افتتاحية العدد 13

تحميل البحث: الافتتاحية

ما هي المبررات الموضوعية التي تدفع إلى البحث عن علاقة مفترضة بين الدين والفن والتصوّف؟ وكيف يمكن التعامل منهجيًّا مع هذه المجالات والنظر إليها وفق مقاييس ىلية واحدة أو متقاربة رغم ما قد يبدو بينها من تغاير وتباين؟ ثمّ ما الذي يمكن أن يترتّب معرفيًّا على مثل هذا الخوض المنهجي في هذه المجالات ووضعها في خانة بحثيّة مشتركة مع اختلاف الفضاء المعرفي والموضوعي الذي يتكامل وينفعل فيه كلّ واحد منها؟

بدايةً، لا بدّ من القول: إنّ  الإجابة على الأسئلة المشار إليها تفترض مسبقًا تحديد ماهويات كلّ ضلع من أضلاع ثلاثيّة الدين والفنّ والتصوّف انطلاقًا من الفهم السائد والمألوف إزاءها بعيدًا عن الرؤى الخاصّة والتصوّرات الاجتهاديّة. إذ في هذه الحال، يبدو العمل على مقاربة مكوّنات ومحدّدات هذه الثلاثيّة – وتحديدًا من جهة الموضوع والمنهج والمعرفة – جهدًا مبرّرًا وضروريًّا، انطلاقًا من البحث في الترابط الماهوي بين اضلاعها وصولًا إلى الدور المشترك – فيما إذا كان متوفرًا – الموكل إليها بلحاظ الوظيفة والغاية.

ورغم ما تستبطنه من أهمية فائقة، دراسة كل من الدين والفن والتصوّف – بنحو يدرس فيه كل واحد بمعزل عن الآخر – وما تنطوي عليه من تأثير على تفكير الإنسان وسلوكياته، فإنّ الأهميّة – بحسب ما نرى – تبدو مضاعفة وأكثر إلحاحًا إذا ما تمّت دراسة هذه المجالات ومعالجتها على أساس ضمّها إلى بعضها البعض والبحث عن مبادئها وغاياتها المشتركة، والتثبّت فيما إذا كان ثمّة اتساق وانسجام يجمع بينها، وبالتالي النظر في مدى إمكانية انتزاع رؤية مشتركة تفسح في المجال أمام اندراج الدين والفن والتصوّف في منظومة وجوديّة واحدة تتطابق أبعادها المعرفية والغائيّة رغم اختلافها في التعبيرات والطرائق والتجلّيات.

بناءً على ما تقدّم، نحاول فيما يلي إجراء مقاربة سريعة وأولية للإطار العام الذي يجمع بين الدين والفن والتصوّف، وذلك انطلاقًا من طبيعة العلاقة التي تربط بين هذه الأمور الثلاثة من جهة الموضع، المنهج، المعرفة، حيث سينكشف أمامنا، نتيجة ذلك، عمق الترابط – وربما التطابق – الكلّي، الموضوعي والمنهجي والمعرفي، رغم التغاير بينها في التفاصيل والجزئيّات.

أوّلًا: في الموضوع:

ثمّة تشابه في العلاقة بين الدين والفن والتصوّف من جهة الموضع، بنحو يصحّ القول معه: إنّ العلاقة بين هذه الثلاثيّة تقوم على وحدة في الجوهر مستمدة من الوحدة في الموضوع.

موضوع الدين: الله الواحد هو الموضوع الذي تتمحور حوله كافة المسائل الدينيّة، غذ لا يمكن الوقوف على قضية دينية من دون أن تكون على صلة، بنحو ما، بالألوهية، وبالتالي فإنّ الأديان تهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان وتعريفه على الخالق وهدايته إلى الطرق التي تؤدي به إلى طاعة الله من حيث هو – الإنسان – مخاطب الوحي الإلهي.

موضوع الفن: أما الفن فموضوعه هو الجمال، وتحديدًا، هو الجمال المطلق الذي منه يستمدّ كلّ جمال وجوده، فيسعى الفنان، من خلال ملكاته الإنسانية الكامنة فيه، إلى البحث عن تجليات محدودة للجمال اللامتناهي الذي يتمثّل ويحضر في الشياء، ومن ثم التشبّه به عن طريق إعادة إبداع محدود لتجليات الجمال المطلق الذي يكون الله تعالى مصداقه ومصدره في آن، بحيث يقف الفنان، بحسب المفترض، في نهاية الأمر على وحدة الجمالية الكونية.

موضوع التصوّف: كذلك الأمر في التصوّف إذ موضوعه هو الوجود الأحدي المطلق الذي لا وجود لسواه، وكلّ عمل الصوفي إنّما يهدف إلى الوصول إلى هذا الوجود والتوحّد به التخلّي عن كل الموجودات الظلّية الموهومة حيث تنعدم الفاصلة بين السالك بما هو إنسان محدود والمقصد المطلق الوجود والكمال، وبذلك تتحقّق السعادة للصوفي.

على هذا، يبدو واضحًا أنّ الموضوع الذي يشكّل محور تلاقٍ جوهري بين الدين والفن والتصوّف إنّما هو واحد لا اختلاف فيه، ولكن يعبر عنه بتعبيرات مختلفة وينظر غليه من حيثيّات متعدّدة؛ وهذا الموضوع هو الله تعالى من حيث وجدانيّته وإطلاقه وجماله.

هذا مع ضرورة ملاحظة تلاقي الإنسان (في هذه الأطر الثلاث) بما هو ذات جامحة نحو موضوعها الواحد، عند هدفية الوصول إلى الله وملاقاته، مع اختلاف في طرق الكدح المؤدّية إلى ذلك وتباين مستوياتها.

ثانيًا: في المنهج

رغم التباين المنهجي في مجالات الدين والفن والتصوّف إذ لكل مجال طريقته المنهجيّة المعتمدة في سبيل الوصول إلى المطلوب، إلّا أنّ ذلك لا يمنع البتة من التعامل مه هذه المجالات وفق رؤية منهجية موحدة بمعزلعن المنهج المتبع في كل واحد منها.. فهناك فرق بين العمل المنهجي الموحّد على الدين والفن والتصوّف والعمل المنهجي المتبع في كلّ دائرة من هذه الدوائر…

من هنا، يمكن مقاربة هذه الدوائر على خلفية منهجية موحدة انطلاقًا من رؤية فلسفيّة.. إذ النظر إلى أمرين متباينين وفق منهجية فلسفيّة من شأنه تحديد مدى التقارب في الكلّيات والغايات والموضوعات والمباني والمفاهيم والعلل من دون الاستغراق في التفاصيل والجزئيّات والمصاديق التي هي محل تباين في كلّ حال.

وعليه، فإنّ ثمة إمكانية لتشكيل دائرة بحثية واحدة تشتمل على الدين والفن والتصوّف ويمكن تناولها بمنهجية فلسفية موحدة، يصار من خلالها إلى البحث حول فلسفة الدين وفلسفة الفن وفلسفة التصوّف، وصولًا غلى رؤية كلية يتحدّد معها التماهي في المبادئ والمقاصد والغايات والماورائيات.

وهنا، تجدر الإشارة، إلى أنّ البعد الفلسفي في هذه الثلاثية يمثل بعدًا حاضرًا في كافة جوانبها ومتلبسًا في هويتها ومحايثًا لمكوناتها من دون أن يكون منفصلًا عنها أو مغايرًا لها من خلال اصطفافه إلى جانبها كبعد رابع قائم بذاته.

ثالثًا: في المعرفة:

يمكن مقاربة المسألة المعرفية في هذه الثلاثية انطلاقًا من المنابع المعرفية التي تشكل منهلًا في المعرفة لكل من الدين والفن والتصوّف، وبالتالي النظر في مدى التقارب في المعطيات المعرفية على أساس التقارب معرفيًّا في المنابع والمصادر.

المعرفة الدينيّة: رغم تعدّد مصادر المعرفة الدينيّة (عقل، وحي، حسّ..) إلا أنّه لا خلاف في أنّ الفطرة تشكل منبعًا أساسيًّا في هذه المعرفة، فالفطرة السليمة تفضي إلى التدين والدين السليم يحاكي الفطرة (أقم وجهك للدين حنيفًا فطرة..).

المعرفة في الفن: يعتبر الإلهام شرطًا أساسيًّا ولازمًا في المعرفة الفنيّة ومنجزاتها. والهام هنا، وإن حاول البعض تمييزه عن الفطرة، فهو في كلّ الأحوال هبة غلهيّة يعطيها الله لبعض عباده، وتكون الفطرة محلها ومتعلقها، إذ الإلهام ملكة فطرية تنمو بالتجربة والممارسة، غلا أنّ التجربة ليست مصدرًا لها أو علة.

المعرفة الصوفية: أمّا منبع المعرفة عند المتصوّف فهو الفطرة ولا شيء غيرها، وفي الأساس إن حركة السالك تهدف أساسًا ىإلى العودة إلى الفطرة وإزالة ما يعلق بها من رواسب وكدورات.. وإن كلن للفطرة عند المتصوف تعبيرات عديدة (الحدس المعرفي، النور، الكشف المعرفي، المعرفة المباشرة..) إلا ان الفطرة تشكل مرجعًا أو منشأ لكل هذه التعبيرات.

وبالعموم يمكن القول: لا معرفة عرفانية وصوفية من دون التمسك بالفطرة السليمة…

وإذا كان التلاقي في منابع المعرفة بين الدين والفن والتصوف يكاد يبلغ هذا المبلغ من التوحّد، فليس من المستغرب أن تكون المفضيات والمترتبات المعرفية الناتجة عن كل ذلك واحدة أيضًا، رغم الاختلاف في التجليات والتعبيرات؛ فالمعرفة الدينيّة تقوم على معرفة الإله الواحد وطاعته، والمعرفة الصوفية تنشد الوصول إلى الوجود المطلق (الله) والتوحد به، كما إن المعرفة في الفن تتطلع إلى الكشف عن الجمال المطلق والواحد والاتصال به والتشبه بجماله.

وخلاصة ما تقدم أن العلاقة بين الدين والفن والتصوف إنما هي علاقة مشتركة بين الإنسان بسلوكياته وفعالياته المختلفة وبين المطلق الواحد بتجلياته المتعدّدة، حيث إن المقصد النهائي لهذه العلاقة رفع النقص لدى الإنسان، وبلوغه الكمال، وحصوله على السعادة.

ونحن في مجلة المحجة إذ نفرد محور هذا العدد للعلاقة بين الدين والفن والتصوف، فإنما نهدف من وراء ذلك إلى مقاربة رؤية تأسيسيّة نستطيع من خلالها التعامل مع هذه المجالات من منظور فلسفي، وصولًا إلى تحديد مكامن الالتقاء في المبادئ والغايات والوظائف، من دون أن يعني ذلك، الادعاء بأن موضوعات المحور تفي بالغرض وتؤدي إلى المطلوب كله، بل هي مجرد خطوة تحتاج إلى خطوات عديدة شاقة وصعبة، وهي رهن بجهود الباحثين والمتخصصين… والله من وراء المقصد.

العدد 13

تحميل العدد: العدد 13 : الدين، الفن والتصوف، رؤية علائقية تأسيسيّة

فهرس المحتويات:
الافتتاحية    حبيب فياض
الملف: الدين والفن والتصوّف
الفن الديني والروحانية الإسلامية    سيد حسين نصر
التصوف والفن من منظور فلسفة الدين     ممدوح الشيخ
الأصول الدينية للفنين الإسلامي العربي والفارسي     أحمد عيسى
إشراقات التصوف في الفنون الإبداعية الإسلامية   محمود إسماعيل
الروح الصوفية في النظريات الجمالية العربية – الإسلامية    أنور أبي خزام
الجمال: المشهد الأول    محمّد كوثراني
الأيقونة    جورج خضر
فن الخط العربي والتصوف    سامي مكارم
فكر ديني:
الدين والدولة في القرآن الكريم مدخل أولي    علي فيّاض
دور رجال الدين في النظام الثيوقراطي والنظام الإسلامي    علي المؤمن
التأويل المعرفي الوجودي للعبادة “منهج ونموذج تطبيقي”    خنجر حمية
فكر فلسفي:
الغزالي بين حب الفلسفة وكره الفلاسفة    محمّد آيت حمو
المدخل إلى فلسفة الميرداماد    توشيهيكو إيزوتسو
الحب الإلهي والتحقق الوجودي    إنعام حيدورة
وجهة ونظر:
اتجاهات في مسار تجديد الخطاب الديني     الشيخ شفيق جرادي
الإنسان والحقيقة الدينية – الأنا من الكوجيتو إلى الشهادة     كمال البكاري
قراءات ونقود:
العلم بين التاريخ والفلسفة والدين: مراجعة وتقييم     مصطفى العدوي
قراءة في كتاب “مقاربات منهجية في فلسفة الدين”     غسان طه
قراءة في كتاب “الإنسان من عصور التضليل إلى زمن القيام”     علي الشامي
لمحة عن التصوف عند ملا صدرا في “إيقاظ النائمين”    محمّد خنساري
إصدارات   إنعام حيدورة
ورقة بحثيّة:
منهج الحكمة المتعالية بين التراث وروح العصر  

ندوة حوار الروح والدين

تحميل البحث: لقاء حواري مع غلام رضا أعواني وبيار لوري

على هامش ندوة هنري كوربان – حواريات الروح والدين-، عقدت دائرة مستديرة للحوار، شارك فيها المدير العام “لمعهد المعارف الحكمية” سماحة الشيخ شفيق جرادي،  وكلّ من الدكتور حبيب فياض والأستاذ محمود حيدر والأستاذ غسان حمود، والأستاذ أحمد ماجد، بالإضافة إلى الدكتور غلام رضا أعواني والدكتور بيار لوري، حيث جرى الحديث عن الدّراسات الدينية والصوفية في كل من الجمهورية الإسلامية وفرنسا،…

تحليل مسألة “النسبة بين الدين والليبرالية”

تحميل البحث: دراسة النسبة بين الدين والليبرالية- محمد ظهيري

ترجمة: علي الحاج حسن 

السؤال عن النسبة بين الدين والليبرالية سؤال مركّب، ولأجل تحليل هذا السؤال المركّب إلى مسائل بسيطة ومشخّصة، يتوجب تحليل الألفاظ والمفاهيم المستعملة فيه (conceptual-analysis)، وبما أن مفاهيم “النسبة”، “الدين”، و”الليبرالية”  تستعمل في الأدب الديني لأغراض متعددة تعود في الغالب إلى مقصود مستعملها، لذلك يتغير المقصود من “النسبة بين الدين والليبرالية”.

  ما قام به الكاتب في هذه المقالة، هو تحليل وتوضيح المفاهيم المستعملة في هذه المسألة للمساعدة في إيجاد منهج، يلقي من خلاله النظر إليها وإلى المشكلات الموجودة فيها وطرق حلها حيث إن توضيح المسألة، هو خطوة في مواجهة أي مسألة وإيجاد أسلوب حل لها. من أجل حل أي مشكلة أو مسألة، يتوجّب البحث عن أسلوب حلّها، وعندما نوفّق في إيجاد الأسلوب هذا، عندها يمكن تحليل الألفاظ والمفاهيم المستعملة فيه بحيث لا تبقى هناك أي مسألة غامضة، لذلك فإن أهم خطوة في مقابلة أي مسألة هو توضيحها وتبسيطها. وكم نجد من المسائل التي حيرت المحققين بسبب الغموض الذي كان يحيط بها، لذلك بقيت الأسئلة حولها مبهمة؛ المسألة التي تتمتع بأكبر مقدار من الوضوح هي القابلة للحل. وهناك الكثير من المسائل الكلّية والعامة التي لا تقبل وجود أي فرضية ولا تتحمل أي منهج تحقيقي معيّن ومشخّص.

الليبرالية في ميزان الدين

تحميل البحث: الليبرالية في ميزان الدين- اسعد السحمراني

يعالج هذا البحث أصل مصطلح الليبرالية وكيفية تطوّره، ليتناول بعد ذلك نشأة هذا المذهب الفكري وبعض مقولاته، وعلاقته بالعلمانية، وعلاقة هذه الأخيرة بالدين. ليخلص إلى القول: إنّ حصانة المجتمع والجيل، في التديّن بلا تمذهب، وفي الإيمان بلا تعصّب، وفي إلغاء الطائفيّة السياسيّة لتحلّ بديلًا منها المواطنيّة، وفي كلّ الأحوال، العلمنة هي لا دين، ولذلك فهي غير مقبولة.

افتتاحية العدد 11

تحميل الملف: الافتتاحية

أن تطرح مجلة المحجة  موضوع “الدين والعلمنة” في ملف خاص تعكس فيه حلقة بحثية جرت في قاعة “معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية”، فإن ذلك يعود لاعتبارات معرفية بحتة لا تبتغي صب المديح ولا الذم والقدح اللذين عكستهما أدبيات المهتمين بالموضوع من بعض الإسلاميين والتيار العلماني العربي تحديدًا…

وهذا النزوع نحو خيار البحث المعرفي يعود للأسباب التالية:

أولًا: كون المعهد ومجلته “المحجة” يعنيان بطرح الموضوعات بلغة علمية تبحث عن مكامن وجوانب تقديم المفاهيم بالشكل الذي عني أصحابها على تقديمها.. مستخدمة اللغة النقدية التي لا تأخذها في سبيل إبراز وجوه من الحقيقة لومة لائم، تاركة لمذاق القارئ حق الخيار في القناعة.

ثانيًا: لقد شكلت القضايا المطروحة عند الوضعية التحليلية والمنطقية والتي تتبنّى الاتجاه العلماني تحدّيًا جدّيًا على صعيد قراءة الفكر الديني، مما يستدعي إعادة التفكير في تلك القضايا ومبانيها ومرتكزاتها التي تستند إليها.. وهو عمل لا ينبغي فيه التأكيد على الشقاق، بل البحث عن الملابسات التاريخية التي وقعت ضمن سياقات معينة فأولدت ذاك الموقف من أصحاب الاتجاهات العلمانية – على تنوعها- نحو الدين….كما أملت واقع ردة الفعل التي حصلت من قبل الكثير من المفكرين الإسلاميين – على تطور نظرتهم – تجاه العلمنة والعلمانية.

ثالثًا: بما أن حاضنة الطرح العلماني كان هو الغرب، والغرب لا ينطوي على مكونات الحضارة والبنى المجتمعية للشرق، وبما أن العلمانية جاءت كرد حاسم على سلطة الإكليروس المسيحي، – والإسلام غير المسيحية -، كما أنه لا يدعو إلى المؤسسة الدينية كجزء من نظامه العقيدي ومشروعه الإنساني العام… فلا بد من دراسة المدى  الذي يعني الإسلام والمسلمين في مجادلة العلمنة والعلمانية.

رابعًا: إن معهد المعارف الحكمية إذ يحمل في مشروعه الفكري وجهة نظر محددة تجاه كل ما يمت لفلسفة الدين، وعلم كلام الأديان بصلة، فإنه يرى في الكثير من طروحات الفكر العلماني (الفلسفي والأخلاقي) مادة قابلة للنقاش المعرفي المفتوح…

خامسًا: إن العلمانية سواء أقبلناها أم لم نقبلها، تمثل صورة من صور العلاقة مع الغرب.. وإن أخذ أي موقف معرفي منها لا يصح أن نفصله عن حدود العلاقة العملية مع الغرب.. بل بمعنى أصرح لا يمكن التغافل في بحثها عن سياق الصراع بين الغرب والشرق.. لنبحث واقع الصراع وهل يمثل ضرورة من ضرورات تاريخنا المعاصر، أو إنه مائز من مميزات التعدد الحضاري القائم بين الغرب والشرق؟!.

سادسًا: لقد عملنا في هذا الملف المتعلق بـ “الدين والعلمنة” على التنبه إلى أن الطرح العلماني الذي كان من حيث المنشأ والتطورات في سياقه التصاعدي وليد واقع سياسي واجتماعي غربي، انبثقت عنه رؤية نظرية سعت لإعادة تشكيل النظرة للعالم والمجتمع والعقل والتاريخ والإنسان، وهي نظرة مبنية على رفض الدين كموجّهٍ وحاكمٍ لتستعيض عنه بما أطلقت عليه اسم “المذهب الإنساني” الذي خاض صراعًا مريرًا مع الكنيسة، بحيث تم زرع جملة من الطروحات اللاهوتية المعلمنة ابتداءً من البروتستانت وصولًا لمقولات كاثوليكية سعى بحث د. جيروم شاهين لإظهار مسارها وما آلت إليه….

بحيث تم حصار الشأن الكنسي داخل جماعات الإكليروس ومحيطهم الخاص وحوّل الإيمان إلى مجرد نزوع نحو المطلق.

سابعًا: لما كان الغرب ككيان استحواذي يقدّم نفسه باعتباره “الحضارة النموذج” و”العقل النموذج”، كما كشفت عن ذلك الأبحاث المقدمة تحت عنوان “التصالح المجتمعي بين الدين وعلمانية الدولة”، و “الدين والعلمنة في نظام المعرفة والقيم” و “العلمانية والديموقراطية”.

وقد سعت هذه الأبحاث لتأكيد أن العلمانية توجت عوامل النهوض الثقافي في أوروبا وأميركا، وأثارت فكرة أن الإنسان كائن مكتفٍ بذاته على كل صعد الاحتياجات المجتمعية والفلسفية والقيمية؛ وبالتالي فقد تم أدلجة العلمانية في وقت اكتشف فيه العقل الإنساني -فيما بعد- عدم إمكانية الفصل التسطيحي بين ما هو ديني وما هو زمني، ذلك أنهما متلازمان تمامًا، ولقد كان من الحري البحث حول كيفية تنظيم صيغ العلاقة بينهما، بدل نفي العلمانية للدين….

كما أن النقوضات التي طرحتها الوضعية العلمانية للمقولات الدينية إنما نقضت بالواقع صيغ المقولات المبنية على المنطق الصوري، لا المقولات الدينية التأسيسية.. والثمن الذي دفعته العلمانية بسبب روحية طرحها الشمولي أوقعها بإخفاق كبير في نماذج التجربة التي أطاحت في كثير من محفزات الديموقراطية في بلدان ودول العالم، منها دول العالمين العربي والإسلامي. والتجربة التركية هي خير دليل على ذلك، كما أظهر بحث د. محمد نور الدين حول “العلمانية في تركيا”، في الوقت الذي لم يلتفت فيه أصحاب الاتجاه الشمولي للعلمانية تطور الفكر السياسي في الخطاب الديني الذي أبرز بعض عناوينه بحث د. حسين رحال حول “العلمانية والخطاب الإسلامي” خاصة إذا نظرنا إلى ما آل إليه بحث د. كارتسن ويلاند والذي اعتبر أن العلمانية هدفت للحد من تسلط القلة متغافلًا أن هذه القلة بقيت هي الحاكمة في مسرح الأحداث الغربية ومن تأثر بها في عالمنا العربي الإسلامي، كما أنه اعتبر أن العلمانية اعتمدت ولو من خلاله وجوهها المتعددة ثلاثة مظاهر هي:

  1. فصل الكنيسة عن الدولة.
  2. تخصيص حقل اهتمام الدين.
  3. التأكيد على نزعة اللاتدين.

وقد أبقت على قواسم مشتركة منها: الخبرة الثقافية، الحركة الفكرية والاجتماعية مع تزامن وتلازم تطورات الديمقراطية التحررية، سيادة القانون، حريات الأفراد، وحقوق الإنسان عامة مستقلة عن الإيمان الشخصي والمذهب، في المقابل كانت العلمانية في العالم العربي، – حسب المقال- شيئًا مختلفًا تمامًا.. وما ذلك إلا بسبب عدم أهلية العقل العربي على فهم مكونات وخصائص التجربة العلمانية التي استخدموها كأيديولوجيا، يعاود الحكام تركها للتمسك بالشعارات الدينية عند الحاجة، ولعل أهم ثغرة وقع فيها العقل العربي- حسب صاحب المقال- هو عدم القدرة على تفهم معنى المساواة في نظام القيم العلماني.. من هنا جاءت دعوته لضرورة التعرف إلى العلمانية وبثها في الطروحات الإسلامية التي اهتم الكاتب بإبراز وجوه محددة منها مؤكدًا على أن العالم عليه أن يقسم أصحاب الطروحات والرسالات إلى قسمين:

قسم خير وصالح، وآخر سيّء وشرير…

وعلى العقلاء الصلحاء التعامل مع الطرف الآخر ضمن سياسة “التسامح بمنطق القوة” من أجل نشر تعاليم العلمنة..

وهو ما لم يوافق عليه أصحاب الأوراق العربية والإسلامية وإلى مراجعة الإسلام كنظام سيادي للمنطقة يمكن لأصحابه أن يتحدثوا عن هويتهم، بالشكل الملائم لواقع حالهم وحال شعوبهم وبلدانهم وطروحاتهم العقيدية والقيمية…

العلمانية في تركيا: مضمون مختلف وتطبيق خاطئ

تحميل البحث: العلمانية في تركيا – محمد نور الدين

يعالج هذا البحث إشكالية العلمانية في تركيا، ويواكب تطورها التاريخي، والمراحل التي مرّت بها. عالج في البداية الأصل اللاتيني للمصطلح، وكيفية عمل بعض المفكرين العثمانيين على تسويغه ليصبح قابلاً للتطبيق في مجتمعات إسلامية، لينتقل بعد ذلك إلى المرحلة الكمالية، والتحدّث عن الدور الذي لعبته في تغيير وجه تركيا الإسلامي، وكيفية تحولها من إمبراطورية في المخيال الأوروبي رديفة للإسلام إلى دولة قومية معادية للدين.

العلمانية والدين (الحدود من وجهة النظر الغربية)

تحميل البحث: العلمانية والدين- الحدود من وجهة النظر الغربية- كارتسن ويلاند

ترجمة: أحمد عيد تفاريق https://al-mahajja.org/author/ahmad-tafirik/

تتابع هذه المقالة المحتويات المختلفة للعلمانية الغربية وتطورها. وتبرهن بأن العلمانية بهذا المعنى لديها ثلاث عناصر جوهرية، وهي أكثر من أيديولوجيا سياسية ضعيفة ولكنها متضمّنة، وبشكل عميق، في السياق المجتمعي. وهذا يخالف مفهوم العلمانية الذي خبره العالم العربي. ومن خلال النص، يشير الكاتب بشكل رئيسي إلى الإنجازات التي حققتها العلمانية الأوروبية كنتيجة لحركة التنوير. وتبحث بعد استكشاف بعض الاختلافات الحاسمة، عن إمكانيات وجود أسس مشتركة في الفلسفة والممارسة، بين الفكر الإسلامي والعلمانية.

التصالح المجتمعي بين الدين وعلمانية الدولة

تحميل البحث: التصالح المجتمعي بين الدين وعلمانية الدولة- وجيه قانصو

 يعالج هذا البحث التصالح المجتمعي بين الدين والعلمانية. يبدأ بتعريف العلمانية، وينتقل إلى معالجة التاريخ والنشأة، الذي يظهر كيفية تبلور هذا المصطلح في الفكر الحديث والمعاصر ودلالاته السياسية والفكرية، ثمّ الحديث عن ضرورة الدين، وتبلور العلمانية كتحول في الإيمان، ويقف عند هذه النقطة لينتقل إلى الحديث عن العلاقة بين الإسلام والعلمانية. وأخيرًا، يقدم قراءة نقدية للعلمانية، يعتبر فيها أن العلمانية ليست نهاية الحدث الغربي، وليست الشكل النهائي لصورة النظام السياسي فيه، فهي لم تعد تلك الفكرة الذكية التي تحمي الإنسان، فقد سلبت السحر عن هذا العالم ولم تعد قادرة على إعادة التوازن إليه.

الدين والعلمنة: نظام المعرفة والقيم

تحميل البحث: الدين والعلمنة- نظام المعرفة والقيم- الشيخ شفيق جرادي

يسعى هذا البحث إلى معالجة الهوية المعرفية والقيمية لفلسفة كلٍ من العلمانية الشاملة، والدين الشامل، الذي يمثله الإسلام بالتحديد، والذي ينطوي على معالجات تدخل في كل مسام الفكر والعقيدة والمعرفة والقيم والنظم الفردية والجماعية والتاريخية… فيبدأ باستعراض فرضيات العلمانية، لينتقل بعد ذلك إلى استعراض مادة القضية الدينية، ليستخلص النتائج.