الألم في فلسفة الأخلاق

يكاد طيف الألم يتبوّأ عنايةً ومحوريّة خاصّةً في دائرة القلق الإنسانيّ على صعيد الفرد والجماعة إبّان مقاربة المبادئ الأخلاقيّة في الفلسفات الشرقيّة منها والغربيّة، سواء بسواء. وهو بذلك يشكّل فيصلًا لا محيد عنه في بنية الفكر الأخلاقيّ، إذ يضطلع بوظيفة نحتيّة تكوينيّة، ليحفر بذلك المبدأ الأخلاقيّ إيّاه. ولمّا اكتسبت المبادئ الأخلاقيّة في القرون الوسطى بردةً مِتافيزيقيّةً محكمة، انتمت المبادئ الأخلاقيّة إلى منظومة عقيديّة محكمة رأت إلى اللذّة والألم على أنّهما خارج نطاق المادّة بما هي هي. ولئن طرحت بعض الفلسفات المشرقيّة تصوّرات لخلاص الفرد من آلامه، فإنّ بعض النظريّات الفلسفيّة الغربيّة نظّرت إلى قوننة الخلاص من الألم بما له بعد جماعيّ، ليصهر الأخلاق الفرديّة في سياق الجماعة.

الألم: الفعل الإلهيّ والارتقاء البشريّ

ثمّة بلا ريب من علقة ما بين النفس والجسد، إذ هي تشعر به، وتحيط بكلّ ما يصيبه من آلام وبلاءات. تسالم بعض على أن ثمّ جنبتين للألم. (1) الألم من حيث هو فعل إلهيّ مفروض على الإنسان، يسلب منه الرفاه واللذّة، باحثين في موقعيّة العدل الإلهيّ من ذلك؛ و(2) الألم من حيث هو حالّ في الإنسان كيما يرتقي به، ويصقل جوهره الإنسانيّ. وعليه، يصبح الألم لطفًا إلهيًّا آخذًا الإنسان، بما هو إنسان، نحو الكمال الأوّل.

الدلالات الشعيريّة والطقوسيّة في فهم الألم في الأساطير القديمة

للطقس حضور في هذا العالم، إذ يمثّل جزءًا من الإنسان. يتغيّر الطقس ويتبدّل بتغيّر السياقات الثقافيّة التأسيسيّة، كما ينسج جزءًا من هويّة الإنسان، تُلازِمه. وتروم الممارسة الطقوسيّة بما هي فعل تواصليّ إلى إيجاد تجربة جماعيّة واحدة للجماعة، تعبيرًا عن أفكار ماثلة في مخيالها الجمعيّ. وعليه، يكون الطقس دلالةً على الكامن. ولئن كان الطقس الشعيريّ أشبه ما يكون بالكتابيّ، تشكّل الأسطورة الجانب الآخر الشفاهيّ. وهما يتضايفان معًا كيما يشكّلا لحظة الحدث، ليتحوّلا، إذ ذاك، إلى وحدة متكاملة. وعن الطقوس المرتبطة بالألم تبتسر أواصر تحيي انتماء الفرد إلى الجماعة.

الألم في الأدبيّات المسيحيّة

الألم جزء من حياة الإنسان، من كيانه، ومن طبيعته البشريّة: إذ هو كائن روحيّ جسديّ. للإنسان بعدين، باطنيّ وخارجيّ، والألم الذي يحلّ في البعد الباطنيّ على مستوى المشاعر أعمق بكثير من الألم الذي يصيب الجسد الخارج. ليس الألم عقابًا إلهيًّا، إن هو إلّا علامة على ضعف الإنسان ومحدوديّته. في أثناء البسط لمبحث الألم يجب أن لا نبحث فيه بما هو هو، بل بما هو علامة على الضعف والمحدوديّة، كليهما. يظهر موقف الإنسان الرحيم تجاه المتألّم مجد الله ومحبّته للإنسان. وهكذا، يشارك المسيحيّ بالمعموديّة مسيرة المسيح بالحياة والموت والقيامة، انطلاقًا من عيد القيامة بما هو انتصار على الموت والألم. إنّما الألم الأكبر هو أن نتخلّى عن أنانيّتنا لنصلبها مع المسيح لننال ظفر القيامة.

الألم في الفكر الإسلاميّ مقاربة فلسفيّة عرفانيّة

خضع الألم في التراث الفكريّ الإسلاميّ لاعتبارات شتّى تتمازج فيها الحالة الوجوديّة الخالصة مع الحالة المعرفيّة الخالصة، أو تتباين أحيانًا إلى حدّ الافتراق الكلّيّ؛ إذ رئي إلى الألم على أنّه مجرّد تحسّس كيفيّ؛ ينتمي إلى قابليّات الجسد وانفعاليّاته، ويفتقد أيّ صلة مع فعّاليّات النفس الإدراكيّة، فضلًا عن التمثّل العقليّ وطبيعته الصوريّة البحتة التي لا تأتلف ومجسّات الشعور، هكذا استبعد الألم من دوائر القرار الفاعلة والمؤثّرة في بنية الإنسان، ونظر إليه كطفح مرضيّ عابر للجسد، وعمل على تنحيته بحسب التقليد الفلسفيّ الشائع عن دائرة الوجود، وإدراجه في دائرة الشرّ العدميّة، الأمر الذي تسبب باضطرابات مفهوميّة أصابته في الصميم، وأحالته إلى الكمّ السالب على مستوى فعّاليّته في الحياة، فضلًا عن جدوائيّته البحثيّة وعدم بلوغه مستوى النضج الذي يجعل منه واحدًا من الموضوعات المستقلّة في مباحث الفلسفة الإسلاميّة. وفي المقابل، بذلت جهود حثيثة، كلاميًّا وفلسفيًّا، نحو إعادة تشكيل هويّة للألم وفق صياغة تكشف عن تمثّلاته المتجذّرة في بنية الإنسان النفسيّة والعقليّة، فضلًا عن الجسديّة، الأمر الذي مهّد لرؤية عرفانيّة ذات طابع دلاليّ مشغوف بصبغة روحيّة، تكتنفها الرحمة، ويتجاذبها ألم الفراق، والحنين للعودة إلى الجذور الأولى.

موقع الألم في فلسفة الحضارة

يكتسي الألم معنًى إيجابيًّا قبالة اللذّة، أو السعادة، التي تنطويان، فيما تنطويان عليه، على معنًى سلبيّ. يولّد الألم الأوّل في النفس حافزًا، كما يشكّل مثارًا للعقل لإعمال الفكر والبحث، فيما اللذّة تبعث على التواكل والاستكانة. والألم أصناف، إمّا ألم مادّيّ، أو معنويّ، أو معرفيّ. تشكّل صبغات الألم هذه، جميعًا، عوامل فاعلة في بناء الحضارة، وهي عوامل لا فكاك ولا انفصال فيها، بحيث يصعب عزل تأثير كلّ منها في الآخر.

دراسة ونقد لبرنامج الفلسفة للأطفال من منظار الحكمة المتعالية

ترجمة عزّة فرحات

يروم هذا المقال إلى دراسة برنامج الفلسفة للأطفال من منظار تعاليم مدرسة الحكمة المتعالية. ويدور رحى البحث حول السؤال الأساس الآتي: ما هي المباني الفلسفيّة لبرنامج الفلسفة للأطفال؟ وما هي الانتقادات التي توجّه إليه بحسب المدرسة إيّاها؟ ثمّة شواهد على وجود وجوه اتّفاق واختلاف بين برنامج الفلسفة للأطفال والمباني الفلسفيّة للمدرسة الصدرائيّة، وإذ ذاك، سنختطّ وجوه الاختلاف والاتّفاق هذه، لنفصح، تاليًا، عن الفوائد التي يمكن سبرها من هكذا برنامج على غير صعيد.

تدريس الفلسفة للأطفال

وكأن ثمّة جسر يباعد ما بين الأطفال والفلسفة، ولا يجمع هذين الكيانين المتباعدين سوى القصّة الفلسفيّة التي تنبني، أكثر ما تنبني، على طرح مبحث فلسفيّ مبسّط، على نسق سؤال يجرّ أسئلة هي من التعدّد والاختلاف بمكان. تمتاز هذه القصص الفلسفيّة، التي تدخل في قلب برنامج الفلسفة للأطفال التعليميّ بالحوارات التي تطرحها، فتصيّر الصفّ مجتمعًا بحثيًّا، يحترم فيه كلّ فرد الآخر. ويكتسب الأطفال بذلك أهمّ الأفكار الفلسفيّة، بعيدًا عن التلقين المحض.

هل يمكن تعليم الفلسفة للأطفال؟

يؤمن الفلاسفة اليونانيّون، وفي مقدّمتهم، أفلاطون، بأن ثمّة شروطًا صعبةً لتعليم الفلسفة، إذ يضطلع بها من بلغ سنّ الرشد حكرًا، ممّن راكم معرفةً. ولكن مع كانط، الذي ميّز بين الفلسفة والتفلسف، اتّخذت طريقة فهم الفلسفة منحًى آخر. فسهّل المنظور الكانطيّ إمكانيّة نقل الممارسة الفلسفيّة من المحتوى إلى الطريقة، وهذه الطريقة، إيّاها، هي القابلة للتعلّم للأطفال، ما إن يطرحوا أسئلة اللماذا أو الما هو، فيعمد المعلّم إلى تحويل المعرفة المعلّمة إلى موضوع نقاش فلسفيّ، مفتتحًا ذلك بسؤال، محاكاةً للمنهج السقراطيّ.

ثلاثيّة العقل والتربية والجمال نحو الإحياء والتكامل

لئن كانت العلوم التجريبيّة، منذ زمن، نقطة انطلاق للتربية والتعليم بلحاظ المفاعيل التي تفرضها، على الكبار كما الناشئة، فإنّ التجربة الجماليّة بدأت مؤخّرًا تفرض مفاعليها من حيث هي زخم يزوّد الناشئة بمصادر معرفيّة كبرى تتجاوز البعد الملموس الضيّق. وبالتالي، يتجاوز الطفل، بهذه التربية، المحدوديّة التي تفرضها العلوم التجريبيّة، التي لا مناص منها، لينطلق، من ثمّ، بإزاء التجريبيّة، إلى تجربة جماليّة – عقليّة في آن.