflects a common ground with traditionalists by criticizing modernity and relying on tradition and literature. By reviewing his works, we notice a sense of defense of religious pluralism and unity, leading to the assumption that he conforms with traditionalists. However, if we examine traditionalists’ visions and Shaheed Mutahhari’s works, this assumption is clearly deemed invalid; since Mutahhari believes in a deliverance plurality, which refers to the plurality of salvation paths rather than the realistic plurality that traditionalists talk about. Meanwhile, Shaheed Muṭahharī sees that religion is one, specifically confined to Islam and that diversity exists within laws. Also, he sets forth different reasons for this diversity aside from those discussed by traditionalists.

التقليد والحكمة الخالدة: معناهما ونطاقهما وخصوصياتهما من وجهة نظر التقليديين

ترجمة: محمود عمّار

إنّ التقليدية، بعنوان كونها مذهبًا فكريًّا معاصرًا تقابل الحداثة، هي مذهب يعتقد بوجود تقليد حيّ متحرّك وأزليّ، يتجلّى في قوالب مختلفة. وبالتالي، يكون المعنى المقصود من التقليد مختلفًا بشكل كبير عن التقليد بمعناه المتعارف من حيث الآداب القديمة والرسوم والعادات السالفة.

إنّ ما نرمي إليه في هذه المقالة هو التحقيق في معاني التقليد، ونطاقه، وخصوصياته، وحقيقته الماهويّة في الأبعاد الفكريّة للتقليديين الذين يرون للتقليد معانٍ أربعة مهمّة ومتفاوتة، يمكن إرجاعها – بحسب تعبير نصر – إلى معنيين هما: أن يكون له استمرار، ومبدأ إلهي، وبهذا، يكون له خصوصية فريدة من نوعها، ويصبح إحياءه في دنيانا المعاصرة ضروريّ جدًّا.

Tradition and Perennial Wisdom: Meanings, Fields, and Features

Hussein Husseini

Translated by Mahmoud Ammar

Abstract

Traditionalism, as a contemporary intellectual school vis-à-vis modernism, believes in a living, dynamic, and eternal tradition that never blots out but manifests in different forms. Thus, this tradition significantly differs from common traditions in terms of ancient manners, rites, and prior practices.

This article seeks to investigate tradition’s meanings, fields, features, and the essence of reality in the intellectual dimensions of traditionalists who define tradition in four significant yet different meanings. Nasr[1], however, refers to tradition with two meanings: continuity and Divine Principle. Consequently, it possesses unique features and its revival in our contemporary world becomes highly necessary.

[1] Sayed Hussein Nasr

تقويم الحكمة الخالدة

حميد پارسانيا

ترجمة: حمزة عيسى

 الحكمة الخالدة هي قلب السّنّة، إلى حدّ أنّه قد طرحها أصحاب المدرسة التّقليديّة على أساس أنّها المحور المقوّم لفلسفتهم. وانطلاقًا من وصفها هذا، عمدنا إلى دراسة هذا العنصر المقوّم وتقويمه في كلمات التّقليديّين. وفي هذا الصّدد، عملنا على دراسة تاريخيّة المسألة وأبعادها، بلحاظ ما بعد الطّبيعة، وعلم الإنسان، والأخلاق، في كلمات أعلام الفلسفة التّقليديّة. ولا يمكننا أن نغضّ النّظر عن دراسة الخصائص الأساس، وطريق الوصول إلى الحكمة الخالدة، بحسب نظر التّقليديّين. وفي مقام المناقشة، عملنا أوّلًا على نقد منهجها ومبانيها على أساس ميزان العقل، ثمّ جعلنا الحكمة الخالدة بصورة خاصّة تحت مجهر المذاقّة العلميّة. وفي مقام المقارنة أيضًا، قايسناها مع الحكمة الحقّة عند السّهرورديّ، وأظهرنا نقاط التّمايز والاختلاف بينهما.

Assessment of Perennial Wisdom

Mansour Mahdavi

Hamid Parsania

Translated by Hamza Issa

Abstract

Perennial wisdom is the heart of the tradition, to the extent that the traditionalists presented it as the pivotal center of their philosophy. Based on this description, this paper examines this pivotal element and assesses it in the words of the traditionalists. In this regard, the authors review the history of this issue and its dimensions, considering metaphysics, anthropology, and ethics as discussed by the luminaries of traditionalists. Emphasizing the necessity of studying the basic characteristics and the path towards perennial wisdom according to the traditionalists’ view, the discussion first critiques the methodology and foundations of perennial wisdom based on reason, then specifically examines it under the microscope of scientific scrutiny. Additionally, it compares this wisdom with the true wisdom of Suhrawardi, highlighting the points of distinction and difference between them.

توضيح العلم القدسي في الاتجاه التقليدي للدكتور السيد حسين نصر وتحليله

ترجمة: جعفر الحاج حسن

ينطلق خسروبناه من نظرة الدكتور نصر للعلم التي ترادف العلوم التجريبية الرائجة في الغرب، والتي يحكمها الفكرُ الغربي، هذا الأمر الذي يؤدي إلى نظرة مبتورة إلى الحياة، وهو ما يجب تفاديه باعتقاده عبر إنتاج علوم تجريبية بهوية تقليدية. ولا يستقيم ذلك إلا من خلال وسيلة واحدة، تتمثل بامتلاك الغرب والحداثة الحكمة الخالدة ومبانيها وإحلالها مكان الأسس القائمة اليوم. فالعلم الحديث، بسبب غياب هذا البعد، ما زال سببًا لمخاطر متعددة نظير المخاطر البيئية.. فهذا لم يؤدِّ فقط إلى أفولِ الفهم الديني والفلسفي لنظام الطبيعة في الغرب، بل قضى على وجود العلوم التقليدية تمامًا، والتي بُنيَت على أساس أصول ميتافيزيقية. بالنسبة إلى “نصر”، يجب على العلم الحديث أن يتموضع في المرتبة المناسبة له التي يحددها علم ما بعد الطبيعة والحكمة الخالدة، لأنّ العلم القدسي تابع للأمر القدسيّ. والأمرُ القدسيُّ في حالة ارتباط بعالم الروح الكلية لا بالنفس. فكانت الحكمة الخالدة هي أهم مبنى من مباني العلم القدسي، كما أنَّ الوحي هو أهمَّ متكأ للعلوم المقدسة. أمّا الهدف الأقصى للعلوم التقليدية هو الهدفُ المتعالي للتقليدِ، وهو إظهار وجه معشوق الكلّ.

Sacred Science in the Traditional Approach by Sayyed Hussein Nasr: Demonstration and Analysis

Abd al-Hussein Khosroupnah

Translated by Jaafar Hajj Hasan

Abstract

When Professor Nasr discusses ‘the science,’ he refers to the popular empirical sciences in the West, which are controlled by Western philosophy.

He believes that empirical sciences should adhere to a traditional identity. Nasr considers that being aware of the pillars of perennial wisdom and substituting them for Western modernity offers a way to criticize the West and modernity. He also contends that modern science repeatedly results in several risks, such as environmental ones. However, traditional sciences are built upon a metaphysical origins and deeply differ from the philosophical propositions (premises) of modern sciences. Not only have modern sciences led to the disappearance of religious and philosophical understandings of the system of nature in the West, but also to the total elimination of the traditional sciences. Modern science must be in its convenient status as set by metaphysics and perennial wisdom. Sacred science is related to the Sacred Order associated with the world of the Ultimate Spirit rather than the soul. Perennial wisdom is the preeminent pillar of sacred science, and revelation is the preeminent source of sacred science. The greatest role of traditional sciences is the supreme role of tradition, which is to manifest the Beloved of All.

ما هوَ التَقْليد؟

سيّد حُسين نَصْر

ترجمة: محمود يونس

تعرض هذه الورقة – وهي الفصل الثاني من كتاب المعرفة والمقدّس للسيد حسين نصر – مفهوم التقليد، وتعريفه، وماذا يمثّل بالنسبة إلى الأديان المختلفة، من قبيل: الهندوسيّة، والبوذيّة، والتاويّة، واليهوديّة، والمسيحيّة، والإسلام، أو أيّ دين حقيقيّ آخر، فضلًا عن ارتباط هذا التقليد بالحكمة الخالدة، وما يبغي حسين نصر منه.

والمقدّس، بما هو مقدّس، هو مصدر التقليد، وما ينتقده التقليدُ في العالَم الحديث هو الرؤية الكونيّة الكليّة، والافتراضات والأسس التي – من وجهة نظره – تكون خاطئة، إذ ترى الخيرَ في العالمِ عرضيًّا، لا جوهريًّا.

 

What is Tradition?

Seyyed Hossein Nasr

Translated by Mahmoud Younes

Abstract

The present paper is the second chapter of Seyyed Hossein Nasr’s book: Knowledge and the Sacred. It examines the concept of tradition, its definition, its relation to perennial wisdom (sophia perennis), and what it represents for various religions—Hinduism, Buddhism, Taoism, Judaism, Christianity, Islam, or any other true religion. Moreover, it looks at what Nasr meant when he used the term “tradition”.

The sacred as such is the source of Tradition. What tradition criticizes in the modern world is the total world view, the premises, the foundations which, from its point of view, are false so that any good which appears in this world is accidental rather than essential.