المنهج الفكري للسيّد محمد حسين فضل الله (ره) في فهم الإسلام

إنّ ما يمتاز به السيد فضل الله (ره) أنّه أسّس منهجيّته من داخل النظام الاستدلالي المعروف، وهو لا يشذّ عن أركان الاجتهاد ضمن البارادايم السائد، وهي التي حُصرت في أربعة: القرآن والسُنّة والعقل والإجماع، إلّا أنّه قدّم تعديلات فيه. وهذا ما خلق قاعدة منهجيّة للحوار المشترك بين أتباع المدرسة السائدة والمدرسة الفكريّة التي مثّلها السيّد فضل الله (ره)، لا الحديث عن مدرستين مختلفتين جذريًا. وذلك عبر ثلاثة ملامح أساسيّة في فهم الإسلام طرحها هي؛ النصّ، والعقلانيّة والواقع.

آفاق التعدّد المنهجي في منظومة العقل الوحياني عند العلامة عبد الله الجوادي الآملي

لم يتمكّن أصحاب المنهج التجريبي إلّا أنْ يُخضعوا النفس الإنسانيّة العالِمة للتفكيك والتجزئة في المعرفة المُكتسبة، كما أخضعوها لثنائيّات المتعالي والدنيوي (الحسي)، حيث حصروا كلَّ العلوم مهما كانت موضوعاتها في السلسلة الأفقية العرْضية اتّكاءً على منظومة الوجود المنحصرة في عالَم المادّة والحسّ؛ أمّا العقل الوحياني عند الآملي فيرتبط بمنظومته التفكيرية في علم المعرفة، القائمة على التعدّد والغنى المعرفيَّيْن، حيث الوجود غير منحصرٍ في عالَم الحسّ والتجربة، بل يتعدّاه طوليًّا إلى عوالِم أخرى، فيعطي العقلَ الإنساني القدرة على إبداع الحلول للمشكلات المعرفيةّ المُستجدّة بحسب القدرة والقابلية الإنسانيَّتَيْن.

 

الرؤية والمنهج عند جمال الدين الأفغاني

قُرِأ جمال الدين الأفغاني من قبل العديد من الدراسات، فتمّ التركيز على جوانب من حياته، أُثيرت من خلالها الكثير من الظلال على هذه الشخصية، حيث كان الجانب السياسيّ والمذهبيّ والإثنيّ هو الأَصل وما تبقى عبارة عن فروع، وفي هذا الأمر تحاملٌ كبيرٌ عليه، فهذا المفكّر، وإن اشنغل بالسياسة إلّا أنّه كان ينظر إلى هذا الجانب انطلاقًا من رؤية عميقة للاجتماع الإنساني وكيفيّة تأسيسه والنهوض به انطلاقًا من رؤية كلّية، فالسياسة وحتى في أكثر جوانبها الجهادية، لم تكن إلّا انعكاسًا لرؤيته الفلسفيّة، بالتالي الاشتغالات على جانب واحد من الموضوع يؤدّي إلى تفويت الفرصة للتعرّف عليه بحقيقته، وما كان يسعى لتحقيقه، وهذا البحث، سيحاول أن يبيّن ما أغفلت عنه الدراسات السابقة، ليذهب نحو العميق في فكره.

جمال الدين الأفغاني،الأمّة،الإصلاح، الحكم، الدين،العقل،الوحي

قراءة في فكر راشد الغنوشي

الدولة في فكر الغنّوشي لا هويّة دينيّة لها، كما أنّ جهازها الإداري محايد، يلتقي مع طروحات فصل الدين عن الدولة، وإبعاد الدولة عن التوظيف الديني، إلّا أنّ هذا الطرح تغيّر عنده بعد الثورة في تونس وعودته إليها التي فضّلها على الركون للمستبدّ مهما كان ظلمه. كما دعا إلى توسيع دائرة الأمّة لتشمل المسلم في كلّ أقطار العالم، فجنسيّة المسلم هي هويّته الإسلاميّة بعيدًا عن التحديدات الجغرافيّة.

قراءة جديدة في منهجيّة البحث عند الشيخ محمّد رشيد رضا (الأسلوب الحواري- الاستنبات الثقافي – التأسيس المقاصدي)

ينحو أسلوب الشيخ محمّد رشيد رضا نحوًا فلسفيًّا يفترض دائمًا وجود ثنائيّات لم يتمّ توظيفها لمجرّد استعراض المواقف والحلول المتنوّعة والمتباينة، بل إنّ منهجية المنهج المناري وظّفتها لرصد الأولويات ودوائر الاستقطاب التي يفترض مراعاتها في كلّ مسار بحثي على حدة، وذلك قبل الولوج إلى الحلول والتوصيات. وخلافًا للنظرة التقليديّة، يبيّن أنّ السبب والسنّة الكونيّة لم توجد لتحجب دور وفاعليّة الإنسان العاقل في صناعة التاريخ وفي طلب الرقيّ والتقدّم. ثمّ إنّ التأويل شكّل بابًا لتشكيل دعامة لأجل مطلب مدني، وهو برأيه نوع من أنواع الاجتهاد.

الوحي والنصّ المقدّس

يروي النصّ المقدّس قصّة تاريخ الخلاص، قصّة عهد الله إلى إبراهيم وقد تجدّد بالمسيح. ليس المراد هنا نصًّا مُلهمًا أو موحًى، بمقدار ما هو شهادات بشريّة عن تاريخ الخلاص استمرّت مع كتّاب الأناجيل الذين حاولوا إسماع صوت المسيح بحسب السياقات التي عايشوها. فالعلاقة، إذًا، بين المسيح، كلمة الله الحيّ، والكتاب المقدّس، كلمة الله المكتوبة ليست علاقة تماهٍ، بل الكتاب المقدّس هو كلمة البشر التي صارت إلهيّةً بعد أن ارتضى الله أن يكشف من خلالها عن كلمة الله الحيّ.

The Holy Book tells the story of the history of Salvation, the story of God’s promise to Abraham, which came to be renewed in Christ. What we speak of here is not of text revealed – or inspired – inasmuch as we speak of human testimonies of the history of Salvation, propagated by the writers of the Gospels, who echoed the voice of Christ within the contextual nuances of their own lives. Hence, the relationship between the Spoken Word, Christ, and the Written Word, the Holy Scripture, is not one of similitude. Rather the Bible is the word of man rendered Divine by God’s regarding it worthy of revealing the essence of His Living Word.

مراتب وجود القرآن عند علماء المسلمين: دراسة في الحقيقة والمعنى واللفظ

تسالم المسلمون على أنّ الله متكلّم، وأنّ القرآن كلامه، في حين اختلفوا على وجود رتبة للقرآن قبل رتبة وجوده في اللوح المحفوظ. وفيما خلا الغلاة من الحنابلة والمحدّثين الذين ذهبوا إلى كون القرآن المتلوّ والمكتوب مخلوقًا، فإنّ المذاهب الفكريّة المختلفة تنازعت حول كون الكلام هو العلم، أي هو قديم قائم في الذات، أو هو صفة أزليّة قائمة في الذات لكنّها غير العلم وغير الإرادة، أي ما سمّي بالكلام النفسي، وهو ما ذهب إليه الأشاعرة ورفضته المعتزلة والإماميّة على أساس (1) اشتمال العلم للتصوّر والتصديق معًا، بما ينقص كلّ اختلاف بين الكلام النفسي والعلم، و(2) عدم قبول التمييز الأشعري بين الإرادة والطلب.

While it has been a matter of consensus, among Muslim scholars, that God is a Speaker (Mutakallim), and that the Qurʾān is His Words, they disagreed upon the existence of a rank thereof before its existence in the Guarded Tablet. With the exception of extreme Hanbalis who held that (even) the written, and recited, Qurʾān is created, different schools of thought disagreed upon whether Divine Speech is one and the same as Divine Knowledge – that is to say ancient and inherent in the Divine essence – or if Speech (here dubbed “al-Kalām an-Nafsī”) is an eternal attribute inherent in the Divine essence, albeit different from Knowledge and Will. This Ashʿarite adopted position was declined by Muʿtazilites and Imamites, for (1) Knowledge embraces both confirmation and concept, thus repelling any difference between al-Kalām an-Nafsī and knowledge, and (2) the refusal of the Asharite distinction between demand and will.

مفهوم “الوحي” في المسيحيّة

لم تتخلَّ المسيحيّة، مع ارتباك العلاقة بين الوحي والعقل في أواخر العصور الوسطى، عن القول بموضوعيّة الوحي، أو التأكيد على رفعة مكانته الإبستيميّة. أمّا وقد بدأت المنظومة المسيحيّة، بشقّيها الكاثوليكي والإنجيليّ، تنوء تحت ثقل تركة الحداثة، مع ما يعنيه ذلك من فرض المرجعيّة المعاياريّة العقليّة، وصعود الأداة التجريبيّة كمفصل معرفيّ، والتأكيد على تاريخانيّة الفهم البشري، فإنّ التحام اللاهوت المسيحي مع هذا النقد جاء بآثار إيجابيّة على فهم الوحي بعامّة؛ بل لقد استعادات القراءة المسيحيّة، إثر هذا التعاطي الإيجابي، مفهومها الجوهري للوحي بما هو كشف للذات الإلهيّة وعطاء لها بها.

The relationship between revelation and reason incurred some deep complications by the end of the medieval ages. Still, Christianity maintained an objective reality of revelation and granted it a prominent epistemic status. Christianity, then, fell under the heavy burden of modernity. But as the Christian system of thought, Catholic and Orthodox, engaged with the imperatives of modernity (the normativity of reason, the rise of empiricism, the assertion of the historicity of human understanding), this impact produced positive outcomes. The Christian approach to revelation even retrieved, as a result of this interaction [with modernity], its essential understanding of revelation as an uncovering of the Divine Essence, whereby this Essence is given [to us] through itself.

الوحي في التصوّر الإسلامي

لم يجافِ المعنى الاصطلاحي لمفردة الوحي في القرآن – وهو الكلام الإلهي مع الأنبياء – تلك المعاني الدلاليّة المتنوعّة التي تنطوي عليها المفردة، وهي: (1) الهداية التكوينيّة، و(2) الإلهام للخبر في حالات جزئيّة، و(3) الوسوسة. وهذا ما دعا إلى تعدّد فاعل الوحى بحسب السياقات القرآنيّة، وتنوّع الأدوار المنوطة بالوحي بحسب الفهم الإسلامي. بيد أنّ الوحي في الإسلام هو النصّ بعينه. ولمّا كان الوحي له تحيّزه النصّيّ وآثاره المختلفة (الجضاريّة والقيميّة والأخلاقيّة وما إلى ذلك)، فهو يطرح نفسه موضوعًا للعلوم المختلفة. إلّا أنّنا لن نستطيع قراءته في فاعليّاته إلّا متى ما تجاوزنا قسريّة المناهج، وقرأناه (الوحي) كما قدّم نفسه.

The terminological meaning of “revelation” in the Qurʾān (Divine speech delivered to prophets) encompasses, in effect, the diverse semantic connotations of the [Arabic] word, which are: (1) Divine guidance by virtue of creation; (2) Divine inspiration towards Good in given situations; and (3) instigation (waswasah). This, ultimately, admitted multiple agents of revelation within Qurʾānic contexts, and underscored the plurality of the roles revelation plays according to the Islamic understanding. Yet, in Islam, revelation remains one with scripture. As such, in terms of its scriptural existence, and its various influences (be they cultural, axiological, moral and so on), revelation lends itself to diverse fields of study. Indeed, to study revelation in its dynamics, one needs to go beyond the exclusivity of method, and tackle it as it presented itself, i.e. in the written text.

رؤية نصر حامد أبو زيد حول تاريخيّة القرآن

ترجمة حسين صفيّ الدين

يرى نصر حامد أبو زيد أنّ الجمود في القراءة الدينيّة للنصّ ينسحب على المجتمع، ويردّ هذا الجمود في القراءة إلى (1) الفصل بين النصّ وبين ظروفه التاريخيّة والموضوعيّة التي لا يرى له فكاكًا عنها، و(2) إلى إيلاء المحوريّة مقاصدَ المؤلّف دون القارئ، بالإضافة إلى (3) القول بوجود مِتافيزيقيّ للنصّ سابق على وجوده التاريخيّ. ويتوسّل أبو زيد بالتمييز بين “المعنى”، أو الدلالة الأصليّة الكامنة في قراءة النصّ في نسيجه الاجتماعيّ وتكوّنه الثقافيّ الأوّل، وبين “المغزى” الكامن في قراءة النصّ على ضوء الواقع الراهن، ليرفض القراءة الموضوعيّة للنصّ، وليجعله رهنًا لزمن القراءة، وتأويلات القارئ. هنا، يُشكل على أبو زيد تفكيكه بين “المعنى” وقصد المؤلّف، وتكريسه العلاقة بين النصّ واللغة والثقافة على أنّها علاقة مباشرة وصلبة، بالإضافة إلى معارضته صريح ما يتقدّم به القرآن نفسه.

Nasr Hamed Abu Zayd traces the stagnation he sees in the life of Muslim societies back to the stagnant mentality monopolizing all attempts at understanding scripture. He attributes this stagnancy to: (1) severing scripture from its objective, historical circumstances; (2) giving precedence to the [intentions of the] author, not the receiver; and (3) maintaining a metaphysical existence, of scripture, predating its historical existence. Abu Zayd, then, elaborates upon the distinction between the “meaning” of a text, or the original sense which lies in understanding it in accordance with its social and cultural contexts, and its “significance” which is contingent upon reading the text in light of current circumstances. He makes use of this distinction to deny objective interpretations that are not subject to the circumstances and contexts of its current reader. Objections to Abu Zayd include his dissociating of “meaning” and [the author’s] intention, his depicting of how scripture relates to language and culture as direct and irrevocable, and, at times, his explicit deviation from what is unequivocally stated by the Qurʾān itself.