حاشية العلامة الطباطبائي على برهان الصدّيقين

ترجمة ديما المعلم

قد لا يجوز اعتبار العلّامة الطابطبائيّ أبًا للفلسفة الإيرانيّة الإسلاميّة المعاصرة. ومن أهمّ إسهاماته في مجال الفلسفة الإسلاميّة الحواشي التي وضعها عند تحقيقه كتاب الأسفار للملّا صدرا. أمّا أوسع هذه الحواشي انتشارًا، فهي الحاشية على الدليل الذي يثبت وجود الله، وهو برهان الصدّيقين التي يستخدم العلامة فيها مصطلح الواقع بالإضافة إلى المصطلح المألوف، ألا وهو مصطلح الوجود. يُستهَلّ هذا البحث بدراسة حاشية الطابطبائيّ، يتبعها بحث في كيفيّة الدفاع عن فحواها، ردًّا على بعض الانتقادات المفترضة. ولهذه الغاية، يأتي ويلارد كواين خصمًا وناقدًا مفترَضًا أبيّن من خلاله صوابيّة حجّة العلّامة الطابطبائيّ.    

‘Allamah Tabataba’i’s Footnote to Mulla Sadra’s Proof of the Sincere

Muhammad Legenhausen

‘Allamah Tabataba’i may be considered the father of contemporary Iranian Islamic philosophy. Among his most important contributions to Islamic philosophy are the footnotes he made while editing Mulla Sadra’s Asfar. One of the most often cited of these notes pertains to a proof for the existence of God, called the burhan al-sidiqin (proof of the sincere). In this note, ‘Allamah suggests a version of the proof that makes use of the term waqi’iyah (reality) in addition to the more customary wujud (existence). This paper begins with the examination of ‘Allamah’s footnote; and then considers how the basic idea could be defended against some hypothetical criticisms. For this purpose, Quine is introduced as a foil and virtual critic of ‘Allamah.

العدد 31

تحميل العدد: العدد 31:  العلامة الطباطبائي

فهرس المحتويات:
الافتتاحية    حسين السعلوك
العلامة الطباطبائي
العبودية: مرتبة وجودية ونظام معرفي: قراءة في أفكار الطباطبائي    الشيخ شفيق جرادي
حاشية العلامة الطباطبائي على برهان الصدّيقين    محمد لغنهاوزن
الخصائص العامة للانسان منم منظور الطباطبائي    حسن بدران
اللغة والكلام والفكر عند العلامة الطباطبائي وعلاقتها بفهم القرآن الكريم    أحمد ماجد
الإستدلال بمنهج التلازم ي بناء النسق العقائدي عند العلامة الطباطبائي: المنهج، المبنى، التطبيق    سمير خير الدين
مفهوم السعادة في تفسير الميزان     ابراهيم بدوي
منازل الفلسفة الغربية في فكر الطباطبائي: استعراض موجز لكتاب “أصول الفلسفة والمنهج الواقعي”    مازن المطوري
“الميزان” في الدراسات الإيرانية   أمير رضا أشرفي

إفتتاحية العدد 31

شهد العالم الإسلامي في القرن العشرين حراكًا فكريًا فريدًا تمثّل بانفتاح المؤسسات الحوزوية على أنظومات الفكر المناوئ – الغربي منه أو العربي –، وقد كان هذا الانفتاح أثرًا طبيعيًا لاجتياح بعض المدارس المادية واللادينية للساحة الفكرية في بلاد المسلمين، نتيجة إرهاصات سياسية تاريخية لا مجال لبسطها، حيث كان لهذا التحول آثاره الهادمة لبنية المجتمع الإسلامي، فتنطّح إذ ذاك بعض أساتذة الحوزات العلمية للدفاع عن تعاليم الدين ومواجهة الطروحات النظرية لتلك المدارس. وقد لزم في هذا المسعى أن يتمسك روّاد هذا الحراك بخلفيات التأصيل الفكري التي توفرها الحوزة من جهة، وبميسم الاجتهاد الفكري الذي يتخطى السائد من المعالجة ويفتح للعاقلة آفاقًا علميةً جديدة من جهة أخرى، بحيث يضحي المفكر متوفّرًا على دافع الخوض في حقول وميادين جديدة ولكن برؤية ونفس أصيل ورؤيوي.

ولكن مساعي هذه الزمرة لم تنجُ من نقودات علماء الداخل، وبالداخل أعني المنظومة الإسلامية، لأنه إن كان من خطير الادّعاء القول إن ارتكان الفلسفة إلى مقولات الدين – أي دين كان – هو عامل إقصاء لحيوية تلك الفلسفة وتحديدٍ لمدياتها الغائية في استقراء الوجود، فإن الأخطر منه ادّعاء أن الفلسفة ومطالبها علوم غريبة عن الدين، مشوهة لصورته وحقيقته، نازعة سمة القداسة والإلهية عنه. وهذان تياران كان على أصحاب التوجه المذكور التصدي لهما.

ولإن كنا سنخوض في مسعًى استشرافي لأهم أعلام هذا الحراك، فإننا سنجد العلامة الطباطبائي على رأس قائمة أولئك العلماء، لما اضطلع به من دور مركزي في ذاك السياق. فقد خرج الرجل في عصر كانت الفلسفة تنحو فيه نحو عملية بتر لكل ما هو ديني فيها، لا سيما في العالم الإسلامي، والحوزات تنحو نحو إقصاء لكل مشتغل أو مهتم بالفلسفة، فخرج إذ ذاك ليعيد نسج خارطة العقل الإسلامي والفلسفي على حد سواء، مثبتًا – أو ساعيًا إليه بالحد الأدنى – أن الفلسفة لا يمكن أن تحاكي واقعًا تُغيّبُ منه عالم ما وراء الطبيعة، وما يتعلّق به من مقولات الغيب والإلهام والشهود وغيرها، ومثبتًا من جهة أخرى أن الفهم الديني الحقيقي لا يمكن أن يصبح منتجًا حقيقةً ومعايشًا لهواجس العاقلة الإنسانية المتأخرة ما لم يكن على اضطلاع بمقولات الفلسفة، باسطًا لوجهته فيها، ليعيد بذلك إرساء لُحمة بين هذين الحقلَين.

إلا أن حصر الجهد المعرفي للعلّامة بهذا الحقل قد يكون من الإجحاف بمكان، حيث إن مساحة عمل الرجل تتخطى مجرد دور المدافع في إزاء الطروحات الهجينة، فقد كان له دور ريادي في التأسيس لإعادة تشكيل الرؤية الإسلامية حول الله والإنسان والعالم، وذلك عبر إسهاماته التي قدّمها في سائر مجالات العلوم الدينية والعقلية، وإنجازاته التي يشهد له بها كل مطّلع؛ فقد أرسى – رحمه الله – منهجًا مستحدثًا في تفسير القرآن، يعتمد آيات القرآن نفسها منطلقًا لتفسير سائر النص القرآني؛ كما وسعى إلى إعادة تقديم النظام الفلسفي لملا صدرا بمرتكزات جديدة، مضيفًا إليه بعض الإبداعات الجديدة كبحثه حول الإدراكات الاعتبارية، وطروحاته في نظرية المعرفة، وغيرها؛ كما وعمل على صياغة نسق عقائدي مواده اليقينيات من القضايا وعناصر هيئته الاستدلال بالتلازم؛ كما وقدم بحوثًا في العرفان والولاية يقع الإنسان فيها أصلًا موضوعيًا يُلحظ في سياق علاقته بالمطلق؛ ذاك كله مضافًا إلى مباحثه في التاريخ والسيرة.

وبذلك، فقد كان لهذا العالم قدم السبق على سائر علماء عصره، وهذا مردّه إلى ما توفرت عليه منظومته الفكرية من مميزات فريدة. فقد اتّسمت تلك الشخصية أولًا بالموسوعية والشمولية، حيث كان ضليعًا في الفلسفة والعقائد طويل باع في الفقه والأصول والحديث متمرّسًا في علوم القرآن والتفسير محيطًا بحقول السيرة والتأريخ، إلى غير ذلك من المجالات؛ واتّمست شخصيته ثانيًا بالعمق والغزارة، حيث كان في كل واحد من تلك المجالات عميق التناول غزير الطرح، يقف على دقائق القضايا ويسائل المركوز فيها فلا يتلهى بالسطحي منها مغمضًا عينه عن لبها وأسِّها؛ ثم اتّسمت شخصيته ثالثًا بالجدة والريادة، حيث كان في كل القضايا العلمية رائدًا في طرح الجديد الذي يفتح آفاق الفكر على موضوعات مفصلية لم يكن قد سبق الخوض في طرحها؛ واتّسمت رابعًا بمسيم الإحيائية لمفهوم الأصالة الإنسانية، حيث جُعل الإنسان في فلسفة الطباطبائي وفكره أصلًا ترتكز عليه فروع المطالب وبلحاظه ترتسم الأفكار وتخاض النقاشات؛ واتّسمت أخيرًا بالواقعية الموضوعية، حيث استندت معظم استدلالاته الفلسفية أو العقائدية أو غيرها على أصول موضوعية هي القضايا اليقينية، وبهذا فإن طروحات الطباطبائي موافقة لما بإزائها في الخارج، أي مطابقة للواقع ونفس الأمر، سواء كان الواقع خارجًا أو ذهنًا أو شيئًا غيرهما.

والمحجة إذ تعمد في عددها هذا إلى استعادة أهم المرتكزات والأسس المنظومية لفكر العلامة الطباطبائي، فهذا مسعًى منها ينصبّ في سياق السعي إلى إعادة قراءة الذات بغية تكوين هوية إسلامية أصيلة ومشخّصة، ذاك أن موضوع الهوية مماسّ ولصيق بموضوع الثقافة ودورها في بناء الذات، خصوصًا مع ثقافة كتلك التي أرساها العلّامة الطباطبائي، الذي جعل التوحيد محورًا دارت حوله كل طروحاته، واتخذ القرآن قاعدةً ارتكز إليها في كل فتوحاته العلمية؛ ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذه الاستعادة.

ولا يفوتنا الإشارة في هذه العجالة إلى أنه سيصار في أعداد قادمة من المحجة إلى نشر أبحاث علمية تقع في إطار مشروع فكري ينطلق من نفس التوجيه المذكور أعلاه، يعمل الباحثون خلاله على بناء نظام منهجي لفكر العلامة الطباطبائي الفلسفي بالاستناد إلى كتابه نهاية الحكمة، فيضحي هذا العدد مثابة مقدمة لمشروع بحثي طويل تباشره المحجة في أعدادها القادمة.

 

مع العدد

يُستفتح العدد بورقة بحثية لشفيق جرادي يقدم فيها رؤيةً تأسيسيةً لمفهوم العبودية كما يطرحها الطباطبائي، يُرى إلى الإنسان “العبد” فيها بما هو رابط ومظهر لحقيقة القيومية الإلهية، ممهدًا بعد ذلك إلى طرح أساس نظري لنظام قيميّ يرتكز عليه مفهوم العبادة في الإسلام. ثم نطالع بعدها مقاربةً لمحمد ليغنهاوزن ينطلق فيها من حاشية العلّامة الطباطبائي على برهان الصديقين كما طرحه صدر الدين الشيرازي في كتاب الأسفار التي أرسى فيها أصالة الواقع ليواجه طروحات التيار الطبيعاني وبالتحديد آراء ويلارد كواين.

ثم نقف بعدها على طرح بحثي لحسن بدران يتمحور حول فهم الطباطبائي للإنسان تكون الركيزة فيه رؤية الطباطبائي للاعتباريات – بما تختزنه من دلالات على حقائق وجودية تحتها – في سبيل إعادة تشريح البنية الإنسانية على أساس أنثروبولوجيا النفس والروح عند العلّامة.

بعد ذلك نستطلع مع أحمد ماجد الأبعاد المعرفية لمقولة اللغة وماهيتها ودورها عند الطباطبائي، منتقلين منه إلى تناول مفردات اللسان والقول والكلام مع تفريق بينها، لنصل إلى دراسة العلاقة بين الكلام والفكر، مختتمين المطاف ببحث الروابط بين القرآن الكريم واللغة والفكر.

ونعبر بعد ذلك مع سمير خير الدين على دراسة المنهج الاستدلالي العقائدي عند الطباطبائي والذي يرتكز بشكل أساس على السير التلازمي، مطالعين لأهم خصائص هذا السير، متعرضين بعدها لبعض صيغ تطبيق هذا السير على القضايا العقائدية. وننتقل بعدها إلى معالجة إبراهيم بدوي الذي يقدم قراءةً استشرافيةً حول مفهوم السعادة، باسطًا لأهم الآراء المطروحة في سياق معالجته، مختتمًا برأي العلّامة ووجهته، مشعّبًا البحث في وجهتين، أولاهما البحث في نفس معنى مفهوم السعادة، وثانيهما البحث في كيفية تحصيلها.

ثم بعده يقدّم لنا مازن المطوري قراءةً موجزةً في كتاب أصول الفلسفة والمنهج الواقعي للعلّامة الطباطبائي يقف فيها على كل مقالات الكتاب ليقدم الفكرة الأساس لكل منها، لاحظًا الكتاب بما يشكل من أرضية لفهم منازل الفلسفة الغربية في فكر العلّامة الطباطبائي. ونختتم عددنا بدراسة بيبلوغرافية يبسط فيها أمير رضا أشرفي أهم المنجزات العلمية المقدمة في إيران حول العلّامة الطباطبائي وتفسيره الشهير الميزان في تفسير القرآن، من مؤتمرات وكتب وطروحات وغيرها.

والحمد لله رب العالمين.

العبودية: مرتبة وجودية ونظام معرفي: قراءة في أفكار الطباطبائي

ثمّة شيء أبعد من رابطة الاشتراك في الجذر اللغويّ، وأعمق من مجرّد تقاطع المعاني والدلالات يربط مفردات “العبد” و”العبوديّة” و”العبادة” ومثيلاتها، لا سيّما عندما تكون الذات الإنسانّة نقطة التلاقي بين هذه المصطلحات، إذ تختزن موضوعة “العبوديّة” طاقةً هائلةً تنفذ إلى عناصر الفاعليّة الدينيّة، إن على مستوى السلوك الفرديّ اليوميّ، أو الوعي الكليّ للجماعة الدينيّة، ناهيك عن محوريّتها في فهم الخطاب الدينيّ المرتكز إلى ثنائيّة “الله والإنسان”. ولا يخفى هنا أنّ تنزّل الإنسان منزل “العبد” من هذا المنظور – وليست العبوديّة هنا بمعنى الرقّ – مستفزّ لمجمل الخطاب الآخر، المسمّى أحيانًا تنويريًّا أو إنسانويًّا، فهو يستدعي على الدوام إشكاليّة الحضور الإنسانيّ في ظلّ القيوميّة الإلهيّة المطلقة التي تفيء إليها المنظومة الدينيّة – في نسختها التوحيديّة على الأقلّ. وينعطف هذا الجدل، ولا بدّ، عند سؤال “الحريّة” وإشكالات “الفرديّة” و”الاستقلاليّة” و”الإنّيّة”. وليس الخلاف مقصورًا على تيّارات فكريّة تختلف في أصل الدور الدينيّ في حياة البشر، بل يتعدّاه إلى داخل الرؤية التوحيديّة نفسها؛ ولا أدلّ على ذلك من المحاورة اللاهوتيّة بين مركزيّتَي “ابن الله” في المسيحيّة و”عبد الله” التي تَسِم – في نفس فعل الإقرار بالإيمان – الممارسة الطقسيّة الإسلاميّة اليوميّة بميسمها الفريد.

By and large, there is a correlation among the three Arabic terms of “al-ʿabd” (the servant), “al-ʿubūdiyyah” (servanthood), and “al-ʿibādah” (worship), one that surpasses their common linguistic root and goes beyond their close connotations, namely, as the point of convergence of all these three terms is, by definition, the very human self. The very concept of “al-ʿubūdiyyah,” then, holds a great power that has access to the elements of religious activity on the levels of, both, individual behaviors and the universal consciousness of the religious community, let alone its centrality in understanding the religious discourse that is based on the duality of “God and Man.” It is not a secret that man being at the very status of “al-ʿabd” from this perspective – where al-ʿubūdiyyah in this sense connotes not slavery – is provocative of the other discourse, often dubbed humanistic or enlightened. Such a discourse unabatedly returns to the question of the human presence in light of the absolute divine sustenance to which religious systems ultimately go back to – monotheistic versions of which, at least. This dispute inevitably comes up upon discussing the question of “freedom,” along with questions of “individualism,” “independence,” and “selfhood” in all their complexities. The scope of this polemic is not restricted to those intellectual currents that look differently at the role religion plays in the human life. It rather stretches out to the monotheistic approach itself. This is manifestly obvious in the theological dialogue on the centrality of “ʾIbn ʾAllāh” (the Son of God) in Christianity vis-à-vis “ʿAbd ʾAllāh” (the servant of God) in Islam which characterizes the unique daily Islamic rituals and practices, precisely by means of the act of professing belief.

منازل الفلسفة الغربية في فكر الطباطبائي: استعراض موجز لكتاب “أصول الفلسفة والمنهج الواقعي”

لا بد، في سياق لحاظ النتاج الفلسفي للعلّامة الطباطبائي، من الوقوف على كتاب أصول الفلسفة والمنهج الواقعي وإفراد حيّز خاص له باعتباره أحد أهم ركائز وأركان نظام العلّامة الفلسفي. وقد لا نجانب الصواب إن قلنا إنّ هذا الكتاب يعتبر من أنضج التجارب الفلسفية التي قاربت طروحات الفلسفة الغربية – الأنطولوجية والإبستيمولوجية على حد سواء – بنَفَس إسلامي. وفيما يلي مقال تعريفي بالكتاب.

Upon reflecting on al-ʿAllāmahaṭ-Ṭabāṭabāʾī’s philosophical works, it is inevitable to stop by his ʾUṣūl al-Falsafah w-al-Manhaj al-Wāqiʿī [the Principles of Philosophy and the Method of Realism] per se as it represents the most crucial pillar in the philosophical tradition of al-ʿAllāmah. It holds true to posit that this book is deemed as one of most mature philosophical experiences approaching the treatises of western philosophy – those ontological and epistemological, equally – imparted with an Islamic breath. The following article, accordingly, introduces this book.

مفهوم السعادة في تفسير الميزان

لمّا كانت السعادة أمرًا تصبو إليه نفوس بني البشر، ولمّا كان تحصيلها غايةً يسعى أبناء النوع إلى بلوغها، فإن البحث في مسألة السعادة أخذ في مساعي الفلاسفة شطرًا كبيرًا. وقد تشعّب البحث هذا في منحيَين: (1) البحث في نفس مفهوم السعادة، و(2) البحث في كيفية تحصيلها. ومن بين الساعين في هذا المضمار قد يعتبر العلّامة الطباطبائي أحد أصحاب الطروحات الأكثر نضجًا لما لحظَهُ في مسعاه من نتاج السابقين عليه من الفلاسفة ولما أضافه إليها من آرائه الخاصة.

Islamic philosophers expounded thoroughly upon the very question of happiness inasmuch as it is the ultimate aim the human kind strives to achieve. The study of happiness, as such, ramifies into two different courses: (1) the study of the very concept of happiness and (2) the study of the ways that lead to happiness per se. Yet, al-ʿAllāmahaṭ-Ṭabṭabāʾī stands as a prominent figure amongst those scholars who once attempted to study happiness, introducing one of the most mature treatises in this vein through building upon the works of preceding philosophers and presenting his very views.

“الميزان” في الدراسات الإيرانية

لا يشك اثنان في أن الثورة الإسلامية في إيران تعتبر من أهم الأحداث التي شهدها تاريخ البلاد، فقد حقّقت هذه الثورة بنجاحها، بقيادة الإمام الخميني، النموذج الأصلح لنظام حكم إسلامي في العصور الحديثة، إلا أن نجاح هذه الثورة وامتدادها حتى يومنا هذا لم يستند إلى جهود الإمام وغيره من أبناء الثورة السياسية فقط، بل استند أيضًا إلى جهود مجموعة من العلماء الذين حملوا لواء النهوض العلمي، والذين كان على رأسهم العلّامة السيد محمد حسين الطباطبائي، ولذلك فإن تراث العلّامة لا زال حتى يومنا هذا يُستعاد ويُقرأ في دراسات وكتابات وأنشطة علمية معاصرة.

It is a matter of consensus that the Islamic revolution of Iran is of the most important occurrences the country has witnessed, for, under the leadership of ʾImām Khomeini, the success of the revolution introduced the best possible of an Islamic system of governance in the modern era. Nonetheless, the unabated success of the revolution was not founded exclusively on the efforts of the ʾImām or his fellows within the circle of the political revolution, but was also established on the efforts of a group of other scholars who hold the banner of the scientific development so dear – headed by al-ʿAllāmah Muḥammad Ḥusaynaṭ-Ṭabāṭabāʾī. Hence, it is until today that the literature of al-ʿAllāmah is reflected upon, reread, and plotted in many studies, books, and contemporary scientific activities.

اللغة والكلام والفكر عند العلامة الطباطبائي وعلاقتها بفهم القرآن الكريم

أثارت أعمال العلّامة الطباطبائي الفكرية كثيرًا من القضايا التي تحاكي العصر والتي من شأن تفعيلها والحديث عنها الإجابةُ على كثير من الأسئلة، ومن بينها اللغة وماهيتها ودورها في فهم النص الدينيّ، ولذلك فقد كان من الجدير العمل على أخذ هذه القضية ولحاظ نظرة العلّامة للغة وطبيعتها ومنشئها، ثم الميل معه للحديث عن اللسان والقول والكلام والفرق بينهما، حتى إذا استُكمل الحديث عن هذه العناصر، تم التوجه إلى دراسة العلاقة بين الكلام والفكر، لنحط الزاد في نهاية الأمر عند محطة تطبيقية ضرورية تبحث الروابط بين القرآن الكريم واللغة والفكر. ويقع ذلك كله في سبيل لفت النظر إلى أهمية الموضوع وانعكاساته الهامة على كثير من القضايا.

The intellectual works of al-ʿAllāmahaṭ-Ṭabāṭabāʾī have provoked many a question that speak to the modern world and trace answers for many questions that include questions on language per se and the role it plays in understanding the scripture. That is why, it is deemed crucial to reflect on al-ʿAllāmah’s view on the very question of language and the thereof nature and origin, to, then, expound upon his view on the relation between speech and intellect, reaching to an applied, crucial stance on the relation between the Qurʾān, language, and intellect. We, thus, aim at shedding light on the importance of this subject and the profound implications thereof on many issues.

الخصائص العامة للانسان منم منظور الطباطبائي

يتجلى فهم الطباطبائي للإنسان من خلال إسهامه في بناء منظومة قيمية تأخذ بالحسبان دور الاعتبارات العملية في إعادة تشكيل اللحمة مع عالم الغيب؛ وما الاعتبارات سوى وسائل لحقائق وجودية تحتها، وليست هي غايات في نفسها؛ ولهذا يحيلنا الطباطبائي وعلى الدوام إلى النظر فيما هو أبعد من تلك الاعتبارات والتي قد يؤدي عزلها عن أصولها إلى اختزال الحقيقة الإنسانية في البعد التجريبي، أو الاعتباري البحت، الأمر الذي يوقعنا في حلقة مفرغة تتصنّم عندها الاعتبارات، وتنقلب عن غاياتها المرجوة إلى سلوكيات عدمية ليس في قاموسها سوى لغة النبذ والتكفير وطمس معالم الهوية الإنسانية. من هنا، كان من الضروري أن نعاود تشريح البنية الإنسانية على أساس أنثروبولوجيا الروح والنفس عند الطباطبائي لما لذلك من أهمية قصوى في فهم سيرورة الإنسان على مستوى أبعاده الوجودية والغائية.

aṭ-Ṭabāṭabāʾī’s understanding of man is manifested through his contribution to tracing out a system of values that takes into account the sensible contingents to reestablish the very connection with the world of the Unseen. The contingents, qua contingents, are none other than instruments underlying ontological truths. They stand not as an ultimate aim as such. Therefore, al-ʿAllāmahaṭ-Ṭabāṭabāʾī often leads us to explore what lies beyond such contingents that once singled out from the origin thereof might lead to the reduction of the human truth unto the empirical or absolute, nominal dimension, which alludes to a vicious circle whereby the contingents are idolized, drifting from their original aims towards nihilistic behaviors that connote abandon, takfīr, as well as the eclipse of the human identity. Accordingly, it is instrumental to reread the human entity in light of the anthropology of the soul and self in aṭ-Ṭabāṭabāʾī, as it is crucial to bring about an understanding of the process of man in the levels of his ontological and teleological dimensions.

الإستدلال بمنهج التلازم ي بناء النسق العقائدي عند العلامة الطباطبائي: المنهج، المبنى، التطبيق

يُمكن قراءة تجربة العلّامة الطباطبائي التفسيريّة بوصفها بناءً دينيًّا منظوميًّا تحتلّ فيه المقولات الإسلاميّة المختلفة موقعها منه كُلٌّ بحسب ما يُناسب متانة البناء وحُسنَ السبك وانسيابيّة الانتقال من مقولة إلى أخرى. وما تفسير القرآن بالقرآن إلّا استبطان لهذا الفهم النسقيّ الذي يسعى فيه الطباطبائيّ إلى احتواء مكوّنات النصّ الدينيّ واستنطاق دقائقه بحيث لا يحيد منها أيّ عنصر عن الجادّة التي تمثّل، بحسب العلّامة، الرسالة القرآنيّة المـُثلى. وقد توخّى الطباطبائيّ لرؤيته تلك مناهج متعدّدة برز من بينها ارتكازه إلى الاستدلال بالتلازم المنطقيّ للحفاظ على نسقٍ عقائديّ منضبط تترتّب فيه الإشكالات الكبرى ولا تتضارب فيما بينها. ويقوم السير التلازميّ، بما ينطوي عليه من تكثير للمعارف وتجميع منظوميّ لشتاتها، على مبادئ تلحظ العلّيّة والغائيّة بين اللازم والملزوم. ولذا، يصعب تفكيك ما جمعته صرامة التلازم، ممّا يجعله أوثق في البناء العقديّ من ضروب تشاكله أو تتقاطع معه، من قبيل الاقتضاء والتماثل والاندراج، بل وحتّى الاستقراء في ظروف محدّدة. وليس النصّ المقدّس معيارًا أوحدَ في إرساء التلازميّات، إذ لا يُمكن إغفال حضور الإنسان وسيطًا أصيلًا فيها، ولا يُكتفى بالموضوعيّة المنطقيّة الصمّاء، وإن كان العقل مذعنًا لها، بل تُستدعى التجربة الإنسانيّة الحيّة لاكتشاف الرابطة الواقعيّة بين طرفَي التلازم؛ بهذا ينقلب الإذعان إيمانًا متبصّرًا، وينفتح كلّ ما كان مستغلقًا في النصّ على إثراء معرفيّ لا ينضب.

By and large, it is safe to read the very exegetical experience of al-ʿAllāmahaṭ-Ṭabṭabāʾī being a systematic, religious approach based on Islamic arguments. The exegesis of the Qurʾān through the Qurʾān per se is none other than a manifestation of this very systematic understanding through which aṭ-Ṭabṭabāʾī seeks to, both, embrace the constituents of the scripture and disclose the details thereof that bring about an understanding of, according to al-ʿAllāmah, the ultimate Qurʾānic message. Aṭ-Ṭabṭabāʾī, in this regard, draws on many a method, the most prominent of which is deduction through logical concomitance (talāzum) in order to preserve a systematic doctrinal pattern through which the crucial questions are organized rather than being at variance with one another. aṭ-Ṭabṭabāʾī’s method is based on principles that draw on the concomitance between the concomitant (lāzim) and that which is concomitant upon it (malzūm) as being final causes of one another. That’s why; it is hard to break the bond of concomitance, rendering it more authentic in terms of doctrinal establishment than the likes thereof. The scripture per se is not the unique standard for establishing instances of concomitance, for one fails not to notice the role of man himself as a pivotal intermediary in these instances. Albeit it rules human reason, absolute objectivity should not simply be acquiesced to. Rather, the living human experience should be called upon in order to reveal the real bond existing between the two elements of concomitance. Only then will acquiescence become an enlightened act of faith that discloses what was shut off within the text toward an affluent knowledge that fades not.